زينب حفني
أتذكّر وأنا صغيرة، لم تكن أمي تسمح لنا بالذهاب لأي مكان بمفردي أنا وأخوتي مع السائق. كان أبي يحرص هو الآخر أن يُوصلنا برفقة السائق إلى مدارسنا والعودة منها. وهو الذي كان يصحبنا للطبيب عند مرض أحد منّا.
وهو الذي كان يأخذنا في نهاية الأسبوع، وفي مواسم الأعياد للنزهة. لقد ظلَّ والدي الصورة الجميلة للأب المثالي، والمحفورة بحب في ذاكرتي لحد اليوم.
هناك من سيقول لي بأن الدنيا قد تغيّرت، وأن طفل اليوم غير طفل الأمس! وأن الأب نتيجة لمشاغل الحياة وضغوطاتها تقلّص دوره، وأصبح مقتصراً على توفير حياة رغدة لأبنائه، وأن وجوده لم يعد يعني لهم كثيراً! فالأبناء مشغولون بوسائل التواصل الاجتماعي. والألعاب غدت متوفرة على الإنترنت بطرق متطورة ومشوّقة. والحكايات التي كانت تحرص الأمهات على سردها لأطفالهن قبل النوم، لم تعد تُغري الجيل الجديد الذي يُفضّل متابعة فيلم على إحدى الفضائيات، أو إجراء «شات» مع الأصدقاء، بحريّة مطلقة وبدون رقابة من الوالدين على ما يقوم به! باختصار شديد، اختفى الدفء الأسري!
هل إنتاج مجتمعات سويّة، يقع على عاتق المؤسسة الأسرية فقط، أم هو مزيج من عصارة التوجيه الأبوي، والمناخ الدراسي، وما يُقدمه الإعلام بقنواته المختلفة؟ هذا السؤال ألحّ في خاطري وأنا أتابع وقائع الطفل السعودي ذي الستة أعوام، الذي تمَّ اغتصابه بالمدرسة على يد مجموعة من الطلبة الذين لم يتجاوزوا مرحلتهم الابتدائيّة!
الأم المصدومة، قصّت حكاية ابنها بوجع، وكيف عاد من المدرسة وهو في حالة يُرثى لها، لتكتشف الأم بأن ولدها قد تعرّض لاغتصاب وحشي من قبل خمسة طلاّب بالصف الخامس والسادس الابتدائي، وهددوه بالقتل إن تفوه بكلمة عمّا جرى له!
حادثة هذا الطفل لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة! حيث يُطالعنا الإعلام العربي عن وقائع مُتشابهة هنا وهناك! هذا الملف في غاية الخطورة! كونه يُلقي الضوء على حوادث غدت دخيلة على مجتمعاتنا العربية، ليصل الأمر إلى وقوع حوادث تقشعر لها الأبدان، تشمل اغتصاب المحارم التي تُحرّمها شريعتنا!
بلا شك أن الأسرة يقع عليها العبء الأكبر. فالأم رمت مسؤولية أبنائها بالكامل على الخادمة، متغاضية أن دور الخادمة ينحصر في الاهتمام بنظافة البيت ولا شيء آخر! ولا ننسى مصيبة السائق الذي أثبتت الكثير من التحقيقات تورطه في العديد من هذه الفواجع!
حادثة الاغتصاب التي تورّط فيها صبية لم يتجاوزوا العاشرة من العمر، يضع علامة استفهام كبرى! هل هم مجرمون حقّاً، أم هم ضحايا آبائهم وأمهاتهم؟! هل هم ضحايا الإدارة التعليميّة التي أغفلت توجيههم؟! هل هم ضحايا إعلام يقوم ببث الصالح والطالح، دون مراعاة لوجود أطفال متعلقة أنظارهم بكل ما يُعرض أمامهم؟!
في المجتمعات الغربيّة التي ننعتها بأنها منحلّة، لا يُمكن أن تعرض برامج أو أفلام تتضمن مشاهد عنف أو جريئة المحتوى، إلا بعد الثانية عشرة ليلاً، كي لا يتأثر الأبناء بها. بجانب تخصيص أيام عطل نهاية الأسبوع، لبث برامج وأفلام تتناسب مع أعمار الأطفال، وتهدف مضامينها لزرع قيم جميلة في نفوسهم.
دور الأسرة، والهيئات التعليميّة بالمراحل الأولى تحديداً، والإعلام بقنواته المتباينة، جميعها متورطة في إخراج أجيال مستهترة بقيمها، غير متوازنة نفسيّاً! لذا يجب أن تسعى النخب الثقافيّة إلى حث الأسرة في العودة لدورها الأساسي. والمناداة بتفعيل مهمة الإدارة التعليميّة التي أصبحت العلاقة هشّة بينها وبين الطلاّب. بجانب التدقيق فيما يُعرض على الفضائيات، كي لا تُساهم في إخراج أجيال لا تُدرك الحد الفاصل بين المبادئ الإنسانيّة، والانحطاط الأخلاقي!
536 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع