إبراهيم الزبيدي
بالأصل كانت مشاكل قطر حدودية بسيطة.
وكان يمكن حلها بسهولة مع أبناء أسرتها الخليجية، وبثمن يقل بآلاف المرات عن الثمن المالي والسياسي والأمني الذي أنفقته وما تزال تنفقه على شراء ولاء الجماعات الدينية المتطرفة، وعلى استضافة القواعد الأمريكية، وعلى استرضاء الحكومة الإيرانية، إضافة إلى خسائرها الأخرى غير المنظورة، سواء منها السياسية أو الاقتصادية التي ترتبت على علاقاتها مع الإسرائيليين. هذا إذا لم نضع في الحسبان ايضا ضخامة المبالغ التي تحملتها وتتحملها الخزينة القطرية لتمويل الحملات الإعلامية الواسعة والمتواصلة ضد أشقائها الخليجيين والمصريين وكل من يتعاطف معهم ويختلف معها بشأنهم.
ويُرجع المحللون السياسيون سبب اندفاع القيادة القطرية في الاتجاه المعاكس لمنطق التفاهم والتكامل والتضامن مع وسطها الخليجي إلى شعورها بعدم الأمان، من أول أيام انقلاب الإبن على والده الأمير، على غير قبول ورضا أغلب دول مجلس التعاون الخليجي.
ولو بقيت عقدة الخوف القطرية من الجارين السعودي والإماراتي في مستوياتها الدنيا التي تكون في الغالب مقبولة داخل أعضاء الأسرة الواحدة لتغير وجه الخليج تماما، وربما المنطقة بأجمعها، خصوصا وأن السعودية والإمارات والبحرين تجاوزت مسالة الانقلاب تلك، وتعايشت مع الوضع القطري الجديد، واعتمدت سياسة الاحتفاظ بعلاقات طبيعية أخوية مع قطر، بغض النظر عمن يحكمها، وذلك اتساقا مع نهجها الثابت القائم على عدم التدخل في شان داخلي من شؤون أيٍ من أعضاء الأسرة الواحدة.
وقد تكون استضافة السعودية والإمارات للأمير الأب المطرود ومرافقيه وبعض خاصته، بحكم تقاليد الأخوة والضيافة والاستجارة، هي التي أشعلت في الحاكم القطري مشاعر العداء الخفي والغضب الدفين، وجعلته يبحث عن حلفاء أٌقوياء يؤمنون لحكمه حصانة رادعة تمنع أشقاءه من أن يفعلوا به ما فعل هو بوالده.
من هنا بدأ الوهم الأكبر الذي وقع فيه وأسس لما بعده من تداعيات وتعقيدات في علاقاته مع السعودية والإمارات والبحرين. فقد ظن بأن الصغير يُصبح كبيرا إذا صاحب الكبار، وأن الاحتماء بالثعابين والتماسيح والذئاب المفترسة كفيل بتحويل قطر الصغيرة، بأرضها وشعبها، إلى لاعب إقليمي معتمد من قبل الكبار. فاستقبل أكبر القواعد الأمريكية وتحمل الكثير من نفقاتها، واقترب كثيرا من إيران وإسرائيل، وتمادى في احتضان المعارضات الخليجية والحركات الإسلامية المتطرفة التي تعادي السعودية والإمارات والبحرين وتتآمر عليها، كالقاعدة والإخوان المسلمين والنصرة وحزب الله اللبناني.
بعبارة أخرى لقد دجَّج الحاكم القطري جسمَه بالأحزمة الناسفة، لردع خصومه المفترضين، وهو يعلم أو لا يعلم بأن هذه الأحزمة ليست حزام أمان دائما لحاملها نفسِه، بأي حال من الأحوال. كما أنه لن يتمكن من نزعها، حين يشاء، ومتى يشاء . بمعنى آخر إن القيادة القطرية حكمت على نفسها بالمأزق الذي وضعت حكمها وشعبها فيه. يعني أنها صنعت الدوخة للدوحة، دون مبرر ولا داعٍ، من الأساس.
إن كل ما تقدم معلوماتٌ قديمة. ولكن الجديد هو أن أمام الحاكم القطري الشاب ما زال طريقُ العودة إلى منزل الأسرة مفتوحا ومتاحا، بأرخص ثمن وأقل وجع راس من رفقة الثعابين والتماسيح والنمور والذئاب التي لا تؤتمن. خصوصا وأن مطالب الأسرة الخليجية قليلة وبسيطة ويمكن تأمينها بسرعة وبسهولة إذا توفرت النية، عدم دعم وتجنيس واستضافة المعارضات الخليجية. عدم دعم جماعة الإخوان المسلمين. التوقف عن دعم أي طرف في اليمن بما يضر بمصالح دول مجلس التعاون الخليجي.
ولكن السؤال الضروري هنا هو هل يُسمح، أو هل يؤمن الحاكم القطري اليوم، بعد كل الذي جرى، بالخروج من شبكة العنكبوت التي نسجها حول نفسه؟. وهل يُسمح وهل يؤمن باستبدال سياسة المشاكسة والمكاسرة والمخالفة بسياسة مغايرة تماما أساسُها التفاهم والتطامن والتواصل مع الآخرين، بالتي هي أحسن، وبالعقل والتروي والواقعية، وبقلب أبيض مسامح متواضع لا مكان فيه لوهْم القوة ولا غرور المال؟
سُئل أحد الكويتيين العقلاء عن سلوك قطر في الخليج اليوم فقال: إن سلوكها يشبه سلوكنا قبل غزو صدام للكويت، لكننا حفظنا الدرس بعد الغزو.
ثم قيل له: وهل تحتاج قطر إلى غزو كي تحفظ الدرس؟ قال: أظن أن قطر تنتحر..
487 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع