مدن الزرق ورق

                                    

                      كاظم فنجان الحمامي
 
لسنا هنا بصدد التعليق على التوصيف المعماري الذي أطلقه السيد أمين العاصمة بغداد, عندما قال عن مدينة دبي أنها (زرق ورق), ولسنا هنا بصدد الدفاع عن هذه المدينة الخليجية التي تحولت في القاموس الانجليزي من (اسم) إلى (فعل) بسبب كثرة استعمالاتها اليومية المتكررة في المخاطبات والمراسلات.

فدبي التي كانت أسيرة السواحل الملحية المقفرة, تحولت بجهود المصلحين والحكماء والعقلاء إلى جنة للمستثمرين وقبلة للمنتجين والمتاجرين والمصدرين والمستوردين, أنها اليوم قلعة عملاقة من قلاع الاقتصاد العالمي, وجبهة استثمارية من أقوى جبهات المال والأعمال, وواحة جميلة مزدانة بالزهور والنخيل والأشجار والأبراج السامقة.
لم تقف العوامل الجغرافية القاسية بوجهها حين واجهت وحدها أصعب التحديات, ولم تكن الموارد المالية الشحيحة عقبة في منظورها, فلم تتراجع خطوة واحدة عن صناعة مستقبلها بأحرف من نور, ولم تتقاعس عن تحقيق أهدافها نحو الارتقاء إلى مصاف الأقطار الأوربية المتقدمة, فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم.
كانت العاصمة بغداد في الخمسينيات من أجمل العواصم الآسيوية والأفريقية, وكانت دبي عبارة عن صحراء قاحلة تُغرقها الأمواج المتلاطمة, وتخنقها الرطوبة القاتلة, ولسنا مغالين إذا قلنا أنها كانت مضرب الأمثال في التخلف الحضاري, وربما كانت قصيدة الشاعر العراقي (الملا عبود الكرخي) خير شاهد على صحة كلامنا, بقصيدته الشعبية التي استعرض فيها المستحيلات, فقال:
أيصير نملة تدفع الملوية ؟
أيصير من لندن تجي مـﭽارية ؟
أيصير بدبي مدرسة حربية ؟
لقد سخر أمين العاصمة من (دبي), مثلما سخر منها شاعرنا (الكرخي) في الخمسينيات, وما هي إلا بضعة عقود حتى سخرت (دبي) من قوافي قصيدة المستحيلات, عندما فتحت معسكراتها لجنودنا وضباطنا, وسمحت لهم بالتدريب في بعض الدورات التعبوية لصنف المشاة الآلي.
استحوذت (دبي) اليوم على أنظار العواصم العالمية بنهضتها العمرانية غير المسبوقة, والتي استعانت فيها بأبرع المهندسين والمعماريين, فشيدت جزر النخلات, وشيدت برج خليفة, الذي يعد الأعلى (حتى الآن) فوق سطح الأرض, بارتفاع شاهق يصل إلى (828) متراً, وبمكونات مذهلة مستوحاة من زهرة (التوليب) الصحراوية.
يتألف البرج من (160) طابقاً, ويحتوي على (330000) متراً مكعباً من الاسمنت, و(31400) طناً من القضبان الفولاذية, وفيه (57) مصعداً, وهنالك مئات التحف والروائع الهندسية, التي جعلت من (دبي) أيقونة عمرانية بكل معنى الكلمة.
في دبي الآن أكثر من (30) محطة لقطارات المترو, أما موانئها فهي الأروع والأكفأ والأسرع, ولا يضاهيها أي ميناء في العالم, بل صارت (دبي) هي التي تدير أكبر الموانئ الأمريكية والأوربية والآسيوية, وهي التي جلبت القلق والأرق لأمناء عواصم الشرق, فهل يجوز وصفها بمدينة (الزرق ورق) ؟. .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

434 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع