د.ضرغام الدباغ
لمحة من صورة الموقف
من المفاهيم المهمة التي أفرزتها القضية الأوكرانية، والتي ربما لم ينتبه لها الكثيرون، سهواً من القراء أو تعمداً من الكتاب من رجال الإعلام والصحافة.
أصنفها " القضية الأوكرانية "، لأنها لم ترتقي بعد للدرجة التي تريدها الولايات المتحدة، التي تؤهل تدخلها المباشر الذي ما برح يتطور ويتقدم من الدعم اللفظي، إلى درجة التدخل المباشر بقواته المسلحة وقوات حلفاءها، فالولايات المتحدة قد خططت لحرب طويلة الأمد ذات طابع لتدرج في الصراع بما لا يشكل مفاجئة في تطوره من حيث زج السلاح أو أتساع دائرة الصراع السياسي / العسكري، فقدرت 10 شهور لترسل صواريخ باتريوت (وهو أعلى ما وصلته تكنولوجيا السلاح المضاد للطائرات) وتزجها في الصراع العسكري، في اتساع لحجم التدمير والخسائر البشرية والاقتصادية، وهو أمر لابد وقد أدركته القيادة الروسية واستعدت له.
المخطط الأمريكي يهدف إلى إرهاق روسيا بحرب طويلة اعتماداً على موارد اقتصادية وقدرات لا تنضب(مبالغ بها) ، وهيمنة أمريكية على الاقتصاد الدولي(قطاع الطاقة في المقدمة) وتماسك حلف الناتو، والمعسكر الغربي بصفة عامة وهي توقعات متفائلة.
فيما يتوقع الروس أن الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي ما برح بالتراجع حتى قبل اندلاع القضية الأوكرانية، سيواصل تراجعه بخطى أسرع، وأن دعم حلفاء أمريكا من المعسكر الغربي (بدرجات متفاوتة) سيتراجع دعمهم وصولاً لدرجة شكلية من الدعم، كما الداخل الأمريكي سيضجر من معطيات الحرب وحجم تصاعده وتكاليفه، كما يتقلص الوضع الأوكراني نفسه، وتتراجع قدرات القوى الأوكرانية الساعية للقتال.
تعتقد الولايات المتحدة أن انتصارها في أوكرانيا سيوقف تدهور مكانتها، بل وربما سيصعد من أسهمها. ويعزز من هيمنتها العالمية، وروسيا تعتقد أن صياغة أسس دولة أوكرانية من تجمع نازي، وقوى أوكرانية متعصبة، وأخرى لا يمكن اعتبارها حتى ديمقراطية وفق الإيقاع الغربي، فهذه لا تهم الولايات المتحدة كثيراً فما يهمها هو صياغة أسس دولة معادية لروسيا بشراسة، والإتيان بحكومة مثيرة للمشاكل (troublemaker) والهدف هو إيقاف تقدم وتطور روسيا الاقتصادي والتكنولوجي بنتيجة نهائية أن لا تكون هناك دولة أو دول بوسعها أن تقف بوجه هيمنة الولايات المتحدة والحيلولة دون نهوض تحالف دولى تقوده الصين وروسيا.
القوى الكبرى قد حسمت أمرها وتنضوي في تحالفات بهذه الدرجة من القوة أو تلك، وأخرى تفكر بالأمر وهي غاطسة في مشاكلها السياسية والاقتصادية، وإذا كانت روسيا والصين تقف بالكاد وبشق الأنفس بوجه الولايات المتحدة، فماذا تفعل الدول الأقل قوة وبأساً والصغيرة ...؟
فهناك من قيادات الدول من يعتقد أن ليس سوى تحالفات وائتلافات تحمي وجود أي شعب وكياناته وممتلكاته من الطغيان الغربي، فالاجتياح وليس بضرورة توفر الغطاء القانوني الذي يمنح الشرعية الدولية لأي عمل هجومي على دول ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، وهناك سابقة غزو وتدمير العراق في عدوان واضح وصريح . هناك من الدول من هو سقف طموحاته واطئ، يخطط أن لا يقع في مواضع النزاع والصراعات، ولكن هناك دولاً تعتقد أن لها أسس لوجودها، وتريد صيانة حقوق ومصالح شعبها، ولكن أمام حقيقة أن الولايات المتحدة يمكنها اجتياح أي دولة حتى لمجرد تعكر مزاجها، وتهاجم دولاً صغيرة أو كبيرة، حتى لذرائع وهمية ويمكنها أن تجد آخرين وأن تظهر الاحتقار للقانون الدولي، وتستخدم هي بنفسها أسلحة محرمة دولياً ضد سكان مدنيين (كما فعلت في العراق)، فكيف ستحمي هذه الدول استقلالها ومصالحها ...!
دون أدنى ريب أن سياسة التوسع الأمريكية تتخذ أساليب خطرة باعتمادها المتزايد للقوة المسلحة، واستخدام متزايد لأسلحة خطيرة فتاكة، وأن هذه السياسة ستقود إلى تصعيد في التسليح، فماذا ستفعل بلدان صغيرة، ودون شك وبدون عناء كبير نتوصل إلى :
1. تصاعد التسلح بصفة عامة في العالم.
2. الجنوح إلى سياسة التحالفات العسكرية .
3. الميل إلى امتلاك أسلحة دمار شامل (نووي، بايولوجي، كيمياوي).
4. الميل إلى إنتاج أسلحة فعالة : صواريخ بالستية، طائرت مسرة ذاتياً (درونات).
قيادة أي دولة في العالم ستجتمع وتفكر فعليها الإجابة على سؤال مصيري : مالعمل للحفاظ على الاستقلال الوطني وضمان حماية المصالح الوطنية ؟
إما الاستسلام النزوات الأمريكية في كل شيئ ومجال صغيراً كان أم كبير، فقد حدث مرة أن أتصل رئيس جمهورية الولايات المتحدة برئيس جمهورية الفلبين وطلب منه رفع الحضر على سراويل الجنز في الفلبين ! وأن طلب الرئيس الأمريكي جون كندي، هاتفياً حاكم كندا، بناية معينة كمكتب لشرطة طيران بان أميركان في مدينة مونتريال !!!
مالعمل ... فالخيارات المطروحة حادة، وغير مستحسنة، ولكن بالمقابل أن تترك البلدان مصائر شعوبها للشهية الأمريكية فهذه قصة لا نهاية لها، ويلتهم الديناصور الأمريكي كل شيئ ولن يبقي سوى الفتات للشعوب، وحتى هذه الفتات سوف تلتهمها أقلية من أبناء البلاد ستكون بمثابة غيلان صغيرة تعمل كخدم للمصالح الأمريكية. وتدير المصالح الأمريكية سفارات هي أشبه بإدارة المستعمرات سوف يقررون حتى تعيين مخاتير القرى، أما الحكومات الوطنية فيأتون بأشخاص هم عبارة عن كركوزات ودمى لا تملك من أمرها شيئاً ولا تملك أي مستوى ....... هذا هو المطلوب وهذا لم يعد من الأسرار فهم يعلنون صراحة، أن العولمة (Globallisierung) كنظام دولي جديد لا يعني سوى أن العالم عبارة عن قرية صغيرة ونحن قادته ....!
إنها مرحلة ينبغي أن يتنطح لها قادة محنكون أكفاء ......واتحاد القوى العالمية بوجه الاستعمار بألوانه الجديدة .... واتحاد القوى الشعبية في البلدان وعدم السماح لقوى العولمة بالتغلغل في المجتمعات واتخاذها مسميات وشعارات مختلفة بعضها تنضح خزيا وعاراً مكشوفاً .... كالإبراهيمية والتجديد، واتخاذ براقع دينية وطائفية....
حذار ... حذار .... فالعولمة هي استعمار بأساليب جديدة وإمبريالية جديدة أهدافها أكثر عمقاً وبنهايات أتعس... حذار فقد تمكنوا بما يمتلكونه من قدرات مالية من شراء بعض النفوس الحقيرة وبعضها قيادات انهارت أمام إغراء المال والنفوذ فأرتضت أن تخون شعبها ... أيها الأحرار أتحدوا
1772 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع