الثانوية المركزية واحداث سنة ١٩٥٦ كيف ثار الطلاب ضد العدوان الثلاثي على مصر ؟
ثار الشعب العراقي عند سماعه أنباء الهجوم الاسرائيلي على الاراضي المصرية في 29 تشرين الاول 1956 ، فبدأت الاحزاب السياسية العراقية عملها ، من اجل نصرة الشعب المصري ، اذ كان الشعب العراقي متوقعاً ان تقوم الحكومة العراقية باعلان شجبها للعدوان ،وتهدد بقطع امدادات النفط عن المعتدين ومنعهم من استخدام مطارات الحبانية والشعيبة ،
الا أنه فوجئ بالعكس، إذ وجد الشعب ان موقف الحكومة العراقية ضعيفاً اذ انها لم ترسل أي مساعدات مادية او جيش مقارنتاً بدول المغرب والدول الاخرى، لذا قرر ان ينتفض ثائراً ليسمع صوته ، بتأييده لاشقائه في مصر ، كان في مقدمة هؤلاء المتظاهرين الشريحة الطلابية المناضلة.
من المفيد ذكره ان طلاب الجامعات العراقية أعطوا حماساً كبيراً لطلبة الاعدادية المركزية وباقي الثانويات من أجل التظاهر ، لذا خرج طلبة الاعدادية المركزية واعدادية الاعظمية والكرخ والكرادة الشرقية ، للتظاهر في 3 تشرين الثاني 1956 ، مما أضطر قوات الشرطة الى التدخل وتفريق الطلاب بالقوة ، غير أن عددا من الطلبة أصيب بجروح.
بالرغم من تدخل قوات الشرطة وبيانات الحكومة المحاولة لتهدئة الوضع ، الا أن ذلك لم يمنع الطلبة من الاستمرار بالتظاهر ،وايصال صوتهم الى الحكومة العراقية ،والى الحكومات العربية ، لذا قام طلاب الاعدادية المركزية بإضراب مع طلبة كلية الحقوق والاداب والمدارس الثانوية الاخرى في 5 تشرين الثاني 1956 ،مطالبين بـ :
1. قطع امدادات النفط عن بريطانيا.
2. سقوط حكومة نوري السعيد.
3. بلاد العرب للعرب.
ولما ازدادت اعداد الطلبة ، دفع ذلك بمتصرف لواء بغداد آنذاك عبد الجبار فهمي ، الى الايعاز لقوات الشرطة بتطويق المتظاهرين وتفريقهم ،وبالفعل تمكنت قوات الشرطة من تفريقهم ، بعد ان زجت بأعداد كبيرة منهم في الحبس.
توقف العدوان الثلاثي على مصر في 7 تشرين الثاني 1956 ، على إثر الموقف البطولي للشعب المصري ، كذلك التهديد السوفيتي لدول العدوان ، مايهم في الأمر هو أن الحكومة العراقية ظنت ان الهدوء سيسود في ربوع العراق ،وذلك لأنتهاء السبب الرئيس في قيام التظاهرات ، الا ان ما حصل هو العكس ، اذ بقيت نار الأنتفاضة مستمرة ، بسبب موقف الحكومة العراقية الضعيف الذي خذل الشعب المصري ، وادراكاً من الشعب العراقي بأن حكومته لم تقم بواجباتها تجاه مصر.
من اجل ما سبق ، خرجت تظاهرة كبيرة في 20 تشرين الثاني 1956 ، يقودها طلبة الاعدادية المركزية وثانوية الكاظمية ، كانت قوات الشرطة لهم بالمرصاد ، إذ سرعان مافرقتهم وانتهت التظاهرة ، الا أن ذلك لم يمنع من انهم نظموا تظاهرة اخرى في اليوم التالي 21 تشرين الثاني ،
اذ خرج طلبة الاعدادية المركزية مع ثانوية الكرخ والاعظمية وثانوية التفيض الاهلية ، معلنين اضرابهم عن الدوام ،وهاتفين بحياة الرئيس المصري جمال عبد الناصر ، ثم نشروا شعارات على لافتات من القماش عن موقف الحكومة العراقية من العدوان ، عندها تصدت لهم قوات الشرطة واخذت تطلق الرصاص فوق رؤوس المتظاهرين لتفريقهم ، مما ادى الى تدخل الاهالي ، حفاظاً على ارواح ابنائهم.
وفي اليوم نفسه اخذ قسم من طلبة الاعدادية المركزية يهتفون داخل الاعدادية بحياة جمال عبد الناصر ، الا أن مدير المدرسة علاء الدين الريس هددهم بالطرد ، كما أن قوات الشرطة احاطت ببناية الاعدادية ، خرج قسم من الطلبة ، الا أن اخرين منهم ظلوا معتصمين داخل الاعدادية يهتفون بهتافات متنوعة ،ولم يخرجوا منها الى ان تدخلت قوات الشرطة ،والقت القبض على معظمهم ، بعد اطلاقها النار عليهم مما ادى الى مقتل الاستاذ عبد الواحد عبد الغني مدرس اللغة العربية في الاعدادية، حتى ان الحكومة العراقية اعلنت ايقاف الدراسة في المدارس منذ ذلك اليوم حتى إشعار آخر ،وعلى ذلك يمكن ان يطلق على ذلك اليوم بـ ( يوم المدارس البغدادية).
وفي الساعة الحادية عشر من يوم 23 تشرين الثاني 1956 ، خرجت ايضاً تظاهرات طلبة الاعدادية المركزية وبعض ثانويات بغداد حيث اتجهت نحو الباب الشرقي ، وحملت لافتات تهتف بسقوط الحكومة وتطالب بتأميم النفط ، الا أن قوات الشرطة ايضاً تمكنت من تفريقهم بالقوة.
من الجدير بالذكر ان تظاهرات الطلبة هذه استمرت حتى شهر كانون الاول 1956 ، إذ شكل طلبة الاعدادية المركزية وثانوية الكرخ ( لجنة الارتباط الوطني ) من اجل تنسيق اعمال الطلبة لبيان اهدافهم وكيفية بدأ تظاهراتهم بالتفصيل،وهو ما أعطى حافزاً لبقية فئات الشعب العراقي من اجل التظاهر ، بعد أن ادركوا ان الطريق السلمي لا جدوى منه ، فلجأوا الى طريق العنف.
ففي 30 كانون الاول 1956 أضرب طلاب الاعدادية المركزية وثانوية الكرخ عن الدوام ، واعتصم الطلاب داخل بنايتهم ، وحصل صدام بين الشرطة والطلاب في ثانوية الكرخ ، اما الاعدادية المركزية فقد كانت بنايتها قريبة من مبنى مجلس الوزراء ، لذا اعتصم الطلاب في سطح البناية ،وقاموا برمي سيارات النواب بالحجارة ، الامر الذي ادى الى تدخل رئيس الوزراء نوري السعيد ، فأستدعى وزير المعارف خليل كنة ،ومدير الشرطة العام عباس علي غالب ، ومتصرف بغداد عبد الجبار فهمي ،وامرهم بأقتحام البناية وانهاء الاعتصام ،وهو ما تم بالفعل.
بالرغم من ذلك ، الا أن طلبة الاعدادية المركزية كانوا يريدون إيصال مطالبهم الى الحكومة بأي شكل كان ، لذا خرجوا بتظاهرة يوم 31 كانون الأول 1956 ،وهي آخر تظاهرة لهم ، خرجوا فيها يهتفون :-
" تسقط الحكومة الحاضرة "" يسقط حلف بغداد الاستعماري "
وهو ما ادى بعد ذلك الى اشتباكهم مع رجال الشرطة الذين اضطروا الى اعتقال كثير منهم
من اجل ذلك ، اجتمع مجلس المدرسين للاعدادية المركزية برئاسة مدير الاعدادية علاء الدين الريس في صباح اليوم التالي ، وقرروا تقديم طلب الى وزير المعارف بعد اعتقال الطلبة بيومين ، مطالبين فيها بالافراج عن الطلبة
علماً أن هؤلاء الطلاب قد برز منهم وميض جمال عمر نظمي وسعد عيسى طبرة ، اللذان كانا من أنشط الطلبة وطنياً، لذا أصدر مجلس الاعدادية قراره بفصل هذين الطالبين ، اما بقية الطلاب فكانت انشطتهم اقل ، لذا رأى المجلس ضرورة فصلهم من الاعدادية لما تبقى من السنة الدراسية ، وأعتبارهم راسبين في صفوفهم ، على ان يعيدا السنة في العام التالي ،
اما الطلاب الذين هم اقل نشاط ، أو يكاد يكون نشاطهم معدوما بالنسبة لبقية زملائهم في الاعدادية المركزية ، لذا قرر مجلس الاعدادية اخراجهم من الاعدادية إخراجاً مؤقتاً لمدة أسبوعين ،مع خصم 20% من درجة سلوكهم ، كذلك ربطهم بتعهدات تحريرية من أولياء أمورهم ، بالمحافظة على الهدوء والسكينة داخل الاعدادية .أما بقية الطلبة المحبوسين ، فقد طالب مجلس الاعدادية المركزية بالإفراج عنهم ، لعدم وجود شيء ضدهم.
في الواقع ، إن الطلب الذي تقدم به مجلس الاعدادية المركزية ، للافراج عن الطلبة المحبوسين ، لم توافق عليه الجهات المسؤولة ، ولم يتم الافراج عن الطلبة حتى شهر أذار 1957.
عن رسالة ( الاعدادية المركزية للبنين في بغداد )
المدى / رشا خلف جاسم
1070 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع