د.ضرغام الدباغ
بدوية جزائرية
كان ذلك عام 2015 على ما أعتقد، ضمني مجلس بمناسبة معينة، مع عدد نحو 25 من الشخصيات العربية، والحديث يدور عن حالة التراجع في الوضع العربي. وفإذا بأحد الأخوة العرب (وقد أضحت هذه مودة) بداعي شدة الغيرة والحمية .. يتهجم ويشتم قائلاً : " أن العرب يتركون غريقهم يغرق ..وبين صدق النوايا وزيفها تحول إلى جو عدائي ".
أنبرى أحد المهرجين الذين لا تخلو منهم الحياة، يسوق للمنطق المنهزم المتراجع، ويتملق عدد من المحسوبين على التيار الإيراني ومحازبيهم، عسى أن ينال سفرة لطهران، أو منفعة ببضعة يورهات ..وأخذ يتهكم على العرب وأمة العرب ليدخل السرور في قلوب الفرس والمتفرسين .. وللحظة ساد سكوت، وتطلع الحاضرين نحوي، لعلمهم أن سوف لن أسكت لهذا المهرج المأجور .. وأنا فكرت للحظة فإن أجبته بقسوة فسيعتبرها مناسبة ليتجاسر وليزيد مكافئته ..فلنرد عليه ببلاغة .... ثم قلت والجميع يستمع :
" أسمع أخي ... إليك هذه الحادثة كما جرت بالتفصيل وأنا أشاهدها في التلفاز نقل حي ومباشر ... في أحدى سنوات الحرب الأخيرة، قام السيد غالواي النائب البريطاني المتعاطف مع القضايا العربية بفعالية تضامنية إنسانية مع العراق، لمساعدة طفلة عراقية جريحة، فاشترى باص من نوع الطابقين اللندني المشهور، وقام برحلة من لندن إلى بغداد عابراً بحر المانش، إلى فرنسا، ثم إلى أسبانيا، ثم جبل طارق إلى المغرب، فالجزائر إلى تونس، ثم ليبيا، فمصر، والأردن والعراق، وكان الإعلام العالمي يتابع هذه الرحلة التضامنية الإنسانية.
يقول السيد غالواي (وفيما بعد حكي لي شخصيا أحد عناصر السفرة ممن كانوا بمعية غالواي وهو جزائري)، أن الباص كان يقطع الصحراء بين الجزائر وتونس، فإذا بهم يشاهدون سيدة بدوية جزائرية ..تلوح بعباتها للباص الأحمر ذا الطابقين من بعيد، فأمر السيد غالواي سائق الباص بالتوقف، معتقداً أن البدوية تريد أن تتنقل بنفس وجهة الباص، فلما توقف الباص، وفتحت الباب، أطلت البدوية تهتف : غالواي .. غالواي ... فأجابها غالواي، نعم ..نعم أنا غالواي .. فخلعت البدوية الجزائرية حلقة ذهبية من يدها وهتفت " خذ هذا وأعطه لصدام حسين، وقل له والله العظيم لو عندي غيره لأعطيته أيضاً ".
يقول غالواي .. ذهلت ولم أعد أطيق الكلام ..وقلت لنفسي ... كم هم أغبياء قادة الغرب .. يصدقون تقارير عملاءهم .. ولم يتعلموا من عشرات الدروس ولن يتعلموا "
أما أنا يا أخي فأقول لك أن عمق محافظة البصرة في وهران، وفي الدار البيضاء وفي موريتانيا .. هناك رجال متعبون .. ولكن الوطن والأمة لن تتعب " .
أطرق المتحدث رأسه في الأرض خجلاً وقال كلمة واحدة " العفو ".
1734 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع