د. ضرغام الدباغ
العدد :381
التاريخ : حزيران / 2024
تبادل السلطة
أثار أحد قرائي الأعزاء تساؤلاً مهماً، وعدت أن أجيبه، حول تبادل السلطة، الذي يمثل ركناً أساسياً من أركان وموضوعات العلوم السياسية بصفة عامة، أو تبادلها، بصورة سلمية، وفق نظام متفق عليه، بين الأطراف كافة، فما هو هذا النظام، وما هو فحواه، ومن هم أطراف النظام ...!
كيف تنتقل السلطة، سواء ممثلة برأس النظام، أم بالشخصية العامة للنظام ...؟ ومن هو رأس النظام وما هي شروطه .. وما هي حدوده ...؟ هل امتلاك القوة تتقدم على الحكمة، أم في الحكمة تكمن سلامة النظام وأمنه وأمانه ..؟
نستخلص من أراء جمهرة علماء السياسة، أن النظم السياسية الحالية والسابقة تحرص أن يتضمن منهجها تداولا سلمياً للسلطة، أو ما يقرب من ذلك، انطلاقاً من عقائد ومبادئ وطنية/ دينية/ تقليدية. أو من خلال مزج أكثر من قاعدة، من أجل منح نظام الحكم أكبر قدر من الشرعية. أي قبول الجمهور به (بالنظام) .
الهدف الأساسي إذاً هو .. أن الحاكم يريد أقصى قدر من الشرعية لحكمه، باعتبار أن الشعب مصدر السلطات، ليضمن إدارة البلاد وتوفي الاستقرار للنظام، حسب تقديراته، وتقديرات ومبادئ من أوصله للحكم سواء كانت : فئة سياسية، جيش/ قوات مسلحة، أجهزة الدولة العميقة، طائفة دينية، نظام طبقي/ له مستوى آيديولوجي ...الخ من أفكار مسبقة، أو بخط آيديولوجي / سياس يختطه ويرغم المجتمع على قبوله بالحسنى والدهاء، أو بالإكراه، والحكام يحاولون أن يضمنوا حكمهم، وليضمنوا انتقالاً آمناً تحت السيطرة (قدر الإمكان)، وليس نادراً ما ألتجأ بعض الحكام إلى مفسرين للأحلام ومنجمين وحتى للاستخارة ..!
من يصل لرأس السلطة في أي نظام .....؟ هل هم قطعاً أفضل الرجال المؤهلون تربويا وعلمياً، وعلى درجة عالية جداً من الكفاءة التي تؤهلهم لهذا المنصب السامي ...!
قطعاً لا ... بل نادراً ما يبلغ رأس السلطة شخص لكفاءته ... وعلى الأرجح لأنه شخص يقف في النقطة الصحيحة من المسطرة المغناطيسية .. فيبدو مقبولا للطراف المتنازعة / المختلفة / المتنافسة. وإذا توصلنا (نظرياً) للنظام المنشود، فما هي فلسفة هذا النظام، كيف يمكن لنا أن نحميه، أو أن نطوره إذا دعت الحاجة،
رغم أن البشرية عرفت شتى أنظمة الحكم منذ فجر الخليقة، وتعرفت على مستويات وأشكال مختلفة من التفاهم، كما عرفت النزاعات، وأيضاً التجأت للدبلوماسية، كما عرفت الحروب.(شهدت البشرية عبر تاريخها 14 ألف حربا ونزاعاً) كما شهدت ربما عدداً مماثلاً من الاتفاقات والمعاهدات. ولكن البشرية رغم التقدم الكبير جداً الذي أحرزته، ما زالت تلجأ للقوة المسلحة في علاقاتها الدولية، وما زالت بحاجة ماسة للدبلوماسية، وللفقه القانوني.
وتحت إطار منح القدر الضروري من الشرعية يضع علماء السياسة ثلاثة مستويات :
1. الحكم بنظرية الحلول الإلهي، أو بالتفويض الإلهي. (The Divine right)
2. الحكم بالقوة والغلبة. (The theory of rule by force and dominance)
3. الحكم بنظرية العقد الاجتماعي. (Social Contract)
وإذ أقر علماء السياسة وجود هذه الأنماط الثلاثة، ألا أن التاريخ السياسي للدول قد أظهر لنا إمكانية امتزاج عدة نظريات لتمنح كل تجربة ملامحها وتقييمها الخاص، وقد مرت المجتمعات الإنسانية في مرحلة كان المعبد فيها هو مقر الحكم، والكاهن الأعظم هو الملك بنفس الوقت، ونظريات حكم تزعم (الحلول الإلهي)، أي أن جزاْ من الآلهة قد حلت في الملك نتيجة اتصال بين الآلهة ووالدة الملك، التي كانت على الأرجح من العاملات في المعبد أو وفق نظرية (التفويض الإلهي)، أن الملك يحكم باسم الآلهة وتفويض منها. ومراحل اضطر المعبد للتحالف مع سلطة القصر، وأخيراً مراحل كان الملوك والقياصرة هم الحكام والمعبد والكهنة بالدرجة الثانية.
أردنا بهذه المقدمة الوجيزة، استعراض التأثيرات والمنفعة المتبادلة بين الدولة والمعبد، ومن خلال هذا التحالف الوثيق، نشأت نظرية الحلول الإلهي، أي حلول جزء من الآلهة في الملك، ومن ثم تطورت بنتيجة وعي الناس إلى نظرية ما زالت قائمة حتى اليوم في بعض الدول، وهي نظرية الحق أو التفويض الإلهي، أي أن الحاكم مخول باسم الآلهة أو الله. وقد أطلق على الملوك أحياناَ: ظل الله في الأرض.
أما الحكم بالقوة والغلبة، فقد أتخذ عبر التاريخ أساليب وأنماط متنوعة، وأفلاطون أعتبر القوة حق، القوي يحق له أن يحكم، طالما أن الفلاسفة يؤمنون بالعقل، زاهدون في الحكم. وبعض من أستولى على نظام الحكم، حاول جاهداً، وربما نجح أحياناً في إيهام الجمهور، إنما يفعل ذلك امتثالاً لمبادئ سامية ومثل عليا، وغايات وطنية، أو دينية، أو إنقاذا للبلاد من مواجهة محن سياسية/ اقتصادية. أو أي مبرر لأستيلاءه على السلطة. وقد يكون من سبقه في رأس السلطة، هو الآخر كان مغتصباً للسلطة بالقوة، لذلك فليس هناك كثير عناء في تبرير ما حدث ، والاحتكام للقوة، غالباً يقود إلى سلسلة من أفعال وردود أفعال.
الحكم بنظرية العقد الاجتماعي، اتخذت أساليب عدة، فحتى في العصور القديمة، كان لاحترام رأي الجمهور وإرادته أهمية. ففي القرن السابع الميلادي، مثل أسلوب انتقال السلطة ضرباً من ممارسة احترام لقاعدة العقد الاجتماعي فمتل النظام الشوروي، وعملية البيعة، وأهل الحل والعقد، أمتثالاً لهدف هذه المبادئ.
ونعني بمبادئ وجوب اتخاذ الأمارة، أن الشريعة أكدت ابتداء على أهمية وضرورة السلطة السياسية، وهي في ذلك تختلف عن المبدأ المسيحي عندما قال اليد المسيح " هذه ليست مملكتي " إشارة إلى زهده بالسلطة السياسية، وإن مملكته هي في السماء. وحيث أستتب أمر الكنيسة في أوربا، ولم يكن الفكر السياسي المسيحي بالعمق الذي يواجه الفلسفة العريقة في أوربا، لذلك أبتدأ من القرن العاشر فصاعداً، حركات دينية / سياسية، تحاول الوقوف بطرحها فكراً سياسياً، وتمثلت هذه المحاولات بحركات فكرية قادها قساوسة/ أقتحموا مجال الفكر السياسي، كان ابرزهم القس توما الأكويني الذي أطلق على حركته " السكولاستية / Scholasticism "
والقديس توما الأكويني( 1225 ـ 1274 ) إيطالي المولد درس على يد البرتو الكبير 1206 ـ 1280. والبرتو الكبير هذا كان أول من دعا إلى التعامل مع الفلسفة وتجاوز عقد الكنيسة الكاثوليكية، وبذلك يعتبر المؤسس الحقيقي للمدرسة السكولاستية Scholasticism التي واصل تلميذه الأكويني السير على خطاه وآخرون من بعده وإن كانوا اقل أهمية. ودرس الأكويني في جامعة باريس وانظم على سلك الرهبنة الدومنيكانية (التي أسسها القديس عبد الأحد دومنيك من قشتالة 1206 بأسبانيا، وهو واضع فلسفة التوماتية Tomatism في علم اللاهوت، ودرس مؤلفات وأعمال ابن رشد وابن سينا، وله مؤلفات عديدة منها " الخلاصة اللاهوتية" (الخلاصة ضد الأمم) ومختصر جهوده الفلسفية، هو أنه حاول أن يقيم الصلة بين الدين والفلسفة، وإخضاع منطق وفلسفة أرسطو للاهوت المسيحي الكاثوليكي بعد إدخال تعديلات وتأويلات تساير هذا الهدف، وقد وصف علماء ومؤرخون هذا العمل بالتزوير والتشويه.
وبرغم أن الأكويني حاول أن يقّوم صورة اللاهوت الكاثوليكي وذلك بقيامه صياغة أفكار أرسطو، وحاول أن يخفف من غلواء الرجعية في الكنيسة الكاثوليكية ولم يكن ليرضى بالديكتاتورية والطغيان، إلا أنه لم يكن ليقبل أيضاً بحرية الآراء والديمقراطية لأنها تشجع على كثرة الآراء والأحزاب.
الشريعة الإسلامية لم تحدد تسمية نهائية إذ اوردت عناوين مثل خليفة وإمام وسلطان، فقد أبقت الشريعة الأمور التفصيلية في مرتبة ثانية من الأهمية، وللتغيرات عبر الأزمنة. ومن أبرز آيات إقامة السلطة السياسية:
*" لتكن منكم أمة يدعون لإلى الخير وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون " 104 ـ آل عمران) و
* " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " 30 ـ البقرة).
فيما تركزت آيات عديدة على القضايا الجوهرية سواء في اتخاذ الأمارة أو في شروطها. فليس مهماً اسم وعنوان ورتبة قائد الدولة. وإلى ذلك يقول المفكر سيد قطب تفسيراً للآيات :" وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: إني جاعلك للناس إماماُ، قال ومن ذريتي، قال لا ينال عهدي الظالمين " 124 ـ البقرة)فهي إشارة إلى عدم جعل النظام والولاية وراثية، ويستطرد السيد قطب قائلاً :" إن الإمامة هي لمن يستحقها بالعمل والشعور بالصلاح والإيمان وليست وراثة أصلاب وانساب. فالقربى ليست وشيجة لحم ودم، إنما هي وشيجة دين وعقيدة. والظلم أنواع : ظلم النفس بالشرك، وظلم الناس بالبغي، والإمامة الممنوعة عن الظالمين تشمل إمامة الرسالة وإمامة الصلاة وإمامة الخلافة، وكل معنى من معاني الإمامة والقيادة ".
والشريعة إذ تأمر بإقامة السلطة السياسية والإمارة، فإنها تشترط ذلك بشروط وواجبات السلطة والقائم بالسلطة من الحكام، أقرب منها إلى صيغة تعاقد وتعاهد بشروط متقابلة للحاكم " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" يشترط على الحاكم الحكم بالعدل، وكذلك بالنسبة للمحكوم " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول(ص) وأولي الأمر منكم " 58 النساء). وأولي الأمر هنا الحكام ليس إلا. وفي حديث واضح ومؤكد للرسول عن البخاري " اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي، كان رأسه زبيبة، ما أقام فيكم كتاب الله تبارك وتعالى" حديث).
ولا نعد عدم وجود نصوص صريحة في انتقال السلطة وآلياتها وتسمياتها نقصاً في الشريعة، فتلك مسألة تسميات تقررها الظروف والبلدان واللغات، فالإسلام اليوم ينتشر في العالم بأسره، وتفاوت الأزمنة والثقافات. والجوهري هنا هي المبادئ الأساسية العامة التي تسترشد بها الدولة وهي مبادئ صالحة للتكيف حسب الزمان والمكان واختلاف الحالات.
وحين يكتب العالم الإسلامي الشهرستاني قولته الشهيرة:" ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الإمامة في كل زمان " وهذه حقيقة لا محيص عنها، ولكن الصراعات على المراكز القيادية أمر شائع في كل زمان ومكان في بلاد العرب والمسلمين وفي بلاد سواهم. وبتقديرنا فإن مثل هذه الصراعات لم يكن ليوقفها أو يحول دون حدوثها نص أو نصوص واضحة، بدليل أن مثل هذه الصراعات كانت وما زالت موجودة في أمم أخرى، وحتى في ظل وجود دساتير تنص على آليات انتقال السلطة والرئاسة فيها على وجه الخصوص.
ولكن الشريعة وإن كانت خالية من نصوص صريحة واضحة عن آليات انتقال السلطة والموقف من الإمام أو الحاكم الجائر، أو الحاكم الذي فقد أهليته للقيادة لأسباب موضوعية كإصابته بمرض أو عاهة تحول دون قيامه بواجباته، أو ذاتية بانحرافه وفساد عهده وإلى جانب المبايعة وهي عملية ديمقراطية لتعين الحاكم وتمثيل العقد الاجتماعي، والفئة التي تشر إليه التشريع كقانون أساسي هم (أهل الحل والعقد)، أي الشخصيات التي تمسك بزمام القوة، والحكمة والعلم، وشخصيات لا غبار على مسلكها القانوني. وحول البيعة نصوص صريحة " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " 10 ـ الفتح) وهذا خطاب موجه إلى الرسول (ص) دون غيره، لأن الخلفاء فيما بعده كانوا خلفاء رسول الله. ومثل هذا الإيضاح يأتي بالكتاب نصاً " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة " 18 ـ الفتح)، وهناك مبادئ سياسية تندغم في إطار بند السلطة السياسية والقيادة ونصوص صريحة ملزمة. ومن تلك المبادئ :
أولاً . الشورى :
" وأمرهم شورى بينهم " 38 ـ الشورى)، وشاورهم في الأمر " 159 ـ آل عمران) وهاتان الآيتان موجهتان إلى الرسول (ص)، فإذا كانت الشورى(الاستشارة) ملزمة للرسول بأمر من صاحب الشريعة(الخالق) فإنها عملية سياسية لا بد منها لأي حاكم يسير على هدى الشريعة أو الأحكام المستنبطة منها.
ثانياُ . أداء الأمانة :
في صياغة راقية وفهم ديمقراطي لمفهوم الرئاسة أو القيادة نجدها في هذا النص من الكتاب" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل. إن الله نعماً يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً. يا ايها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول إن كنتم تؤمنون بالله وباليوم الآخر، ذلك خيراً وأحسن تأويلاً " 58 / 59 ـ النساء) والأمانات هنا مفهوم سياسي ذا شقين أثنين:
1. أمانة الحاكم : وهو بحسب النظرية الإسلامية مأمور من الخالق بأداء الأمانة إلى من ائتمنه وهو الشعب أن يحكم بعدل وأمانة ونزاهة ومساواة وسائر القيم التي تهدف إليها السياسة الإسلامية.
2. أمانة الرعية: وأمانة الرعية هي طاعة الحاكم طالما هو منفذ وماض وفق المبادئ السياسية الإسلامية وأحكامها فرض على الرعايا ومخالفته هي مخالفة للقوانين.
وتنص الشريعة على أسلوب حل الإشكالات القانونية والدستورية وذلك باللجوء إلى الكتاب والسنة ففيهما ما يمكن التوصل إلى حل تلك المشكلات وربما على يد مجلس من العلماء والخبراء في الشريعة وسائر العلوم الأخرى.
وتمثل الآيتان أيضاً صيغة تعاقدية واضحة، فالشريعة تربط صلاحية الحكم والحاكم بالعدل، وإلا فإن الحكم فاسد وباطل فاقد لشرعيته. فقد قال الخليفة الأول أبو بكر الصديق في خطبة توليه قيادة الدولة " اطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم" ، فهي إذن صيغة تعاقدية بين الشعب والحاكم على لالتزام متبادل للعدل والطاعة عملاً بأحكام الدستور الدائم الذي تمثله بروح القوانين والدساتير.
ثالثاُ . القيادة الجماعية :
تقود عملية إقامة الشورى ومجالس الحل والعقد إلى استبعاد الاستبداد والطغيان أو الاستفراد بالقرار السياسي، وبعبارة أخرى تقود هذه المفاهيم على وجوب إقامة القيادة الجماعية توفر إلى ابعد مدى تجنب مخاطر القرارات السياسية الخاطئة واحتمالات الانحراف والزلل.
رابعاً . العدل :
والعدل من أهم شروط الحكومة والحاكم، وهي هنا تتجاوز إقامة العدل في الأحكام، إلى العدل بمعناه الاجتماعي، وقد ورد بحقها نصوص كثيرة(28 مرة) فهو ذو أسبقية مطلقة. ومن تلك النصوص :" وأمرت لأعدل بينكم " 25 ـ الشورى)، بل أن القرآن يأمر بإقامة العدل حتى مع الأعداء " ولا يجرمنكم شنأن قوم إلا تعدلوا * اعدلوا هو اقرب إلى التقوى" 8 ـ المائدة) العدالة تتطلب النزاهة في أقامتها حتى مع الأقربين " وإن قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى" 152 ـ الأنعام).
وفي أوربا، كما حصل مراراً، أن التجأ قائد أمتلك زمام السلطة بالقوة، وأزاح منافسوه وغدا السلطان الأكبر، إلا أنه أراد أن يستظل بظل قوة الشريعة ويكسب المؤسسة الدينية لصالحه لما لها من قوة تأثير في صفوف الأغلبية الشعبية، وهكذا فعل نابليون بونابارت، حين أستعان بالكنيسة وبمجلس الشيوخ معاً، للتويج نفسه كحاكم لفرنسا، 2 / كانون الأول / 1804 في كنيسة نوتردام بباريس امبراطورا على فرنسا. بحضور البابا بيوس السابع، بطريقة وسياقات جديدة تختلف عن تتويج ملوك فرنسا، بمزيج من التقاليد القديمة، والثورة الفرنسية. وقد مهد نابليون لحكمه، بأن أستصدر تفويضاً من مجلس الشيوخ على ترقيته لمنصب الامبراطور في 18 / أيار / 1804 (قبل 7 شهور من تتويجه).
في الأدب السياسي المسيحي، يطلق على كبير الدولة الملك، القيصر، الامبراطور، القنصل العام، الرئيس، المستشار / الوزير الأول (رئيس الوزراء) ، هتلر أطلق على نفسه (الفوهرر / القائد)، وموسوليني / الدوتشي (الزعيم). ومن نافلة الكلام القول أن التسميات ليست مهمة، رئيس وزارة، برلمان .. المهم بالطبع فحوى العملية ونزاهتها.
وتوصل إلى رأس الحكم شخصيات ثبت لاحقا عدم صلاحيتها كهتلر وموسوليني، بواسطة الانتخابات. وفي بعض البلدان تطبق ديمقراطية شكلاً، ولكنهها تفرغه من فحواه بقانون انتخابات جائر، تتحكم الدولة العميقة بتحديد شخصيته. ففي عديد من الأنظمة الغربية(الديمقراطية) اليوم ممارسات لا علاقة لها بالديمقراطية، ناهيك عن رأس السلطة والحكم يتكرر من نحو قرن، أو عدة قرون كما في الولايات المتحدة وبريطانيا، بين حزبين تحديداً ولا نكاد نجد فرقا يذكر بين الحزبين سواء في النظريات السياسية أو الاجتماعية. ففي الولايات المتحدة قانون انتخابات معقد، يتحكم في الشخص المطلوب كنائب أو كشيخ في الكونغرس، أما في التنافس على منصب الرئيس، فالعملية تشهد فلترة (تصفية)معقدة، تتحكم الدولة العميقة كلياً (تقريباً) في شخص الرئيس بما لا يدع مجالاً للصدف.
ليس هناك نظام مثالي يخلو من الثغرات، وأن أي محاولة للتعميم غير المدروس بعناية، هو مدخل للفشل، وبتقديري أن نظاما سياسيا ناجحاً هو النظام الذي يساهم في صنعه العديد من الأشخاص والمؤسسات، ونظام يقوم على ثلاثة ركائز / مؤسسات رئيسية بتقديري هي ركائز / وسائل وممارسة ديمقراطية، هي أفضل من الانتخابات العامة المباشرة، أو انتخاب الرئيس من البرلمان(أو ما يعادله)، تضمن وصولاً مقبولاً للمرتبات العليا الثلاث، ولرئاسة البلاد.
• مجلس شورى الدولة ويمثل عناصر منتخبة من:
• مجلس شيوخ الدولة
• مجلس قيادة الدولة : يمثل المجلس الوزارات السيادية : الدفاع، الداخلية، الخارجية، الاقتصاد، مسؤولي الأمن،
الديمقراطية هي قدر محدود(وأحياناً محدود جداً) من المجال يمنحه النظام للجماهير بشرط أن لا تزعزع مركزه، وفي بلدان الغرب الراسخة الجذور، والمتينة البنيان، الحاكم الحقيقي هو ليس(س / فلان الفلاني) بل الفئة/ الطبقة الاقتصادية / الاجتماعية، والرؤساء وكبار رجال الدولة هم موظفون لا أكثر. وبطريقة لا تظهر على الشاشات (المونيتور)
الالتفاف على القوانين أمر ممكن
خداع الناس، أمر ممكن جداً
التنصل من الوعود الانتخابية، هو الغالب
جورج سباين، مؤرخ الفكر السياسي يقول : الديمقراطية الحقيقية، لا ولم، ولن تكون ....!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة
اعتمدنا في مقتطفات حول موضوعات الفكر السياسي الإسلامي والمسيحي، ومنها موضوعة الإمارة المهمة، وتجدها بالتفصيل في مؤلفنا : الاستهلال والاستكمال بجزأيه الصادرة عن دار ضفاف. وهذا المقال هو باختصار لبحوث واسعة. مصدرها
1. د. ضرغام الدباغ : الاستهلال والاستكمال : طبعتان، دار ضفاف/ الدوحة، والمركز الألماني العربي/ برلين
2. د. ضرغام الدباغ : تطور الفكر السياسي العربي / الإسلامي، نفس المصدر
3. د. ضرغام الدباغ، نظام الخلافة العربي الإسلامي، نفس المصدر
1788 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع