زيد الحلي
خلال الأشهر الأخيرة ، اجتاحني موج قراءة قصص عراقية ، بمختلف صنوفها لكتّاب طالعت اسماء بعضهم في وسائل اعلام عراقية ، واخرى من تداول اصدقاء يعملون في مجال النقد الادبي ، وقد زادت قراءاتي على مائة قصة ورواية .. فماذا خرجت بأنطباع عن تلك القراءات ؟
لستُ متشائما ، لكني اقول ، انني وجدتُ نكوصا واندثارا لألق عراقي ، كان بارزا ، في سنوات ماضيات ، هو القصة العراقية ، بفنونها المعروفة : القص القصير او الرواية الطويلة .. رغم ان " البعض " لا يريد الاعتراف بهذا الواقع ، منطلقاً من ذاتية مفرطة بالحساسية ، مرتدياً بدلة محام ، للدفاع من وراء صحراء المخيلة ، عن أفول مدرسة عراقية في القصة والرواية ، ناكراً هذا الأفول ، وكأنه بهذا النكران يؤسس لضبابية ، مهمتها عزل الحقيقة المعاشة التي يلمسها الجميع ، لأمر في نفس يعقوب ، انني اشبه هذا "البعض " بأنصاف "المثقفين" ممن يريد الشهد دون إبر النحل، محاولين الوصول إلى شهرة "وهمية " بكتابات مضطربة المعاني، ضعيفة الموسيقى ، رديئة اللغة . ..لقد نسى هؤلاء ان الفعل القصصي الذي جاء به كتاب القصة العراقية قبل عقود كان بمثابة استنطاق صامت ، واستجواب متهم ، وادانة مرتكب ، وتوضيح غوامض وكشف مجاهل، وتصحيح أخطاء ، وتصوير مجاهل النفس في اطار الحقيقة و.. و..!
من هنا ، انادي باعادة فتح الطريق للقصة العراقية الحقيقية ، لتأخذ مكانتها التي سلبتها سنوات العقدين الاخيرين من تاريخ العراق ، ولست بمغال ان قلت ان واقع القصة الحالية ، يرتوي من ادب متملق ، يلهث وراء الذات القاصرة ، حتى هوى بهذا الواقع الى غير قرار.
ولا ابرئ القارئ ، حين اجده مبتعدا عن متابعة الابداع القصصي ، على ندرته ، بحجة إنه لا يرى فيه مرآة نفسه ، وإنه ليس بالمستوى المطلوب الذي كان عليه في العقود التي سبقت تسعينيات القرن المنصرم ، فهذه فرية تُسهم في لفظ ما تبقى من انفاس القصة العراقية ، وتدفع البقية الباقية من شجرة العقود الذهبية ، الى الانكفاء والشح بالعطاء ، وطوي الذات في شرنقة العزلة ..
بأسف ومرارة ، اقول ان شعلة الابداع القصصي العراقي انطفأت ، حين زاد عدد الكتاب رقما ، وقل ابداعا ، وتسبب واقع التدني لهذا الفن الراقي في انحسار بيّن ، تمثل بأبتعاد المبدعين الحقيقيين ، وتضاربت في اعماق الكاتب الأصيل امواجه الحبيسة ، لتشكل فيضانا من الاحتجاج على طغيان "الكتبة الجدد " .. ومع قناعتي ، بأنه لا توجد قوانين جامدة لكتابة اي قصة ، لكني وجدتُ فوضى في معظم ما نشر وينشر من قصص ، فأثرها معدوم في المجتمع العراقي ، ودليلي على ذلك عدم الاقبال على اقتناء المجاميع القصصية ، واجد من المعيب ان ألحظ مجموعة تصدر ، ثم بعد اصدارها بشهر او شهرين ، اشاهدها اكواما على ارصفة شارع المتنبي ، تباع مع ما يباع بـ ( كتاب 250 ديناراً ) !
ان القصص التي طالعتها ، معظمها ناقصة ، مشلولة ، بل اقول بصراحة : جامدة ، وهي تحمل الطابع الارتجالي ، وكأنها كُتبت تحت مخدر الحياة ، تلف وتدور في وصف لا معقول وتكلف ، وتعتمد على حكايا مفبركة ، لا يستسيغها عقل ولا يربطها رابط ، كتابها متذرعون بالحداثة ..!
والى رؤية ثانية في مقال آخر .
417 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع