على هامـش المسرح الجامعي الليبي ..أهديكم خاطرة ومســرحية ذات مغزى!
أمنين أجيب أزرارللزيجه هَدَل
تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
أستاذ جامعات بغداد وطرابلس وصفاقس / سابقاً
أخراج الفنان المصري زكي عبدالمجيد,
المقدمة : أعيرت خدماتي الجامعية من كلية العلوم / جامعة بغداد في سبتمبر (أيلول 1970) الى كلية العلوم في طرابلس ,اي بعد مرور سنة واحدة على ثور الفاتح العظيمة بقيادة الشاب العقيد معمر أبو منيار القذافي وعشرة من رفاقه الضباط الأحرار,..ولقد رأيت بعيني كيف كان الشاب معمر يجلس بين الطلبة مفترشاً الأرض قرب أحدى بوبات قسم الكيمياء ,..فأصبت بالذهول,..وتوقف على قرب من الجمع السعيد وهم يحاورون القائد ولم أكن في حينها مستوعباً لللهجة الليبية,..الا أنني أدركت بساطة هذا الثائر وحب الطلبة له,..ومرت الأيام والسنين , وأنحرفت ثورة الفاتح عن
مبادئها التي طالما رددها القائد العقيد ورفاقه , وهذه سـمة الثورات دائماً, تأكل من يوقدها ولا يعرف المحافظة عليها كما يقال في أهم بند عسكري: ليس المهم أحتلال المةقع بل المحافظة عليه !
الدكتور هيمان
عاد الدكتور هيمان سنة 1966من خارج العراق بعد ان اكمل دراسته العليا وحصل على الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة لندن, وصدر امر تعيينه في دار المعلمين العالية (كلية التربية حالياً).
أكمل كافة الوثائق المطلوبة للعمل, و توجه صباح أحد الأيام ليسجل مباشرة العمل,... وسلمه سكرتير قسم اللغة العربية جدول المواضيع التي كلف بتدريسها, وكان لديه في ذلك اليوم درس في اللغة العربية لطلبة الـسنة الأولى,...ولم يجد صعوبة في تأدية المحاضرة, فقد سبق
وان درسها عندما كان معيداً , ولذا فرح وتوجه نحو قاعة الدرس.
وما ان وصل محيط القاعة, حتى وجد العديد من الطلبة ذكورأً واناثاً يسرعون بالدخول الى القاعة, وينادي بعضهم البعض بالأسراع!
انتظر الدكتور برهة من الزمن الى ان لاحظ دخول معظم الطلبة, ثم هـمً بالدخول وحيا الطلبة بتحية الصباح,..فأجاب بعضهم , وانهمك البعض الآخر بأعمال ثانوية, منها السـاذج ومنها المقزز,..... مما دفع بالدكتور
لتنبيه المخالفين والطلب منهم الهدوء والجلوس في اماكنهم, الا ان بعضهم ما زال سارحاً في غـيه , غير مبال لتنبيه الدكتور,..الى أن فقد الدكتور صوابه,..... واتجه لكل مخالف يؤنبه ويطلب منه الألتزام بالهدوء او مغادرة القاعة على الفور!
عـمً الهدوء بعض الشيئ, واخذت بعض الفتيات القيام بأعمال الزينة وتمشيط شعرهن,.... والأولاد يتبادلون النظرات فيما بينهم وهم على على مضض من قسوة هذا الدكتور الجديد, .....فقد لمـسوا الجدية في الضبط والربط عند هذا الدكتور الشاب !
اعاد الأستاذ تحية الصباح, واذا بالطلبة يردون التحية بصوت عال وبنغمة ممجوجة, وكأنهم في روضة من رياض الأطفال!!
وقف الدكتور للحظات مستغرباً لمايسمعه ويراه, وفقد الخبرة والقدرة على ترويض هذه الزمرة التي لم يشاهد ولم يسمع بمثلها في عهده يوم كان طالباً في سنهم!!
عادت للدكتورحالته الطبيعية, او قل حاول استخدام المودة لجلب انتباههم, وبدأ يكيل المدبح للطالب العراقي,.... وسمعته خارج العراق, وراح يحدثهم عن الحضارة الأوربية والنظام في مدارسها وجامعاتها, حيث ان النظام اساس التقدم الذي وصلوا اليه !
.. وفي تلك اللحظة دخل شاب (خنفس), ومن خلفة شابة (خنفوسة), وهما يرتديان زياً مضحكاً وملفتاً للنظر,.. صمت الدكتور عن حديثه, وضج الطلاب بالضحك والحركات الصبيانية, وسادت الفوضى بين كافة الطلبة,.. والدكتور صامت كأنه ابو الهول!!
اوقف الدكتور الطالبين, وراح يستفسر منهما عن سبب التأخير؟
فأجابا بلغة الأطفال وقالا معاً:
كنا نلعب بالساحة وما ان اكلنا التفاحة سرحنا ولم نشعر بالوقت, الى ان جاء من يقطع احلامنا الغير مباحة!!
كان الطالب مرتديا لقميص فضفاف ومقطع الأزرار, والطالبة مرتدية زي اوربي لا يليق بها,.. فمسك الأستاذ الطالب من معصمه وهم بضربه, فخاف الطالب, وهدأ الدكتور وطلب من الجميع الجلوس في اماكنهم, ..واطاع الجميع الأمر بعدما لمسوا جدية وحزم الدكتور الشاب لمنع مثل تلك التصرفات الصبيانية,..ثم ابتسم الدكتور ليخفف من الرعب الذي اصاب بعض الطلبة, وقرَبَ الطالب (الهبيز), بجنبه, ثم قال بصوت مرتفع:
أمنين أجيب أزرار للزيجة هدل!!
الطالب بقميصه الفضفاض
ضج الطلبة بالضحك وشاركهم الدكتور بأبتسام تنم عن العفو عما مضى, ثم سمع الدكتور طرقاً على باب قاعة الدرس, فألتفت وشاهد فراش عميد
الكلية واقفاً,.. فسمح له بالدخول واستلم منه رسالة من السيد عميد الكلية, فشكر الفراش وطلب منه المغادرة, وقد خيم على الطلبة الهدوء لأعتقادهم بصدورعقاب جماعي ضدهم للهرج الذي قاموا به أثناء دخولهم القاعة.
صورة رمزية للطالبة المؤدية لأختبار اللغة
بدأ الدكتور بقراءة الرسالة ثم ابتسم ووجه كلامه الى الطلبة وقال:
هذه رسالة من دار الأذاعة الوطنية, يطلبون فيها اجراء امتحان للطلبة لأختيار مذيعة ومذيع,.. والآن سوف اكتب السؤال الأول ومن يجد المقدرة على القراءة ولديه صوت عذب وقدرة أدبية ,..فسوف ارشحه لهذه الوظيفة!
توجه الدكتورالى السـبورة وراح يقرأ ما في الورقة وكتب الآتي:
ماِكنة خياطَه سِــنجََر الحَقيقيه
ثم التفت الى الطلبة واستفسر ممن له القدرة على قراءة ما كتبه؟!
رفع معظم الطلبة اياديهم مبدين رغبتهم في القراءة,..... فأختار الدكتور احدى الطالبات, واشار لها, وطلب منها التوجه وتقديم نفسها وقراءة ما كتبه على السبورة فقالت:
انا فهيمة أبخيت آل ساجت, والعبارة المكتوبة تقرأ كالآتي:
ماكنتُ خَياطَةٌ سََـنَجِرُ الحَقيقة !
ضج الطلبة بالضحك, وفتح الدكتور فاه وقال:
اذن ماذا كنت يا آنـسة؟!.. وهل ماتت الحقيقة حتى تجريها؟
سـرح الدكتور قليلاً, ثم وجه كلامه الى الطلبة وقال:
نحن الذين علمنا العالم القراءة والكتابة , وهم الذين استغلوا حضارتنا وطوروها ,..ونحن ما زلنا لا نجيد حتى قراءة الكتابة التي هي من اختراعنا, أليس هذا مؤسفاً ؟؟!
عـمَ القاعة هدوء, وتأسفت الطالبة على خطأها, ..ثم طلب الدكتور من طالبة اخرى قراءة العبارة , فأجادت النطق وصفق لها الجميع, وبدأ السرور على الدكتور,.. ثم نظر لساعته,..... واعلن نهاية المحاضرة,
على ان يكمل المحاضرة في الأسبوع القادم ,وودع الطلبة وهم في غاية السرور.
930 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع