قمة الدوحة قد تنتج مرثيةُ أُمّةٍ تنتظرُ موتها

 بقلم : اللواء الملاح الركن المتقاعد فيصل حمادي غضبان

١٤ أيلول ٢٠١٥

قمة الدوحة قد تنتج مرثيةُ أُمّةٍ تنتظرُ موتها

١. المقدمة : لم تكن قمة الدوحة وليدة أجندة سياسية اعتيادية، بل جاءت على وقع صدمة مدوية أحدثها القصف الإسرائيلي للعاصمة القطرية الحدث لم يضرب الدوحة وحدها، بل اخترق وجدان الأمة العربية والإسلامية، فأعاد إلى الطاولة أسئلة الأمن القومي، والكرامة المهدورة، ومصيرالشعوب التي باتت مدنها مكشوفة أمام نيران الآخرين.انعقاد القمة في هذه اللحظة لم يكن خياراً، بل ضرورة فرضها الدم والدخان، ليتحول الحدث إلى مرآة تُظهر حجم الانكشاف والانكسار الامة وبنفس الوقت اختبار الى مصدقية المواقف وهل ستكون الأمة قادرة على الرد بمستوى الحدث أم أنها ستكتفي ببيانات تكتب بغلافٍ عربيٍّ، اسلامي وغاية بمقاساتِ نفَسِ القوةِ الخارجية؛ فأيَّ سلامٍ هذا الذي يُوقَّعُ بدمعِ الغير ام سيكون. التنديد والدعاء هو البديل .

٢. ياقادة الأمة العربية والإسلامية:ضعوا أيديكم على صدوركم، واسمعوا صمتَ أمةٍ تبدو فيها القِيمُ كأنها سلعةٌ في سوقِ الغدر.هل سمعتم صريرَ الأرواحِ في غزة المواطنُ العربي المسلم الذي يتحسسُ ما تبقّى من إنسانيةٍ، يقول لكم لن تُطَوَى حقائقُ الدمِ خلفَ ستائرِ النصوصِ ولن يدفن نحيبُ الأمهاتِ تحتَ ركامِ الأعذارِ الدبلوماسية. لا سامح الله ان ما تضيّعونه من إرادةٍ اليوم، ستُطالبون به غداً بأثمان غاليه قد تتجاوز قدراتكم. ربما تقولون تسامحاً وديناً نعم لكن التسامح يجب لا يكونُ وشماً على جثةِ الحقِّ ولا ركام فوقَ رمادِ الحرمان.ربما تتذكرون أنكم أولادُ عمٍ ( حام وسام من منظور النسب والتاريخ القديم، يُنظر إلى العرب واليهود على أنهم من نسل سام، أي أبناء عمّ، وهذا يؤكد الروابط التاريخية العميقة بينهم.اما الصهيونية حركة سياسية ظهرت في العصر الحديث، تهدف إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين، لكنها ليست تمثيلاً للدين اليهودي، فاليهودية دين وقيم، والصهيونية سياسة قومية. كثير من اليهود حول العالم لا يدعمون الصهيونية ولا يعتبرونها جزءًا من عقيدتهم الدينية.يمكن القول باختصار ان اليهودية دين، والصهيونية فكرة سياسية حديثة، والعرب واليهود تاريخيًا أقارب فهل المودةُ تستدعي سكوتَ الضميرِ حين ينهشُ الابنُ حقّ الأخِ أم أن المصلحةَ قد أعمَتْكم عن رائحةِ الدمِ، مواقدٌ حُرِقتْ وأحلامٌ سُفِكتْ، وها هي غزةُ تقرعُ أبوابَ الحِساب.من يصمتَ اليوم سيُذيقُ غداً مرارةَ الأسئلةِ بلا جواب وما قيمةُ قمةٍ تُنعقدُ لتناقشَ العدوانَ، بينما العدوانُ يَحصدُ الأعدادَ ويدوسُ على الأجسادِ ويهدم البناء ويقطع حتى الماء.

٣. سادتي القادة المحترمون : ان الامر بالمعروف من سجية المسلم كما إن الدعاءَ في الإسلام، ليس مجرد كلمات، بل وسيلة لتغيير القدر أو تيسيره، كما جاء في الحديث الشريف
“الدعاء هو العبادة”الله سبحانه وتعالى يقدر الأمور، لكن الدعاء سبب لتبديل الأمور أو دفع الضرر، فقد قال تعالى:
“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” [غافر: 60]هذا لا يعني أن القدر مُلغى، لكنه يعني أن التدخل بالدعاء مشروع ويغير ما يمكن تغييره بإذن الله، خاصة ما يتعلق بالسلامة، والنجاة من الشرور لكنَّه لا يكفي أمامَ صواريخِ العصرِ وطائراتِ الظلال،ووقع الحديدِ والسيبرانياتِ التي تُقفِلُ الأبوابَ وتُنهي الحكايا.اصنعوا صبرًا يُترجمُ إلى قرارٍ، ولا يكونُ فراراً من المسؤولية. إن أردتم برهانَ شرعيةٍ، ( دعونا نشاهد ان صلاتكم جامعةً، لتشهدَ أن لكم صوتاً وعزماً لا يضعف ويلين ) يا خير أمةَ أُخرجت للناسِ خيراً، هل هذا ما عَدتُم عليه أم أن التاريخ سيكتبُ عنكم فصلَ الذلِّ والامتثالِ، بينما الخرائطُ تُرسمُ للغيرِ من الفراتِ إلى النيل ابقوا صامدينَ في صبرٍكم ليكونُ عملاً. ولاتدعوا الخوفَ أو الطمعَ يسرقان منكم رُوحَ الوحدة والقوّةِ والكرامةِ.التوكل على الله أساس الطمأنينة والقوة في مواجهة كل الظروف، كما قال تعالى: “وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ” [الطلاق: 3]..القمة اليوم ليست تشريفاً ولا ترفاً سياسياً؛ بل إنها ولدت من رماد الدمار، ومن وجع الشعوب التي ضاقت ذرعاً بالخذلان. إن قصف الدوحة لم يكن استهدافاً لمدينة وحدها، بل رسالةً لكل عاصمةٍ عربية وإسلامية تقول أن الدور آتٍ، وأن الصمت لن يحمي أحداً.اليوم، يُمتحن القادة أمام شعوبهم، وتُختبر الإرادة أمام التاريخ. فإما أن تكون هذه القمة بداية لوعي جديد، أو تُسجل كمرثية أُخرى في سجل الانكسارات.

٤. غداً قد يصدح الأذان من زقورة أور في الناصرية، حيث وُلد إبراهيم الخليل. لكن أيُّ أذانٍ سيكون جديدٌ بلا نبيٍّ ولا رسول، أذانٌ يُعلن ديانةً “إبراهيمية” مصاغة في مطابخ السياسة، تُحاول أن تَصهرَ الإسلام والمسيحية واليهودية في قالبٍ واحدٍ يخدم خرائط القوة، لا خرائط الإيمان.إنها ليست وحدةً روحية، بل غطاءٌ أيديولوجيٌّ لشرقٍ اوسط جديدٍ تُطبع فيه الأوطان كما هي طباعة النقود، وتُختزل فيه رسالةُ السماء إلى مشروعٍ بشريٍّ تُشرف عليه تل أبيب وواشنطن.

٥. يا قادة الامة قد تفرحون بمشهد “المئذنة” في أور، لكنّها لن تُسكت دماء غزة، ولا صرخات الثكالى في بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت. تلك المئذنة ستبقى شاهداً على أنكم استبدلتم إرادة الله بأوامر أمريكا، وشرائع الأنبياء بقرارات العروش.إن المرثية التي تُكتب اليوم ليست عن أمةٍ تعبت، بل عن أمةٍ سُلِبَت إرادتها وهي واقفة على أعتاب ماضٍ مجيد. أمةٌ تُزيَّن لها الطقوس الموحّدة، بينما تنحرُها الخرائط الممزقة.

٦. الخلاصة : قمةُ الدوحة ومحاولاتُ الصياغةِ الدبلوماسية اتوقع واتمنى ان اكون مخطئ انها لا تُطفئُ صراخَ غزة ..كما ان دعاء المنابر الذي يصدح في مسامعنا كل صلاة جمعة وحده لا يكفي أمام أدواتِ القتلِ الحديثة.عليكم ان تصغوا لنداء الامة الذي يتجول بمسامعكم محذراً استيقظوا من غفلتكم، واجعلوا صبرَكم فعلاً وقراراً، فالإصلاحُ والالتزامُ والوقوفُ مع المظلومين وحده قادراً على إنقاذِ كرامتنا. لا تغفلوا عن إعلان “الديانة الإبراهيمية” من زقورة أور انها ليس نهضةً روحية، بل فصلٌ جديدٌ من مشروع إخضاع الأمة وتجريدها من خصوصيتها الدينية والحضارية. الأذان الذي قد يُرفع هناك ليس صوتاً للوحدة، وليس ديناً بل مشروع سياسي لزمن الانكسار لا للاتحاد. وُلد الإيمان في أمتكم فلا تقتلوا روحه .

ملحوظة :ان موروث الامة من تداعيات وتنازلات والتي عاشها جيلنا ومن سبقه دعاني ان اكتب بتشائم واتمنى ان يكون العكس ..ونسمع صوت الامة عاليا بوجه الطغيان.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

633 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع