الكوتا المسيحية في العراق... تمثيل مهدد أم ورقة نفوذ سياسي؟

بقلم: روبيرت ملحم – صحفي ومراقب سياسي

الكوتا المسيحية في العراق... تمثيل مهدد أم ورقة نفوذ سياسي؟

تحليل سياسي

مع اقتراب المشهد الانتخابي العراقي من مراحله النهائية، تعود الكوتا المسيحية إلى دائرة الضوء مجدداً، ليس فقط كإجراء لضمان تمثيل المكوّنات الصغيرة، بل كملف سياسي يعكس عمق التوازنات والتجاذبات التي يعيشها النظام البرلماني في العراق.
فبين من يرى فيها حقاً دستورياً يكرّس التنوع الوطني، ومن يعتبرها أداة بيد القوى الكبرى لإعادة توزيع النفوذ، تبقى الكوتا المسيحية عنواناً لمعركة صامتة داخل الحياة السياسية العراقية.

تمثيل شكلي أم استحواذ سياسي؟
خُصص للمكوّن المسيحي خمسة مقاعد برلمانية منذ عام 2003 موزعة بين بغداد ونينوى وكركوك وأربيل ودهوك.
ورغم أن الهدف منها كان تعزيز التعددية السياسية، إلا أن الواقع أفرز نمطاً مغايراً، إذ أصبحت أصوات الناخبين من خارج المكوّن المسيحي عاملاً حاسماً في تحديد من يفوز بهذه المقاعد.
هذا الأمر، وفق ناشطين ومراقبين، جعل الكوتا تتحول من مساحة تمثيل إلى ورقة سياسية تستغلها الأحزاب المتنفذة لتعزيز حضورها داخل البرلمان.

الانقسام داخل البيت المسيحي
البيت السياسي المسيحي يعاني من انقسامات واضحة في الرؤية والمواقف؛
فجزء من القوى المسيحية يطالب باستقلال القرار المسيحي ورفض أي تدخل حزبي، بينما يرى آخرون أن التحالف مع الكتل الشيعية أو الكردية ضرورة لضمان دور فعّال في العملية السياسية.
هذا الانقسام أضعف الموقف التفاوضي للمكوّن داخل البرلمان، وترك مقاعد الكوتا عرضة للصفقات والمساومات السياسية.

تكرار المشهد في انتخابات 2025
تُظهر المؤشرات الأولية أن انتخابات عام 2025 قد تشهد تكراراً للسيناريو ذاته، حيث تتجه بعض الكتل الكبرى لدعم مرشحين مسيحيين موالين لها لضمان حضور سياسي داخل البرلمان.
وبينما تحاول القوى المستقلة مقاومة هذا النفوذ عبر حشد الأصوات داخل المكوّن، يبقى التحدي الأكبر في ضعف الكتلة التصويتية المسيحية نتيجة الهجرة المستمرة وتراجع أعداد الناخبين.

احتمالات ما بعد الانتخابات
المراقبون يرون أن مستقبل الكوتا المسيحية سيتحدد وفق ثلاثة مسارات محتملة:
1. استمرار النفوذ الحزبي على مقاعد الكوتا، مما يجعلها أداة سياسية أكثر من كونها تمثيلاً مجتمعياً.
2. عودة الأصوات المستقلة في حال تمكنت القوى المسيحية من تنظيم صفوفها واستثمار الدعم المحلي والدولي.
3. ظهور تحالفات مدنية جديدة تضم شخصيات مسيحية وعلمانية لكسر احتكار الأحزاب التقليدية.

تحديات ما بعد الاقتراع
التحديات التي تواجه المكوّن المسيحي لا تقتصر على صناديق الاقتراع فحسب، بل تمتد إلى:
• تراجع الثقة الشعبية بالعملية السياسية ككل.
• الهجرة الواسعة التي تقلّص حجم الناخبين داخل العراق.
• الضغوط السياسية والمالية التي تحدّ من استقلالية المرشحين المسيحيين.

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن الكوتا المسيحية تقف أمام اختبار مصيري بين أن تكون صوتاً وطنياً حراً يُعبّر عن طموحات مكوّن أصيل في العراق،
أو أن تبقى جزءاً من معادلات النفوذ التي تصنعها الأحزاب الكبرى داخل أروقة السياسة.

*هل سيتحوّل تمثيل المسيحيين في البرلمان المقبل إلى خطوة نحو ترسيخ التعددية الوطنية، أم أنه سيبقى عنواناً لأزمة تمثيل تبحث عن حلّ؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

856 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع