الجيش العراقي خلال حركات إنفصال كردستان في العهد الجمهوري الأول

         

 الجيش العراقي خلال حركات إنفصال كردستان في العهد الجمهوري الأول

   

     تحقيق اللواء االمتقاعد فوزي جواد هادي البرزنجي

              

المقدمة
1.الكُتَابْ والمؤرخين العسكريين والمدنيين الذين يرومون البحث في حقبة تأريخية بالغة الأهمية من تأريخ حركات الجيش العراقي في القاطع الشمال خلال حركات إنفصال كردستان في العهد الجمهوري الأول ، بعد عودة الملا مصطفى البارزاني وأفراد عشيرته من الإتحاد السوفيتي التي بدأت في 11 أيلول 1961 لا يجد الباحث في أروقة المكتبات االعراقية والعربية أي جهد عسكري موثق لتأريخ تلك الحقبة من الزمن .
2. قد يتصورالبعض أبغي من الولوج في هذه الحقبة الزمنية من تأريخ حركات الجيش العراقي في القاطع الشمالي إثارة نعرة قومية بين أبناء الشعب العراقي بمختلف قومياته ، في جميع أنحاء العالم توثق الدول تأريخ جيوشها بكل إيجابياتها وسلبياتها كدروس مستحصلة يمكن الرجوع إليها مستقبلاً ، ينبغي توثيق العمليات العسكرية التي خاضها الجيش العراقي في حقبة العهود الجمهورية إبتداءا ًمن 11 أيلول 1961 حتى نيسان 1991 كي يطلع عليها منتسبي القوات المسلحة خاصة وأبناء الشعب العراقي عامةً .
سبق وأن وثقت مقالين حول نفس الموضوع جرت أحداثها في العهد الملكي في حقبة االثلاثينات و الأربعينات من القرن االماضي ونشرت
في مجلة الكاردينيا الثقافية تحت الروابط التالية:
https://www.algardenia.com/terathwatareck/32445-2017-10-25-15-56-58.html

https://www.algardenia.com/terathwatareck/33183-2017-12-12-22-02-21.html

3. قبل فترة سنتين حقق اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس أطال الله في عمره بعد جهد مضني نشر مذكرات المرحوم الفريق الأول إبراهيم فيصل الأنصاري بالتعاون مع نجله المهندس خليل إبراهيم فيصل الأنصاري حيث بدأ والده المرحوم العمل في القاطع الشمالي عندما كان يشغل منصب ضابط الركن الأول في قيادة فرقة المشاة الثانية في كركوك ثم شغل منصب آمر لواء المشاة الحادي عشر في قاطع زاخو ثم شغل منصب قائد فرقة المشاة الثانية في كركوك ثم رئيس لأركان الجيش العراقي ، لايفوتني الثناء على معلمي الأول العميد الركن صباح علي غالب الذي بذل جهداً متميزاً في تدقيق هذه المذكرات سبق جهد اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس بفترة ليست قصيرة لكن لم تسنح الظروف بنشرها في حينه .

4. أشار المرحوم الفريق الأول الركن إبراهيم فيصل الأنصاري في مقدمة مذكراته إنه تطرق بإيجاز لسيرالحركات العسكرية للجيش العراقي في شمال العراق ، لكن هذه المذكرات تضمنت ذكر معظم المعارك التي خاضها الجيش العراقي ضد البيشمركة للحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة المرحوم الملا مصطفى البارزاني ، وأغنت المكتبات العراقية والعربية بالمعلومات عن النقص الذي كان حاصلاً قبل نشرها .
بدء الحركة الكردية وتكليف قيادة فرقة المشاة الثانية بإخمادها
5. خلال الربع الأخير من سنة 1960 أخذت المعلومات تتوارد إلى مقر قيادة فرقة المشاة الثانية والتي كان عملها يشمل المنطقة الشمالية برمتها (محافظات كركوك والسليمانية وأربيل والموصل ، كانت دهوك قضاء تابع إداريا إلى الموصل ) من مصادر إستخباراتها ومن مصادر مديريات الأمن في المنطقة الشمالية ، تفيد بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني أخذ يعقد الإجتماعات ويقدم المذكرات إلى الحكومة يطالب فيها تنفيذ الحكم الذاتي في كردستان مع بعض المطاليب الأخرى ، وكانت المعلومات تفيد أيضاً بأن كوادر الحزب المذكور أخذت تعمل في القصبات والقرى والأرياف لتنظيم الجماهير وتهيئتها للقيام بعصيان مسلح ضد السلطة في حالة عدم إستجابتها لما جاء في تلك المذكرات.

    

هذا وقد سبب الخلاف الذي حدث بين عبد الكريم قاسم والملا مصطفى البارزاني رئيس الحزب حدوث فجوة بين الرجلين ، مما حدا بالأخير إلى مغادرة بغداد إلى المنطقة الشمالية إن تواجد المرحوم الملا مصطفى البارزاني في كردستان أعطى زخماً كبيراً للحركة الكردية لمجابهة السلطة كونه رئيساً للحزب ورئيساً لعشيرة بارزان التي شَقَتْ عصا الطاعة على الحكومة عدة مرات سواء كان برآسته أو برآسة أخيه الشيخ أحمد البارزاني ، وقد تفاقم الوضع الأمني في المنطقة الشمالية لأن الزعيم قاسم لم يرد على تلك المذكرات لا سلبياً ولا إيجابياً .. فأخذت مفارزهم المسلحة تجوب الطرق العامة وتنصب نقاط تفتيش على تلك الطرق لتفرض نفسها سلطة خارج سلطة الحكومة. ولقد أزداد الوضع خطورة حيث إحتلت بعض المفارز المسلحة كتفي مضيق بازيان وأغلقوا الطريق بعجلة حمل مقلوبة وأعلنوا أنهم لن يسمحوا بمرور أي عجلة عسكرية تحمل مواد عسكرية إلى حامية السليمانية عدا الأرزاق فقط الأمر
الذي حدا بقائد فرقة المشاة الثانية السفر إلى بغداد لمقابلة الزعيم عبد الكريم قاسم ليتعرف على وجهة نظره بصدد ما تتخذه قيادة الفرقة من إجراءات.

    


توجيهات الزعيم عبد الكريم قاسم

6. بعد مقابلته للزعيم عبد الكريم قاسم عاد قائد فرقة المشاة الثانية إلى كركوك وهو يحمل توجيهاته التي تضمنت تكليف قيادة الفرقة أن تحرك رتلاً عسكرياً قوياً من القوات المتجحفلة للذهاب إلى السليمانية ، على أن لا يفتح الرتل النار على أية جماعة مسلحة تتواجد على طريقه ما لم تفتح النار هي أولاً، وفي حالة فتح النار على الرتل من قبل أية جماعة مسلحة فعلى آمر الرتل أن يأمر بالرد على مصادر النار ويتخذ ما يلزم لسلامة رتله. وتنفيذاً لتوجيهات الزعيم فقد أصدرت قيادة فرقة المشاة الثانية أمراً إلى لواء المشاة الثالث الذي كان مرابطاً في منطقة (جمجمال) بالحركة إلى السليمانية صباح يوم 11 آيلول 1961 وقد وضع بأمرته كتيبة مدرعات مع مراعات الشروط التالية :
أ. لا تفتح النار على أية جماعة مسلحة يصادفها في الطريق ما لم تبادر هي بفتح النار أولاً .
ب. في حالة فتح االنار على الرتل تكون له الحرية ليتخذ ما يلزم لسلامة رتله.
وقد تحرك اللواء فعلاً صباح اليوم المذكور بالعجلات ، ولكن قبل أن يصل الرتل إلى حوض بازيان فتحت عليه النار فإستشهد على الفور ضابط إستخبارات اللواء الملازم الأول رشيد كما سقط عدد آخر من المراتب شهداء وجرحى ، فترجل الرتل من الحافلات فوراً وإنتشروا على جانبي الطريق العام ليعالجوا مصادر النيران وقد تمكن مراتب الجحفل من إسكات النار والقضاء على تلك المقاومة. وواصل اللواء سيره مشياً على الأقدام إلى أن وصل إلى (حوض بازيان) وعسكر هناك ، تمهيداً لإجتياح مضيق بازيان فجر اليوم التالي.

       

                  خارطة منطقة مضيق بازيان

7. بهذه الطريقة إندلع القتال في شمال العراق عام 1961 وعلى كافة المحاور . إلا أن تشكيلات الفرقة ووحداتها تمكنت خلال فترة لا تزيد على الأسبوعين من فتح الطرق العامة وإبعاد الجماعات المسلحة في كل من مناطق كركوك والسليمانية وأربيل والموصل.. وإختفى المسلحون تماماً عن الأنظار..

            

            الزعيم عبد الكريم قاسم يعقد مؤتمراً صحفياً
8. إعتقد الزعيم عبد الكريم قاسم بأن العصيان قد تم القضاء عليه. الأمر الذي جعله يعقد مؤتمراً صحفياً في وزارة الدفاع أعلن فيه نجاح القوات المسلحة بالقضاء على حركة العصيان المسلح بفترة وجيزة .. كما هاجم الملا مصطفى البارزاني في ذلك المؤتمر هجوماً عنيفاً. غير أن الواقع خلاف ذلك – كما علمت قيادة فرقة المشاة الثانية فيما بعد ومن مصادر إستخباراتها بأن الملا مصطفى البارزاني ومسلحيه قد إنسحبوا إلى المناطق القريبة من الحدود (العراقية – التركية) في المنطقة المحصورة بين (العمادية – زاخو) ليقضوا فترة الشتاء بعيداً عن تواجد قطعات فرقة المشاة الثانية .. وليتهيؤا للجولة الثانية وهكذا مر خريف وشتاء سنة 1961 والمنطقة الشمالية تنعم بالاستقرار والأمان .
9. خلال وجود الملا مصطفى البارزاني في فترة شتاء 1961- 1962 في المنطقة المحصورة بين (العمادية – زاخو) أعاد تنظيم قواته ، وباشر بإلاتصال برؤساء العشائر الكردية وحثهم على الإنضمام للحركة ولقد إنضمت العشائر التالية للحركة المسلحة وهي عشيرتا الگلى والسندي القاطنين في منطقة زاخو .. كما إنضمت العشائر القاطنة على جانبي الطريق العام ( دهوك – العمادية) وعشيرة بدر وعشيرة آكو بقيادة عباس مامند أغا، والقاطنين في منطقة رانية الحدودية . كما إنضم للحركة المسلحة عدد من الضباط والمراتب الكرد الذين هربوا من الجيش و بعض الشباب المتحمس وكثيراً من الفلاحين وما أن حل ربيع سنة 1962 حتى أصبح لدى البارزاني قوة مقاتلة لا يستهان بها.

إستئناف القتال
10. إستأنف القتال من جديد في معظم أجزاء كردستان وقد إستطاعت بعض المفارز الكردية المسلحة من السيطرة على قضاء زاخو . كما سيطرت مفارز أخرى تعمل في مناطق أخرى على محور (دهوك – العمادية) وحاصروا مدينة العمادية .. أما في محافظة أربيل فقد سيطروا على قصبة كويسنجق وقصبة شقلاوة وعلى جبل (سفين) المشرف على شقلاوة ، أما في محافظة السليمانية فقد سيطروا على قصبات جوارته ، وحلبجة ، وطويلة ، وحاصروا بنجوين وفي محافظة كركوك تمت لهم السيطرة على ناحية (قادر كرم) وناحية (سنكاو) وحاولوا السيطرة على طريق (كركوك – سليمانية)، كما هاجموا المؤسسات والمنشئات النفطية عدة مرات ..

       

وفي محافظة (نينوى) الموصل – هاجموا عشيرة الزيباريين ، وبعد قتال عنيف إضطروها للنزوح إلى مدينة الموصل .. كما هاجموا عشيرة الهركية القاطنين في منطقة (گرده سين)..

    

كما هاجموا الشيخ (عبد الله الشرفاني) رئيس عشيرة الشرفاني وحاصروا قريته. 
11. وبالرغم من إتساع الحركة الكردية المسلحة فقد إستطاعت قيادة فرقة المشاة الثانية من معالجة تلك المواقف المحرجة والمتعددة بإستخدام وحدات الفرقة وقوات الشرطة والعشائر الكردية الذين تطوع أبناءها كشرطة غير نظامية وبمعاونة القوة الجوية من إستعادة قصبة زاخو وتطهير محور (دهوك – العمادية) وفك الحصار عن العمادية وإسترداد معظم الأماكن التي سبق وأن سيطرت عليها قوات البيشمركة و نجحت في فتح الطرق العامة وحماية السدود المائية كسد (دوكان) و (دربندخان) وتخصيص قطعات لحماية تلك السدود مما إستنزف قطعات الفرقة.

    

سيطرة البيشمركة على مضيق زاخو

12. بالرغم من طلبات قيادة فرقة المشاة الثانية المستمرة لتعزيزها بمزيد من قطعات الجيش الأخرى ، إلا أن الزعيم عبد الكريم قاسم لم يوافق على ذلك. وبالنظر لتزايد نشاط مفارز البيشمركة في محافظة الموصل إضطرت الفرقة إلى نقل مقرها الرئيسي من كركوك إلى معسكر الغزلاني في الموصل لكن عبد الكريم قاسم وافق أخيراً على إرسال لواء المشاة الأول من فرقة المشاة الأولى ليكون مسؤولاً عن محور (دهوك – العمادية). غير أن آمر اللواء العميد أحمد كمال قادر كان أعلى قِدَماً من ناحية الرتبة العسكرية من العميد محمود عبد الرزاق قائد فرقة المشاة الثانية، لذا كان يستلم أوامره من الأركان العامة في بغداد مباشرة . إن هذا الازدواج في القيادة إنعكس سلباً في قيادة فرقة المشاة الثانية ¬عندما وقع أحد أفواج الفرقة الذي كان يتنقل بالحافلات مروراً من خلال مضيق زاخو، تعرض إلى كمين قاتل في ذلك المضيق ، فقد رفض العميد أحمد كمال قادر آمر لواء المشاة الأول عندما إتصل ضابط الركن الأول للفرقة به تلفونياً وطلب إرسال فوج من لوائه إلى مضيق زاخو لمساعدة الفوج العائد إلى قيادة فرقة المشاة الثانية في المضيق المذكور قائلاً إنه يستلم أوامره من الأركان العامة فقط. لذا إتصل (ض ر1) للفرقة تلفونياً بمدير الحركات العسكرية طالباً منه إصدار الأوامر إلى آمر لواء المشاة الأول لتنفيذ طلب الفرقة غير أن الأمر الذي صدر إلى آمر لواء المشاة الأول قد جاء متأخراً مما أدى إلى تكبد الفوج المذكور خسائر جسيمة تقدر بما يقارب من 25% من قوته تقريباً بين شهيد وجريح وأسير، قبل أن يتمكن ما تبقى منه من التملص من الكمين والعودة إلى زاخو. إن نجاح قوات البيشمركة في ذلك الكمين القاتل أدى إلى إ رتفاع معنوياتهم فازداد نشاطهم في منطقة زاخو وإستطاعوا قطع خطوط مواصلات الفوج المرابط في (باطوفة) مما إضطر قيادة الفرقة على إدامته بطائرات الهيلوكوبتر .. كما أنهم نجحوا في السيطرة على مضيق زاخو ..
وبذلك قطعوا الإتصال بين وحدات جحفل لواء المشاة الحادي عشر
العاملة شمال المضيق وتلك المرابطة في جنوبه.

                            

                      صورة لمضيق زاخو من كوكل


وأخذت خسائر الجحفل تتصاعد يومياً ..
فقد إستشهد العقيد مجيد سبع آمر قوة باطوفة ، كما إستشهد وجرح عدد آخر من منتسبي وحدات الجحفل . وبالرغم من محاولة العميد علي العاملي آمر الجحفل من كسر الحصار عن قوة باطوفة وفتح مضيق زاخو، إلا أن محاولاته باءت بالفشل .. حيث أن الموقف الذي فرضته قوات البيشمركة في منطقة الجحفل كان فوق مستوى قابلياته لإدارة المعركة . بالرغم من أنه كان لديه من القطعات والأسلحة الساندة ما يستطيع أن يقلب الموقف لصالحه مما إضطره لأن ينسحب من المسؤولية ويدخل المستشفى.

    

 العقيد الركن إبراهيم فيصل الأنصاري آمراً للواء المشاة الحادي عشر

13. عندما علم (الزعيم) العميد محمود عبد الرزاق قائد فرقة المشاة الثانية بدخول العميد علي العاملي المستشفى أرسل في طلب ضابط الركن الأول للفرقة وسأله من هو الضابط الذي ترشحه لإشغال منصب آمرجحفل لواء المشاة الحادي عشر فأجابه على الفور بأنه على إستعداد لإشغال هذا المنصب .. وله رغبة شديدة لقيادته .. مؤكداً له بإنه سيجعل من هذا الجحفل قوة مقاتلة .. وتعهد له بأنه سيفتح مضيق زاخو ويكسر الطوق عن قوة باطوفة خلال فترة لا تتجاوز الأسبوع الواحد.

وقد تردد قائد الفرقة بالموافقة على طلبه لإعتزازه به كرئيس لأركانه (حيث سبق وأن تم تعديل منصبه من ضابط الركن الأول إلى رئيس أركان الفرقة الثانية وذلك في 19 تشرين الثاني 1961) ولثقته به وقال له من يستطيع أن يحل محلك في مقر الفرقة ؟ فقال له أن أي ضابط ركن حريص يستطيع أن يقوم بالواجبات التي كان يقوم بها .. ورجاه بإلحاح أن يستحصل الموافقة على تعيينه بهذا المنصب.. فوافق على ذلك مشكوراً ورفع سماعة الهاتف وإتصل بالزعيم عبدالكريم قاسم.. وأخبره بموقف الجحفل وبدخول علي العاملي المستشفى وترشيح رئيس أركان الفرقة بدلاً من الموما إليه .. فوافق الزعيم على ذلك.
14. نص حديث المرحوم العقيد الركن إبراهيم فيصل الأنصاري
وبعد مرور ساعة على المكالمة التلفونية وردت إلى مقر الفرقة برقية تنص على تنسيب العقيد الركن ابراهيم فيصل الأنصاري بمنصب آمر جحفل لواء االمشاة الحادي عشر وكالة .. نعم وكالةً ولا أدري لماذا لم تكن أصالةً !! ومع ذلك فقد غمرني سرور عظيم .. لأنني سأكون مع القطعات المقاتلة مرة أخرى. وبالمناسبة أقول إن البرقية قد وصلت الفرقة بحدود الساعة العاشرة والنصف صباحاً وعندما تبلغت بها:
أ. قدمت شكري إلى قائد الفرقة وودعته .. كما ودعت زملائي ضباط ركن المقر .. وطلبت من آمر القاعدة الجوية في كركوك تهيأة طائرة لتنقلني إلى (منطقة العاصي). وطلبت منه أن يرافقني شخصياً لغرض التفاهم معه حول الإسناد الجوي لعملية فتح (مضيق زاخو ) والتي قدرت أن أخوضها في اليوم التالي .
ب. وصلت العاصي بحدود الساعة الواحدة بعد الظهر يوم 20 حزيران 1962 وإستلمت آمرية الجحفل ولابد هنا من أن أذكر .. أن في هذا اليوم 20 حزيران 1962 فتحت صفحة مشرقة في مستقبلي العسكري .. فقد تم لي فتح مضيق زاخو المنيع .. وكسر الطوق عن قوة باطوفة .. وسحبها إلى ملا عرب .. ثم إلى زاخو خلال فترة خمسة أيام فقط وبخسائر لا تكاد تذكر.
ج. كنت وأنا في الطائرة – ونحن متجهين إلى العاصي – أفكر فيما يجب عليّ عمله لأغيِّرَ ما أصاب جحفل اللواء من إحباط ، وتردي في المعنويات وإنني كجندي مقاتل في الجيش العراقي أعلم بأن جنودنا شجعان ومقاتلون بالفطرة وإن ما يحتاجونه هو القيادة الكفؤة والشجاعة والمتشبعة بروح القتال .. قيادة تضع نفسها في الخطوط الأمامية وتنفي وترفض أن تكون بعيدة عن الجبهة ولا تدري ما يدور فيها من أحداث متسارعة تحتاج إلى سرعة إصدار القرار. وقد توصلت من خلال تفكيري وتقديري للموقف الذهني والسريع وأنا ما زلت في الطائرة ، أنه من أجل النجاح في عملية فتح مضيق زاخو لابد لي من مراعاة ما يلي:
أولاً. تأمين عنصر المباغتة بالمكان والأسلوب ، وذلك بانتهاجنا التقدم غير المباشر على أجنحة المدافعين والإبتعاد عن الطريق العام.
ثانياً. ستر جبهة التقدم وحماية الأجنحة بإسناد ناري جيد.
ثالثاً. توقع ردود الأفعال المحتملة من قبل قائد المسلحين لإتخاذ الإجراءات لإجهاضها سلفاً.

    

                     عملية فتح مضيق زاخو

15. تنبيه هام – كما يروي المرحوم ع ر إبراهيم فيصل الأنصاري فيما يلي شرح مختصر لعملية فتح مضيق زاخو وللعمليات الأخرى التي قام بتنفيذها خلال قيادته لجحفل لواء المشاة 11 ودون أن يدخل في التفاصيل غير الضرورية بالنسبة للقارئ.
أ. بعد وصوله إلى مقر اللواء وإستلامه القيادة ، أكمل إجراءات التعرف على ضباط المقر ومنتسبيه ، ثم أخبرهم بنواياه وعزمه على فتح مضيق زاخو بأسرع ما يمكن وفي يوم 20 حزيران 1962 وبحدود الساعة 1400 شرع بعملية إستطلاع لمنطقة التقدم وأصدر بعدها أوامره الشفوية لجماعة الأوامر.
ب. بالساعة 0500 من يوم 21 حزيران 1962 شرع جحفل ل 11 بتنفيذ عملية فتح المضيق بقوة فوج مشاة ونجح في فتح المضيق والوصول إلى زاخو بالساعة 1800 من نفس اليوم وبعد مناوشات بسيطة وبدون أن يتكبد الجحفل خسائر في الأشخاص.
ج. وبعد أن أمضى جحفل لمش 11 الليلة في زاخو تقدم إلى ملا عرب راجلاً فجر يوم 22 حزيران 1962 حيث وصلها بحدود الساعة 12.00 بدون خسائر .
فك الحصار عن باطوفة
16. فور الوصول إلى ملاعرب كلف ف3 ل11 المرابط في ملاعرب بالتقدم في يوم 24حزيران 1962 لكسر الحصار عن باطوفة . إلا أن آمر الفوج المقدم (!!) إعترض على آمر الجحفل قائلاً .. إن الفوج لا يكفي لمراباة الطريق.. وأن جنوده مستجدين ويخشى أن تحدث فيه خسائر فادحة .وطلب تعزيزه بفوج آخر.
أ. قال له آمر الجحفل أن فوجك قادر على مراباة الطريق وقادر على إنجاز الواجب خاصة بعد أن أمر آمر قوة باطوفة ليرابي ثلث الطريق من جانبه وآمر قوة ملاعرب مراباة ثلث الطريق من جانبه أيضاً .. فلم يبق لك من الطريق سوى أربعة كيلومترات فقط .. لذلك فلا داعي لتعزيزك بفوج آخر .. علماً بأنه لا يتيسر بأمرتي مثل هذا الفوج.. وقال له .. بما أنك غير قادر على إنجاز الواجب فسأقود فوجك بنفسي وما عليك إلا مرافقتي وسترى كيف سنصل إلى باطوفة .. وأردف قائلا .. عليك أن تعلم أيضاً بأننا أقوى من المسلحين من ناحية العدة والعدد وأكثر منهم تسليحاً وكل ما تحتاجه هو المزيد من الشجاعة والجرأة والإقدام.
ب. في فجر اليوم التالي 25 حزيران 1962 قاد آمر الجحفل الفوج بنفسه وصادفتهم بعض المقاومات تمكنا من الرد عليها وإسكاتها .. كما جابههم تخريباً في (ساقية علي) حيث غمرت المياه منطقة واسعة على جانبي الطريق تمكنت الهندسة من إصلاحها بعد مرور خمسة ساعات . إسـتأنف التقدم بعد تصليح ذلك التخريب إلى باطوفة حيث وصلت القوة بحدود الساعة 1300 وبدون خسائر.
ج. يقول آمرالجحفل في الواقع أنني لم أكن عنيفاً مع آمر ف3 ل11 لأنني لم أرغب أن أكون عنيفاً مع هذا الضابط في مستهل إستلامي آمرة الجحفل ولكني حذرته بعد وصولنا إلى باطوفة بأنني لن أتسامح معه مستقبلاً إذا وجدته يتلكأ في تنفيذ الأوامر.
الإنسحاب من باطوفة إلى زاخو
17. لدى وصولنا إلى معسكر باطوفة وإخبارنا قيادة الفرقة بذلك إستلمنا برقية من قيادة الفرقة تأمرنا فيها بسحب قوة باطوفة وإعادتها إلى زاخو على أن لا نشرع بالحركة قبل مرور ثلاثة أيام لتنفيذ هذا الأمر، لذلك أجريت تقدير موقف سريع .
وإستنتجت أن ثلاثة أيام تعني ما يلي :
أ. إعطاء الفرصة للمسلحين لجلب قوة أكثر مما كان لديهم في عملية كسر الحصار عن باطوفة .. ويحتمل أنهم سيوزعون مقاومتهم على جانبي الطريق العام وليس كما حدث في تقدمنا إلى باطوفة إذ كانت مقاومتهم منفتحة على الجانب الأيسر من الطريق فقط.
ب. إحتمال قيامهم بمزيد من التخريبات.
ج. لذلك يجب علينا إتخاذ المزيد من الإجراءات والإستحضارات لمواجهة إجراءات المسلحين ووضع خطة ملائمة تؤمن لنا العودة إلى زاخو من دون خسائر.
د. سبق النظر والإستحضارات :
ه. في الواقع .. كانت أمام آمر الجحفل ثلاثة معاضل هي:
أولا. مرور 120 عجلة محملة بالعتاد والأرزاق العائدة لكل من ف1 ل3 وف3 ل4 على طريق متعرج يمر خلال غابة كثيفة الأشجار ومعرض لهجمات المسلحين.
ثانيا. وضع خطة نارية تؤمن حماية الربايا.
ثالثا. أسلوب التعاون مع القوة الجوية.
و. ولحل معضلة العجلات قرر آمر الجحفل تنظيمها برتل آلي يتألف من مجموعات لا تزيد المجموعة على عشر عجلات وبقيادة ضابط صف آلي، ويقود الرتل الضابط الآلي كما ينبغي إيجاز السواق لضرورة إدامة عجلاتهم وتصليح عطلاتها مسبقاً كما أمر آمر الجحفل آمر الرتل الآلي أن لا يتحرك رتله يوم العودة إلا بأمر منه شخصياً ، وبعد أن تكتمل عملية مراباة الطريق كله (من باطوفة إلى ملاعرب) والتي أطلق عليها الاسم الرمزي (الطوق الفولاذي).
ز. ولحل معضلة التخريبات أمر آمر الجحفل آمر سرية الهندسة بإستصحاب أكبر عدد ممكن من أكياس الرمل المملوءة بالتراب وكمية من جذوع وأغصان الأشجار .. وطلب منه أن تتقدم العجلات التي تحمل هذه المواد في أقصى ما يمكن من الأمام.
ح. أما ما يخص القوة النارية فقد عين النقيب سالم أحمد البكر آمر بطرية المدفعية المنسبة للإسناد المباشر مسؤولاً عن المدافع والهاونات ، وعن إعداد الخطة النارية لمشاغلة الأهداف التي عينها له مسبقاً لإسناد الربايا.
ط. وفيما يتعلق بالتعاون مع القوة الجوية طلب من آمر القاعدة الجوية في الموصل المقدم الركن الطيار حردان التكريتي تأمين غطاء جوي فوق المنطقة إعتباراً من الساعة 0400 من يوم 26 حزيران 1962
18. تنفيذ خطة الإنسحاب
أ. مساء يوم 25 حزيران 1962 أصدر آمر الجحفل أوامره الشفوية إلى جماعة الأوامر، وقرر أن تكون ساعة الشروع هي الساعة 0400 من يوم 26 حزيران 1962 حيث تشرع المقدمة بالحركة .. كما أوجز كافة الضباط وضباط الصف بتفاصيل العملية .. وبين لهم ردود الأفعال المحتملة لقائد المسلحين وإجراءاتنا لإجهاضها.
ب. شرعت قوة باطوفة بالساعة 0400 من يوم 26 حزيران 1962 بتنفيذ عملية العودة ولما شرع المسلحون بفتح النار على الرتل أخذت مدفعية الجحفل وهاوناته تشاغل مصادر النيران. وإستمر العقيد الركن خضر عباس آمر فوج المقدمة بإخراج الربايا ومعالجة النيران التي كانت تنصب على رتله بمصادره الخاصة والواقع أن آمر فوج المقدمة كان يقود المقدمة بمهارة. وفي الساعة 0800 شرع المسلحون بمهاجمة السرية المرابطة على (قمة سالم) والسرية المرابطة على (قمة ابراهيم) وكما توقع آمر الجحفل تماماً. وكانت نيرانهم تنصب على السريتين المذكورتين بغزارة. وكان آمر الفوج العقيد سعيد حمو يؤكد على آمري السريتين المنسوبين إلى فوجه بواسطة الجهاز اللاسلكي بضرورة الثبات كل في موقعه مهما كلف الأمر وأن لا يفكروا بالإنسحاب مطلقاً. كما شدد آمر الجحفل شخصياً على آمري السريتين المذكورتين بالثبات كل في موقعه وأخبرهما بأننا سنمنع إقتراب المسلحين من موقعهما بنيران المدفعية والهاونات والطائرات .. ولكن بالرغم من القصف المدفعي وقصف الطائرات إستمرت بنادقهم ترمي على السريتين طيلة النهار وبدون إنقطاع .. إلا أن السريتين صمدتا في مواقعهما طيلة النهار .
ج. بالساعة 1200 تم إكمال الطوق الفولاذي (تأمين الطريق من باطوفة إلى ملاعرب). فأصدر آمر الجحفل الأمر إلى آمر الرتل الآلي بالحركة.
د. وعند وصول آخر عجلة من الرتل الآلي إلى ملاعرب أصدرآمر الجحفل الأمر إلى آمر المؤخرة بأن يباشر بسحب ربايا الطريق دباخاً. بالساعة 1800 إجتازت المؤخرة المرصد الذي كان آمر الجحفل يقف عليه وعندما شاهد آمرالجحفل علم المؤخرة يجتاز المرصد شعر بسرورعظيم لأنه إستطاع سحب هذه القوة المؤلفة من:
أولاً. فوجين مشاة .
ثانياً. سرية دبابات .
ثالثاً. سرية هندسة ميدان.
رابعاً. 500 فارس من فرسان صلاح الدين .
بالرغم من نيران المسلحين التي لم تنقطع طيلة النهار وفي منطقة تعتبر من أوعر المناطق في كردستان.
ه. لقد كانت خسائر الجحفل 5 شهداء و27 جريح نتيجة سقوط قنبرة هاون 3 عقدة على فصيل مشاة .
و. أما خسائر المسلحين فلم يتسنى معرفتها .. ولكنها ربما تكون أكثر من خسائرنا بسبب نيران المدفعية وقصف الطائرات.

   

18. تعقيب للمرحوم العقيد الركن إبراهيم فيصل الأنصاري على عملية الإنسحاب من باطوفة
أ. لقد كانت عملية الإنسحاب من باطوفة إلى ملاعرب صعبة للغاية فقد إستمات المسلحون بالقتال ولم تنقطع نيرانهم طيلة النهار بالرغم من قصف الطائرات ونيران المدفعية والهاونات والواقع أنني أعجبت جداً بشجاعة المقاتلين وإصرارهم على القتال.
ب.أما النتائج التي تمخضت عن سحب قوة باطوفة فكانت:
أولاً. بالنسبة لمنتسبي الجحفل فقد حصلت على ثقتهم بي كآمر أستطيع أن أحافظ على سلامتهم.
ثانياً. بالنسبة لي .. فقد وفيت بوعدي لقائد الفرقة وفتحت المضيق .. وكسرت الحصار عن قوة باطوفة وسحبتها خلال فترة أقل من أسبوع واحد.

إعادة تجحفل لواء المشاة الحادي عشر

19. بعد عودة الجحفل إلى زاخو بأسبوع واحد تم إعادة إنفتاح وتجحفل اللواء كما يلي:
أ. تحرك جحفل ف1 ل 4 إلى الموصل بأمر من قيادة الفرقة ليلتحق بجحفل لواءه .
ب. تحرك جحفل ف3 ل11 إلى شقلاوة بأمر من قيادة الفرقة.
ج. تحرك جحفل ف2 ل11 إلى منطقة العاصي وإتخذ معسكره هناك.
20. يتضح مما تقدم بأن باقي جحفل اللواء وهو (جحفل ل11 ناقص فوج) سيكون مسؤولاً عن السيطرة على منطقة زاخو وحفظ الأمن فيها.
ولغرض بسط سيطرتنا على منطقة زاخو كان علي إنجاز ما يلي
أ. ضمان مرور السابلة العسكرية والمدنية عبر مضيق زاخو بأمان.
ب. الإغارة على قواعد المسلحين الأمامية في (الزيبارات ومنطقة بيطاس) وقواعدهم الرئيسية في إبراهيم الخليل وفي براف العليا.
ج. ومع أنه من الصعب على جحفل لواء ناقص فوج إنجاز هذه الواجبات إلا أننا في الواقع قد تمكنا من بسط سيطرتنا على المنطقة. فقد حافظنا على المضيق مفتوحاً للسابلة.
د. كما إستطعنا السيطرة على قواعد المسلحين الأمامية والرئيسية ولم يشتبكوا معنا بقتال جدي سوى مرة واحدة .. عندما قرروا الدفاع عن قاعدتهم الرئيسية في براف العليا دفاعاً مستميتاً وإشتبكوا معنا بقتال عنيف سنأتي على شرحه لاحقاً .
21. عملية فتح مضيق زاخو للمرة الثانية
أ. بعد إستقرار الموقف في المنطقة لمدة حوالي أسبوعين عادت مفارز البيشمركة وسيطرت على المضيق للمرة الثانية .
ب. الأمر الذي إضطرنا لفتح المضيق مرة أخرى .. فقمنا بمهاجمة المضيق من شماله (جحفل ف1 ل11) ومن جنوبه (جحفل ف2 ل11) فاضطرت قوات البيشمركة على الإنسحاب وترك المضيق.
ج. ولكي لا تعود تلك المفارز للسيطرة على المضيق مرة أخرى إضطررنا على زرع ربايا ثابتة على القمم الجبلية والعوارض المشرفة على الطريق العام ، وقد تم ذلك بعد إستطلاع المضيق لمدة أربعة أيام متتالية ، إلا أن تلك الربايا إستنزفت قوات الفوجين ، إذ إضطر كل منها لأن يخصص سريتين لمراباة المضيق كل في جانبه.

   

وصول قيادة فرقة المشاة الأولى وجحفل لواء المشاة الأول إلى الموصل

22. بعد مرور أكثر من سنة على إبتداء العمليات العسكرية في شمال العراق ، إقتنع الزعيم عبد الكريم قاسم بأن فرقة المشاة الثانية لوحدها غير قادرة على مواجهة العمليات المسلحة ، لذا أمر خلال شهر أيلول 1962 بحركة مقر فرقة المشاة الأولى بقيادة اللواء الركن خليل سعيد، وجحفل لواء المشاة الأول إلى منطقة الحركات ، وعودة مقر فرقة المشاة الثانية الرئيسي إلى كركوك .. وقد تقرر توزيع المسؤوليات بين الفرقتين كما يلي:
أ. تكون فرقة المشاة الأولى (جحفل ل1 زائد جحفل ل14 زائد جحفل ل11) مسؤولة عن إدارة العمليات في منطقة الموصل.
ب. تكون فرقة المشاة الثانية (ناقص جحفل ل11) مسؤولة عن إدارة العمليات العسكرية في منطقة (أربيل وكركوك والسليمانية).
ج. من الجدير بالذكر بأن هذا الإجراء لم يكن كافياً. فوجود مثل هذه القوة لا يكفي نظراً لإتساع منطقة العمليات العسكرية ولإزدياد إعداد المسلحين.
د. كما كان من المفروض أن تشكل قيادة خاصة لتنسيق أعمال كل من الفرقتين المذكورتين ..
ه . لقد كان من الأفضل للزعيم عبد الكريم قاسم (رحمه الله) أن يقرن العمل العسكري بالعمل السياسي فيفتح باب الحوار مع الملا مصطفى البارزاني لأن الحل العسكري بإعتقادي وكما ثبت ليس بالحل الناجح للوصول إلى حل سلمي يغني الطرفين عن إراقة دماء أبناء الوطن الواحد.

عملية براف العليا

كان للمسلحين الأكراد قاعدة كبيرة في قرية (براف العليا المهجورة) والكائنة على سفوح جبل (بخير الجنوبية) والتي لم تكن تبعد عن فتحة مضيق زاخو الجنوبية إلا بضعة كيلومترات. ولما كانت هذه القاعدة تشكل خطراً على وحدات الجحفل .. لذا كان من الضروري التخلص منها

نشوب المعركة

نشبت معركة كبيرة بيننا وبين المسلحين في تلك القاعدة عندما قمنا بتحريك رتل من المشاة والدبابات باتجاه القاعدة وفتحنا مقرنا المتقدم في المنطقة المفتوحة أمام القاعدة ليسهل علينا إدارة المعركة.. لكن قائد المسلحين قلب دفاعه المستكن إلى دفاع تعرضي عزوم .. وأمطر مقري المتقدم بوابل من الرصاص .. وحاول إحاطة جناحي موضعنا من اليمين ومن اليسار .. إلا أننا إستطعنا بما نملك من الهاونات والرشاشات المتوسطة من إفشال هجومه. وإضطررنا إلى الإنسحاب والإختفاء في الوديان المتعددة والنازلة من جبل (بيخير)
والمتعامدة مع الطريق العام.
ويجدر أن أذكر أنه على الرغم من ضراوة المعركة لكن قطعاتنا لم تتكبد أية خسارة سوى جندي جريح واحد كان يقف إلى جانبي، كما أن قائد المسلحين في منطقة زاخو ملية لم يحاول التحرش بقطعات الجحفل أو الإخلال بالأمن ولفترة خمسة أشهر بعدها.. وربما كان سبب ذلك أنهم جمدوا نشاطهم في المنطقة أو أنهم رحلوا عنها إلى منطقة أخرى.

حقائق مضيئة

حوار مع الذات للمرحوم العقيد الركن إبراهيم فيصل الأنصاري يقول
أود أن أوثق بعض الحقائق المضيئة التي برزت خلال قيادتي لجحفل لواء المشاة الحادي عشر .
1. إستلمت قيادة الجحفل وهو في وضع لا يحسد عليه . فقد كان أحد أفواجه مطوقاً في باطوفة .. و كان (الفوج الآخر في ملاعرب) وقد فشل في كسر الطوق عن قوة باطوفة .. كما أن الفوج الآخر كان في فتحه مضيق زاخو الجنوبية .. وقد حاول فتح المضيق بعد أن سيطر عليه المسلحون ولكنه فشل في ذلك.
2. حال إستلامي قيادة الجحفل تغير وضع الجحفل تماماً حيث أصبح رجاله يتمتعون بمعنويات عالية نتيجة لعدم حدوث خسائر مؤثرة في صفوفه.
3. أما مضيق زاخو الذي كان قبل إستلامي قيادة الجحفل منطقة قتل للقوافل العسكرية فقد أصبح طريقاً آمناً وذلك بعد أن خصصنا بعض الوحدات الفرعية لمسك ربايا ثابتة داخل المضيق وعلى العوارض والقمم المسيطرة على الطريق العام.
4. إن تقارير الخسائر الشهرية التي كان مقر فرقة المشاة الأولى يرفعها إلى الأركان العامة والتي وضع جحفلنا بأمرتها لأغراض العمليات العسكرية كانت تذكر الخسائر التي حدثت في تشكيلات الفرقة مبينة أعداد الشهداء والجرحى .
5. ولكن فيما يتعلق بجحفلنا فكانت تذكر العبارة الأتية : أما جحفل لواء المشاة الحادي عشر فلا توجد فيه خسائر في الأشخاص ولا في المعدات الحربية . ومما لا شك فيه فإن هذه التقارير هي خير شاهد على ما ذهبنا إليه.

أسباب تدني الكفاءة القتالية لوحدات الجيش العراقي في هذه الحقبة من تأريخ حركات الجيش العراقي

أ. في أعقاب ثورة 1958 مر الجيش العراقي بظروف معقدة بسبب التطرف السياسي بين منتسبيه من قبل اليساريين والقوميين خاصة بعد أحداث حركة الشواف في الموصل في ( 8 آذار 1959) وأحداث كركوك ( 14 – 17 تموز 1959) حيث إبتعد الجيش كثيراَ عن التدريب التعبوي وخشية القادة والآمرين وعموم الضباط من الوقوع تحت طائلة الغدر من قبل منتسبيهم .
ب. سعة قاطع المسؤولية المناطة بقيادة فرقة المشاة الثانية في جميع محافظات المنطقة الشمالية ( السليمانية – كركوك - أربيل – الموصل) .
ج. إتباع الإدارة المركزية االمقيته من قبل القيادة السياسية المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم في إدارة الجيش وترك التخطيط وإدارة العمليات العسكرية لقيادة فرقة المشاة الثانية فقط وإبتعاد رئاسة أركان الجيش من ممارسة دورها في التخطيط والقيادة كما جرى في منتصف الأربعينات لإنجاز مهمة معالجة التمرد من قبل البيشمركة .
د. طبق المتمردين خطة جديدة وهي العمل بالقرب من الحدود العراقية التركية في منطقة ذات طبيعة جبلية معقدة يصعب القتال فيها لمحدودية الطرق إلا عبر مضيق زاخو ذو الطبيعة الجبلية التي لا يتيسر فيها غير طريق واحد الذي يمر عبر سلسلة جبل( بيخر) الذي يتعامد مع الطريق الذي يربط دهوك بمدينة زاخو كما أن قيادة فرقة المشاة الثانية إرتكبت خطأ جسيم بزج قوة حجمها ما يقارب جحفل لواء في منطقة ناحية باطوفة المنطقة الموازية للحدود العراقية التركية حيث كانت تشكل منطقة قتل ممتازة للوحدات العسكرية التي تتواجد فيها وهي لا تستوجب زج هذا الحجم من القوة فيها .
ه. عدم كفاءة آمري الوحدات في لواء المشاة الحادي عشر وقلة خبرتهم وترددهم في إتخاذ القرارت الصائبة شجع المتمردين على الإستمرار بمهاجمة الوحدات العسكرية وتكبيدها خسائر كبيرة في الأشخاص والمعدات.
و. عند تسلم المرحوم العقيد الركن إبراهيم فيصل الأنصاري مهمة قيادة جحفل لواء المشاة الحادي عشر إنقلب الموقف لصالح الجحفل وذلك لخبرته في القيادة والعزم والشجاعة التي يتحلى بها.

معلومة عامة مفيدة

                  

لغرض معرفة التسمية السابقة للواء المشاة الحادي عشر إستفسرت من اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس أجابني مشكوراً :

تسمية بعض الالوية العراقية في العهد الملكي وما يقابلها فيما بعد والان ،
في العهد الملكي مابعد حرب عام 1941 مع الإنكليز ، إعيد تنظيم الجيش العراقي بفرقتين مشاة فقط هما الفرقة الأولى ومقرها الديوانية ، والفرقة الجبلية الثانية ومقرها كركوك وألويتها موزعة بين كركوك والموصل وأربيل- السليمانية 
كانت الفرقة الثانية تتالف من ثلاثة ألوية هي:
لواء المشاة الثالث = وإطلق عليه اسم لواء عبد الإله
لواء المشاة الرابع = وإطلق عليه اسم لواء الملك غازي
لواء المشاة الخامس = وإطلق عليه اسم لواء الملكة عالية

بعد الثورة حذفت أسماء العائلة المالكة من الألوية وإحتفظت الألوية بارقامها كما في أعلاه
بعد إنتكاس حركة الشواف عام 1959 ، ونظرا لان لواء المشاة الخامس( عالية سابقا) ساند حركة الشواف في الموصل ، قام عبد الكريم قاسم بتبديل إسم لواء المشاة الخامس وجعله اللواء الحادي عشر. ولكن بعد ثورة 8 شباط ( 14 رمضان) 1963 ، فقد إعيد تسمية اللواء الحادي عشر الى إسمه الاصلي ( اللواء الخامس) وبقي حتى عام 2003
وددت أن أضيف هذه المعلومات لك عسى أن تكون مفيدة.
تقبل مودتي الاخوية وتقديري
علاء الدين حسين مكي خماس

تحقيق اللواء االمتقاعد
فوزي جواد هادي البرزنجي
24 تموز 2020

    

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3148 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع