سرور ميرزا محمود
"حرب المياه واقعة، اختفاء دجلة والفرات هبة العراق وحياته أصبح حقيقة!!"
كانت المياه في مسيرة الإنسانية عاملاً مهماً في انشاء التجمعات البشرية والحيوانية، لما يشكله الماء من حالة استقطاب للأفراد وللجماعات، وهي التي مهدت لإقامة المجتمع وإرساء أسسه وإيجاد اللبنة الأولى لقيامه من خلال إقامة التجمعات السكانية بالقرب من الموارد المائية الطبيعية، فالماء سر الحياة وهو سر التكوين وبداية الخليقة، وهي اصل الحضارة، واعتبرت الأنهار مواقع جذبٍ للحضارات، ومهد النمو والازدهار، ولم تتوقف حاجة الإنسان للمياه عند حدود الاستخدام الشخصي بما يمثله من حجر الزاوية مع الهواء في بقاء الحياة ولا عند أهمية الاستقطاب والتجمع، كما حافظت على خصوبة التربة المهمة للمحاصيل الزراعية، وقد استخدم البشر الأنهار للتنقل، وكانوا يمارسون الصيد على ضفافها؛ بما في ذلك صيد الأسماك والحيوانات التي تأتي لري ظمأها، واقترنت حياتها ونموها باستمرار توافره، بل تعدته لتشمل كل مجالات الحياة في النقل والزراعة والصناعة وتربية الحيوانات وغيرها، وجميع الحضارات القديمة قدَّست المياه وحملَ كل نهرٍ عظيم أسطورة “إله ” مثل نهر الغانج في الهند، النيل في مصر، دجلة والفرات في بلاد ما بين النهرين وغيرهم، فضفاف الفرات قبل هذا التاريخ حيث ان الأساطير تذكر لنا ان أول موطئ قدم للإنسان في التاريخ كان في هذه البقعة من العالم.
وقبل أن يحل الألف الرابع قبل الميلاد، كانت القرى المنتشرة على ضفاف النهر قد أصبحت مدناً وممالك، يعتبر نهر الفرات الذي يمر في هذه المنطقة من أهم الأنهار في العالم نظراً لأهميته التاريخية حيث نشأت على ضفافه أول حضارة، إن نهر الفرات أحد انهر الفردوس الأربعة التي وردت في سفر التكوين حيث انه يحمل مع توأمه نهر دجلة مياه الحياة، فهما شريان الحياة للنبات والحيوان والإنسان والزراعة، وقد شكلا أصل الحضارات التي ازدهرت في أرض ما بين النهرين، وامتد دورهما منذ القدم وحتى الآن.
ابتكرت الكتابة المسمارية أساس التدوين، وابتدأت النظم الإدارية، وطورت علوم الطب والفلك والرياضيات، ووضعت التشريعات القانونية، وتطورت الزراعة، وازدهرت فيها كل أشكال الفنون، حتى أصبحت عبارة "بلاد ما بين النهرين" مرادفاً لعبارة "نشوء الحضارات"، أي سومر وأكاد وبابل وأشور وكلدان، وأصبحت مدن بلاد ما بين النهرين ولايات مدنية ذاتية الإدارة، كانت إحدى مدن هذه الحضارة، تعتبر أور أول مجتمع متعلّم في التاريخ.
عنت الحضارة السومرية بالزراعة وتربية الماشية، وإقامة السدود لدرء مخاطر فيضانات دجلة والفرات، أشارت الكتابات المسمارية القديمة إلى تلك الجهود الكبيرة التي بذلها العراقيون القدماء في إقامة السدود وكذلك شق القنوات والأنهر وذلك لدرء خطر الفيضانات وزراعة اكبر قدر من المساحات الممكنة من الأرض حتى غدت هذه الأرض من أغنى دول المنطقة زراعياً، وبذلك ولد قانون ينظم استخدام المياه في هذه البقعة من العالم، وبنت نظاما محكما لشبكة واسعة من قنوات الري، ووضعت تقويما قمريا خاصا بها ونظاما حسابيا لمعرفة تواريخ البذار ومواعيد الحصاد.
ولم يكن السومريون محظوظين طوال الوقت، فقد كانت الطبيعة تعارضهم على الدوام لتفيض الأنهار مع موسم الأمطار وذوبان الثلوج في الأناضول، حيث منابع نهري دجلة والفرات – ليدمّر الطوفان المرعب المحاصيل قبيل الحصاد، ويأتي بعد ذلك موسم جفاف قاسٍ قد يدمر محاصيلهم الصيفية، ولكنهم كشعب مبدع لم يستسلموا للأمر الواقع، لأن الاستسلام مناف لقيام أي حضارة، فقاموا بحفر قنوات من الأنهار تصل المياه إلى حقولهم ومن ثم حفر قنواتٍ أصغر لتغطي كامل الحقل، ووضعوا بوابات من الخشب في الغالب للتحكم في كمية المياه المتدفقة للحقول؛ وقد مكنتهم تلك القنوات من الاحتفاظ بفائض من المياه لمواجهة مواسم الجفاف، وبذلك تمكنوا من الحصول على فائض إنتاج وفر لهم حياة أكثر رفاهية جعلتهم موضع أطماع شعوب الصحاري والهضاب الجافة على الدوام.
بعد إدراك سكان ما بين النهرين القدماء قيمة نهري دجلة والفرات، قاموا بتقديره وتقديسه فقاموا بتقديس الفيضان الخاص به، توصل علماء الميثولوجيا بعد دراسة الوثائق الأدبية والنصوص السومرية فيما يخص التكوين إلى أن السومريون اعتقدوا أن البحر هو الأم التي ولدت السماء والأرض، دليلا على أن المياه المصدر الأول للوجود وهو مصدر الحياة ومنبع الخير والبركة.
أثبتت الاكتشافات الإثارية ان المياه في المدن السومرية القديمة كانت تُرفع في علو 10 أمتار عن مستوى النهر، وبلاد ما بين النهرين كانت مزدحمة بقنوات الوصل بين دجلة والفرات لتسهيل عمليات ري يابسة الرافدين، فالملكة سميراميس ملكة بابل الأسطورية قد حولت سير نهر الفرات ليصب في وسط بابل وشيّدت نفقاً يربط ضفتي المدينة وقصريها المشيدين كلً على ضفة، كي تتمكن من التنقل تحت النهر دون أن يراها أحد، هذا وبالإضافة الى جنائنها المعلقة العجيبة التي كانت تُروى من خزان هائل الحجم مبني من القرميد والإسفلت وعلى امتداد 300 مدرجاً (مساحة 53 كلم) من الجوانب وفي عمق 10 أمتار، وقد كان البابليون يعتقدون ان للفرات إلهاً وحينما يغضب على رعيته يعاقبهم بالطوفان وكانت هذه الرعية تنذر إليه وتتضرع له لئلا يغضب عليها وقد عثر على رقيم بابلي فيه خطاب موجه إلى نهر الفرات ومما جاء فيه:
(أيها النهر يا خالق كل شيء، حينما حفرتك الآلهة العظام قد أقاموا أشياء طيبة على شطآنك وانعموا عليك بفيض من المياه لا نظير له والنار والغضب والجلال والرهبة، أنت الذي تقضي في قضايا الناس)، وجدت رموز وصور مختلفة على الأختام والألواح الحجرية وواجهات المعابد وقد اتخذت شعاراً لوادي الرافدين، وكان الإناء الفوار الذي ينبع منه مجريان رئيسان لدجلة والفرات هو شعار الساميون سنة 2000 سنة قبل الميلاد.
إن أسطورة سميراميس ومدينة بابل مثال على دور المياه في تاريخ الشعوب فمثلما استغلت في الري والحياة وازدهار المدن والأمم كذلك استخدمت كأداة شر وحيلة في الاحتلالات والحروب عبر التاريخ القديم والمعاصر.
جغرافياً، ينبع نهر دجلة من بحيرة هزار الموجودة في جبال طوروس، والتي تقع في الشرق من تركيا، وتبعد البحيرة حوالي (80 كم) عن منابع الفرات، يجري النهر حوالي 400 كم) ضمن تركيا، ثم يمر خلال الحدود التركية السورية العراقية بطول يصل إلى حوالي (50 كم ويتفرع بعدها إلى عدة مسارات إلى أن يتَّحد مع نهر الفرات ويكوِّنا شط العرب ويُذكر بأن طول النهر يصل الى 1850 ، وتصب خمسة روافد فيه بعد دخوله الأراضي العراقية وهي الخابور والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم وديالى. وهذه الروافد تجلب إلى النهر ثلثي مياهه، أما الثلث الآخر، فيأتي من تركيا، معظمها في الأراضي العراق.، أما الفرات الذي ينبع من جبال طوروس نفسها، فهو ثاني أكبر نهر عربي بعد النيل، ويبلغ طول نهر الفرات من منبعه في تركيا حتى مصبه في شط العرب في العراق حوالي 2940 كم منها 1176 كم في تركيا و610 كم في سوريا و1160 كم في العراق، ويتراوح عرضه بين 200 إلى أكثر من 2000 متر عند المصب.، وتدفقه 356 مكعباً في الثانية، وبعد أن يجري الفرات في شمال شرقي سوريا يدخل العراق، حيث يلتقي بدجلة بالقرب من مدينة القرنة ليشكلا شط العرب الذي يجري لمسافة 120 كيلومتراً قبل أن يصب في الخليج العربي.
ازدهرت في أرض ما بين النهرين بالحياة وتمتعت بوفرة في مياهها وملائمة مناخها وسهولة أراضيها وخصوبتها وكثرة ما بها من أشجار وزرع، مما ادى إلى تسميتها بأرض السواد.
وفي العصر العباسي لم يكن نظام ري الفرات يكفي لري أراضي السواد او يساعد على خصبها، لذا عمل الخليفة أبو جعفر المنصور على تنظيم وسائل الارواء بشق كثير من الجداول والترع باستخدام الكهاريز التي ابتدعها البابليين والاشوريين، والكهريز هو مجرى على شكل نفق تحت الأرض لسحب المياه من الأنهار والعيون والابار التي تنبع منها واسالتها الى المدن و الأراضي الزراعية سيحاً حسب تعريف مهندس الري احمد سوسة، كما تم الاحتفاظ بماء دجلة لإرواء الأراضي الواقعة على شاطئه، كذلك مد المنصور قناة التي تأخذ ماءه من الفرات وصولاً الى مدينة بغداد المدورة في عقود محكمة بالصاروج والاجر فكان ماء كل قناة يدخل المدينة وينفذ في الشوارع والدروب والاراضي ولا ينقطع صيفا ولا شتاء ومن رواية اليعقوبي هذه نتوصل الى انها كهاريز، وهذا ومد المنصور قناة من نهر دجيل الاخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الاخذ من نهر الفرات وجرهما الى مدينته في عقود وثيقة ، من أسفلها محكمة بالصاروج والاجر من اعلاها، فكانت كل قناة منها تدخل المدينة وتنفذ في الشوارع والدروب والاربأض، تجري صيفاً وشتاءً لا ينقطع ماؤها في شيء من الأوقات، وبهذا جرى تنظيم توزيع المياه والسقي، فقد وجه خلفاء العصر العباسي وولاتهم عنايتهم الى تشجيع الزراعة، فنشطوا في حفر الترع والمصارف وإقامة الجسور والقناطر، وكانت الأراضي الواقعة بين نهري دجلة والفرات من اخصب بقاع الدولة العباسية، وكانت الدولة تشرف على ادارتها اشرافاً مباشراً، وتعمل على تحسين زراعتها وتنمية مواردها، وامتدت في هذه الأراضي شبكة من الترع والمصارف، حتى أصبحت قوية الخصب، تكثر بها المزارع والبساتين، وفي عهد هارون الرشيد جرى حفر احد نهر القاطول، واستخرج نهراً دعاه أبا الجند، وأمر بإجراء القمح على الحرمين، وبنى البياضات والرباطات. ومن مظاهر اهتمام العباسيين بالزراعة كثرة الضياع، فكانت الضياع الخاصة، والضياع العباسية، والضياع الفراتية، والضياع المستحدثة، وقد اعتمد خلفاء بني العباس في الزراعة وفلاحة البساتين على دراسة عملية، بفضل انتشار المدارس الزراعية، فتوسعوا في البحثين النظري والتطبيقي ودرسوا أنواع النباتات وصلاحية التربة لزراعتها، أبدع العرب في هذا العصر في إنشاء القصور والحدائق الغنّاء، والاعتناء بها وسقايتها، وزرعها بأنواع شتى من الورود والرياحين، وتنسيقها فنياً وهندسياً.
عند سقوط الدولة العباسية على يد (هولاكو) في عام 1258 والذي دمر بغداد وخرب السدود وشبكات الري تراجعت الزراعة بشكل كبير ورافق كل ذلك المجاعة والموت والأمراض التي حصدت أعداداً كبيرة من سكان العراق في حين أسهم تخريب السدود في حدوث الفيضانات.
بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1921، عكف العراق على اعتماد نظم ادارية ووسائل حديثة للري كان مكونها الأساس محطات الضخ ومنشآت السيطرة والسدود وشبكة من قنوات الري يقابلها شبكة من قنوات البزل تتكثف في المناطق الجنوبية للسيطرة على مناسيب المياه الجوفية، وقامت دوائر الري العراقية، برسم خطط استراتيجية شاملة لتطوير استغلال التربة والمياه في العراق، ومع تزايد مخاطر حصول شحة في المياه، فقد كان من أولويات هذه الإستراتيجيات هو رسم مسار طريق لمجابهة هذه الشحة، ولهذا الغرض اعتمد على الخطط التي قدمتها شركة أمريكية عام 1952 وهي شركة "تبت ابيت مكارثي" وقدمت خطتها المتكاملة عام 1958، وفي منتصف السبعينات بدأ التحدي المائي عندما عنما أقدمت تركيا وسوريا بأنشاء سدين على نهر الفرات بعد ان اكمال سد الكيان التركي بسعة تخزينية تلغ 30 مليار مكعب وسد الطبقة السوري وبسعة تخزينية تبلغ 12 مليار متر مكعب وحينها اقترب نهر الفرات على الجفاف، في ضوء ما حصل لنهر الفرات ونتيجة لعوامل أخرى نهضوية، اتخذت السلطات العراقية عدة قرارات وإجراءات: سياسية، وفنية واقتصادية، تمثَّل في إنجاز مشاريع البنى التحتية في القطاعات الاقتصادية المتنوعة، وبالخصوص في القطاع المائي، تلى ذلك أهم تلك الإستراتيجيات وأوسعها من حيث حجم ومستوى البيانات وتحليلها وهي الخطة العامة لإدارة الموارد المائية في العراق عام 1982والمقدمة من شركة سلخوزبروم أكسبورت الروسية، وهي خطة عشرينية من عام 1981-2000 .
ويمكن اجمال ما انجزه العراق من سدود وخزانات منذ تأسيس الدولة وحتى يوم التاسع من نيسان الاسود عام 2003 ، مجموعة من السدود تستمد مياهها من نهري دجلة والفرات، أهمها سد الموصل بطاقة 11 مليار متر مكعب وسد حديثة بطاقة ثمانية مليار متر مكعب وسد دوكان بطاقة ستة مليار متر مكعب وسد دربن دخان بطاقة 3.8 مليار متر مكعب وسد دهوك 52 مليون متر مكعب وسد حمرين ملياري متر مكعب وسد العظيم 1.5 مليار متر مكعب، اضافة الى السدود الكبيرة المذكورة آنفا يوجد عدد من السدود الصغيرة المنفذة بطاقات متفاوتة وعدد آخر تحت التنفيذ في ا شمال العراق وفي المنطقة الشرقية ومنطقة الصحراء الغربية.
كما انجز العديد من السداد على نهري دجله والفرات وروافدهما:
سد دبس : على نهر الزاب الصغير لتنظيم مياه الزاب ورفع منسوب المياه لتأمينها الى مشروع ري كركوك، سد ديالى: على نهر ديالى لتأمين المياه في مشاريع اسفل ديالى، سدة سامراء: على نهر دجله يتفرع من مقدمتها ناظم الثرثار وناظم مشروع ري الاسحاقي، سدة الكوت: على نهر دجله يتفرع من مقدمتها شط الغراف وناظم ري الدجيله، سدة العمارة: على نهر دجله تتفرع من مقدمتها نواظم البتيره والعريض والمشرح والكحلاء، سدة الرمادي ، سدة الفلوجه، سدة الهندية، سدة الكوفة، سدة العباسية.
بلغ مجموع النواظم في المشاريع الإروائية في العراق (2351) ناظماً موزعة بين المحافظات كافة ومن مختلف الانواع ( رئيسية وفرعية وقاطعة وذيلية) أضافة الى وجود (49) ناظماً كبيراً متفرعة من الانهر دجلة والفرات وروافدهما وفروعهما كناظم الثرثار في سامراء وناظم الورار ضمن مشروع الحبانية ونواظم أخرى تأخذ مياهها من عدد من السداد، كسدة سامراء وسد ديالى على نهر ديالى وسدة الكوت وسدة العمارة على نهر دجلة وسدة الرمادي والفلوجة والهندية على نهر الفرات.
كان نظام المياه والصرف الصحي متطوراً في المناطق الجنوبية والوسطى، حيث كان يوجد ما يزيد على 200 محطة لمعالجة المياه لخدمة المناطق الريفية، بالإضافة إلى شبكة توزيع متطورة. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن 90% من السكان كانت تصلهم مياه الشرب الصالحة بكميات وفيرة. وكان يوجد آنذاك وسائل آلية لجمع وتنقية الصرف الصحي.
بعد غزو الكويت عام 1990، تعرض العراق خلال مدة الحرب البالغة 40 يوما للقصف بأكثر من مائة ألف طن من المتفجرات، بما في ذلك مئات الأطنان من ذخائر اليورانيوم المنضّب، كما دمر القصف الجوي مرافق البنية التحتية العراقية مثل المدارس والمعاهد والجامعات، ومراكز الاتصالات والبث الإذاعي والتلفزيوني، ومنشآت تكرير وتوزيع النفط والموانئ، والجسور والسكك الحديدية، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتصفية المياه، وبلغ عدد المنشآت الحكومية التي دمرت تدميرا كاملا 8230 منشأة، والمنشآت التي تضررت ضررا جزئيا أكثر من 2000، لكن أشد آثار الحرب تدميرا للعراق تجلت في مضاعفات الحصار الذي فُرض عليه بمجموعة من قرارات أصدرها مجلس الأمن الدولي (خاصة القرارات 661 و665 و670، 678، 687)، وحولت نظام العقوبات إلى حصار شامل وقاسٍ دام أكثر من 12 عاما، والذي يعد عملية إبادة جماعية منظمة غير مسبوقة.
قام العراقيون بحملة اعادة اعمار سريعة وخيالية بما يتوفر لديهم من مواد احتياطية وبخبرات عراقية خالصة، واستطاعوا خلال زمن قياسي إعادة تأهيل 25٪ من قدرات التوليد المدمرة والتي وصلت إلى 3000 ميجاوات خلال الأشهر الستة الأولى بعد ايقاف اطلاق النار في الأول من اذار، قد بلغت 4500 ميجاواط عام 2003 مع بقاء امدادات الطاقة غير كافية مقابل الطلب وكانت عمليات القطع المبرمج مستمرة ومتكررة، وكان للحصار الجائر الذي فرضته الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا على الشعب العراقي وآثاره السلبية لأكثر من 12 عاما عاش العراق خلالها حظرا على العديد من مناحي الحياة، ومنها التدهور الكبير في البنية التحتية، ومن نتائجه السلبية الخطيرة اعاقة خطط التنمية الموضوعة في العراق، ومنها خطط تطوير الموارد المائية .. وبسببه منع العراق من استيراد المواد اللازمة لمعالجة المياه، وتصفيتها، ومكافحة الامراض التي تنجم عن صعوبة تأمين مياه الشرب، طبقا للمواصفات الصحية المطلوبة، ومع كثير من المعالجات اللازمة استطاعت الدولة النهوض بالقطاع الزراعي ونجحت في توفير الغذاء وتوفير الامن الغذائي، واستطاعت اصلاح أنظمة تزويد مياه الشرب والتخلص من النفايات بصورة مقبولة، ولكن رغم الظروف الخانقة انصبّ جهد السلطات بالتفكير الجدي في استخدام تقنيات الري الحديثة على اعتماد مشروع ريّ هدفه زيادة إنتاجية الحبوب والمساحة المزروعة، وبما لا يؤثر على الحصة المائية المقررة سنويا للزراعة، وهو ما توفره تقنيات الري مستثمرة تطبيق النفط مقابل الغذاء عام 1996 من خلال استيراد التقنيات الحديثة ومنها أجهزة الرش.
بوشر عام 1992 بتحقيق مشروع النهر الثالث بالخرسانة المسلحة بين النهرين، من بغداد وحتى خور عبد الله على الخليج العربي، بطول قدره سبعمائة كيلومتر، يعلوه ويتخلله خمسة وثمانون جسرا، يصب في الخليج العربي عبر قناة ضخمة حفرت تحت نهر الفرات قرب القرنة ملتقى النهرين الممتد من شمال بغداد ، يعمل النهر على تحسين الأراضي الزراعية، التي تقدر مساحتها بحوالي (9) ملايين دونم، بعد تخليصها من الأملاح لزيادة الإنتاج، إذ ينقل الأملاح من وسط وجنوب العراق إلى مياه الخليج العربي عبر شط البصرة، بحدود (80) مليون طن سنوياً، كما يساعد النهر على التقليل من نسبة التلوث في نهري دجلة والغرات وشط العرب وذلك بتحويل مصبات شبكات البزل وجعلها تصب فيه بدلاً من دجلة والفرات، إضافة إلى انخفاض نسبة الملوحة في هذين النهرين بعد تحويل مصبات المبازل الرئيسة عنهما، كما بوشر ايضاُ بوشر بتنفيذ مشروع ماء البدعة، بالخبرة والأيادي العراقية، لتامين المياه العذبة للبصرة من موقع (البدعة) في محافظة ذي قار، لتأمين مياه الشرب لـ 2.500.000 مواطن في محافظتي البصرة وذي قار، وفي الحفاظ على البيئة من مخاطر التلوث وانتشاره نتيجة استخدام قذائف اليورانيوم المنضب والاسلحة الاخرى، فقد اقدمت الجهات ذات العلاقة بدراسة كافة المعطيات وطوقت اماكن التلوث، ووضعت الحلول لها رغم الامكانية المتوفرة حين ذاك.
لذا فلم يكن من المستغرب أن يستقيل “دينيس هاليداي”، وهو مشرف سابق علي برنامج النفط مقابل الغذاء في بغداد، عندما رأى آلاف الأطفال العراقيين يموتون كل شهر بسبب العقوبات. وفي تبريره لاستقالته قال هاليداي “إننا بسبيل تدمير مجتمع بأكمله، وهذا عمل لا أخلاقي وغير مشروع، قرارات العقوبات هي بمثابة إعلان الحرب، فنتائجها أكثر ضراوة من نتائج أي حرب، فمنذ عام 90 و91 قتل على الأرجح نحو مليون مواطن عراقي كنتيجة مباشرة للعقوبات، فالعراق يفقد ما بين 5 و 6 آلاف طفل كل شهر وذلك كنتيجة مباشرة للعقوبات، أعتقد أن المجتمع الدولي أدرك الآن أن هذا الوضع غير مقبول، وأثار عدد من المحامين الدوليين هذه القضية". أما “هانس فون سبونيك”، المنسق الدولي لبرنامج الشؤون الإنسانية في العراق، فقد أعلن قبيل استقالته هو الآخر “أنا لا أرغب في أن أكون جزءاً من المعاناة المستمرة للشعب العراقي”. ومنذ عام 1991 استقال أكثر من 50 من كبار مسئولي الأمم المتحدة في العراق لنفس السبب، وهو أن “العقوبات هي إبادة للشعب العراقي”.
تم احتلال العراق عام 2003 وما نتج عنه من وضع سياسي مضطرب غابت عنه الارادة الوطنية واستفحل فيها الجانب الطائفي المقيت باللباس الديني الظاهري للحكومات المتعاقبة، والتي حاولت طمس الهوية الوطنية، واباحت سرقة المال واستثماره لغايات شخصية، وليس خافياً اهمالها لكافة متطلبات الدولة العصرية، من البنى التحتية والصحة والتعليم والثقافة والكهرباء والسدود والري والمجاري ومحطات تحلية المياه والجسور والطرق...، وسكوتها على قطع الأراضي والموانيء وبيعها للكويت وباقي الدول المحيطة.، وتغاضيها لتجاوز ايران وتركيا على الحصص المائية من خلال بناء السدود او تحويل الروافد داخل أراضيها.
في العقود الخيرة واجهت العالم الكثير من التحديات في ما يتعلق بالموارد المائية ، وأصبحت مسألة ندرة المياه من ألحّ القضايا على الساحة السياسية الدولية، بحيث اكتسبت اهتمامًا متزايدًا من دول وجهات دولية، بسبب عوامل أدت إلى تفاقم الضغوط على موارد المياه العذبة المحدودة، كتزايد معدلات النمو السكاني، وتغير المناخ، والهجرة، وأنماط الاستهلاك المتغيرة، والنزاعات الإقليمية، وقد باتت وطأة عواقب تغير المناخ شديدة بالفعل على الموارد المائية في عدد من المناطق، منها منطقتنا، وهو ما يتبين من انخفاض نسبة هطول الأمطار في المناطق مختلفة منها العراق، طالما كانت الأنهار محل نزاع عبر التاريخ. فكل الشعوب والحضارات تحتاج إلى المياه العذبة كي تتمكّن من البقاء. فهي شرط أساسي للحياة، وبقدر ما تشكله المياه من نقاط التقاء وتواصل بين المجتمعات والحضارات، الا ان هناك أيضاً حواجز عديدة مدمرة، حيث تواجه العديد من الدول العربية أزمة خطيرة تتمثل في ندرة الموارد المائية، والتي من المتوقع أن تؤدي إلى فوضى عارمة في شتى مجالات الحياة، ويتضمن تعبير «حرب المياه»، في شرق البحر المتوسط استعمال المياه سلاحاً من أجل السيطرة على المنابع، "إن النزاع المقبل في الشرق الأوسط سيكون حول المياه (...) ستصبح قطرة الماء أغلى من قطرة البترول" هذا ما أكده الدكتور بطرس غالي عند تسلمه امانة الأمم المتحدة عام 1992، ، ولم تمضي سنوات حتى بدأت تتصاعد الأزمة إلى احتمالية اندلاع "حروب مياه"، قد تخوضها الدول لاسترداد حقها في الحصول على مياه الأنهار، بدأت ترتسم ملامحها بشكل خاص بين إثيوبيا ومصر، فأديس أبابا تبني العديد من السدود الضخمة، أبرزها سدّ النهضة الذي يمثل وحده تهديداً وجودياً لمصر والسودان.
كذلك تمتد صراعات المياه إلى الأردن والاحتلال الإسرائيلي، الذي أضحى يتحكم في "قطرات الحياة"، بينما نهرا دجلة والفرات في العراق مهددان بالجفاف بسبب سدود تركيا وإيران من خلال أ تحويل المياه سلعةً تجاريةً تتحكم فيها دول المنبع القوية لأهداف سياسية، في حين تحوّل صراع المياه إلى ورقة ضغط داخلية في سورية التي تمزقها الحرب.
عقـدت معاهـدة الصـداقة وحسـن الجـوار بـين تركيـا والعراق وسوريا في 29 اذار 1946، وتأتي أهميتهـا مـن انهـا جـاءت أول محاولـة جديـة لحـل مشكلة المياه بين هذه الأطراف بعد استقلال العراق وسوريا، ولهـذا فقـد جـاءت المعاهـدة لأسباب سياسـية الغـرض منهـا تجـاوز المشـاكل الحدوديـة بـين هـذه الاطـراف والاشـارة إلـى مسـالة استثمار المياه في حوضي دجلـة والفـرات مـن خـلال عـدة بروتوكـولات ملحقـة بالمعاهـدة كـان مـن اهمهـا البروتوكـول رقـم (١) والخـاص بتنظـيم ميـاه دجلـة والفـرات، وكـذلك المـادة الخامسـة منهــا التــي الزمــت تركيــا بضــرورة اطــلاع العــراق علــى المشــاريع التــي تعتــزم تركيــا انشــاؤها علــى حوضي دجلة والفرات، إن تركيـا تجاهلـت كـل القواعـد والاعـراف المنظمـة لاسـتخدامات ميـاه الأنهار الدولية حوضـي دجلـة والفـرات، في الجوانب غير الملاحية ، فقد حدد بروتوكول المياه الموقع بين العراق وتركيا وسوريا حصة العراق بـ 58% (9.106 مليار متر مكعب) وحصة سوريا بـ42% (6.627 مليار متر مكعب) مقابل 15.700 مليار متر مكعب لتركيا، بينما لا توجد اتفاقات بين العراق وإيران.
يواجه العراق منذ سنوات تحدياً أساسياً يتعلق بالانحسار الكبير للمياه في أنهاره الرئيسة، في الغالب نتيجة للإدارة المائية الخاطئة، وسياسات دول الجوار المائية، وبشكل خاص تركيا وإيران، وتزداد هذه المشكلة خطورة مع تأثيرات التغير المناخي حيث ترتفع درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية أحياناً في الصيف مع تراجع هطول الأمطار، السدود التي اقامتها تركيا على نهري دجلة والفرات، وتحويل ايران لمجاري الأنهار الفرعية التي تنبع من اراضيها وتصب في العراق، والسياسات التي ينتهجها العراق لإدارة ثروته المائية.
أصبح العراق ودجلة والفرات، رهن تركيا وإيران السوء، تركيا تعتبر مياه دجلة والفرات ملكا لها، ولا تراعي احتياجات العراق وسوريا، فهي تعتبر الماء سلعة تجارية، وهذا يخالف القانون الدولي، لأن الاتفاقيات الدولية تشدد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار حاجات الدول من الماء، وتحظر على تركيا، في هذه الحالة، اتخاذ أي إجراء من شأنه الإضرار بتلك الدول، تركيا باعتبارها دولة المنبع تمتلك ميزة جغرافية واستراتيجيه تتمثل بالسيطرة كاملة على كل من هذين النهرين في مواجهة الدولتين المتشاطئتين معها سوريا والعراق، وأن سياسته تقوم على فكرة مؤداها أحقيته في السيطرة على مصادره المائية مثلما يسيطر العراق على أبار نفطه رافضة موقف القانون الدولي بشأن الأنهار الدولية أو الحقوق المكتسبة للعراق في نهري دجلة والفرات، أن السياسة المائية التركية المتمثلة بمشروعها الضخم (GAP)على نهري دجلة والفرات، فمشروع الكاب سيؤدي الى انخفاض مناسيب المياه الواصلة الى العراق وسورية وبالتالي تدمير الاراضي الزراعية ومن ثم تصحرها، كما سيؤدي الى انخفاض توليد الطاقة الكهربائية حيث سيؤدي هذا المشروع حال اكتماله الى اغلاق اربع محطات لتوليد الطاقة الكهربائية في العراق تنتج 40% من طاقة البلاد. كما سيؤدي انخفاض مناسيب دجلة والفرات الى نفاذ مياه الخليج المالحة الى شط العرب، ان سد إليسو سيكون له تأثيرات اقتصادية سلبية كبيرة على العراق وخاصة في قطاع الزراعة، إذ سيخفض السد من تدفقات المياه لنهر دجلة من 20 مليار متر مكعب سنوياً إلى أقل من نصف هذه الكمية، والذي يشكل تهديداً حقيقياً للأمن القومي العراقي، لقد تسببت تركيا المائية المخالفة لبروتوكولات والاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها مع العراق لضمان حقوقهما المائية في نهري دجلة والفرات مشكلات كثيرة على الموارد المائية في العراق ، وجارة السوء ايران تبني السدود والأنفاق وتقطع المياه عن العراق، مستخدمة المياه ورقة ضغط على بغداد، فقد قامت بقطع أكثر من 45 نهراً ورافداً تصب في العراق، مثل نهر "الكارون" الذي كان يمثل الموجة العذبة إلى شط العرب، حيث حولت مجرى نهر الكارون المتجه للعراق من خلال حفر قنوات لنقل المياه الى نهر زندة رود في أصفهان ونهر الكرخة ونهر سيروان، التي باتت منقطعة بشكل تام ، اذاً هي قطعت كل الروافد المائية المتدفقة من أراضيها باتجاه العراق، قبل أربع سنوات، بتجفيف نهر "الوند" المار عبر بلدة خانقين شرقي محافظة ديالى مما أدى الى قطع ب كامل للمياه عن نهر ديالى ما تسبب في تراجع مستوى مياه بحيرة "سد حمرين"، ومن ثم منع مياه نهر الزاب الصغير في أقصى الشمال الشرقي من السليمانية، وذلك بإقامة سلسلة من السدود وخزانات المياه العملاقة داخل أراضيها، اذا قطع أكثر من 45 نهراً ورافداً تصب في العراق، مثل نهر الكارون الذي كان يمثل الموجة العذبة إلى شط العرب، ونهر ا"لكرخة" ونهر "سيروان"، التي باتت منقطعة بشكل تام، نشر موقع "دويتشه فيله" الألماني دراسة شديدة الأهمية عن مستقبل الحالة المائية في منطقة الشرق الأوسط، وأشارت الدراسة بوضوح إلى توقع تراجع الطاقة الاستيعابية لدجلة من 49 مليار متر مكعب سنة 2009، إلى 9 مليارات فقط سنة 2025.
إزاء هذه التحديات والممارسات المأساوية لتركيا وايران والتي ترقى الى درجة العدوان، أظهرت الحكومات المتتابعة فيما بعد2003 "ضعفا واضحا" في التعامل مع ملف المياه، وقصر الملف على مسؤولين فنيين، وليس على أعلى المستويات في الحكومة لتأكيد حقوق العراق المشروعة، ولم تقم الحكومة باستغلال أيا منها بالضغط على تلك الدول لتغيير سياستها أو حتى مجرد التعامل مع هذا الملف كقضية استراتيجية، فكلاً من تركيا وإيران تستفيدان من تبادل تجاري بعشرات المليارات من الدولارات مع العراق، تأخذ المنتجات الزراعية فيه حيزاً كبيراً، لذا يمكن استخدام التجارة أداة للمساومة مع كلا البلدين، اذا فالعراق على ما يبدوا لم يستخدم اية وسيلة او خيار للتواصل الى تسوية عن طريق التفاوض الجاد لحسم ملف المياه، ولم يستخدم اية وسيلة او خيار للتواصل الى تسوية عن طريق التفاوض الجاد لحسم ملف المياه، فقد اكتفى بالطلب والترجي، وهذا يدل وباليقين عدم وجود سيطرة حقيقية لدى حكومات ما بعد الاحتلال على كثير من الأمور المتعلقة بسياسة الدولة ومنها إدارة المياه، التي باتت تدار في كثير من الأحيان من قبل الأطراف الموازية للسلطة التنفيذية، فالمياه العذبة هي أهم مورد على الإطلاق بالنسبة اليه، إذ إنها تقترن بجميع الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية التي يضطلع بها ابنائه، ويمكن أن تكون عاملًا يعزز أو يعرقل التقدم الاجتماعي والتكنولوجي، كما يمكن أن تكون سبباً للتعاون أو للنزاع، قبل فوات الأوان وللحفاظ على موارد العراق المائية لابد وبل يجب، على الحكومة العراقية أن تحل هذه المشكلة بأساليب مختلفة وبالاستفادة من الوسائل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية، للتوصل سريعاً إلى عقد اتفاقية مع تركيا تحدد بشكلٍ واضح وقاطع ونهائي حصة كل طرفٍ في مياه كل من نهريّ دجلة والفرات على أن تُصاغ أحكام هذه الاتفاقية بما ينسجم وقواعد القانون الدولي، ووفق مبادئ وقواعد اتفاقية نيويورك لعام 1997 بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية بخاصة، وبوجود معاهدات دولية (لوزان عام 1923، وهلسنكي عام 1973، والأرجنتين عام 1977) التي تنظم الاستفادة من الأنهار الدولية ، وبنفس الطريقة مع ايران، فلماذا السكوت يا شعب العراق عن حقوقك ومستقبل أبنائك ؟؟!!.
ومن المعالجات الضرورية والملحة والحلول التي يمكن اعتمادها على المستوى المحلي، ولضمان مستقبل أجيال العراق التوجه إلى التخطيط لاستخدام الموارد المائية بالشكل الأنسب:
وضع صياغة سياسة مائية شاملة تأخذ بعين الاعتبار حاجات العراق إلى المياه في المستقبل، تشريع قوانين لتنظيم القطاع المائي، اصلاح منظومة القطاع المائي ومحطات الضخ المياه والمبازل وحسن ادارتها، استخدام المكننة الزراعية الحديثة في الري والسقي، الاستفادة من مياه المبازل والصرف الصحي بعد معالجتها للزراعة، مكافحة تلوث الأنهار، مواجهة آثار الاحتباس الحراري، بناء المزيد من الخزانات والسدود، استغلال مياه الامطار، بإنشاء "سدود حصاد" للاستفادة من الأمطار في الشتاء، من خلال التوسع في سدود حصاد المياه في كثير من المناطق للاستفادة القصوى من الإيرادات المائية المتحققة سواء من مياه الامطار أو السيول الواردة خلال الوديان والمنخفضات، بجميع أنحاء العراق لا سيما الصحراء الغربية التي تعتبر منطقة واعدة في عدد الأودية مع وجود نسب عالية للأمطار الجوفية، مستفيدة من الدراسات التي لديها في ثمانينيات القرن الماضي كان لديها دراسات على مجموعة من الوديان لإنشاء سدود صغيرة عليها والاستفادة من السيول القادمة من السعودية، بخاصة أن 12 في المئة من واردات نهر الفرات المائية تتكون نتيجة السيول وبفضل هذه السيول كان هناك انتعاش لبعض البحيرات على نهر الفرات، ترشيد الاستهلاك المائي بأنواعه الزراعي والصناعي والمنزلي، الحد من مزارع الاسماك غير القانونية، انشاء مصانع لوسائل الري الحديثة، العمل على خطط لتغيير واقع استخدام المياه في الزراعة، تبطين قنوات الري، تحديث أنظمة الريّ الزراعي وإنشاء نظام لا يهدر المياه ويسمح باستخدام ما تحتاجه النباتات من المياه فقط، وكذلك إعادة موضعة كميات المياه المتوافرة في كلّ منطقة كعنصر رئيس في بناء خطط التنمية الاقتصادية، احياء المصب العام "النهر الثالث" من خلال تنقية مياهه وجعله صالحاً للإرواء والسقي الزراعي، تحلية مياه البحر لتغطية البصرة والعمارة.، انها مناشدة وصرخة من كل غيور يحب ويعشق بلاد ما بين النهرين.
سبق أن حذرت تقارير سابقة من أن المنطقة العربية تعاني من عجز فادح في مخزونات المياه، ولا تملك منها إلا أقل من 7 في المئة من المخزون العالمي، كما حذرت مما هو أسوأ وقاتم ومحزن لما يحصل وسيحصل لنهري العراق وروافده وبحيراته وسهوله، أذ قال خبير عراقي «قبل عقدين، كانت إيرادات نهر دجلة تفوق 50 مليار متر مكعب سنوياً، وتراجعت في الفترة الأخيرة إلى ما دون 7 مليارات متر مكعب سنوياً، فيما كان إيرادات نهر الفرات ألف متر مكعب في الثانية، وتصل حالياً إلى 180 متراً مكعباً في الثانية»!، وأنذرت مراكز دراسات جيولوجية ومائية (محليًّا ودوليًّا) الحكومات المتعاقبة ووزارة الموارد المائية بأن “العراق مقبل على سنوات عجاف ستقلّ فيها مستويات الأنهار، وسيتراجع مخزون البحيرات في البلاد إلى مستويات قياسية”، تقول السيدة أ"ليسا روبنز" التي تجولت كاميرا تقريرها في عدة مناطق في العراق، إن الأراضي التي توصف بأنها "الهلال الخصيب، ومهد الحضارة، والبلد الذي يعني اسمه (ميزوبوتاميا) بلاد مابين النهرين، يتحول إلى صحراء قاحلة، صحيفة نيويورك تايمز أوضحت أن حال أنهار العراق، يذكرنا بعلامات يوم القيامة كما وردت في الكتب المقدسة ونبوءات العرافين! ، وكان الباحث العراقي علاء اللامي قد أصدر في 2012 كتاباً بعنوان «القيامة العراقية الآن: كي لا تكون بلاد الرافدين بلا رافدين»، كما حذر خبراء وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» من تناقص المياه العذبة في سوريا والعراق فيها بشكل ملحوظ، مرجعين افراط البلدين في الاعتماد على المياه الجوفية خلال السنوات الأخيرة الى اقامة تركيا 22 سدا على دجلة والفرات خلال العقود الثلاثة الماضية، اما الخبير المائي النرويجي جون مارتن تروندالن، الذي زار العراق فقال «دجلة والفرات باتا نهرين ميتين أو يسيران حثيثاً خلال (20) عاماً نحو هذه النهاية»، وكان تقرير لليونيسيف قد حذر في 2011 من احتمال الزوال الكلي لنهري دجلة والفرات بحدود سنة 2040.
كانت انهار العراق موضع اهتمام المع الشعراء الذين شربوا مياهها خلال القرون الطويلة التي كان فيها العراق قلب الحضارة الإسلامية، فهما رمز حياة العراقيين وعزتهم ومجدهم، ، نجد أن قائمة الشعراء الذين تناولوا نهري دجلة والفرات في قصائدهم على سبيل المثال تضم: المتنبي واحمد شوقي والرصافي والجواهري..، وكل من تغنى بهما أغنية و شعراً، وعلى سبيل المثال و كل من رسمهما و أحبهما و تحدث عنهما، فهما رمز حياة العراقيين وعزتهم ومجدهم.
ارض السواد وجنات عدن، أقدم التعريفات التي عرفتها البشرية، كانت أوصافا لبلاد الرافدين، لشدة خضرتها وأرضها الخصبة، فالمياه التي كانت تاريخياً تجري إلى العراق ليُنتِج منها كفايته من الغذاء، أضحت تُحجَز في بلدان الجوار، وتحديداً تركيا وإيران وسورية، اراضيها تتحول الآن للأسف إلى صحراء قاحلة، وتزايد نسب التصحر، وتضاءلت الأراضي الزراعية، واختفت بحيرة حمرين في محافظة ديالي، وجفت بحيرة ساوة التاريخية في محافظة المثنى، وبدأت الأسماك تنقرض، والأهوار والمسطحات المائية الجنوبية تحولت براري موحشة، بعدما كانت لسنوات خلت من أكبر المحميات الطبيعية على وجه الأرض، فارض السواد ودعت زراعة الشلب والذرة ومحاصيل اخرى، وبدأت بتوديع الكثير من بساتينها المطلة عل نهري دجلة والفرات الجميلة الشهيرة بكل أنواع الأشجار المثمرة من الحمضيات والرمان والزيتون والتفاح والنخيل، قسماً منها لتكون أراضي تلك البساتين مناطق سكنية لاتباع قادة الأحزاب الذين لا يهمهم غياب البساتين والنخيل وكل خضرة ؟؟، ولعل الملايين من العراقيين والعرب الغيورين والوطنيين سيصابون بالذعر والحزن لمشاهدة بداية اختفاء دجلة والفرات شريان حياة العراقيين وضفافهما الخضراء التي كانت تزين جوانبها، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
4798 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع