أحمد العبداللّه
الغدر لدى الفرس المجوس
(ليت بيننا وبين فارس جبلًا من نار.. لا ينفذون إلينا ولا ننفذ إليهم)؛كلامٌ من ذهب, بل أغلى من الذهب, ذلك القول المنسوب لأمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب(رضي الله عنه). ومع علمي بضعف سنده, ولكن الواقع صدّقه ويصدّقه مرارًا وتكرارًا. فتلك العبارة البليغة يجب على كل مسلم سُنّي أن يضعها نصب عينيه, ويحفظها في قلبه وفؤاده, ويلقّنها لأولاده وأحفاده, كي تتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيل, ولا نبقى نُلدغ من الجحر نفسه في كل مرّة.
وقُبيل معركة القادسية عام 636 م, طلب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من الصحابي المقداد بن الأسود الكندي(رضي الله عنهما)أن يصف له الفرس استنادًا لتجربته معهم واحتكاكه بهم, فبعث له الرسالة التالية, والتي أجمل فيها صفاتهم وأخلاقهم, إذ تقول تلك الرسالة البليغة؛(إنهم علوج عجاف ونعاج ضعاف.. سيدهم القوي وعبدهم الضعيف.. يلبسون الخيانة وينزعون الأمانة.. تنقصهم الأخلاق والمروءة.. وتلهو بهم الأهواء وتسوسهم النساء.. لا عهد لهم ولا ذمة ولا وفاء.. أهل غدر ومكر ودهاء.. لا تعرف رأسهم من الذنب.. إذا شددت عليهم أرخوا لك.. وإذا أرخيت لهم شدّوا عليك)!!.
وهذه الصفات يبدو إنها متجذّرة فيهم, وتنتقل من جيل لآخر, كالجينات الوراثية, حتى باتت جزءًا لا يتجزّأ من الشخصية الفارسية عبر التاريخ, رغم اختلاف الحقب الزمنية وطبيعة الحكم والحكّام. وليس هذا فقط بل هي تصيب الأقوام الأخرى التي تدين بعقيدتهم وتتخلّق بأخلاقهم وتتطبّع بعاداتهم, كما في حالة الأغلبية الساحقة من الشيعة العرب, وخاصة في العراق, إذ نرى تلك الأوصاف, أو معظمها, متجسدة فيهم بشكل صارخ.
وتذكر المصادر التاريخية إن الملك الآشوري؛ آشور بانيبال؛(668-627 ق.م.)، سعى في بداية عهده, لتطبيع علاقاته مع الدولة العيلاميّة بالرغم من العداء التاريخي الطويل الذي تكنّه لكل من يحكم بلاد الرافدين. فانتهز حصول مجاعة في عيلام وزوّدها بالمؤن والأرزاق, وسمح للعيلاميّين بدخول بلاده. إلّا إن تلك اللفتة الإنسانية النبيلة لم تخفف من غلواء حقدهم وبغضهم للآشوريين, والتي اتخذت أشكالًا عديدة, كالتدخل في الشؤون الداخلية والتآمر والتحريض والعدوان المباشر.
وبعد موت الملك العيلامي(أورتاكي)عام 663 ق.م., خلفه الملك(تيومان), والذي بدأ عهده بقتل منافسيه من أرباب الحكم لتثبيت سلطته. فهرب ثلاثة من أبناء الملك السابق(أورتاكي)إلى آشور طالبين اللجوء خشية من تصفيتهم من قبل الملك الجديد، باعتبارهم من المنافسين الفاعلين المطالبين بالعرش العيلامي. فوافق الملك آشور بانيبال على استقبالهم وتقديم الحماية لهم, ورفض مطالبات(تيومان)بإعادتهم إلى عيلام. وبعد فترة من الزمن، تمكنوا من العودة إلى بلادهم واستعادة الحكم, وبمجرد جلوسهم على العرش، نقضوا عهودهم وأعلنوا الحرب على الدولة الآشورية!!.
وهذه الواقعة, رغم إن الفاصلة الزمنية البالغة بينهما أكثر من 2600 سنة, تتماثل تماما مع حالة الدجال خميني, الذي آواه العراق ووفّر له الحماية والدعم لمدة(13)سنة كاملة. ولما عاد لبلاده حاكما مطلقا, كان أول ما فعله هو إعلانه العداء السافر للبلد الذي أكرمه بعد أن جاءه شريدًا طريدًا حافيا. ثم تطوّر الأمر لبدء عدوان شامل استمر لثماني سنين, رافضا أي مسعى للجلوس على طاولة التفاوض. ولما اضطُر أخيرا لوقف إطلاق النار لشعوره بالعجز التام أمام صمود العراق واقتداره, اعتبر ذلك القرار بالنسبة له أشدّ من؛(تجرّع كأس من السمّ)!!.
وأعتقد إن واحدة من أهم الشهادات التي عبّرت بشكل دقيق عن إجرام النظام الإيراني وإرهابه, هو ما ذكره(مايك بومبيو)وزير خارجية أمريكا ومدير مخابراتها في ولاية(ترامب)الأولى, في كتابه(القتال من أجل أميركا التي أحب), والصادر في سنة 2023, إذ يقول إن؛(النظام الإيراني جماعة إرهابية. ولكن بخلاف غالبية الجماعات الإرهابية، يمتلك النظام, بحماية الحرس الثوري, كل أدوات فن الحكم؛ حدوداً معترفاً بها دولياً، ودبلوماسيين في الأمم المتحدة، وعملة إلزامية، وتحكّمًا تامًا بحقول نفط هائلة، ومصارف، وقطاعات أخرى في الاقتصاد الإيراني)!!. ويضيف(بومبيو), وهو أحد أهم المسؤولين الأمريكان الذين خبروا هذا النظام, وأدركوا حقيقته؛(طهران هي اليوم القاعدة الرئيسية لقيادة القاعدة الرفيعة... والمقر الرئيسي لـ(القاعدة) ليس في تورا بورا بأفغانستان أو في باكستان, وليس في سوريا أو العراق. إنه في عاصمة إيران)!!.
***
لقد نبّهنا الله تعالى في كتابه العزيز لشرِّ المنافقين وخطرهم, إذ قال؛((كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ)). وحذّرنا سبحانه من غدرهم, بقوله تعالى؛((هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)). ووصفهم بأنهم أشدّ الناس عداوة للمؤمنين, إذ قال تعالى؛((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)). وبلا أدنى شك؛ فإن إيران وحثالاتها هم اليوم من ينطبق عليهم وصف المنافقين والمشركين وصفاتهم, والتي وردت في القرآن الكريم وأحاديث النبيّ الكريم محمّد(صلى الله عليه وسلم)؛كالغدر, والخيانة, والكذب, والفجور, ونقض العهود, وتقديس القبور, وعبادة البشر, وغيرها.
875 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع