المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
الثورة تأكل رجالها -الصراع على السلطة بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر
النظام السياسي في مصر كان ملكياً واخر ملوكها هو الملك (فاروق فؤاد) من الاسرة العلوية ذات الأصول الألبانية، استمر حكمه لمصر مدة ستة عشر عاماً الى ان أطاح به تنظيم الضباط الاحرار في انقلاب (23 تموز 1952) حيث اجبر على التنازل عن العرش لابنه الصغير (احمد فؤاد) ومغادرة مصر والتي غادرها مساء يوم (26 تموز 1952) على ظهر اليخت الملكي المحروسة وادىٰ الضباط التحية العسكرية وأطلقت المدفعية احدىٰ وعشرون طلقة لتحية الملك عند وداعه بمشاركة اللواء (محمد نجيب) وأعضاء حركة الضباط الاحرار،
الملك فاروق
في (18 تموز 1953) تم عزل الملك (احمد فؤاد) والذي كان عمره ستة شهور وتم الغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري، الملك (فاروق) استقر في منفاه في إيطاليا لغاية وفاته في (18 اذار 1965) واعيد جثمانه الى مصر ودفن في المقبرة الملكية في مسجد الرفاعي في القاهرة.
جمعية الضباط الاحرار المصرية
تشكلت جمعية الضباط الاحرار المصرية في عام (1949) وكانت لجنتها التنفيذية تتألف من الضباط التالية أسمائهم: -
1- جمال عبد الناصر 2- كمال الدين حسين
3- خالد محي الدين 4- حسين إبراهيم
5- عبد المنعم رؤوف 6- جمال سالم
7- أنور السادات 8 - صلاح سالم
9- عبد الحكيم عامر 10- عبد اللطيف بغدادي
اللجنة التنفيذية لجمعية الضباط الاحرار
كانت رتب أعضاء اللجنة متدنية حيث كان اثنان من العشرة برتبة مقدم وستة برتبة رائد واثنان برتبة نقيب واما المجموع الكلي للضباط المنتمين لهذه الجمعية فهو مدار اختلاف فمصادر تذكر بان عددهم (89) عضواً ومصادر اخرىٰ تذكر بان عددهم (300) عضواً او عدة مئات او سبعمائة عضو وكانت أعمارهم تتراوح بين (28-32) عاماً، في تشرين الأول (1950) أصدرت الجمعية بيانها الأول والذي تضمن ذكر اهداف هذه الجمعية في الجوانب التالية، سوء احوال الجيش والعار الذي لحقه في فلسطين في حرب (1948) ، وافتقار البلاد للعدالة والنزاهة، بذخ الأرستقراطية وفقر الغالبية من الشعب المصري ولم يتطرق هذا البيان الى اية إشارة حول نية القيام بانقلاب عسكري او تغيير النظام السياسي في البلاد، تحركات هذه الجمعية ونشاطها لم تكن بمنأىٰ ومراقبة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والإتحاد السوفيتي وكانوا مع زوال هذا النظام في الوقت الذي كان باستطاعتهم منع ذلك، في المراحل المتقدمة من التخطيط لتنفيذ الانقلاب وازاحة الملك(فاروق) بدت الحاجة واضحة لدى قيادة الجمعية الى ضابط كبير لقيادتها لكي يصدروا باسمه بياناتهم واوامرهم بعد الاستيلاء على السلطة خوفا من فشلهم في حالة الإعلان عن انقلابهم برتبهم الصغيرة في جيش يعج بجنرالات والقادة الكبار فوقع اختيارهم على اللواء (محمد نجيب)
اللواء محمد نجيب
الذي توفرت فيه كل الخصائص التي ينشدها الانقلابيون كواجهة يخرجون به على الشعب المصري وهو المولود في عام (1899) في الخرطوم في السودان من ام سودانية واب نقيب مصري ، في عام (1948) كان برتبة عميد اثناء حرب فلسطين ورقيَ الى رتبة لواء عام (1950) عرف عنه الشجاعة والصدق والتواضع وقد لاحظ الانقلابيون فيه تذمره وسخطه على الحكومة المصرية من جراء سوء الإدارة وسوء التخطيط في الحرب التي دارت في فلسطين مع الجيش الإسرائيلي عام (1948) بالإضافة الى عدم رضاه عن استحقاقاته الوظيفية، كان يدعي بانه كان رئيساً لجمعية الضباط الاحرار في عام(1949) وبانه اجتمع بهم قبل الانقلاب في منزله بأيام لغرض تحديد يوم الانقلاب الا ان أحدا لم يؤيده في ادعائه هذا،
اعلان الجمهورية والغاء الملكية من جريدة الاهرام
بانضمام (محمد نجيب) لهذه الجمعية اصبح آمراً وواجهة لها يتسترون به وعلى اثر نجاح الانقلاب اتخذ قرار بإخراج كل من يحمل رتبة تفوق رتبة (محمد نجيب) من الجيش، الانقلابيون كانوا في بداية الامر يشعرون بالخوف والتوجس من ردود الأفعال في الأوساط الشعبية بالإضافة الى خوفهم من القنصل البريطاني الذي اُمن جانبه من قبل الامريكان، السلطة الجديدة حاولت التنسيق وإيجاد روابط مع مختلف الأحزاب والتيارات المختلفة في البلاد الا أن ذلك لم يستمر بعد ان استتب الامر لهم واصبحوا مسيطرين على مقاليد الأمور في مصر حيث راحوا يتعقبونهم بمختلف الوسائل، برز (جمال عبدالناصر) من بين ضباط اللجنة التنفيذية للضباط الاحرار بسبب تفوقه الفكري وبراعته في التكتيك السياسي اما (محمد نجيب) فقد استمد قوته من سمعته بين أوساط الجيش المصري و شعبيته الظاهرة للعيان عند الشعب المصري، اول خلاف نشب بين (محمد نجيب) و (جمال عبدالناصر) عند سنَّ اول دستور لمصر بعد الانقلاب والذي منح مجلس قيادة الثورة السلطة العليا والسيادة على الدولة وصيغ بشكل لإصلاحية لرئيس المجلس (محمد نجيب) بفرده كما ان المجلس لا يملك السلطة لوحده،
محمد نجيب وجمال عبد الناصر
كان (جمال عبد الناصر) يسيطر على مجلس قيادة الثورة في الواقع و(محمد نجيب) وصلت شعبيته الى الذروة ويعتبر نفسه قائد ومفجر الثورة ويعتبر الضباط الصغار الذين معه في المجلس مجموعة مغامرة استفادت من مكانته واسمه في الوصول الى السلطة وبعد ان ذاقوا طعم الحكم وسيطروا على مقاليد الأمور اعتبروا رئيس الجمهورية (محمد نجيب) شخصا طارئا على حركتهم ويريد الاستحواذ على كل شيء، اشتدت حدة الصراع على السلطة وبانت للعيان وكان كل من (محمد نجيب) و (جمال عبدالناصر) يرى نفسه الحاكم المطلق والمؤبد بديل الملك (فاروق) كانت الفترة الانتقالية للحكم المدني محدودة بثلاث سنوات الا ان (محمد نجيب) كان مع إطالة فترة انتقال السلطة من العسكريين الى المدنيين. في الأسبوع الأول من شهر اذار (1954) بلغ الصراع بين الرجلين ذروته حينها قرر (جمال عبد الناصر) بأن الوقت قد حان للامساك بزمام الأمور وانتزاعها من يد (محمد نجيب) وكان يؤيده في هذا الطرح جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة باستثناء الرائد (خالد محي الدين)
استخدم الطرفان سلاحهما حيث لجأ (محمد نجيب) الى الجماهير والى الخطب الرنانة والاحتكاك الشخصي مع رجل الشارع والتقرب من زعماء الأحزاب السياسية المنحلة من اليساريين والاخوان المسلمين وكان يعمل على كسب ودهم ويعدهم بالديمقراطية والحرية فعقدوا الامل عليه. أما الطرف الاخر أي مجلس قيادة الثورة فكان يعمل ويتخذ الخطوات للتقليل من تأثير وهيمنة خصمهم (محمد نجيب) عن طريق قطع علاقته بالجيش عندما قام (جمال عبدالناصر) بترقية الرائد (عبدالحكيم عامر) الى رتبة لواء ثم الى رتبة مشير ليصبح قائداً عاماً للجيش المصري وكان محل ثقة (جمال عبدالناصر) المطلقة والذي كان يعمل بكل جد ونشاط في سبيل الإمساك بكل فواصل العمل في كافة المجالات وانتزاع أدوات السلطة الفعلية من يد خصمه (محمد نجيب) الذي انصرف كما ذكرنا في الجولات واللقاءات الشعبية والقاء الخطب دون ان يدري ما يحاك له في الظلام من قبل الضباط الصغار الذين لم يكن يحسب لهم حساباً وكانوا يأملون في ان يدفع الغرور (محمد نجيب) الى ارتكاب الأخطاء وحماقات تؤدي به الى السقوط، في (26 تشرين الأول 1954) وبينما كان (جمال عبد الناصر) يلقي خطابا في ميدان المنشية بالإسكندرية أطلق أحد الأشخاص ثمانية اطلاقات باتجاه المنصة التي كان يخطب عليها ولم تصيبه بأذى واستمر في الخطابة رغم ذلك.
لحظة القبض على محمد نجيب
وجدها (جمال عبد الناصر) فرصة ذهبية لغرض تصفية اعدائه حيث لم تمضي الا عشرة ساعات تقريبا من فشل المحاولة وفي صباح يوم 27 تشرين الأول وجد عدد كبير من زعماء الاخوان المسلمين انفسهم في زنزانات السجون وعلى رأسهم مرشدهم العام (حسن الهضيبي) الذي كان قد اطلق سراحه قبل بضعة اشهر وبلغ عدد المعتقلين خلال أسابيع ثلاثة اكثر من الف شخص، حكمت محكمة الثورة على (حسن الهضيبي) وعلى (محمود عبداللطيف محمد) مطلق الرصاص واثنين اخرين بالإعدام، نفذ الحكم بالثلاثة و خفض حكم (حسن الهضيبي) الى الاشغال الشاقة المؤبدة وكانت هذه الحادثة فرصة مثالية لزج اسم (محمد نجيب) اثناء المحاكمة ليبدوا وكانه أداة طيعة بيد المتآمرين، في ( 14 تشرين الثاني 1954) تم اعفائه من منصب رئيس الجمهورية وحددت إقامته الاجبارية في منزله بأشراف من (عبدالحكيم عامر) من ثم تولى (جمال عبدالناصر) مهام رئاسة الجمهورية واستمر في الحجز الاجباري لغاية عام (1971) حيث ازيل الحجز عنه بقرار من الرئيس المصري (أنور السادات).
تشييع محمد نجيب
في (28 اب 1984) كانت وفاة (محمد نجيب) اول رئيس شهدته مصر بعد انتهاء عصر الملكية عقب ثورة الضباط الاحرار (1952) والذي جاء رحيله في مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة على اثر دخوله نوبة غيبوبة بسبب مضاعفات تليف الكبد وتم تشيعه على عربة مدفع في جنازة عسكرية خرجت من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر وتقدمها الرئيس المصري السابق (محمد حسني مبارك) وأعضاء من مجلس قيادة الثورة من الباقين على قيد الحياة وبذلك نكون قد انهينا الحديث عن هذا الصراع الذي دار بين قطبي الثورة المصرية (محمد نجيب) و(جمال عبدالناصر) الذي كان قد رحل عن هذه الدنيا في (28 أيلول 1970).
4787 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع