خالد القشطيني
غزا الفرس العراق واحتلوا بغداد وعملوا فيها شتى الشنائع في القرن السابع عشر. وصلت أخبارها إلى إسطنبول فسار السلطان بجيش كبير لاستعادتها سنة 1639. راحت جدتي رحمها الله تروي لي صفحة من هذا التاريخ وأنا بجانبها أرتجف وأختض بالملاريا وأتقوقع على نار المنقلة الخافتة.
يا وليدي يا ابني فاتوا العجم على مسجد الإمام أبو حنيفة ومسجد الشيخ عبد القادر الكيلاني وحولوهما إلى إسطبلات يربطون فيها خيولهم وبغالهم. وراح الجنود يغتصبون البنات ويقتلون أهاليهم وينهبون الخبز من الخبازات. سمع السلطان مراد بالذي حصل فجمع جيشه وركب حصانه على رأس الجيش وما نزل من الحصان إلى أن وصل إلى بغداد. واشتدت الحرب بينه وبين العجم. يضربهم ويضربونه. بعدين توجه إلى الباري عز وجل يطلب العون. وهبه الله هذا المدفع الجبار الذي سميناه طوب أبو خزامة بسبب خزق في وجهه. حمله جبرائيل عليه السلام على كتفه ونزل به من السماء إلى بغداد. ولما مر ببحر القدرة بين السماء والأرض، لصقت به بعض الأسماك التي نراها اليوم على ظهره، تسع بالعدد.
نزل هذا المدفع لساحة الحرب فورا وراح يطلق قنابله على الفرس، كل واحدة بكبر البعير. ولما خلصت القنابل أخذ يحفر التراب من الأرض ومن نهر دجلة ويعمل منها قنابل ويضرب العدو. في الأخير انهزم العجم وخلص العراق منهم ومن شرهم.
وتوسل الناس بالسلطان أن يترك هذا الطوب ليتباركوا به. فتركه لنا. وضعوه في باب المعظم وسميت المنطقة باسمه، محلة الطوب.
وراحت كل أم تلد طفلا ذكرا تأخذ الولد في اليوم السابع للطوب، تدور به حوله سبع مرات ثم تضع رأسه في فوهة الطوب ثلاث مرات ليكون الطفل عندما يكبر قويا وشجاعا لا يخاف الموت. هكذا يا ابني كانوا رجال العراق. لكن بعدين الحكومة الوطنية نقلت المدفع إلى المتحف العسكري في باب الوسطاني، ووضعته مع بقية المدافع، إنجليزية وفرنسية ومسقوفية، مدافع كفار، فراحت هيبته وكراماته.
ما عادت النسوان يأخذن أولادهن ليباركنهم به. ولهذا السبب يا وليدي خالد رجالنا ما بقيت عندهم شهامة ولا كرامة. كل ما يعرفون هالأيام هو كيف يسرقون فلوس النفط وينهبون الخزينة وينهزمون بعدين مثل الجريدية.
«ها نمت؟»، قالت جدتي وقد أغمضت عيني وتملكني النوم، يائسا من هذا التاريخ. لفلفتني باللحاف القطني المزركش بالورد، حتى استفقت صباحا على صوتها تناديني لأخرج معها وأتفرج على الانتخابات الجديدة. فقد ثار الناس على الانتخابات السابقة واتهموها بالتزوير. فتقرر إجراء انتخابات عامة أخرى.
استأجرت جدتي عربانة ربل يجرها حصانان لتأخذها إلى مركز الاقتراع. وفي الطريق سمعتها تسأل العربانجي لمن تعطي صوتها، قال: يا حاجة، أعطيه لهذا السيد الذي لابس عمامة. يعرف يقرا ويكتب.
874 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع