رمله الجاسم
أنخيدوانا
أيتها الجدةُ العظيمة
يامن تركتِ أجملَ القصائدِ
أرافقُكِ الوجعَ فيها
وأنا أتباركُ
ببُردةٍ من نورِالكلمات
التي تلمُلني كلما بدأ بي شعورٌ بالتبعثر
تركتِ مابها لي تحت جرّةٍ
مازالوا يبحثون عنها ليكسّروها
ويرمِّموا بها سياجاً
شيّدوه مِن التَنكِ
بعد نسيانِهم الرخام والآجر
والطابوق المشوي
بألوانِ النارِ المبهجة ِ
كلماتُكِ كانت لَبِناتٍ لشدوِهِم
لو حافظوا عليها وردّدوها
لأنشَدَتْ بعدَهم الحيتانُ
في بطونِ البحارِ
ولكنّهم
ارتأَوا أنْ يثلموا سيوفاً
ويغنون لماسقطَ منها من قطعٍ
بدلَ أن يلثموا الأرضَ التي انجبتهم
جدتي الرائعه
حينما ضاقَ صدري
بتذكّرِ مافعلوه معي
ذهبتُ الى ساحلِ لاهاي
الذي رأيتُه اليومَ
أكثرهيجاناً من مشاعري
وتبيّنتُ دموعاً
تُندّي رملَهُ الممتدُّ بكلِّ هيبتِهِ
لأنهُ عرفَ
سببَ دبيبِ خطواتي باتجاههِ
قبل اقترابي منهُ
وجدتُ زورقاً لركوبِ الموجِ
مستمتعاً بقيلولتِهِ
أشارعليّ
بأن أبوحَ لكِ بما يؤرقني
كان ينتظرُ أحداً
يركبُ به سطحَ الأمواجِ
التي كانت تحاورُهُ
بقليلٍ منَ الشراسةِ
الساحلُ مزدحمٌ بالناسِ
رغم الريحِ الباردةِ
وعلى طولِهِ كانت تنتشرُالمقاهي
فيها مواقدُ النارِعامرةً
قرب الأرائِكِ الوثيرةِ رغمَ شعبيّتِها
لتزيدَ المنظرَ أُبّهةً شتوية
نسيتُ ماأريدُ قولَهُ للقواقِعِ الفارغةِ
المنثورةِ هنا وهناك
مثل ساحةِ حربٍ
بعد انتهاء المعارِكِ
التي أمقُتُها
لكثرةِ ماتغنّى بها البائسون
وعلّقوا عليها آمالَ نصرِهم
ولوفرةِ أناسٍ سُرِقَتْ
أطرافُهُم بغفلةِ الزمن
ولأني كلّما بحثتُ فيها عن وجهٍ
أرسمُ من خلالِهِ جمالَ الخالق
أجدُني أمام إبتسامةٍ منكسرة,
من خلف زجاجِ المقهى
وقعَ بصري على كهلٍ
مستأنسٍ بتقبيلِ رفيقتِهِ الحسناء
ذات الثمانين عاماً
على طاولةٍ عامرةٍ بأنواع الخبز ِ
المحمّصِ المحشي بأشياءَ لاأتبيّنها
مع أكوابٍ من شرابٍ ساخن
جدتي الحنون الحكيمة
لاأعرفُ لماذا ذكرني هذا
بالكاهنِ الذي كانت تُغريه الناهدُ
بوجهِها المنقسمِ الى نصفينِ
فتاةُ معبدهِ المقدسه
نصفهُ العلويُّ
بعينينِ يلفّهُما المكر ُ واللّؤمُ
ونصفهُ السفلي يرسمُ ابتسامةً
تخفي تحتها مانوَتْ عليه
لتمارسَ بواسطتِهِ
الجورَ على من هم من حولِهِ
والقريببين منه
وكنتِ أنتِ أوّل المنفيّينَ
بمكائِدِها
لأنها شعرتْ بأن بريقَكَ يجعلُها
ظلالاً لاأكثر
كانت تحيكُ المؤامراتِ
حتى فازتْ
بموتِ كلّ القديسين وعمّالِ المعبد
لكي لايكتشفُ أحدٌهم خيانتَهُما للجميع
أغوتِ الشعَبَ بالخداع
بما كانتْ تزينُ لهم سرقتَهُ
ليعمّرا معاً معبداً جديداً
من الآهاتِ والجماجمِ
يستخدمانِها أحجاراً لطردِ الشرِّعنهما
كلما اقتربْتُ من رؤيةِ تقاطيعِ هذا الجالسُ
تذكرتُ وجهَ ذلكَ الكاهنِ
الذي كان سببَ آلامكِ
التي حرمتْكِ
من التمتُّعِ باستنشاقِ هواءِ أوروك العليل
الذي يسمو بالنفسِ الى الأعالي
ويشفيها من طاعونِ الغربةِ والدّرَنِ
تذكرتُهُما وهما يراقبانِكِ
من أعلى المعبدِ
وأنتِ بكاملِ زينتِكِ
مبهورَينِ حاقدَينِ
وينحني الجميعُ لكِ
تحيةَ محبةٍ وإجلالٍ
يراقبانِ جموعَ المحبينَ
مِن شعبِكِ ذي العَراقةِ والرّفعة
ووصولكِ لزاويتِكِ المفضّلةِ
المطلّةِ على . أور. المدينة الحسناء
بما حَبتْها الآلهةُ بالخيرِ الوفيرِ
تحت الترابِ ومافوقهُ
وأنتِ تكتبينَ مسرّاتِكِ بالعطايا
قصائدَ هيامٍ وشكرٍ
ماأبلغكِ وماأجملكِ
وماأطهر ماتحملين من روحٍ
فأنتِ سليلةُ ملوكِ الأرضِ وقادةِ عمرانِها
ماأستطاعتْ
أن تغريكِ المياهُ الدافئةُ بالتعرّي
ولو حتى للتبرّكِ بها
كنتِ تجلسينَ بعمامَتِكِ البيضاءَ
المحاكةِ بخيوط ٍ منقوعةٍ بماءِ الذهبِ
ومنسوجةٍ بالودّ
مزدانةٍ بالأحجار ِ الكريمةِ
من صنعِ فنانيها
تُكمّلُ جمالَ ثوبكِ
باللونِ الشذريِّ
المنثورِ بالخرزِ الأزرقِ والكهربِ الأصفر
يحاكي بريقَ الرّضا في عينيكِ
تفرشينَ عباءتَكِ السماويّةِ
يغمقُ لونُ طيّاتِها كلّما تحرّكتِ الموجاتُ
وبلّلتْها لتحاكي زرقةَ السماءِ الصافيةِ
على طولِ شاطيءِ المدينةِ
الممتدِّ امتدادَ الحياةِ وسيبقى
تنظرُ الأسماكُ اليكِ
يلبسْنَ أصدافاً تتعاكسُ عليها أشعةُالشمسِ
كحوريّاتٍ
يتسارَعْنَ لتقديمِ أنفسِهِنّ
بأجسادٍ غير مشوّهةٍ بصناراتِ الصيدِ
للفوز بإسعادِكِ
لينهينَ حياتَهنَّ بافتراشِ ثوبكِ
المبتلِّ بالرملِ والحصى
وموت رضىً
ويستقرّنّ وجبةً تمدُّ خلاياكِ بالطاقةِ
من أجلِ
أن تكتبي ترانيمَ للآلهةِ والحبّ والناس
أكثرَ جمالاً وبلاغةً
أنا تركتُ متعةَ الشيّ منذ الحرب الأولى
لكثرةِ مارأيتُ من الحرائقِ تلتهمُ المدنَ
ورائحةُ الأجسادِ المتفحّمةِ تزكمُ الكونَ
وتُحرجُ الشمس لكثرتِها
آهٍ جدّتي بكيتُكِ الآنَ واغتسلْتُ
الماءُمالحٌ ودمعُ الخساراتِ مُرُّ
وهيَ هيَ مازالتْ من بعيد
بمعبدهِما المشيّدِ حديثاً
تغزلُ له
بساطَ غوايةٍ تفرشُهُ لنفيٍ آخر
رمله الجاسم
16-2-2014
629 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع