"بيت اللوحات" في حضارة سومر

الاستاذ الدكتور : نزار الربيعي

"بيت اللوحات" في حضارة سومر

بين بادية الشام ومرتفعات إيران منخفض صحراوي يعبره نهرا دجلة والفرات ، فيحولانه إلى سهل خصيب، وهو ما يُعرف اليوم بالعراق، شهد واحدة من أقدم حضارات العالم، عُرفت عبر التاريخ بالحضارة السومرية، التي أنشأها السومريون في الطرف الجنوبي من هذه المنطقة.
وقد حل السومريون في الجنوب عند مصب نهري دجلة والفرات حوالي سنة 3200 ق. م. وهناك أسسوا حضارتهم العظيمة، وكانوا يطلقون على بلدهم اسم سومر.
احتاج السومريون إلى تدوين أفكارهم، وضعوا أسس كتابة أخذها عنهم الأشوريون والبابليون وطوروها فأضحت أيسر استخداما وعُرفت باسم الكتابة المسمارية.
استخدم السومريون الألواح الطينية لتسجيل معارفهم وإنتاجهم الفكري، وأحداثهم، وتاريخهم، وقد كتبوا في الأدب، إلا أنه كان من الصعب للغاية معرفة نشأة الأدب وتطوره في بلاد الرافدين، فما وجد مكتوباً باللغة المسمارية السومرية، وتمكن الآثاريون من إرجاع أصله إلى الحضارة السومرية، وُجد أيضاً مكتوباً بالكتابة المسمارية الأشورية والبابلية على ألواح الطين، وفي مكتبات ترجع في تاريخها إلى فترة الحضارة السومرية، أو البابلية، أو الأشورية، مما جعل المهمة جد صعبة أمام الباحثين في إرجاع النصوص الأدبية إلى منشئها الأصلي
تُعد مكتبات الحضارة السومرية من أقدم مكتبات حضارات بلاد ما بين النهرين، وترجع في تاريخها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، ويقدر بعض العلماء عدد مقتنياتها بحوالي مئتي ألف لوح طيني، وإن كان البعض يدعي بأن أعداد مقتنياتها تفوق هذا الرقم بكثير.
وقد كشفت الحفريات التي أجريت في مواقع المدن الأثرية المنتمية إلى الحضارة السومرية عن وجود مجموعات كبيرة من الألواح الطينية، واللوحات الفخارية، التي يعتقد أنها بقايا مكتبات كبيرة وعظيمة أنشئت في هذه الحضارة.
ومن أهم المكتشفات الأثرية في هذا الصدد ما عثر عليه في مدينة تللو Telloh التي تقع قرب لاغاش، فقد اكتشف الآثاريون مجموعة ضخمة من الألواح الطينية واللوحات الفخارية التي يقدرها البعض بحوالي 30 ألف لوح طيني، يرجح أنها ترجع إلى 1800 ق. م. ويعتقد أنها بقايا مقتنيات واحدة من أقدم مكتبات السومريين.
وفي مدينة آور OWR. Ur التي تقع على مسافة ست عشرة كيلومترا جنوب الناصرية على نهر الفرات بجنوب العراق، (وكانت إحدى المدن السومرية الكبرى)، أسفرت نتائج الحفريات التي تمت خلال الأعوام 1918/ 1919 العثور على لوحات مكتوبة، وأختام فخارية وعادية، يرجع تاريخها إلى حوالي 3000 سنة ق. م. وتُعد من أقدم المكتشفات التاريخية المتعلقة بتاريخ الكتابة والمكتبات في حضارة السوماريين.
والجدير بالذكر أنه من نتائج هذه الحفرية، تعرفنا على الاسم الذي كان يطلقه السومريون على المكتبات في عصرهم، فقد دلت النقوش أنهم يستخدمون مصطلح "بيت اللوحات" لتسمية الأماكن التي يحتفظون فيها بالألواح الطينية والألواح الفخارية، وقد عثر على نقش يفيد بأن مجموعة لوحات مدينة آور كانت محفوظة في مكان يسمى "بيت اللوحات الكبير". وقد اكتشفت في مدينة آور أيضاً لوحات تحتوي على نصوص قانونية، يؤكد العلماء أسبقيتها في الظهور على تشريعات حمورابي القانونية بحوالي 300 عام.
ولم تكن حفريان مدينة آور، المصدر الوحيد لتعرفنا على مكتبات الحضارة السومرية، فقد قام الآثاريون، باكتشافات مماثلة في مدينة نيبور Nippur، حيث عُثر على أعداد كبيرة من الألواح الطينية، يعتقد أنها مقتنيات مكتبة كبيرة أُنشئت في هذه المدينة.
كما أدت الحفريات من عام 1937 إلى 1946 في منطقة تل عطشانة Tell Atchana الواقع على سهل العميق شرقي نهر العاصي، بين حدود تركيا وسوريا، إلى اكتشاف ألواح طينية مكتوبة باللغة المسمارية السومرية يرجع تاريخها إلى ما بين 2700 و2350 ق. م.
ومن خلال الحفريات التي تمت من عام 1930 إلى 1938، في تل العجول: Tell El Ajjul ويطلق عليه أيضاً تل الخراف) عثر على كمية كبيرة من اللوحات والألواح الطينية مكتوبة باللغة المسمارية، ويرجع تاريخها إلى عهد الحضارة السومرية.
وأهم ما تميزت به هذه الحضارة فيما يتعلق بتاريخ الكتابة والكتب والمكتبات حيث تُعد الكتابة المسمارية أعظم إسهامات الحضارة السومرية، فهم أول من ابتدع الكتابة الرمزية وطورها، وحولوها إلى نظام كتابي مقطعي، تطغى عليه السمة الصوتية، وبذلك تعد من أوائل اللغات المتطورة المكتشفة في العالم، كان السومريون أول من استخدم الوسيط الطيني، الذي أطلق عليه الألواح الطينية. وطوروا فيه، حيث انبثق منه ما يسمى بألواح الفخار المحروق المستخدمة في الكتابة. وقد ارتبط هذا الوسيط الكتابي بحضاراتهم، وأخذته عنهم الحضارات الأخرى في المنطقة
يرجع إليهم إنشاء أول شكل من أشكال المكتبات، الذي أطلق عليه "بيت اللوحات".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

793 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع