عادت قاعة (كولبنكيان) للفنون التشكيلية، وسط بغداد، لتتنفس الفن بعد ان نثرت غبار الغياب الذي طالها لاكثر من 25 عاما.
ايلاف/ عبدالجبار العتابي:أفتتحت وزارة الثقافة قاعة النصر التي ما زالت الذاكرة تحتفظ باسمها الاول: (كولبنكيان) للفن الحديث التابعة لدائرة الفنون التشكيلية، بعد خراب زدام نحو ربع قرن، وبعد اجراء عمليات صيانة لبنايتها في محاولة لعودة النشاط التشكيلي اليها تكللت باستعادتها لرونقها ومساحتها الواسعة التي جعلتها ثامن قاعة في العالم، وحضر الافتتاح جمع من الفنانين والاعلاميين فيما ضم حفل الافتتاح عرض أعمال فنية لأكثر من 50 فناناً تنوعت أعمالهم بين الرسم والنحت، لتكون باكورة فرح للفن التشكيلي، وعرضت الاعمال في قاعتين أضافة إلى تقديم مجسمات من الخشب تحاكي الشناشيل البغدادية.
صرح فني شامخ
فقد اكد الفنان علي ابراهيم الدليمي مدير القاعة عن سعادته بعودة القاعة الى الحياة، وقال: الافتتاح كان نشوة للفنان العراقي في كل مكان.. والمدة المقبلة ستكون هناك نهضة تشكيلية جديدة وسريعة، وقد ابدى الجميع استعدادهم للتعاون مع المتحف والفنانين في اقامة المعارض الشخصية والجماعية
واضاف: الافتتاح كان عرساً تشكيلياً جميلاً.. وحضوراً رائعاً للاساتذة من الفنانين والمثقفين والصحفيين.. أثناء إفتتاح (قاعة كولبنكيان) المتحف الوطني للفن الحديث.. بعد توقف لنشاطها الفني دام لإكثر من ربع قرن بسبب الحصار الدولي الظالم والإحتلال الامريكي الهمجي.. وما رافقه من فوضى وظلام.. ورغم مانعيشه الآن من صراع عسكري معقد ضد الإرهاب في أغلب محافظاتنا العزيزة.. ولكننا لم نقف مكتوفي الأيدي.. وشعب كشعب العراق لن يموت أبداً وهو يرقص على أكتاف الموت..
وتابع: بعد ان انتهت عمليات صيانة وتأهيل القاعة التي تعرضت هي الأخرى لعمليات النهب والتخريب في أثناء الاحتلال عام 2003، وتوقف كل نشاطاتها الفنية منذ ذلك الحين.
وأوضح: قاعة النصر وكما هو معروف صرح فني شامخ منذ افتتاحها عام 1962، بجهود الفنان الراحل نوري الراوي، ومعترف به عالمياً، حيث شهد هذا المعلم اقامة آلاف المعارض التشكيلية العراقية ذات التجارب المتميزة التي أصبحت سمة بارزة في مشهد الفن العراقي المعاصر، ومنها المعارض التكريمية للفنانين الرواد،أمثال فائق حسن وعطا صبري وغيرهم، ومهرجانات الواسطي، ومعارض البوستر السياسي المتنوعة، فضلاً عن المعارض العربية والعالمية العديدة، إضافة الى ذلك كان لهذه القاعة ميزة وهي إقامة أسابيع لكل فنان عراقي حيث تزين القاعة بإعمال فنان عراقي لوحدة ويبقى المعرض مفتوح إمام الزائرين ومتذوقين الفن العراقي لعدة أيام وما ان ينتهي المعرض حتى يبدأ معرض أخر لفنان أخر وهكذا.
وختم بالقول: قد يطول الحديث عن مسيرة وانجازات هذا المتحف، الذي يحتاج إلى مجلدات لنوفي حقه، والذي ضم أكثر من 8000 عمل فني لفنانين عراقيين وعرب وأجانب، قبل ان تتحول هذه الإعمال إلى مركز الفنون في شارع حيفا عام 1986، لتسرق بالتالي عندما احتلت بغداد في نيسان عام 2003، ولم يبق منها إلا العدد القليل جداً، وأغلبها متضررة بنسبة مئوية عالية.
تاريخ الفن التشكيلي الحديث
اما المدير العام لدائرة الفنون التشكيلية الدكتور شفيق المهدي، فقال: لايوجد أجمل من هذا اليوم باستعادة روح بغداد فعلاً، بإفتتاح قاعة الفن الوطني للفن الحديث وبتسميته الشهيرة (كولبنكيان) والتي عرضت فيها معارض جميع التشكيليين العراقيين وأعمالهم على طيلة العقود الماضية.
وأضاف: قاعة كولبنكيان تمثل تاريخ الفن التشكيلي الحديث حيث بدأ هذا الفن من هنا، وستظل هذه القاعة مفتوحة حيث وضعنا أجهزة مراقبة دقيقة وبرامج خاصة من خلال خبراء وخطط فعلية لعمل هذه القاعة".
وتابع: إذا اردنا أن نستعيد بغداد يجب استعادة مناراتها وموجوداتها الروحية وجزء من هذه الموجودات هي كولبنكيان.
وختم بالقول: الفن العراقي باق ونحن كوسط فني ثقافي متماسكون ولم نخترق طائفياً، وهذا بحدّ ذاته يمثل رسالة سلام فالحروب لاتبني المجتمعات.
رائحة الفنانين الرواد
فيما قالت الفنانة التشكيلية افراح حمودي: انا سعيدة جدا بافتتاح القاعة بعد ان كنا نشعر ان عافيتها لن تعود لها بسبب الظروف والمكان والغياب الطويل لها ولانحسار قاعات الفن التشكيلي في العراق.
واضافت: هذه القاعة مهمة لكون الفنانين الرواد كانوا يعرضون بها اعمالهم، لذلك اشعر انها ما زالت تحمل رائحة الماضي الجميل
وتابعت: افتتاح القاعة بالنسبة للفنانين شيء كبير ومفرح جدا لانهم سيعرضون بها اعمالهم فضلا عن تاريخها الجميل وفي الحقيقة انا سعيدة جدا مثل سائح ونزل في بابل او اور، كما انني فرحانة لانني شاركت بالمعرض المقام بهذه المناسبة وسعيدة ايضا لان النقاد امتدحوا عملي.
ثامن قاعة في العالم
اما الناقد مؤيد البصام فقال: قاعة كولبنكيان صرح مهم في حركة التشكيل العراقي، وهي قاعة اهميتها تاتي كونها ثامن قاعة في العالم للفن التشكيلي من حيث الاتساع والامكانيات في عرض الاعمال الفنية.
واضاف: هذه القاعة هي التي حملت رياح التغيير في الحداثة العراقية، عندما عرض فيها لاول مرة جماعة المجددين اعمالهم التي كسرت التابو،اضافة الا انها تقع في قلب بغداد، وتاهيلها وافتتاحها يعتبر نصر للحركة التشكيلية العراقية.
نبذة عن تاريخها
يذكر ان القاعة / المتحف سميت باسم (كولبنكيان) نسبة إلى المواطن الأرميني الأميركي الذي تبرع بمبلغ لتشييد المتحف متعاونا مع الدولة شأنها شأن ملعب الشعب الدولي، وفي أوائل عام 1959، بدأت أمانة العاصمة في بغداد بإنشاء مبنى يتوسط قلب المدينة وتحديدًا في الباب الشرقي، وشهد عام 1960 تأسيس النواة الأولى للمتحف الوطني للفن الحديث من قبل مديرية المعارض الفنية في وزارة الإرشاد بمبادرة من الفنان الراحل نوري الراوي حيث أقنع الوزير بشراء أول مجموعة لوحات من الفنانين الرواد من بينهم جواد سليم وسعاد سليم ونزيهة سليم وعطا صبري وفائق حسن وعيسى حنا وشاكر حسن آل سعيد وإسماعيل الشيخلي.. وآخرون. واستمر الراوي يبذل كل جهوده الشخصية للحصول على منحة عالمية وبعد مراسلته حصل على منحة من مؤسسة كولبنكيان العالمية ومقرها لشبونة / البرتغال لبناء المتحف الوطني للفن الحديث / كولبنكيان ليفتتح بعد ذلك ويكون هو أول مدير للمتحف.
وحين انتهى البناء في أواخر عام 1961، أصبح فيما بعد (مركزًا للفنون) كما كان مرسومًا له أن يكون، ودشنت بناية المتحف (رسميًا) في عام 1962، بافتتاح معرض الفن العراقي الذي أقيم بمناسبة الذكرى الرابعة لثورة الرابع عشر من تموز.
ويضم المتحف أربع قاعات خصصت كبراها لمتحف الفن العراقي الدائم، الذي يضم النماذج المختارة من أعمال الفنانين العراقيين في حقول الفنون التشكيلية.
ولم يقتصر المتحف على إقامة المعارض التشكيلية، بل تعدى ذلك إلى صيانة الأعمال الفنية، وإعداد أمسيات أسبوعية، وندوات ثقافية استمرت طيلة العقد السبعيني. وفي عام 1971، اقترح الراوي بتأسيس (الأرشيف التشكيلي) الذي يوثق كل ما ينشر من متابعات صحافية ومقالات نقدية وغيرها في الفن التشكيلي.. وهكذا أدخلت بعدها أجهزة الإنارة، وتخصيص مخزن للأعمال الفنية التي تقتنيها الدولة من الفنانين، وبدأت المعارض الدولية تتبادل ما بين العراق والخارج من خلال إدارة المتحف مباشرة، بدعم من وزارة الثقافة والفنون، فضلاً عن تنظيم أسابيع وأيام لرواد الفن العراقي، ودعوة فنانين من العرب والأجانب لإقامة معارضهم الشخصية.
وواصل المتحف نشاطه الفني، حتى العقد التسعيني، حيث الظروف السياسية والحصار، وانحسر نشاطه كثيرا في ذلك الوقت ليتوقف نهائيًا عام 2003
767 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع