هيكل… 90 عاما

                                                        

                                 أحمد صبري

              

  

لم يحظ صحفي عربي بمثل ما حظي به هيكل من شهرة ودور تجاوز عالم الصحافة إلى عالم السياسة، ليتحول إلى شاهد عيان على أخطر مراحل أحداثه، موثقا وراصدا مستجداته على مدى العقود الماضية.

والصحفي والكاتب محمد حسنين هيكل الذي بلغ التسعين من عمره، عاصر أحداثا هي من أشد فترات الإثارة في التاريخ العربي رصدها بعين الصحفي البارع لتنوير الرأي العام  بأسرارها.
 
وعلى مدى العقود الماضية التي عاش فصولها، تحول هيكل من صحفي وكاتب إلى مؤثر في أحداثها ما أثار حفيظة من عاصره من الصحفيين غير أن براعة هيكل وحسه الصحفي الراصد للحدث ومدياته قربه من صانع الحدث في مصر، الراحل جمال عبد الناصر إذ نال ثقته وقربه من دائرة صنع القرار.

     
 
وعندما نستعرض العلاقة بين ناصر وهيكل منذ ثورة يوليو عام 1952 ولغاية رحيل عبد الناصر في العام 1970، نستطيع القول إنها جسدت دور الصحفي وأبرزت مكانته في المجتمع خصوصا إذا كان الصحفي مؤمنا برسالة قائد المسيرة وأهدافه، كما في التجربة الناصرية.
 
وأتاح قرب هيكل من عبد الناصر إطلاعه على أسرار فترة النهوض القومي تأريخ مصر والمنطقة عموما، إلى حد حصوله على نسخة من أي قرار أو توجيه يصدر عن الرئاسة المصرية بأمر من عبد الناصر.
 
وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على رحيل عبد الناصر ظل هيكل وفيا ومدافعا عن مبادئ ثورة يوليو وقائدها على الرغم من حملات التشكيك والتشويش التي حاولت النيل من صدقتيها وهويتها.
 
ومثلما حاول هيكل أن يكون قريبا من عبد الناصر في ذروة معاركه داخل مصر وخارجها، يحاول أن يلعب الدور نفسه،على الرغم من اختلاف الظروف والأشخاص، مع وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي الذي وجد فيه هيكل، النواة والوسيلة لإعادة الاعتبار والحيوية للتجربة الناصرية وإبراز دورها في تأريخ مصر والمنطقة.

   
 
وكانت زيارة السيسي إلى ضريح عبد الناصر في ذكرى رحيله في الثامن والعشرين من الشهر الماضي بصحبة هيكل وعبد الحكيم نجل عبد الناصر، رسالة إلى الجميع مفادها أن قائد التغيير الجديد في مصر، ينهل من فكر المدرسة الناصرية ومبادئها.
 
ويسجل لهيكل أن العشرات من الرؤساء والملوك  والشخصيات هم من يطلب مقابلته وليس هو، كما جرت العادة، ما أعطاه ميزة ومكانة في عالم الصحافة والسياسة، لم يرتق إليها من معاصروه.
 
وأصبحت للمعلومة وتوثيق الحدث السياسي عند هيكل، مكانة في تعزيز رؤيته السياسية للحدث، فتحولت مؤلفاته إلى مصدر موثوق ومرجعية ذات مصداقية في تنوير واطلاع الرأي العام على حقائق الأحداث التي عاصرها هيكل خلال سفر حياته.
 
وعندما التقيت هيكل صيف العام 1989 في شقته المطلة على النيل في القاهرة، أبلغتني مديرة مكتبه، أن الفريق البحثي الذي يعاون هيكل في عمله، يمتلك نحو مليون وثيقة ومصدر ومعلومة وضعت تحت تصرفه.
 
وعندما قلت لهيكل أني أتابع ما يكتبه في الأهرام بعنوان /بصراحة/ من إذاعة صوت العرب كل يوم جمعة، وعبر الصحافة العراقية التي كانت تنشر نصها في ستينيات القرن الماضي، قال مازحا /لا تحاول كشف عمري/
 ونشرت نص الحوار في مجلة ألف باء الذي كنت أعمل فيها، وكشف هيكل خلال الحوار، عن أن أزمة المياه ستكون خلال العقود المقبلة، في مقدمة أزمات وتحديات المنطقة معللا ذلك بأن الأمن المائي لا يقل أهمية من الأمن القومي موضحا  أن مصر ستتأثر بهذه الأزمة.
 
وأقر هيكل أن إنهاء الحرب العراقية الإيرانية، لم تنه الصراع بين البلدين كاشفا أن الدول الكبرى المؤثرة بالمنطقة أرادت إنهاك طرفي الصراع لصالح ترجيح كفة إسرائيل في معادلة الصراع بالمنطقة.


 وتوقعات هيكل لمسار الأحداث بالمنطقة العربية بعد مرور أكثر من ربع قرن، الدليل على سعة أفقه واطلاعه، جسدت حس الصحفي والسياسي والباحث.
 وتجربة هيكل في عالمي الصحافة والسياسة على مدى سبعة عقود، ستبقى تراثا للاجيال تنهل من مدرسته الصحفية والمهنية والأخلاقية
 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

727 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع