عبد القادر ابو عيسى
حكمة المقال : أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً
المفهوم الصحيح للأنسان والأنسانية : يبدأ من فهمنا للحياة ومعرفة أمورها الصحيحة وتسمية الأشياء بمسمياتها والوعي للمفاهيم المتطورة ومن ثم الانطلاق من الحيّز المحدود الى المفتوح ( ألأنسانية ) وبالتالي أنصاف الأنسان مبنياً ذلك على أساس الخير والشر والصراع بينهما , أبتداءً من الأشياء الصغيرة والأنطلاق منها الى الأشياء الكبيرة . مثال على ذلك مواقف ألأنبياء والرسل والحكماء والقادة في مختلف المكونات البشرية من مسألة الحلال والحرام والحق والباطل والخير والشر . هذه المفاهيم وما يرافقها من فعل انساني . نُظِمت في دساتير الشعوب مثلها مثل مسلّة حمرابي أو ما مكتوب على الرقم الطينية أو المتوارث من وثائق شفهية ( مثل ألألياذة وملحمة كلكامش ) والمتناقل من احاديث وامثال وروايات وقصص وشعر وحكم وعبادات وديانات . تتطابق مع الخير وتتقاطع مع الشر تعتمد كميثاق قابل للتجديد وأعتبارها كقياس ثابت لأنصاف الفرد والمجتمع .
أحياناً تكون هذه المفاهيم مقتصرة على كتل بشرية معيّنة وممنوعة على غيرها .وتكون هي السبب في الحروب والصراعات والظلم البشري . والأمثلة كثيرة نعيشها يومياً أمثال الديانة اليهودية حيث تتوارث بالولادة وغير مسموح لأحد من البشر أن يتهوّد لأن الآخرين أدنى مرتبة من اليهود ويتم تعامل اليهود مع بقية خلق الله على هذا الاساس , والتعنصر القومي والمذهبي والعرقي مثل ما حدث في ألمانيا في الفترة ما بين الحربين العالميتين بأعتبار ان الفرد الألماني أرقى من بقية البشر مما حدى بالألمان من اعتماد تحليل يوريا الرجل الألماني ومقارنتها بيوريا الرجل الفرنسي وكذلك الاستشهاد بالأختراعات البشرية للألمان وأتخاذها كقياس للدلالة على ذلك , وأيظاً المفاهيم السائدة حالياً بين الدول المتطورة التي تدعي التحظر ونظرتها للدول المتخلفة وعلى رأس هذه الدول اميركا وبريطانيا وفرنسا دول الاستعمار التقليدي , وكذلك ايران وتعصبها للمذهب الشيعي الأثني عشري وأتخاذها لهُ كذريعة لشق الصف الاسلامي وقتل وأبادة أهل السنة والجماعة . هذه المفاهيم واضحة في سلوك هذه الدول في تعاملها مع دول العالم ألأخرى . علينا فهم ورفض هذه المعادلات والقيّم و عدم العمل بها وعلى تثبيتها ولتكن واضحة وغير عصية على الفهم والتطبيق , وهي سهلة جداً لمن أراد وفي نفس الوقت صعبة ايضاً لمن لايستوعبها, أو يعرفها و يريد العمل بها ( لذا من منطلق مفهوم أن الاعمال بالنيات ولكل أمرئ ما نوى ) علينا غرس المفاهيم الانسانية الراقية الشاملة لكل البشر وبدون استثناء في أطفال المدارس وأفهام الكبار . ووضع القوانين لها وتنظيمها وتشذيبها وتهذيبها بشكلها الصحيح . والنماذج كثيرة ومتنوعة ومن الممكن قياسها على الفرد ثم المجتمع على أن لا تتناقض بينهما والادراك بأن مصلحة الفرد هي الأساس , ومجموع مصالح الأفراد ستكون بالنتيجة مصلحة أجتماعية واسعة وكبيرة . وستدخل في المفهوم الانساني المفتوح على كل البشرية . أي تجاوز او اعتداء سيلحق الضرر بكتل ومجاميع انسانية أخرى . فعليه أيظاً تنظيم العلاقة على اساس هذه المفاهيم ونشرها في كل العالم والعمل عليها ومنع من يريد تجاوزها كي يستغل الآخرين التي نسميها الشعوب , علينا افهام الجميع بشكل واضح حول موضوع احترام البشر والعلاقة السليمة بين البشر في المجتمع الواحد وبينهم وبين بقية الشعوب والمجتمعات الأخرى . هذا كله يختزل ويرتكز على ترسيخ مفهوم مصلحة الفرد وحقه بالحياة مسحوبة على البشرية جمعاء . وألا ما الجدوى وكما يقول السيد المسيح عليه السلام ( ما هي الحكمة من ان تخسر نفسك وتربح العالم ) يترتب على ذلك منح الحقوق الشخصية للفرد في اصغر تفاصيلها وتثبيتها بشكل واضح والعمل بها ومن ثم ربطها بالسلوك العام لفائدة الفرد والمجتمع . وتحديد الحريات والعمل على تقويمها ضمن مفهوم ( أنتَ حر ما لم تظر ) بهذا الشكل يتم احترام الفرد وحريتهُ وحقهُ في الحياة ( وكل الاديان تحرص على ذلك ) لماذا الانتظار الى يوم القيامة للمحاسبة ووضع الانسان في الجنة أو في النار . العلماء والمثقفين والسياسيين ورجال الدين مسؤولين مسؤولية مطلقة عن مصير الأنسان يوم القيامة . كل الاديان السماوية أرتكزت على مفهوم ( المصلحة الفردية ) وعملت عليها وصولا الى المصلحة العامة . في العراق منذ تأسيس الحكومة العراقية كانت هناك قوانين متطورة تحمي مصالح الفرد ويجري العمل على تطويرها بالأمكانيات المتواضعة المتاحة حينها , لكن منذ أنقلاب عبد الكريم قاسم الى اليوم بدأ هذا المفهوم يتراجع الى أن وصلنا الى ما نحن فيه . واحدة من الاسباب التي أدت الى فشل الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وأنحسارها وتراجعها في العالم هو تحديد وتحجيم مصلحة الفرد الشخصية وحقوق الأفراد والتركيز على المصلحة الأجتماعية العامة . ليس للفرد الحق في ممارسة ديانته و أنتسابه لقوميته أو أمتلاكه لأبسط الأشياء حتى ولو كان دراجة هوائية أو أختياره لعمله ومكان هذا العمل , ونسوق مثال عاشهُ العالم ( ألألمانيتين الشرقية والغربية وقصص جدار برلين المحزنة ) والرغبة العامة العارمة بالهروب من الشرقية ذات النظام الشيوعي الى الغربية التي تعيش نظاماً رأسمالي ) تناقض المصالح الفردية او الأجتماعية يؤدي الى الظلم , ظلم اجتماعي داخلي وظلم خارجي بين المجتمعات . العدالة والحقوق تبدأ ( بالفرد ) كلما أبتعدنا عنها ساء مصيرنا ومصير مجتمعنا . لنناقش هذه الفكرة . دول العالم القوية كيف تتصرف مع افراد شعوبها على مستوى الداخل كحقوق أفراد لنأخذ أميركا أو لندن وفرنسا وتركيا وأسرائيل . أسوق هذه الدول كمثال لأنها تعتنق ثلاث ديانات مختلفة مسيحية ويهودية واسلامية . في هذه الدول مصلحة الفرد مكفولة حتى في تفاصيلها الصغيرة . زرتُ يوماً أسطنبول سنة 1979 أثار انتباهي أعلان متكررفي منطقة ( القره قُي أو التقسم ) حي من احياء الدعارة . يقول الاعلان المواطن التركي يدفع نصف ألأجر المعلن والذي يسري على الأجانب . حتى في هذا المجال أُخذت مصلحة المواطن التركي في الأعتبار , فما بالك في ألأمور الأخرى , مثال آخرفي فرنسا عند وقوع حادث بين سيارتين تقوم شركات التأمين بتبني الموضوع وتتكفل بمعالجتهِ وتغني المواطن من الدخول بالأشكاليات المعروفة في مجتمعنا . من هذه الجزئيات وصولاً الى توفير أستحقاق الفرد من سكن وتعليم وصحة ونقل وكهرباء وماء وخدمات مجاري وفرص العمل والأمان وأماكن الراحة والاستجمام . هذا على الصعيد الداخلي أما على الصعيد الخارجي . فلو ان احد من مواطني هذه الدول تعرضَ لحادث فستقوم الدنيا ولم تقعد أبتداءً من اكبر مسؤول الى اصغر مواطن الكل تتأهب لمساعدته وبأي ثمن كان . نسوق مثلاً الاسير الأسرائيلي ( الجندي جلعاط شاليط ) و (الجنرال عساف باجوري ) وكم دفعت اسرائيل من الاسرى والموقوفين العرب بدلاً عنهما . هذا الذي لا يرتقي الى ما فعلهُ الخليفة العباسي المعتصم بالله عندما أسر الجنود الرومان امرأة مسلمة وكيف جيش الجيوش لأطلاق سراحها وأجتاح بلادهم ومحاصرة عاصمتهم للدفاع عن مواطنة مسلمة . عندما تقرأ الصفحة الأولى في الجواز الأميركي تجد عبارة تقول ( حامل هذا الجواز تحت حماية الولايات الأميركية فوق اي ارض وتحت اي سماء ) وفي الجواز البريطاني ـ ستدافع المملكة عن حامل هذا الجواز حتى آخر جندي على أراضيها ـ والجواز الكندي ( سنحرّك أساطيلنا من اجلك ) الدول التي تعتمد حرية ومصلحة الفرد كأساس تبقى متماسكة حتى وأن خاضت حروب وخسرت فيها , مثل اليابان وألمانيا وأيطاليا وعكسها تتفتت وتتشضى . في مرة من المرات تم توقيف أحد العمال الرومان الذي كان يعمل في احد القواعد الأميركية المتواجدة في العراق لفترة وجيزة من الزمن . بعد ذلك أطلق سراحهُ عندما علمت الحكومة الرومانية أستدعت وزير خارجيتها وسألتهُ عن الموضوع أخبرها بعلمهِ بذلك سألتهُ الحكومة الرومانية لماذا لم يخبر الحكومة قال ان الموضوع بسيط ولا يستدعي ذلك طلبت الحكومة منهُ وعلى الفور وبدون نقاش أن يقدم استقالته وفعلاً أقيل من منصبه . مثل آخر مقارنة بين الجندي الأميركي والجندي العراقي المتواجدين في الشارع بعد الأحتلال , الجندي الأميركي يتواجد في برج مضلل ومكيّف يقيه من حر الشمس وبرد الشتاء والمطر والجندي العراقي يقف في الشارع مكشوف لا يقيه اي شيء. بهذه المفاهيم تتطور الشعوب والأمم وتُعز وتكون اكثر قوة من غيرها قديماً وحديثاً
أين نحن في العراق من ذلك .
نرى العكس تماماً المواطن العراقي في اشد معاناته تمتهن كرامته يومياً ولا احد يحميه وهو غير قادر على حماية نفسه او عياله لايظمن غده حاضره مأساة ومستقبله مقلق وحياتهِ من سيء الى اسؤ ومحروم من كل ماذكرناه ليس لهُ حقوق مُداس على رقبتهِ . والادهى ان ذلك متأتي من حكامهِ الذين يدعون العمل لمصلحتهِ ويتعاملون معه بحالة كذب وافتراء ضخمة جداً , وهم يعرفون حق المعرفة بما تقترف أياديهم من جرم مشهود بحق الفرد كمواطن عراقي , بل هم متعمدين على العمل بهذه المفاهيم الاجرامية . عكس ماذكرناه من أمور تعز الفرد والتي بالنتيجة تقوي المجتمع وتعزه وتجعلهُ قوياً حصيناً معافى . يعرفون مواقع القوة لذا يعملون على تقويضها وبالنتيجة تدمير الفرد يوصلهم الى تدمير المجتمع وتقويضهُ ولا نريد الدخول في تفاصيل ذلك لأنها مُعاشة ومعروفة للجميع . للعراقي الحق كأنسان أن يزاول حياته بسلام ويتمتع بهذه الدنيا بكل ما مخلوق فيها ( ألأنسان يعيش مرة واحدة ) وعليه ان يأخذ حقه منها وأن يعيش سعيداً سالماً من الأذى . هل هذه مفاهيم صعبة ..؟ عصية الفهم والتطبيق . لماذا لانترك الماضي بسلبياته ونعمل على صيانة حاضرنا وممتلكاتنا المشروعة ومنها ابنائنا ومصالحهم . ولتكن هذه هي شعاراتنا , نحترم من يقترب منها وننبذ من يبتعد عنها , أفظل من الظلم وحالة التردي . علينا تثبيت القيّم والمفاهيم التي تظمن مصلحة الفرد أولاً والحالة الواحدة او الشخصية لا تقل بأي حال من الاحوال أهمية عن الحالة الجماعية . ضرر الفرد يتساوى في رد الفعل مع الضرر الجماعي . يتجسد ذلك في ( أحبَ لأخيك ماتحبُ لنفسك ) علينا العمل على احترام حقوقنا وحقوق الاخرين . بهذا تستقيم الأمور , الحاكم الذي لايعمل بهذه المفاهيم أما جاهل وعادة مايكون ظالماً أو كافر غير مدرك للأمور وربما عميلاً يدرك ذلك ويعمل على نقيضهُ بغية الضرر بالانسان والانسانية
أقوى المجتمعات تعمل بالمفاهيم الايجابية
وستبقى قوية مصانة متماسكة ما دامت مصرة على العمل بها والتهاون فيها يعني ضياع المجتمع والأفراد . كيف تريد من مواطن مستباحة كرامتهِ يومياً ولايملك شبر أرض ولا سكن ولا فرصة عمل تأمن قوتهُ وقوت عيالهِ وأذا أمتلكها فهومهدد بزوالها في أية لحظة كيف تريد من هذا المواطن ان يدافع عن وطنه وعن كيانه الذي يعيشُ فيه ويضحي بحياته من اجله . والمثل الشعبي ماثلاً أمام عينيه ( الذي لايريدني ربح لا اريدهُ خسارة ) . وما هو السر الذي يجعل المرأة الأميركية تأتي من أقاصي العالم عبر البحار والمحيطات لتقاتل في العراق , السر هو ماذكرناه منح الأفراد حقوقهم الذي جعلهم بهذه القوة . ومن حقنا ان نسأل ايظاً لماذا الذي يجري من تردي في العراق والكثير من دول العالم النامية لايجري في دول العالم المتطورة والقوية . خلاصة القول نحن في العراق ليس لدينا حكّام يعملون لصالح الفرد او المجتمع بل عصابة استولت على الأمور في غفلة من الزمن وبمساعدة عدو مستعمر مجرم هدفها تدمير العراق كشعب ووطن وسرقة خيراته .
أشكركم لقراءتكم المقال .
عبد القادر أبو عيسى : 25 ~ 3 ~ 2014
657 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع