ما اشبه اليوم بالبارحة

 المحامي المستشار محي الدين محمد يونس

ما اشبه اليوم بالبارحة

نشر الأستاذ القدير الدكتور سعد ناجي جواد في موقعي رأي اليوم في (15\1\2023) والگاردینیا في (20\1\2023) مقالاً بعنوان:

" ما اشبه اليوم بالبارحة.. عراق 1990 وإيران 2023.. لماذا تصر الولايات المتحدة على ارتكاب حماقة أخرى؟ ولماذا ترفض كل الأطراف اخذ العبرة من الدرس العراقي؟ وكنت قد فكرت في الكتابة عن نفس هذا الموضوع وربما كان تفكيري في الكتابة عنه يسبق استاذنا (سعد ناجي جواد) الا انه سبقني في النشر ورأيت من الصواب ان احذو حذوه وانشر مقالي واتبعه ببعض الملاحظات التي سنحت في ذهني عن مقاله لاسيما واختلافي معه في الرأي لا يفسد للود قضية.

ما اشبه اليوم بالبارحة - من بازوفت الى علي رضا اكبري

يذكرني قرار السلطات الإيرانية بإعدام المواطن الإيراني بريطاني الجنسية (علي رضا اكبري) بتهمة التجسس لصالح بريطانيا قبل أيام بما فعله الرئيس العراقي السابق (صدام حسين) حينما اقدم على اعدام المواطن الإيراني بريطاني الجنسية (فرزاد بازوفت) بنفس التهمة وهذا يجعلني ابحث في السمات المشتركة للقرارين ونتائجها و تداعياتها على النظامين العراقي والإيراني الأول الذي انتهى و سقط في عام (2003) نتيجة احتلاله من قِبل القوات الامريكية بمشاركة قوات التحالف والثاني الذي ينتظر دوره، بهذه المناسبة رأيت من الصواب ان أذكر القراء عن ما كتبته سابقاً في كتابي الذي صدر في عام (2019) وكان تحت عنوان (العراق بعد قرن دولة بين الواقع والطموح) حيث تطرقت فيه الى موضوع اعدام (بازوفت) ومزاجية الرئيس العراقي (صدام حسين)



صدام حسين
وحتى في اخطر الأمور وخلطه بين الممارسات التي كان يؤديها باعتباره الرجل الأول في الدولة وأصوله العشائرية، عندما قام بجولة تفقدية في احدى المناطق القريبة من العاصمة بغداد وهناك جلس على الأرض يقابله رجل طاعن في السن وبسيط والجماهير وأفراد من الحماية حولهما وهم يهتفون ويصفقون (بالروح بالدم نفديك يا صدام)، حيث وجه للرجل سؤالاً نصه
(( يحجون يگولون لازم اطلعونه الجاسوس بازوفت... شتگول انت... ويگولون اذا ما طلعونه... هيجي نسوي... وهيجي نسوي... الرجل ((هو اكو واحد يگدر یجربلك )) فما كان من الرئيس العراقي الا أن يدخل في نوبة ضحك من ضحكاته المعهودة ويأمر بإعدام (فرزاد بازوفت)
ويستهزأ من بريطانيا عندما يقول ((ماكو عدنا دولة كبرىٰ)) والاغرب من هذا الحديث ما قاله وزير الأعلام (لطيف نصيف جاسم)... (( أرادوا بازوفت حياً فأرسلنا لهم جثته )) لقد تصرف الرئيس العراقي (صدام حسين) بشكل يخلو من الحكمة تماماً وتعجل بإعدامه كما هي عادته وكان من الأفضل ان يحتفظ به كورقة ضغط على بريطانيا ولم تنفع المناشدات الكثيرة من الدول والمنظمات الإنسانية في العالم على الخصوص من بريطانيا في إيقاف تنفيذ حكم الإعدام بحق (بازوفت) ويتكرر نفس هذا السيناريو بالنسبة للمواطن الإيراني (علي اكبري) حينما نفذت السلطات الإيرانية حكم الإعدام بحقه رغم المناشدات الكثيرة في العدول عن ذلك بعد ثلاثة سنوات من اعتقاله والذي كان مقرباً من (علي شمخاني) أمين مجلس الامن القومي الإيراني بالإضافة الى كونه كان يشغل منصباً رفيعاً في الحكومة الإيرانية باعتباره كان نائباً لوزير الدفاع وقد نجم عن هذا التصرف من قِبل الحكومة الإيرانية ردود أفعال عديدة على الصعيد الداخلي والخارجي



فرزاد بازوفت

فقد تباينت الآراء واظهرت للعيان حجم الانقسامات والصراع داخل اجنحة النظام الإيراني وبرز هذا التصور من خلال ما صرحت به الصحف الأصولية المتشددة ومنها صحف (كيهان و وطن امروز) حيث اعتبرت الاعدامات خطوة في الاتجاه الصحيح لكونها ستكون رادعة لمن يحاول الخيانة او التجسس وفي المقابل تشهد البلاد موجه من التظاهرات والاحتجاجات في مختلف المدن تزامنا مع اغلاق المدارس ومحطات الوقود وانقطاع الغاز واغلاق الدوائر الحكومية والمراكز التعليمية وبات النظام الإيراني عاجزاً عن حل مشاكله مع المجتمع الدولي..



علي الخامنئي
الوضع يشهد حالة من التصعيد والتصعيد المقابل وكانت ردود الفعل من قِبل الدول تتسم بالتهديد والوعيد فهذه بريطانيا تقرر التراجع عن دعمها للاتفاق النووي وتفرض عقوبات على المدعي العام الإيراني وتستدعى سفيرها في طهران وتتوعد من ان اعدام (على اكبري) لن يمر دون عقاب مع توتر العلاقة بين الدولتين وفرنسا من جانبها تستدعي القائم بالأعمال الإيراني والرئيس الفرنسي (ماكرون) يصف اعدام (اكبري) بالعمل البغيض والبربري والولايات المتحدة تندد بالإعدام المروع وايران امام ادانات دولية وعزلة غربية والتصعيد قد لا يتوقف عند هذا الحد ربما تلجأ بعض الدول الى طرد سفراء ايران وكل الاحتمالات واردة،في خضم هذا الكم الهائل من التحضيرات في الجوانب السياسية والاقتصادية التي تمهد لأضعاف هذا البلد وشل بنيته وتحفيز شعبه ليكون العامل الأساسي متىٰ ما قررت الولايات المتحدة الامريكية والدول الأوروبية تغير النظام الإيراني كما حصل في العراق في سابقة مثار استغراب عندما اصطف الغالبية من الشعب العراقي مع القوات المحتلة لبلاده تحت واجهة التحرير من نظام (صدام حسين) الدكتاتوري الذي بأخطائه وسوء إدارته لأمور البلاد اضعف الوازع الوطني لدىٰ المواطنين وهذا ما يحصل بالضبط في ايران حيث أن (25) خمسة وعشرون مليون إيراني اصبحوا يعيشون تحت خط الفقر بالإضافة الى تدني الخدمات وبروز الازمات في مختلف المجالات الحياتية الضرورية للشعب الإيراني اود هنا أن اشير الى أنني لست في معرض قبول او رفض لما قامت به الولايات المتحدة وحلفائها



علي رضا اكبري

بالنسبة للعراق او ما تنوي القيام به بالنسبة لإيران، ولكنني هنا انوه للواقع والمخاطر الجمة يقابلها سوء الفهم والتخطيط غير الحكيم والعقلاني والتقييم الظاهري غير الحقيقي لمواقع القوة والضعف لدىٰ مسؤولي هذين النظامين وبهذه المناسبة ارىٰ من الضروري أن أشير الى ماورد في كتاب (سكوت ريتر) والمعنون استهداف ايران و حقيقة الخطط التي يعدها البيت الأبيض لتغير النظام والمعروف عن هذا الرجل كونه كبير مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة في العراق في الفترة الواقعة بين عامي (1991-1998) حيث كتب:

سكوت ريتر

((انا اعرف غالبية الجهات الفاعلة في هذه اللعبة، سوآءاً كانوا دبلوماسيين في أوروبا ام جواسيس في إسرائيل ام مفتشين في الولايات المتحدة لقد أمضيت ساعات في مناقشة قضية إيران وبرنامجها النووي مع هؤلاء الخبراء، وتوصلت الى خلاصة مفادها اننا في القضية الإيرانية، نرىٰ التاريخ يعيد نفسه وانا مذهول من أوجه الشبه بين الاساليب الجماعية التي سلكتها الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا وروسيا والأمم المتحدة بصعوبة نحو الدخول في حرب العراق بناء على مزاعم خاطئة وبين ما يرشح بشأن إيران اليوم)).

الدكتور سعد ناجي جواد

كل الدلائل تشير الى وجود طبخة على نار هادئة من قِبل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وحليفاتها من الدول الأوروبية وإسرائيل منذ فترة ليست بالقصيرة على شكل خطوات في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري ومدروسة بعناية لأضعاف السلطة الحالية في إيران وجعلها آيلة للسقوط ومن ثم إسقاطها وهم يعملون من اجل تحقيق هذا الهدف في الخفاء والعلن وبهدوء تام والجانب الأخر الإيراني يمهد بأخطائه ويخلق المبررات لاستساغة وقبول نتائج هذا الصراع على الصعيد الداخلي والخارجي. ومسك الختام بعض ملاحظاتي على ماورد في مقال الزميل الكاتب المبدع (الدكتور سعد ناجي جواد) وهي: -


1- العراق لم يخرج من الحرب بنصر واضح لكون الجهات التي خططت لهذه الحرب ودفعت النظامين اليها بهدف اضعافهما ووضعوا نهاية لها بعد حرب طويلة دون ان تكون أي منهما منتصرة في هذا النزاع الذي لم يكن مبرراً وكانت تداعياته الخسائر الهائلة في الأرواح ومن الجرحىٰ والمفقودين بالإضافة الى الخسائر المادية التي لا يمكن تقديرها لجسامتها وللدلالة على ذلك نعود الى تأكيد الدولتين بأنها كانت حرب مفروضة كان للدافع الشخصي والطائفي دور في اشعالها وكان البادئ بها الرئيس العراقي السابق صدام حسين عندما اصبح متيقناً من نوايا الجانب الإيراني غير الودية تجاه نظام حكمه واراد ان يستبق الاحداث قبل حدوثها وقبل ان يتهيأ النظام الإيراني لذلك.
2- الرئيس العراقي السابق (صدام حسين) وبالرغم من ادعائه بعدم امتلاك العراق للأسلحة النووية الا ان تصرفاته كانت توحي عكس ذلك عندما ظهر على الملأ وهو يرفع جهازاً صغيراً بيده يهدد به إسرائيل وبأنه سوف يحرق نصفها اسماه بالكيماوي المزدوج ان هي تجرأت في الاعتداء على سيادة العراق كما يجب ان لا يغرب عن بالنا الصعوبات والعوائق التي كان الرئيس العراق يضعها امام لجان التفتيش عند قيامها بالتفتيش دون مبرر وكان تصرفه هذا يسبب بقاء هذه اللجان في العراق واضفاء صفة الشرعية على وجودها جراء تعنته وعدم سماحه لها بالتفتيش بحرية، كانت هذه القرارات تتخذ منه مباشرة وشخصياً دون اشراك الغير من قيادات الحزب والدولة.
3- هناك اختلاف بين البرنامج النووي العراقي والإيراني فالأول دمر من قِبل الطائرات الإسرائيلية بينما البرنامج الإيراني قد قطع شوطاً لا بأس به في سبيل الحصول عليه ويجعل الدول التي تقف بالضد من هذا الطموح الإيراني وعلى الخصوص ((أمريكا وبريطانيا وإسرائيل)) تخطط من اجل إيقاف هذا الطموح وتجعله مبرراً إنهاكه وبالتالي القضاء عليه.
4- الاضطرابات والاحداث الداخلية الحالية مؤثرة ولا يجوز الاستهانة بها لاسيما وهي في تصاعد وبقاء الأوضاع الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية متردية وعلى حالها وغير قابلة للحل مع استمرار الولايات المتحدة والدول الأوروبية في التضييق على إيران وفرض حزم من العقوبات المتتالية عليها بالتدريج.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

609 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع