إبراهيم فاضل الناصري
النسب والحسب:موقف وفاء وأمانة عهد وصدق إنتماء
أيم والله، انني قد انطلقتُ في رحلتي البحثية الشائكة والمضنية عبر مضمار الأنساب والأحساب مذ كان عمري خمسة عشر سنة، وها أنذا اليوم، وقد لبستُ عباءة الستين، أخلص إلى القول:
إن النسب والحسب ليسا صدى اسم، ولا بقايا شجرة عتيقة تُعلّق في المجالس والدواوين، انما هو عهدٌ ممتدّ بين الماضي والحاضر، بين الجد والحفيد، بين الأصل والفصل.
وإن أصدق وأوثق دليل على صحة النسب وثبات الحسب ليس وثيقةً تُورث، ولا شهادةً يدلى بها، ولا تواتر مزعوم يتداول بين الاجيال، بل هو ما يتجلى في سلوكيات الفرد ومواقفه، حين يُدعَى الى الوفاء بالعهد فيوفي، وحين يُختبر في الانتماء فيثبت، وحين يُنازع على ولائه فيصمد.
وتالله، إن هذه المعايير لأصدق من كل ما يُكتب أو يُقال، وأعمق من كل نسبٍ يُتداول بين الناس على ألسنتهم، او بوثائقهم، بل هو أصدق حتى من فحوص الـ DNA، ذلك لأن الدم وحده لا يصنع النسب، وإنما تصنعه القيم، ويُقيمه السلوكيات، وتُبرهن عليه المواقف، وتُصقله صور المروءات.
فما النسب إلا مرآةٌ عاكسة للوفاء للانتماء والاعتزاز به، وما الحسب إلا شجرةٌ لا تورق إلا إذا سُقيت بماء الثبات والتمسك.
وهنا، في قلب هذا المعنى، يتجلّى النسب الحقّ: انتماءٌ لا يتغير بتقلّب الأيام، وولاءٌ لا تهزه رياح التقلب، وشرفٌ لا يُساوَم عليه، ولو كثر المساومون.
ويا للأسف، أقول هذا والحزن يعتصر قلبي، وأنا أرى بأمّ عيني كيف يتفشى الانسلال والانفلات في نفوس من كانوا بالأمس يتفاخرون بانتسابهم للقبيلة، فإذا هم اليوم عند مواطن الافصاح، لا يُعرف لهم موقف، ولا يُرى فيهم مجد. أين ذهب صدق العهد؟ أين اختفى حبل الوفاء؟ وكيف يُنسى ذلك التاريخ المجيد عن نزوة أو هوى؟
وايم والله، ما الانتساب إلا أمانة، وعهد واعتزاز وما العزوة إلا صدق الوصل، ومن خذل نسبه فقد خذل أهله، ومن أنكر أصله فقد أنكر نفسه.
النسب ليس كلمة تُقال في مضيف، ولا سطرًا يُسجَّل في وثيقة، بل هو خلقٌ يتلبسك، ومبدأٌ تسير عليه، وسلوكٌ يزكّيك
ومن ضيّع صفته وعزوته، فقد خان أصله، ومن فرّط في أهله، فقد فرّط في نسبه، وإن علت أوراقه، وامتلأت شهاداته، وزُيّنت جدرانه بالخرائط والسجلات.
فلا عزَّ بورقة، ولا مجدَ في لقبٍ بلا انتماء، ولا نسبَ لمن نسي انتماءه أو بخس ارتباطه.
أيه قومي، تعالوا نُعيد للمفهوم قيمته، وللانتماء جوهره، وللنسب شرفه، فوالله، لا يُبنى الاصل إلا على أساسٍ من موقف صادق، وولاءٍ نقي، وانتماء ثابت لا يهون.
وهكذا يتطلب منا أن نعيد رسـم اشجار النسب.
543 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع