ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
الأرخدياقون نعمة الله دنو ١٨٨٤-١٩٥١ الكاتب الكنسي الموصلي الكبير
وانا اكتب عن ( مطبعة أم الربيعين) في الموصل ، والمؤسسة منذ سنة 1934 ، أشرت الى قائمة بما طبعته هذه المطبعة الرائدة في الموصل . ومما طبعته بعض كتب الارخدياقون الاستاذ نعمة الله دنو 1884-1951 . وقد رجعت الى عدد من المصادر ، ومنها ما كتبه شيخنا واستاذنا الاستاذ الدكتور عمر الطالب واقصد (موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين ).كما عدت الى ما كتبه عنه قداسة العلامة البطريرك زكا الاول عيواص والذي اعيد نشره في موقع دائرة الدراسات السريانية الالكتروني والرابط هو :
https://dss-syriacpatriarchate.org
وما نقله الاستاذ ابلد ساكا في صفحته ورابطها التالي :
وما كتبه الاستاذ سامر سعيد الياس في مقالته بموقع عين كاوا . والارخدياقون نعمة الله دنو من رموز الموصل ، وكتابها الكنسيين المعروفين له تراث كنسي ثر .
نعمة الله دنو ، من اسرة دنو الاسرة الموصلية المسيحية العريقة وقد كتب عنها الاخ والصديق الاستاذ بهنام حبابة في كتابه الرائع عن (الاسر المسيحية في الموصل) . اتصلت بي حفيدته من ابنته الاخت الاستاذة مي عبد الجبار عزيز ، وكان والدها طبيبا موصليا معروفا متخصصا بجراحة الانف والاذن والحنجرة وعيادته في شارع نينوى رحمة الله عليه ، وقالت انها تجمع تراث جدها بهدف اصدار كتاب عنه ، فشددت على يدها وقلت لها انني سأكتب عنه مقالة أُعرف به الاجيال الحاضرة والقادمة لما قدمه من جهود في مجال تخصصه واهتمامه .
كتب عنه قداسة العلامة البطريرك زكا الاول عيواص مقالة جميلة متوفرة على النت وقد اشرت اليها اعلاه ، وقال انه التقاه عندما كان طالبا في معهد مار افرام الكهنوتي لأول مرة سنة 1949 وعمره يومئذ (16) سنة أثناء قداس احتفالي في كاتدرائية مار توما في الموصل. وكان قد سمع الكثير عن الأرخدياقون نعمة الله دنو ، وكيف انه كان يحتل المرتبة الأولى بعد المثلث الرحمة العلامة البطريرك أفرام الأول برصوم ، والمثلث الرحمة العلامة المطران يوحنا دولباني ، وكيف ان بعض الاساتذة كانوا يستشيرونه في مسائل لغوية سريانية ، وتاريخية ، ولاهوتية عويصة وقال انه وزملاؤه كانوا يقرأون له مقالات عديدة وكتباً جدلية شتى وقد درسوا مبادئ اللغة السريانية في سلسلة كتب القراءة التي ألفها بأسلوب شائق وطريقة تربوية ناجحة للصفوف الابتدائية وحتى الصفوف العالية، وزينها بالرسوم الجميلة وأكثر فيها من القصائد البديعة التي يسهل على الطالب حفظها عن ظهر قلب لعباراتها الموسيقية .. كما عرب الكلمات الصعبة ودونها في الهوامش، وهو في نثره وشعره يثير في القارئ والدارس روح الحماسة بمحبة الكنيسة والوطن والتغني بأمجادها والاقتداء بالآباء الميامين، لذلك أحبه تلامذته من خلال دراسة كتبه السريانية ومطالعة مقالاته العربية اللاهوتية والتاريخية والأدبية وخاصة الجدلية، وكان من خلال محاضراته يجعلهم يتحمسون معه للذود عن حياض الكنيسة والدفاع عن دورها المقدس . وهكذا كان نعمة الله دنو واحدا من الرواد القليلين للنهضة الروحية والاجتماعية والعلمية للكنيسة العراقية في القرن العشرين.
ولد نعمة اللـه دنو في الموصل سنة 1884 ، وكان أبوه عبد الكريم دنو شماساً ، ووكيلاً في كنيستي مار توما والطاهرة الخارجية، فنشأ محباً للكنيسة، شغوفاً بتحصيل العلوم الدينية والمدنية، فبعد أن درس في مدرسة مار توما مبادئ اللغتين السريانية والعربية ، والطقوس الدينية، انكب على المطالعة وثقف نفسه ثقافة رفيعة المستوى .. رسم شماساً قارئاً سنة 1896 وأفودياقوناً (دون الشماس) سنة 1913 وإنجيلياً وأرخدياقوناً سنة 1941 وكان قد تزوج ورزق أبناء وبنات ، فكان نعم الزوج ونعم الأب.
مارس مهنة التجارة في الموصل بلدته ، ونجح فيها واشتهر بين أقرانه باستقامته، وصدق كلامه، وتقواه. وكان في وقت فراغه في متجره أو داره ينكب على دراسة المخطوطات السريانية وغيرها من الكتب وكان يكتب المقالات والأبحاث القيمة فهو دؤوب على القراءة والكتابة وقد أولع بجمع الكتب المخطوطة منها والمطبوعة السريانية والعربية والأجنبية فأفاد منها كثيراً. وقد تكونت لديه مكتبة قيمة جداً في موضوعات شتى، ففيها التاريخية، واللاهوتية، واللغوية، والفلسفية والأدبية وغيرها، وغذى مكتبته بما اشتراه من مجلدات من اوروبا أثناء زيارتيه لها سنتي 1924 و1925 وبناء على وصيته أهدى ذووه مكتبته هذه ، إلى معهد مار أفرام الكهنوتي .
كان عفيف النفس، يتجنب الربح القبيح ، ولم يكن من ذوي اليسار ولم يكتنز الأموال الطائلة على الرغم من ذكائه في مهنة التجارة، ذلك أنه كان يقضي أوقاتاً طويلة في خدمة الكنيسة والملة مجاناً. فكان يعظ في الكنائس في الأعياد والمناسبات الاجتماعية، وكان واعظاً ناجحاً قولاً وعملاً، يعظ الناس بسيرته قبل وعظهم بكلامه.
كما كان عضواً في المجلس الملي في الموصل ثم في بغداد، وعضواً في لجنة مدرسة دير مار متى الكهنوتية من سنة 1929 وحتى سنة 1935، وكان يدرس السريانية لطلاب مدرسة مار توما من سنة 1909 وإلى سنة 1918 ويدرس مجانا ولوجه الله تعالى طلاب وطالبات المدارس المتوسطة والثانوية علوم الدين والسريانية حتى انتقاله إلى بغداد سنة 1942 . كما أنه كان في مقدمة مؤسسي ( جمعية الإحسان ) في الموصل سنة 1926 ولهذه الجمعية تاريخ حافل في مساعدة الفقراء والطلاب النبهاء الفقراء وساعدتهم على إكمال دراساتهم العليا.
نشر العديد من المقالات بالعربية والسريانية في مجلات عديدة منها (الحكمة) و(البطريركية) في القدس، و(النشرة السريانية) في حلب و( المشرق ) و( لسان المشرق) في الموصل وجريدة ( لسان الأمة) في بيروت فضلا عن الصحف المحلية ، وكان شاعرا ، وله قصائد سريانية تظهر فيها عبقريته ، وصدق شعوره وتمكنه من اللغة وقد لقب بالنابغة السرياني . وقد تناول في كتاباته موضوعات عديدة تاريخية ولاهوتية وطقسية وأدبية وغيرها وله خطب ورسائل، ويمتاز أدبه في العربية بجمال العبارة والوضوح وتتجلى في كتبه الجدلية خاصة مقدرته العلمية واللاهوتية والتاريخية، وغيرته الشديدة وتمسكه بالعقيدة الأرثوذكسية بعروة وثقى دون تعصب كما تظهر فيها أخلاقه العالية فهو يقارع الحجة بالحجة ويفحم الخصم بأسلوب مؤدب، وعبارات لطيفة .
أهم مؤلفاته:
1ـ الأصول الإيمانية ، 2ـ الترنيمات الروحية، 3ـ رتبة طقس القداس للشمامسة جزءان، 4ـ تعليم القراءة السريانية ثلاثة أجزاء ، 5ـ في أحكام اللغة السريانية، 6ـ كراسة شعانين الأطفال، 7ـ الردعة لدحض مزاعم رجعة القس اسحق أرملة، 8ـ التحفة في تفنيد اللمعة رداً على رسالة المطران يوحنا معمار باشي، 9ـ اقامة الدليل على استمرار الاسم الأصيل واستنكار النعت الدخيل، 10ـ حقائق تاريخية رداً على القس يوسف كوكي، 11ـ جلاء الاخفاق في تاريخ نصارى العراق. وله رسائل شخصية لها قيمتها الأدبية متوفرة لدى ذووه .
أصيب في أيامه الأخيرة بمرض عضال، وعولج في بغداد ولندن، ولكن دون جدوى، واحتمل صابراً صبر القديسين آلام المرض المبرحة، وأكمل الفرائض الدينية، ولما زاره الكاهن ـ المرحوم الأب أفرام الخوري ـ ليمنحه الزوادة الأخيرة، طلب إليه الأرخدياقون أن يرتل معه بالسريانية ما قاله مار يعقوب السروجي: " لقد مال النهار إلى المغيب، وأحاقت بي ظلال الموت فكن لي يا ربنا شمساً في المساء لأسير بنورك " ، وهكذا فاضت روحه الطاهرة إلى السماء في الساعة الثالثة وعشرين دقيقة من بعد ظهر نهار الجمعة المصادف الثامن عشر من شهر أيار سنة 1951 ونقل جثمانه الطاهر من بغداد إلى الموصل حيث ووري الثرى في فناء كاتدرائية مار توما .
كتبت حفيدته الاستاذة مي عبد الجبار عزيز تقول :" في الذكرى السبعينية لرحيل الأرخدياقون نعمة الله دنو السرياني تقول :" يصادف اليوم ذكرى مرور (70) عاماً على رحيل جدي المرحوم الأرخدياقون نعمة الله دنو الذي رقد على رجاء القيامة في الثامن عشر من شهر آيار سنة ١٩٥١ بعد أن كرس حياته الغنية بالعطاء المثمر في خدمة يسوع المسيح له كل المجد و كنيسته المقدسة، حيث أنه كان من أكثر الشخصيات تأثيراً في التاريخ السرياني ، و ما زال تأثيره مستمراً بعد مرور حقبة زمنية مدتها سبعة عقود على رحيله، ما زالت أعماله تدرّس و ترانيمه تُرنّم و أبحاثه أصبحت مراجعاً للباحثين من داخل الكنيسة و خارجها . واضافت :" في السنوات الأخيرة بدأتُ بجمع تراث جدي الأرخدياقون نعمة الله دنو ، و أدركتُ أكثر و أكثر مدى تأثيره ، و قرأتُ ، و سمعتُ تقدير مختلف الأشخاص من معاصريه و حتى الأجيال الحالية له و لما قدمه من أعمال قيمة، و ازداد فخري به و تقديري لشخصيته و احترامي لما قدمه للكنيسة السريانية الأرثوذكسية من وقت و جهد نابع من محبته لمخلصنا يسوع المسيح و خدمة تدل على قيادة الروح القدس ..كان شاعر الأبرار والقديسين " . وقد اشار احد الباحثين الى انه كتب بحثا درس فيه شعره السرياني ، ويمتاز شعره بالجزالة ، ورقة المعاني .. لقد كان – بحق - مدرسة بحد ذاته .. كان شاعراً ، واديباً وكاتبا ، ومدافعاً عن الايمان .
السريان اليوم يفخرون بالعلامة السرياني الارخدياقون نعمة الله دنو وتراتيله المُبهجة التي ولدت وانطلقت وصدحت بها الحناجر اولا من قلب كنيسة مار توما في الموصل ، واليوم تتردد في كل بقاع العالم في الكنائس والبيوت ... كلام راق ، والحان جميلة مفعمة بالأيمان .
رحمه الله وجزاه خيرا على ماقدم .
1396 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع