ما كان من الأول يا مرشد!

علي الكاش

ما كان من الأول يا مرشد!

من الأقوال المتداولة عن اشقائنا المصريين (ما كان من الأول يا سيد) تعبير عن فوات الأوان عن عمل تجاهله السيد عن جهل او قصد او استغفال أدى الى نتيجة مؤسفة، عندما سُئلت متى تنتهي الحرب الإيرانية ـ الإسرائيلية؟ قلت: عندما تدخل الولايات الحرب في الصفحة الثانية من الحرب، صحيح انها داخلة فعليا في الحرب ولكن ليس في كل صفحاتها، وصحيح ان الطائرات والذخائر أمريكية، وان الطائرات امريكية، والمعلومات الاستخبارية أمريكية، والمصدات من القبة الحدية ومقلاع سليمان وغيرها أمريكية، يبقى فقط الطيار ربما يكون إسرائيليا او أمريكيا او يحمل الجنسيتين.
لعل سائل يسأل فما الذي تعنية بدخول الولايات المتحدة الحرب، طالما هي داخلة فعليا؟
أقول ان الحرب تتضمن اربع صفحات، هي التقدم والانسحاب، الهجوم والدفاع، لذا الولايات داخلة في الحرب ضد ايران في صفحة الدفاع كليا، والهجوم جزئيا، بمعنى ان الولايات المتحدة في حال اتخاذ الرئيس الأمريكي الحرب وهي من صلاحيته، عندما يشعر ان بلده وشعبه ومصالحه تتعرض الى الضرر، يمكنه ان يدخل المعركة دون الحاجة الى موافقة الكونغرس، على ان لا تتجاوز المعارك (شهرين) قابلة للتمديد، ويفترض ان يُعلم الكونغرس قبل (48) ساعة من توجيه الضربات، وان لا يعلنها كحرب شاملة وانما ضربات عسكرية. ودخول الولايات المتحدة يحسم الحرب.
أقول لو ان المرشد الإيراني الأعلى وافق على نسبة معينة من تخصيب اليورانيوم تكفي لحاجة بلاده من حيث توليد الطاقة ودعم الصناعات الوطنية والعسكرية، لما عرض بلاده الى كل هذا الخراب، سيما ان الاقتصاد الإيراني يعاني من مشاكل كثيرة ومتفاقمة بسبب الحصار الاقتصادي المفروض عليها، ومن يعتقد ان المسألة تتعلق بالكرامة والسيادة، نذكره بما تعرض له العراق خلال عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، فلم يكتفوا المفتشون بدخول القصور الرئاسية، بل دخلوا الى غرف نوم الرئيس الراحل، واجزم ان كرامة البلد، أي بلد لا تتعلق بكرامة الرئيس فقط، بل بكرامة الشعب بالعيش بسلام وأمن والابتعاد عن شبح الحروب، وما تسببه من دمار وخراب، الكرامة الوطنية ان يحافظ الزعيم على مصالح الدولة، وتحقيق الحياة الكريمة للشعب، وتوفير متطلبات الحياة الأساسية.
الحقيقة، لا يهمنا مطلقا من يربح الحرب او يخسرها، فالطرفين المتنازعين لهما نفس المشروع الاستيطاني، وكلاهما اضر بمصالح الشعب العربي، وما سببته ايران من دمار في العراق لا يقارن بما فعلته إسرائيل بالعراق على اقل تقدير (باستثناء تدمير المفاعل النووي العراقي)، وردٌ العراق بضرب إسرائيل بعدد من الصواريخ البعيدة المدى، ولم ترد إسرائيل على تلك الضربات، ليس تكرما على العراق، بل بتوصيات اوربية وامريكية، سيما ان الأضرار كانت محدودة على صعيد الخسائر البشرية والمادية في الكيان المسخ. لا مصلحة للعراق في هذه الحرب، والحياد هو الجانب الأفضل الذي يجنب العراق مغبة السقوط في الهاوية المهلكة، مع الأخذ بنطر الاعتبار ضعف العراق عسكريا واقتصاديا، كما ان الجيش العراقي غير قادر على حفظ وحماية الحدود، وليس الدخول في حرب مدمرة، مع كيان مسخ يملك من القوة والإمكانات التقنية والعسكرية ما يجعل العراق في حالة يرثى لها لو دخل الحرب.
البعض يحاول ان ينظر للحرب بين الطرفين من جانب ديني، مع انه لا علاقة للرب في الحروب التي يقوم بها البشر، فقد شهدنا امرا مثيرا بعد عام 2003، وهو تشابه الكيان الصهيوني وتنظيم داعش الإرهابي والنظام الايراني في مشاريعهم الاستيطانية، النظام الإيراني يريد التمدد لإحياء الامبراطورية الساسانية المجوسية، ورسم الهلال الشيعي الذي يمتد من ايران فالعراق وسوريا ولبنان واليمن، وهو ما يسمى بمشروع الخميني وتصدير الثورة التي وردت كنص في الدستور الايراني، وتنظيم داعش الإرهابي شعاره التمدد في الدول الإسلامية، أي تصدير الثورة الإسلامية بمنظورها الوارد في ادبيات التنظيم بعبور الأوطان، والكيان الصهيوني شعاره التمدد من الفرات الى النيل، والهيمنة على الشرق الأوسط. جميع هذه المشاريع اخذت من الدين كستار للتغطية على مشاريعها الاستيطانية، فتنظيم داعش اخذ بالنظرة الإسلامية للسنة، وايران اتخذت من السرديات الشيعية في تصدير الثورة، واليهود رجعوا الى السرديات الواردة في العهد القديم التي تعتبر اليهود هم اسمى من بقية البشر، ولابد من ان تكون القوة هي السمة الغالبة لهم، والهيمنة على بقية الشعوب.
لو قامت القوات الامريكية بضرب المفاعلات النووية في ايران، ومنشئات تصنيع الصواريخ البالستية، وقلمت مخالب المرشد الأعلى في منطقة الشرق الأوسط، فهذا يعني ان ايران سترجع الى ما قبل الثورة الصناعية، كما حدث للعراق بعد غزو الكويت، من الغرائب ان المرشد الأعلى لم يتعظ مما حصل للعراق، وهو درس بالغ الأهمية، لكل من يقاتل من هو اقوى منه بأضعاف المرات بسبب العنجهية والغطرسة والدكتاتورية، واوهام القوة. فإسرائيل بكل حيادية هي الأقوى في الشرق الأوسط رضينا ان ابينا، وتركيا وايران تليها في القوة، على اعتبار ان إسرائيل والولايات المتحدة وجهان لعملة واحدة، من يحارب إسرائيل، يحارب الولايات المتحدة والدول الاوربية، ولا يمكن ان يحقق أي نصر، لأن المنطق يقول هذا، ففارق القوة العسكرية والتقنية بين البلدين لا يمكن مقارنتها، مع ان لكل من الطرفين مميزات وعيوب، بعضها تتعلق بالبعد الجغرافي من ناحية المساحة والسكان والمقدرة العسكرية، ايران مثلا مساحتها تزيد عن مليون وستمائة كيلومتر مربع، بمعنى عشرات اضعاف مساحة إسرائيل، وعدد سكان ايران حوالي (100) مليون نسمة، في حين لا يتعدى سكان إسرائيل (9) مليون نسمة، وتنحصر القوة الإيرانية في الصواريخ البعيدة المدى والطائرات المسيرة فقط، وهذا ما تمتلكه إسرائيل أيضا، علاوة على احدث الطائرات الامريكية وأكثرها تقنية كالشبح (اف 35) وغيرها، في حين القوة الجوية الإيرانية تعد صفرا مقابل هذه الطائرات، كما تمتلك إسرائيل اقوى المصدات الحربية كالقمة الحديدية والسهم ومقلاع داود وغير من المضادات، وتفتقر ايران الى مضادات فاعلة امام الطائرات، فهي تقتصر على المضادات الأرضية وهي عبثية مع تطور التكنلوجيا، سيما بعد ان دمرت إسرائيل جميع منظومات الدفاع الإيرانية في عملية الوعد الصادق/2، ولعدم وجود حدود أرضية مشتركة بين الطرفين، فهذا يعني ان الحرب ستكون في السماء وليس الأرض، مع الافتراض ان القوة البحرية للبلدين لم تدخلا الحرب بعد.
وهذا يعني ان التفوق الجوي سيكون لصالح إسرائيل، كما ان الصواريخ البالستية لا يمكن ان تحسم المعركة، لأنها تعتمد على عدد المنصات التي تطلق الصواريخ، وتزعم إسرائيل انها دمرت حوالي اكثر من (30%) من المنصات الإيرانية وهذا يفسر قلة عدد الرشقات الإيرانية من (200) صاروخ في اليوم الى (20) صاروخ، وفي الوقت الذي تسيطر فيه القوات الأمنية الإسرائيلية على الداخل، فان ايران تعاني من كثرة الجواسيس في الداخل، بل ان الموساد اقام قواعد للطائرات المسيرة داخل ايران، وكانت تقوم بمهام قتالية، فقد ذكرت مصادر رسمية إسرائيلية ان الموساد اقام قاعدة دقيقة لصناعة الطائرات المسيرة في قلب طهران وشاركت في الهجوم الأخير (عملية شعب كالأسد الصاعد)، ونشر الموساد أفلاما تصور قيام عناصره بتركيب أنظمة هجومية داخل ايران.

نوعية الصواريخ الإيرانية
بلا ادنى شك تمتلك ايران نوعية متقدمة من الصواريخ البالستية، ولكنه اثرها التدميري لا يقارن بالغارات التي تقوم بها إسرائيل، ذكرت مصادر إسرائيلية ان ما يزيد عن (400) طائرة مسيرة و(400) من الصواريخ البالستية اطلقتها ايران اتجاه إسرائيل (40) منها فقط وصلت الأرض لغاية 18/6/2025 بمعنى 10% نجحت في تحقيق أهدافها فقط، كما اسقطت معظم الصواريخ الإيرانية خارج الأجواء الإسرائيلية، لذلك لم تُشغل صافرات الإنذار في عموم إسرائيل في كثير من الأحيان. وهذا لا يعني ان الصواريخ الإيرانية فشلت، بل حققت البعض منها نتائج مهمة في ضرب المصالح الاسرائيلية العليا مثل معهد وايزمن للبحوث العلمية، ومصفاة نفط حيفا، ووزارة الدفاع الإسرائيلية وغيرها من الأهداف الحيوية داخل إسرائيل. مثلا بلغت طلبات التعويض (18766) طلب من إسرائيليين متضررين من الحرب، منها (15861) مطالبات عن اضرار منازل، و(1272) تعويضات عن اضرار بسيارات احترقت، وهذا يعني هول ما حدث من دمار.

فشل حماية المسؤولين الإيرانيين
في الوقت الذي صفت فيه القوات الاسرائيلية جميع قادة حزب الله من الصف الأول خلال شهرين، فأنها تمكنت من تصفية كبار القادة الإيرانيين في الجيش والحرس الثوري خلال أربعة أيام فقط، تصوروا في اليوم الخامس من الحرب تنبهت ايران الى ضرورة عدم استخدام القادة العسكريين للموبايل والانترنيت لانهما يصلحا كوسائل تعقب للموساد، متجاهلة ما تعرض له حزب الله اللبناني من خسائر (الباجر)، التي طالت السفير الإيراني في بيروت. في الحروب لا ينام القادة في بيوتهم، فهم اما يتواجدوا في الجبهات او في مناطق محصنة جدا، ليمارسوا مهامهم القتالية، وهذا ما تفعله اسرائيل.
قتلت إسرائيل قادة ايران من الصف الأول خلال عشرة دقائق فقط رئيس هيئة اركان الجيش الإيراني محمد باقري، قائد الحرس الثوري حسين سلامي، قائد مقر خاتم الأنبياء غلام علي رشيد، رئيس القوة الجوفضائية في الحرس الثوري أمير حاجي زادة مع مجموعة من ضباطه خلال اجتماع ، مع (12)عالما نوويا منهم محمد مهدي طهرانجي، فريدون عباسي، وآخرين)، وعلي شمخاني مستشار المرشد الإيراني (بتر ساقه)، وثمانية وسبعين قائدا. تم اغتيال إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، غلام رضا محرابي رئيس شؤون الاستخبارات العسكرية، اللواء مهدي رباني نائب رئيس شؤون العمليات، و(14) عالما نوويا. اغتيال ثلاث جنرالات هم محمد كاظمي رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني، وحسن محقق نائب رئيس استخبارات الحرس الثوري، ومحسن باقري مساعد قائد الاستخبارات في الحرس الثوري، رئيس اركان الحرب الجديد علي شادماني، بعد اربعة ايام من تعيينه من قبل المرشد الإيراني بعد اغتيال غلام علي رشيد رئيس اركان الجيش السابق، ولم تتمكن ايران من اغتيال أي مسؤول إسرائيلي لحد اليوم.

الخاتمة
نأمل ان لا ينجر العراق بسبب الولائيين الى هذه الحرب التي لا ناقة له فيها ولا جمل، تحت عنوان ان العراق وايران جسد واحد، فالعراق اضعف من ان يخوض أي حرب مع اضعف دولة، فما بالك بحرب مع قوة كبرى تتمثل بالولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل؟ ليس للعراق اية مصلحة في خوض الحروب، وهو لم يتعافى بعد من جروح الماضي القريب، كانوا الولائيون يعيبون على النظام السابق حروبه، وهم يكررون اليوم نفس السيناريو، من يريد ان يصطف مع ايران في حربها يمكنه الذهاب الى ايران ويحارب براحته، لقد كان الولائيون في دمشق اثناء حكم الجزار بشار الأسد، ولم يقوموا بأي هجوم على العدو الإسرائيلي وقواته في الجولان على مقربة منهم، فما عدا مما بدا؟ هذا يذكرنا بالمثل العربي" عرفتني بالحجاز، وأنكرتني بالعراق، فما عَدَا مما بَدَا؟ (مجمع الامثال للميداني 2/296).


  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

615 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع