الأقلّيات عندما تحكم .. سوريا مثالًا

أحمد العبداللّه

الأقلّيات عندما تحكم.. سوريا مثالًا

كانت بدايات ظهور العائلة الأسدية المجوسية المافيوية على المسرح السياسي السوري بعد انقلاب 8 آذار 1963, إذ كان(النقيب)حافظ أسد ضمن المشاركين في الانقلاب المذكور, عضوًا في(اللجنة العسكرية)السرّية التي تحكم من وراء الستار, وكان حزب البعث بمثابة الغطاء السياسي للجنة المذكورة والتي تكونت أساسا من عدد من ضباط الأقلّيات مع(تطعيمهم)ببعض الضباط السُنّة ووضعهم في الواجهة, بشرط أن يكونوا من السُذّج والمغفّلين, أو الجاهلين بما يدور في الخفاء!!.

وفي 23 شباط 1966 قام الضباط النُصيريون؛صلاح جديد ومحمد عمران وثالثهم حافظ أسد بـ(حركة تصحيحية), كما أسموها, صفّوا فيها رفاقهم من السُنّة ومن ضباط الأقلّيات الأخرى كالدروز والإسماعيلية على مراحل, وغدت لهم الكلمة العليا في حكم سوريا, وصار(اللواء)حافظ أسد وزيرا للدفاع وقائدا للطيران والشخص الأقوى في تشكيلة الحكم الطائفية, رغم إنهم حرصوا على وضع(خيال مآتة)سُنّي آخر على رأس الدولة هو(نور الدين الأتاسي). ثم انقلب حافظ أسد على الجميع, وجعل الحكم(عائليا),ثم انتقل الصراع لداخل العائلة نفسها, كعصابات المافيا التي تصطرع فيما بينها بشكل مستمر.

لقد خضع الشعب السوري لأبشع احتلال عرفه التاريخ من قبل عصابة كافرة مجرمة وحقودة, وخيّم على سوريا ظلام ليل طويل, وفُرضت الأحكام العرفية لمدة 61 سنة منذ انقلاب 1963 المشؤوم, وتغولّت أجهزة القمع وتناسلت وتعددت مسمياتها, وكان شغلها الشاغل هو إنزال أشدّ العذاب بالناس, وليس حماية الوطن والمواطن كما يفترض. والمفارقة إن أقسى تلك(الأفرع الأمنيّة)هو الفرع الذي يحمل اسم(فلسطين)!!. وولدت أجيال من السوريين وماتت وهي ترزح تحت نير هذا البلاء العظيم. ومنهم من من قضى نحبه في غياهب سجون لم تعرف البشرية لها مثيلا في ظلمها وظلامها وقسوتها, ودُفن ما تبقّى من أشلائهم في قبور جماعية مجهولة, أو تم فرمها بالمفارم وحرقها بالمحارق أو تذويبها بالأسيد!!.

ولم تعد أفران الغاز النازية أو المعتقلات السيبيرية في عهد ستالين, شيئًا مذكورًا أمام إجرام وجرائم وحوش وجلادي العصابة الأسدية الطائفية. ومن حالفه الحظ من السوريين السُنّة فقد تشرّد في المنافي البعيدة والقريبة, وهو يحلم بذلك اليوم الذي يعود فيه آمنًا مطمئنًا لبلاده واستنشاق هوائها, ثم ليُوارى جثمانه في ثراها. وكم من الحسرات ومن الآهات ومن المعاناة الصامتة أطلقوها وهم في غربتهم الطويلة بانتظار فجر لم يأتِ إلا بعد مخاض عسير ومرير.

وقد شهدت السنتين الأخيرتين من حكم المجرم بشار الكيماوي محاولات عربية لـ(إعادة تدويره), اتقاءًا لشره, بعد أن جعل من سوريا ولاية إيرانية, و(أكبر دولة مخدرات في العالم)!!, لتهريبها لدول الخليج العربية. ولكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل, ولم يتزحزح رأس النظام المجرم قيد أنملة عن تحالفه مع الفرس المجوس لغاية يوم سقوطه وهروبه المُذلّ.

وكان منظر المجرم بشار اللقيط في غاية القرف والاشمئزاز وهو يجلس على مقعد سوريا في اجتماع القمة العربية بعد أن كان قد تم طرده من الجامعة العربية لمدة عشر سنوات بعد اندلاع الثورة, كان منظره مشمئزا وهو يلقي كلمته ويستنكر فيها؛(جرائم العصابات الصهيونية في غزة)!!, ويتعامى عن حقيقة صارخة, وهي إن من قتلهم من السوريين والفلسطينيين خلال فترة حكمه فقط, تزيد على من قتلتهم إسرائيل من العرب في سبعين سنة بعشرات المرات.

وكان المنظر الآخر الأشد قرفًا, هو مصافحة الحكام العرب لهذا المجرم السفاح الذي أولغ بدماء السوريين. وإن العار الذي جلّل أولئك الحكام من(أنصاف الرجال)!!, كما وصفهم هو بلسانه في 2006, لن يزول. وستلاحقهم لعنة الدم السوري إلى أبد الآبدين. فقد كان البترو-دولار الخليجي هو أحد أهم الأسباب التي أطالت من عمر هذه السلطة الغاشمة عبر نصف قرن.

لقد هجّر وقتل واعتقل هذا النظام الإجرامي الطائفي القذر أكثر من ثلثي الشعب السوري السُنّي, ولم يبقَ في السجن الكبير تحت سلطته سوى المغلوبين على أمرهم, الخاضعين لسطوة الطائفة النُصيرية التي تهيمن على الجيش والأجهزة الأمنية والمفاصل الاقتصادية المهمة, وصار حال أصغر مجرم فيها كحشرة(القراد)!!, فقد امتصوا دماء الشعب المسكين الذي أثقلوه بالذل والإرهاب والجوع. ويشاركها في(المغنم)فئات من طوائف أخرى من الانتهازيين الذين دجّنهم النظام وكانوا عونا له في إجرامه وفساده وبغيه, وبضمنهم أعداد ليست قليلة من(السُنّة)استخدمهم واجهات لتجميل وجهه القبيح.

فرئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب وعدد كبير من الوزراء, هم من أهل السُنة, ولكنهم مجرد(ديكورات)لا قيمة لهم. إذ إن(الدولة العميقة)تتكون من الطائفة النُصيرية وبنسبة أكثر من 90%, ومعهم أفراد من النصارى والدروز وبعض من جحوش السُنّة. إذ جعل النظام من هذه الفئات أدوات ومتاريس وركائز استغلها أبشع استغلال للدفاع عنه وتثبيت وجوده لأطول مدة ممكنة. وقدّم نفسه(مدافعًا عن الأقليات), وضد التطرّف الإسلامي(السُنّي), وبقناع(علماني)مصطنع يخفي وراءه وجها طائفيا كالحًا.

وخلال هذه المدة الطويلة من حكم العصابة الأسدية الباطنية لسوريا, تعاملت تلك الشرذمة المجوسية مع الداخل والخارج بمئة وجه, وتكلّمت بمئة لسان. فهم مع العرب, ارتدُوا قناع القومية وشعارات فارغة عن تحرير فلسطين ومحاربة الصهيونية, ومع الفرس المجوس هم أحد فرق الشيعة, ومع الغرب, هم حماة الأقلّيات ومكافحة الإرهاب, ومع الروس؛هم اشتراكيون ثوريون تقدميون. أما في الداخل السوري, فقد طوّع طائفته النُصيرية, وورطها في جرائم ضد الأكثرية السُنّية, وأدخل في روعهم؛(إن لم تقفوا خلفي فستُبادون)!!.كما تمكن النظام من احتواء قسم من الأقلّيات الأخرى بالطريقة نفسها.

واخترق أيضا المجتمع السُنّي بواسطة بعض المعمّمين؛كالبوطي وحسون, ومن خلال التنظيم النسائي المُسمّى بـ(القبيسيات). وبأسلوب(تبادل المنفعة), كسب لجانبه عددا من تجار دمشق وحلب, وهم من طبقة الارستقراطية السُنّية. وفي بداية حكم حافظ أسد رفع عدد من تجار سوق الحميدية في دمشق لافتة كُتب عليها؛(طلبنا من الله المدد، فأرسل لنا حافظ الأسد), وفي سنة 1971, قام تجار حلب بحمل سيارة حافظ أسد على أكتافهم احتفاءًا بأول زيارة له للمدينة!!!.

وما كان يمكن لأقلّية باطنية صغيرة وذات تاريخ مشبوه, أن تحكم بلدًا مهمًا كسوريا, كل هذه المدة الطويلة, لولا متاجرتهم؛كذبًا ورياءًا بقضية فلسطين, وامتطائهم لحزب البعث واتخاذه وسيلة, والذي صار مثل(حصان طروادة)!!. وكانت تلك الأقلّيات المنحدرة من الأرياف غالبا, تضمر حقدا هائلا على الأكثرية السُنّية المدينية, حقد يبدو بمظهر طبقي أو سياسي, ولكنه في العمق تحرّكه عوامل دينية-طائفية. وهذا هو سبب البطش والطغيان الذي مارسوه حينما انفردوا بالحكم*.
................................
* يشير الكاتب(ميشيل سورا)في كتابه(سوريا..الدولة المتوحشة)لمقالة افتتاحية لجريدة تشرين الحكومية بتاريخ الأول من تموز 1980, أعلن فيها المجرم رفعت أسد؛(استعداده للتضحية بمليون مواطن في سبيل إنقاذ الثورة)!!. وهذا ما طبقه هذا المجرم اللعين بحذافيره في المجازر الطائفية اللاحقة ضد السُنّة في سوريا وصولا للمجزرة الكبرى في حماة 1982.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

487 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع