سوق العمارة الكبير تحفة معمارية بناها أتراك وعراقيون
يعد سوق العمارة الكبير، من أقدم الأسواق التراثية، ويعود تاريخ بنائه إلى العهد العثماني، حين أمر الضابط العثماني محمد باشا بكري ببنائه سنة 1870، فأطلقت على السوق تسمية سوق الباشا.
وشارك في بناء السوق، بالإضافة إلى المعماريين الأتراك، معماريون و«أسطواتش» عراقيون، أمثال فليح البياتي، والد الفنان النحات المعروف احمد البياتي، وعصملي الكعبي، والأخوة الحاج محسن وسعيد وحسن ليلو.
كان السوق يحتوي على 150 دكانا وثلاثة حمامات، أحدها كان للنساء، وبعد انتهاء الحكم العثماني في العراق، أراد الناس تغيير اسم السوق فسموه السوق المسقوف، لأن سطحه مسقّف، يشبه سقوف الخانات البغدادية القديمة، حيث يظهر الطابوق الأصفر بين خيوط من الاسمنت.. وفي أطرافه من الجانبين شبابيك خشبية تفنن النجارون العراقيون في صناعتها فأضفت عليه طابعا فنيا رائعا.
ولكن بعد أن كثرت الأسواق في أجزاء عديدة من مدينة العمارة، وأغلبها صغيرة وطارئة، بدأ البعض يسمي هذا السوق بالسوق الكبير، وكأن الأسواق الأخرى ولدت منه، وهو بهذا يعدّ سوق الأسواق.
تقادم الزمن
لكن السوق الذي تقادم عليه الزمن، عانى من الإهمال خلال السنوات الماضية، إذ لم تجر عليه أي أعمال صيانة، فتشققت أرضيته وسقطت العديد من الشبابيك الخشبية، وتركت مكانها فتحات، وأهملت الإنارة الداخلية، وأصبح من يدخل إليه كأنه يسير وسط مغارة.
وبين حين وآخر تتجمع مياه المجاري وسط السوق بسبب رداءة أنابيب تصريف المياه، وكثرة النفايات والحيوانات السائبة فيه.
مقاول مهمل
ويقول الفنان التشكيلي صباح شغيت، الذي قام بتصميم مدخل السوق: «خصصت لجنة الإعمار 50 مليون دينار، وكلفت من قبل إدارة محافظة ميسان بوضع تصميم لمدخل السوق وقدمت لهم أكثر من تصميم واختير أحدها، وبدأ الإعمار لإعادة الحياة إلى هذا السوق الشهير، لكنني فوجئت بأن ما أنجزه المقاول لا يمت بصلة لما قمت بتصميمه على الورق وأخبرت إدارة المحافظة، ولم يسمعني أحد».
ويقول أحد تجار السوق سلام الحاج إبراهيم، «استبشرنا خيرا عام 2004 عندما بدأ الإعمار بالسوق وشاهدنا الجدية في العمل وفرحنا، ولكن للأسف فالفرحة لم تكتمل، إذ أن المقاول المشرف قام بإعمار مقدمة السوق فقط، وترك الباقي على ما كان عليه».
ويقول الصحفي والأديب جمال الموسوي «إن السوق اشتهر بوجود القيساريات الضيقة التي تعتبر مخرجا للمتسوقين، وكذلك وجود الخياطين المشهورين بخياطة الدشداشة العربية والعباءة الرجالية وصناعة العقال العربي، كما يمتاز بوجود محال لصناعة الأباريق والدلال العربية والقدور الكبيرة، ومحال بيع الأواني الفخارية وصناعة الحلويات، وغيرها».
ويؤكد الموسوي أن سقف السوق في مقطعه الأول، أخذ بالتشقق والسبب هو حملة إعمار عام 2004 لتطوير السوق، كما أدى تعليق أضواء كبيرة تتدلى من السقوف إلى احداث هذه التشققات فيها، خاصة وإنها مبنية بطريقة القباب، ولا يوجد أي حديد لإسنادها. ويشدد الموسوي على ضرورة الإسراع بإنقاذ السوق من كارثة وشيكة الوقوع مع استمرار إهماله وتعرضه للظروف الجوية، خاصة الأمطار التي تنخر البناء، داعياً دائرة الآثار في ميسان والحكومة المحلية بشقيها التشريعي والتنفيذي، إلى الاهتمام بهذه التحفة التراثية وضرورة صيانتها وتأهيلها بالشكل الذي يسهم في إطالة عمره لمدة أطول.
ومن المظاهر التي يعتز بها الميسانيون، في السوق الكبير، «المكتبة العصرية»، التي يعود تاريخ إنشائها إلى عشرينات القرن الماضي. ويقول صاحب المكتبة العصرية التي تعد أقدم مكتبة في المحافظة الحاج حيدر حسين داود، إن بناء السوق اعتمد على أسلوب الأقواس باعتماد بناة من مدينة العمارة، واشرف عليهم «أسطوات» من تركيا، وكان يبلغ طوله حينها خمسين مترا، أما اليوم فهو أطول من (300) متر، ويتميز بالبناء المعماري القديم ذي القباب المتسلسلة، ويعد سوق العمارة الكبير احد أقدم الأسواق العراقية التراثية التي حافظت على طرازها المعماري القديم.
877 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع