زينب حفني
تعودنا في مجتمعاتنا العربية، عندما نسمع عن قصص مأساويّة ضحيته الرئيسيّة الحب، أن نُردد.. صحيح ومن الحب ما قتل! ولكن من وجهة نظري كوارث الحب لا تنحصر في حب الرجل للمرأة وبالعكس، وإنما يتخطاه ليشمل أموراً كثيرة في حياتنا!
منذ أيام قليلة، أثار موقع (ساسة بوست) عاصفة عارمة، حين أشار إلى تورّط الإعلامي الشهير باسم يوسف،في نقل مقال لكاتب إسرائيلي يُدعى(بن جودة) . المقال معنون بـ (لماذا لا يهتم بوتين؟!)، ويتحدّث مضمونه عن أزمة روسيا مع الغرب بسبب أحداث أوكرانيا، وضم إقليم شبه جزيرة القرم. وقد قام باسم بنشره دون أن يُشير للمصدر الأصلي!
باسم عاد وكتب في نهاية المقال بصفحته على «فيسبوك»، أنه لم يتعمّد إغفال ذلك، وقام كذلك بتقديم اعتذار علني للكاتب الإسرائيلي، الذي ردَّ عليه بأنه قَبِل اعتذاره، طالباً منه صراحة عدم تكرار هذا الأمر! لكن العاصفة لم تهدأ لحد الآن، وهذا يعود للشهرة الواسعة التي يتمتّع بها باسم عربيّاً ودولياً.
من المعروف أن باسم يوسف أتى من عالم الطب ومشرط الجراحة، البعيد كليّاً عن عالم الإعلام الصاخب. وبقدر إعجابي بباسم كإعلامي متميّز، أستطاع في فترة وجيزة تحقيق مكانة عالية على الساحة الإعلاميّة، إلا أنه من وجهة نظري كاتب متواضع، مما يؤكد نظرتي بأن البعض عندما تُحاصرهم الشهرة، يعميهم ضوئها العارم، ويعتقدون بأن في استطاعتهم الرقص على كافة الحبال، مع أن أمثالنا الشعبيّة تؤكّد بأنَّ «صاحب بالين كدّاب»!. إضافة إلى أن وقوع البعض في حبائل الأشياء والأشخاص التي تدفعهم بقصد أحياناً، ومن دون قصد في أحيان أخرى، إلى اللهث خلفها حتّى ينالوها مهما كانت عواقبها الوخيمة!
الزوبعة التي أثيرت حول باسم، ستفتح الباب من جديد حول ظاهرة السرقات الأدبية المنتشرة في بلداننا العربية، والتي فشلت حكوماتنا لحد اليوم في وضع قانون رادع لحماية حقوق المؤلفين من السارقين، والتي للأسف التصقت بأسماء شهيرة، من ضمنها تلك التي ارتبطت بداعية كبير مثل عائض القرني في خلافه مع الكاتبة سلوى العضيدان، والتي انصفها في ذلك الوقت القضاء السعودي بالحكم لصالحها.
قرأت بأن من أشهر السرقات الأدبية في عالمنا العربي، والعهدة على ما سطّره الروائي (عوض شعبان) بمدونته، أن الأديب ووزير الثقافة المصري آنذاك (يوسف السباعي)، قد قام بالسطو على رواية والده (السقا مات)، التي أجمع النقّاد على أنها من أهم الروايات في تاريخ الأدب العربي المعاصر. ويحكي شعبان بأن عميد الأدب العربي (طه حسين) قد قال للسباعي «أبوك يكتب أفضل منك!»، مما يؤكد على أن طه حسين على علم بالجرم الفادح الذي اقترفه السباعي باستيلائه على إرث والده الأدبي! والأغلبية تعتقد بأن هذا الأمر لا فرية فيه، حيث كان جليّاً اختلاف المستوى الفني العالي لرواية (السقا مات)، عن الروايات الأخرى للسباعي والمعروفة بتواضعها فنيّاً!
تعوّدتُ منذ أن دلفتُ لعالم الكتابة، أن أكون نزيهة مع قرّائي، وأن التزم بالمهنة الأدبيّة حين أقوم بنقل عبارة لكاتب آخر بالإشارة إليه، لأن تراثي الفكري هو الذي سيبقى بعد رحيلي. ولذا أجد بأنه يجب إمساك العصا من النصف! بمعنى أن يتم وضع عقوبات رادعة في حق كل من يُنسب فكراً أو أدباً لنفسه. ومن جانب ثانٍ، يجب أن يكون الضمير الحي هو القاضي الداخلي المنصف، لكل كاتب يُفكّر أن يعوم في خضم الكتابة الواسع.
السرقة الأدبية قد ترسم هالة برّاقة حول سارقها، لكن الضوء المزيّف سرعان ما يتلاشى، ويترك صاحبه عارياً أمام الملأ!
596 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع