50عاما على رحيل ناظم الغزالي
نقل الأغنية العراقية إلى عالم الشهرة وأصبح سفيرا لها
خرج عن مسار الأغنية التقليدي ليحولها إلى عذبة وسهلة التداول والحفظ
ناحت بقربه حمامة فغنى لها ورحل مبكرا
يكاد المطرب ناظم الغزالي ان يكون الوحيد من بين المطربين العراقيين الذي لم يغن لحاكم عراقي في العهدين الملكي والجمهوري طيلة مسيرته الفنية ولكنه غنى للعراق.
وحّول الغزالي الغناء إلى وسيلة لتوحيد العراقيين وإبراز تعلقهم بالفن الأصيل بعيدا عن تسييس الغناء واستخدامه في غير مقاصده، ولم يعرف عنه الاقتراب من أي جهة سياسية كانت،ماعزز من سمعته ورصيده بين الجمهور.
واستطاع المطرب ناظم الغزالي أن ينقل الأغنية العراقية إلى خارج حدود الوطن لتجد صداها في رحاب الوطن العربي، وقبل ذلك إلى تحويل بيته في منطقة السعدون ببغداد إلى صالون ثقافي يحضره الأدباء والشعراء والفنانون.
ويوصف الغزالي بأنه مثقف ووديع وصبور وسريع حفظ وتقليد للأصوات والشخصيات كلها، واجه عاديات الزمن برباطة جأش حتى في أحلك الظروف، ولم يتخل عن بديهته الحاضرة ونكتته السريعة، وأناقته الشديدة حتى في الأيام التي كان يعاني فيها من الفقر المدقع.
وشهدت بداية الخمسينيات عبور أغاني الغزالي الحدود، فسافر إلى القاهرة وبيروت، وأقام حفلات عدة فأصبح سفيرا للأغنية العراقية. إذ بدأت بوادر الأغنية المتكاملة تظهر مع أغنيات ناظم الغزالي بوجود لوازم موسيقية ضمن توزيع موسيقي تعددت فيه الآلات الغربية والشرقية، وهكذا قلب الغزالي غالبية مقاييس الغناء في العراق.
ولمناسبة الذكري الخمسين لرحيل المطرب ناظم الغزالي قال الفنان والباحث الموسيقي، حسين الأعظمي إن "ناظم الغزالي نادر الشبه، وهو من أبرز الأمثلة لمغنٍّ يفرض غناءه وفنه وإمكانياته على عصره، وقد نفذ نتاجه الفني إلى جيل العقود التي عاشها في القرن العشرين والتي تلتها ولم يزل كذلك، محدثاً انعطافاً فنياً كبيراً في مسيرة الغناء البغدادي والعراقي والعربي على وجه العموم".
ويضيف "سيظل الغزالي على الرغم من عمره القصير(1920–1963) رائد حقبة زمنية سميت باسمه ونجح فيها نجاحاً فاق التصور، واستحق أن يكون أول سفير للأغنية العراقية بجدارة وامتياز .
وارجع الاعظمي تصدرالغزالي للمشهد الغنائي في العراق الى دور المطرب محمد القبانجي في رعاية الغزالي والتزامه الى حد تبنيه وعدّه تلميذه و راهن على قدراته فكان رهانه في محله، فاحتل الموقع الأول في الغناء العراقي .
ويخالف رأي الاعظمي الناقد الفني الراحل عادل الهاشمي، الذي ارجع صعود نجم الغزالي إلى زوجته المطربة سليمة مراد باشا وكان زواجه منها من الزيجات المثيرة للجدل،وأن الغزالي كان به حاجة إلى دفعة معنوية في بداية طريق الشهرة. وكانت أستاذة في فن الغناء،باعتراف النقاد والفنانين جميعاً في ذلك الوقت.
ويضيف تعلم الغزالي على يد سليمة مراد باشا الكثير من المقامات، وكانا في كثير من الأحيان يحييان حفلات مشتركة، يؤديان فيها بعض الوصلات فردية وأخرى ثنائية. تم زواجهما عام 1953، وخلال عشر سنوات تعاونا على حفظ المقامات والأغنيات. وفي عام 1958 احييا حفلا غنائيا جماهيريا كبيرا،فتح آفاقاً واسعة لهما إلى خارج حدود العراق فكانت بعدها حفلات في لندن وباريس وبيروت .
وفي معرض وصفه للمطرب ناظم الغزالي يقول الهاشمي، صوته يعد من الأصوات الرجالية الحادة (التينور) الدرامي وهو الصوت الرجالي الأول في التصنيفات الغربية،أما مجاله الصوتي فيتراوح بين أوكتاف ونصف إلى أوكتافين،والأوكتاف أو"الديوان" بالعربية يتضمن ثماني نوتات أو درجات، وتنحصر حلاوة الأماكن في صوت الغزالي بين النصف الأول والثاني من الأوكتافين. مضيفا بهذا الشكل تكون مساحة صوت ناظم زادت على أربع عشرة درجة في السلم الموسيقي، ومع انفتاح حنجرته كانت قدرته غير العادية على إجادة الموال وتوصيل النوتات بوضوح، بجوابه المتين وقراره الجيد في مختلف ألوان المقامات وأنواعها، وماساعد الغزالي على ذلك يضيف الهاشمي، إجادة فن الشهيق والزفير في الأوقات الملائمة. وماكان يميزه في ذلك معرفته وتعمقه في المقامات العراقية وأصولها إضافة إلى ذلك انفتاح حنجرته وصفاؤها،وكذلك جوابه المتين وقراره الجيد في مختلف ألوان المقامات وأنواعها. وعند سماعنا أغاني ناظم الغزالي يقول الهاشمي،نجد لوازم موسيقية مشغولة وتتضمن توزيعاً موسيقياً مع تعدد الآلات الموسيقية،وكذلك إدخال بعض الآلات الغربية،وكذلك غنى لأشهر الشعراء العرب مثل إيليا أبو ماضي،أحمد شوقي،أبو فراس الحمداني .
أعتمد الغزالي مطرباً محترفاً في الإذاعة والتلفزيون العراقي عام 1947 بعد ان كانت بداياته مسرحية وليست غنائية بانضمامه إلى فرقة "الزبانية وتجربته السينمائية الوحيدة كانت في فيلم "مرحباً أيها الحب" مع نجاح سلام ليغني أغنيته الشهيرة "يا أم العيون السود ما جوزن أنا .
وبمناسبة مرور 50 عاماً على رحيل المطرب ناظم الغزالي، أقام فنانون ونقاد وجمهورعريض من عشاق فنه احتفالية ببغداد لتسليط الضوء على دوره في تطوير الأغنية العراقية في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، عرفانا واعتزازا بدور الغزالي في مسيرة الغناء العراقي .
ولد الغزالي في منطقة الحيدر خانة في بغداد يتيمًا،لأم ضريرة تسكن في غرفة متواضعة جدا مع شقيقتها. بمنتهى الصعوبة استطاع أن يكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة،في المدرسة المأمونية،وكان الفقر ملازمًا له،وزاد الفقر حدة بعد وفاة والدته،ورعاية خالته لها...
والتحق بمعهد الفنون الجميلة قسم المسرح، ليحتضنه فيه فنان العراق الكبير حقي الشبلي نجم المسرح وقتها، حين رأى فيه ممثلا واعدا يمتلك القدرة على أن يكون نجما مسرحيا، لكن الظروف المادية القاسية التي جعلته يتردد كثيرا في الالتحاق بالمعهد نجحت في إبعاده عنه، ليعمل مراقبا في مشروع الطحين بأمانة العاصمة.
وعلى الرغم من إن الظروف أبعدته عن المعهد،لكنها لم تمنعه من الاستمرار في قراءة كل ماتقع عليه يداه،والاستماع إلى المقام العراقي المعروف بسلمه الموسيقي العربي الأصيل،كما كان يستمع أيضا إلى أم كلثوم،ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان وليلى مراد ونجاة علي، وكانت أغنياتهم وقتها تملأ الأسماع في مناخ كان يدعو كلا منهم إلى الاجتهاد والإجادة لإمتاع متذوقي الطرب،ولجعل ناظم يتعلق أكثر فأكثر بالغناء ويحفظ أغنياتهم عن ظهر قلب، ليكتشف ويكتشف المحيطون به أن هناك موهبة غنائية لن تكرر في حنجرة مراقب مشروع الطحين. هذه الفترة،أكسبته طموحا غير محدود وعنادا وإصرارا على إكمال الطريق الذي اختاره على الرغم من الصعاب المالية والنفسية،التي واجهته،وجعلته حين يعود إلى المعهد يبذل قصارى جهده ليحصل على أعلى الدرجات. أما قراءاته فجعلته يمتاز عن زملائه بثقافته،تلك الثقافة التي ظهرت عام 1952 حين بدأ ينشر سلسلة من المقالات في مجلة "النديم" تحت عنوان "أشهر المغنين العرب"، وظهرت أيضا في كتابه "طبقات العازفين والموسيقيين من سنة 1900 .
ومن أغانيه ذائعة الصيت "يا أم العيون السود ما جوزن أنا – خدك الكيمر أنا اتريك منه" و"عيرتني بالشيب وهو وقار" و"فوق النخل فوق" و"أي شيء في العيد أهدي إليك يا ملاكي" و"خايف عليها ولهان بيها شامة ودكه بالحنك لو تنباع كنت اشتريها" و"أقول وقد ناحت بقربي حمامة أحبك وأحب الورد جوري عبنه (لانه) بلون خدك" و"مروا علي الحلوين وعذبوني".
خرج الغزالي على الشكل التقليدي في أداء الأغنية،فانتشرت العديد من أغانيه في العالم العربي كله على الرغم من خروجها من بيئة ذات طبيعة شديدة الخصوصية، والتي يرجع فضل انتشارها إلى أن ناظم لم يؤدها وإنما خرج فيها على الأصول المتبعة ليجعل منه أغنية عذبة سهلة التداول والحفظ.
أما الفضل في حفظها إلى الآن فيعود إلى شركة "جقماقجي" التي بدأت منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي في تسجيل أسطوانات كبار المطربين والمطربات العراقيين، وطبعا كان ناظم منهم إن لم يكن في مقدمتهم؛ إذ كان وقتها المطرب الأكثر شهرة في سماء العراق، وكان بريق نجمه يمتد ليشمل العالم العربي كله؛ الأمر الذي دفع محمد عبد الوهاب أن يطلب من شركة "كايروفون" أن تنتج لناظم عددا من الأسطوانات يضع بنفسه ألحانها، وكاد المشروع الكبير يتم لو لم يرحل الغزالي الى العالم الاخر.
ولولا وفاته المبكرة ربما لم يكن ليترك كلمة في عيون تراث الشعر العربي إلا وغناها وأمتعنا بها. هكذا أخرج القصائد من دواوينها وجعلها تجري على لسان أبسط الناس الذين أحبوا كلماتها، وأحبوا أكثر الصوت الذي نقلها إلى أذنهم بنبرة الشجن الشائعة في الأصوات العراقية، وإن زاد عليها نبرة أكثر حزنًا بأدائه الدرامي الذي اختلطت فيها الحياة القاسية التي عاشها، وما درسه بمعهد الفنون الجميلة . .
وعلى الرغم من مرور50 عاما على وفاة الغزالي فان الغموض مازال يلف أسباب وفاته المفاجأة إذ أفاق في صباح 23 أكتوبر 1963 وطلب قدحاً من الماء الساخن لحلاقة ذقنه، لكنه سقط مغشياً، وبعدها فارق الحياة، ، وتعزو رواية أخرى أسباب وفاة الغزالي إلى تناوله السم .
وبعد مرور50 عاماً على رحيل سفير الأغنية العراقية الفنان ناظم الغزالي شهدت الساحة الفنية طرح أهم أغنياته وأشهرها في اسطوانة مدمجة (CD) تحتوي على أغانيه الشهيرة في العراق ودول عربية أهمها: (تيهي على أريج الورود)، (عيرتني بالشيب، حياك بابا حياك، له خال خايف عليها، ياام العيون السودـ اقول وقد ناحت، وكول لي ياحلو، إي شيءبالعيد، وسمراء من قوم عيسى واخيراً طالعه من بيت أبوها)..
1142 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع