أحيوا الفضائل وكافحوا الرذائل تفلحوا

أحمد الحاج جود الخير

أحيوا الفضائل وكافحوا الرذائل تفلحوا

معلوم بداهة بأن الأمة تعاني اليوم من أزمة تَنظيرٍ حقيقية مع كثرة المُنَظِرين وزاعميه ومدعيه وليس بين أعظم الناجحين والمؤثرين الذين صنعوا التاريخ وحركوا عجلته الى أمام مُنَظِرٌ تكيفيي واحد يقضي عمره كله داخل برج عاجي مسترخيا على أرائكه الوثيرة تحت التكييف ليصنع فكرا يستحق الاستنساخ والتقليد والاتباع والتأثير،لأن مرحلة التنظير هي مرحلة لاحقة ، لا سابقة ، وعادة ما تبدأ بعد النزول الى الميدان،والعمل بين صفوف الجماهير، واستنشاق غبار المزارع ،ودخان المصانع مع تعفير الجباه بتراب الخنادق والشوارع ،والاطلاع عن كثب على معاناة الناس بمختلف مشاربهم ومذاهبهم وشرائحهم مشفوعا بالانصات مليا الى معظم مطالبهم وأمنياتهم المجهضة ،والاستماع الى شكواهم المتتابعة ،علاوة على الاغتراف من معين المراجع العلمية والمصادر الموسوعية وقراءة الكتب ومتابعة تجارب الأمم السابقة واللاحقة وإمعان النظر بمختلف الحضارات والثقافات على سطح الكوكب ، وعلى ضوء تلكم الخبرات المتراكمة ،والتجارب المستفادة ،ومثلها النجاحات والاخفاقات المتتالية ميدانيا، يبدأ المُنَظِرُ بتلخيص تجربته العملية الحية على شكل فقرات ومبادىء وأفكار ومقترحات ويوميات أو مذكرات تستحق الدراسة والتحليل والنقد والاقتباس،وأما التنظير من الابراج العاجية ومن الفاره من غرف الفنادق ما قبل النزول الى الميادين والخنادق ،فهذا يشبه رجلا ضريرا يُطلَب منه أن يصف ديكا وبشكل دقيق وواف بناء على ما يسمعه يوميا من صياحه عند الفجر، أو بناء على وصف جيران الضرير وأصدقائه لهذا الديك الذي لن يصيبه خير من كل هذا التنظير شرَّق به صاحبه أو غرَّب.

ومعلوم بأن الأجدى من التنظير غير المثمر ومن خلال التجارب المتراكمة هو القدوة الحسنة ، إذ لا أعظم ولا أنفع ولا أجدى من هذه القدوة ومن حسن الخلق والعمل الإغاثي والخيري في الدعوة الى الله تعالى، ولا أسوأ من الكلام الفارغ والمفرغ من محتواه = كوعود المرشحين لناخبيهم،والتي لم ولن تغادر أفواه قائليها أمام جماهيرهم ومن دون تحويلها الى واقع حال مثمر ونافع ولو بالحد الأدنى يمشي على الأرض ...

قبل أيام قامت شابة امريكية مسيحية بتجربة اجتماعية على مواقع التواصل مدعية بأنها أم لطفلة رضيعة وبحاجة ماسة الى المساعدة العاجلة لإطعام طفلتها لكونها لا تملك المال اللازم لذلك على خلفية الإغلاق الحكومي وتوقف برنامج المساعدات المادية والغذائية عن 42 مليون امريكي من العاطلين وذوي الدخل المحدود ..

وكانت نتيجة الاتصالات المتكررة أن رفضت 35 كنيسة متتالية تقديم يد العون والمساعدة للام، فيما قامت بعضها بتجاهلها أو بإغلاق الهواتف في وجهها، فما كان من المتعاطفين مع الأم المفترضة - لأنها وفي الحقيقة شابة عزباء وليست أما - إلا أن نصحوها بطلب المساعدة من أحد المساجد داخل الولايات المتحدة هذه المرة لاستكمال التجربة - وبمجرد اتصالها بادارة المسجد حتى تعاطفت معها وهي امرأة غير مسلمة لتعرب ادارة المسجد عن استعدادها الفوري لمساعدتها ومن دون أي مقابل معنوي متمثلا بالشكر والثناء لقاء ذلك كله ، فما كان من الجمهور الغفير الذي يتابع التجربة إلا أن رفع علامة المسجد على خرائط غوغل الى خمس نجوم بدلا من نجمة واحدة ، ليخرج بعدها عشرات الاميركان من غير المسلمين وهم يروون تجاربهم مع المساجد والمراكز الاسلامية ودورها في اطعامهم ،أو كسوتهم ،أو إيوائهم أو علاجهم أو قضاء ديونهم بالنيابة عنهم مرات عدة لوجه الله تعالى لا يريدون منهم جزاء ولا شكورا، وكل المتابعين يثنون على المساجد وعلى الإسلام وعلى المسلمين خيرا كثيرا رغما عن أنف المستشرقين والتزويريين الجدد،فهذا هو الإسلام الحنيف السمح الحقيقي بعيدا عن التعصب الطائفي،والتطرف والخواء الفكري،والتنظير الفارغ،وعن مناقضة واقع المسلم لعلانيته ، ولله در احمد شوقي القائل :
أَخوكَ عيسى دَعا مَيتاً فَقامَ لَهُ...وأنتَ أحيَيتَ أجيالاً مِنَ الرممِ

ولكن تخيلوا لو أن إدارة هذا المسجد المبارك قالت لهذه المرأة المسكينة التي تبحث عن مخرج وعن منقذ وعن معين كغريق يبحث عن قشة : "العفو جنابك الكريم مسيحية لو مسلمة ...ارثوذكسية لو كاثوليكية لو بروتستانتية ...صوفية لو سلفية ...أشعرية لو معتزلية ...سنية لو شيعية ...علمانية لو دينية ...يسارية لو يمينية ...عربية لو تركية ..مواطنة أصلية لو مهاجرة...ديمقراطية لو جمهورية ؟!" لقالت لهم المرأة حينها "أدري هو تحقيق سياسي وعنصري،لو عمل إنساني إغاثي لوجهه تعالى ؟! مضيفة " عمي بطلت ، وحتى معونتكم ، ومساعدتكم بهذا المنِ الحسي، وبهذا الاذى النفسي ، والتشهير الموازي للرياء المبطل للعمل ..ما أريدها !!" .
ومعلوم بداهة في قاموس الحكماء والعقلاء أيضا ،بأن سُنةَ التدافع بين الحق والباطل،بين النور والظلمة، بين الخير والشر،هي سنة كونية ماضية على سطح الكوكب الأزرق مذ خلق الله تعالى الكون وحتى قيام الساعة،وكما أن للباطل جولة،فإن للحق صولات وجولات،وليست العبرة بفوز الحق ها هنا،أو بخسارته ها هناك،فلقد هزم النبي ﷺوآل بيته وصحابته رضي الله تعالى عليهم أجمعين ، وهو المؤيد بالوحي وبالنصر من السماء في معركة أحد سنة 3هـ ، وكسرت رباعيته ، واستشهد عمه حمزة من دون أن يفت ذلك في عضدهم قط، بل على العكس من ذلك فلقد تعلموا من هذه الهزيمة القاسية دروسا في النصر كان لابد لهم من أن يتعلموها انتهت بفتح مكة وهزيمة المشركين شر هزيمة سنة 8 للهجرة، فالعبرة على الدوام تتمثل بالثبات على القيم والمحافظة على المبادئ وصون المُثل التي يؤمن بها المرء المنافح عن الحق ولا يحيد عنها قيد أنملة في كل وقت وحين مهما كان مركزه وموقعه ، فإن كان ترجمة الأهداف والرسائل والمبادىء الى واقع حال يتحقق بفوز– زمكاني – فليكن ذلك،وإن كان ذلك سيتحقق بإنسحاب أو تراجع مرحلي أو بخسارة أو بهزيمة نسبية يعيد خلالها صاحب الحق ترتيب أوراقه، وتنظيم شؤونه ، ورص صفوفه،وإعادة حساباته، وتدريب طواقمه، فليكن ذلك وبها ونعمت..لماذا؟ لأنه وعلى قول أعلامنا العلماء قديما :

الحَقُّ أَبْلَجُ، لَا تَخفى مَعالِمُهُ ..كالشمْسِ تَظْهَرُ في نورٍ وإِبلاجِ

أودعناكم أغاتي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

851 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع