حوار في حدائق الگاردينيا مع اللواء الركن المتقاعد فؤاد حسين علي
يعلم أحبة "الگاردينيا" أن زاوية "حوار في حدائق الكاردينيا" هي من اختصاص أخي، وزميل طفولتي وصباي وشبابي، إبن الكرخ، وتلميذ التربية الاسلامية، شيخ المتقاعدين العزيز فؤاد حسين علي، فضلاً عن أنه هو صانع الفكرة والمشروع، وقد أتحف الگاردينيا بلقاءات كان لها صدى طيب في نفوس أحباب الگاردينيا.
لكنني اليوم أدير طاولة اللقاء، فأمارس دور المستضيف المحاور، وأدعو الأخ أبا أحمد ليجلس على كرسي الضيف، في حوار أتمنى أن يكون شيّقاً ومفيداً ومثمراً لأن في مسيرة وسيرة هذا الصديق الكثير الكثير مما يستحق إلقاء الضوء عليه. فقد وجدت من المناسب أن أعد حواري معه على عكس المعتاد ،لنطلع على مسيرة حياة رجل عشت معه مرحلة من المراحل السابقه ، وكان لزاما علي أن أقدم جزء من الوفاء له، وهو إنسان فاضل يستحق كل تقدير ووفاء وهو أهل للوفاء.
(فؤاد حسين علي ) إبن الكرخ، صديق الصبا في التربية الاسلامية حيث أكتسبنا العلم والمعرفة والتربية على يد افضل المربين، ابتدئ حواري معه بالتعريف به لأحباب الگاردينيا: فقد ولد فؤاد حسين علي في بغداد الكرخ / محلة الست نفيسة / عام ١٩٤٧ ،وشق طريق حياته وأنجز تاريخه بجهده الذاتي المثابر، حيث غادره المرحوم والده مبكراً وهو طفل صغير ،كانت دراسته الابتدائية والمتوسطة في دار التربية الإسلامية وأكمل دراسته الثانوية في ثانوية الكرخ، كان يعمل ويدرس في آن واحد وفي عام ١٩٦٤ أكمل دراسته الثانوية ..
تمرين الكلية العسكرية / 1964
والتحق بالكلية العسكرية في السابع عشر من شهر تشرین الأول 1964 بدورتها ٤٤، وفي العام ١٩٦٧ نال شهادة البكالوريوس في العلوم العسكرية، أستمر متنقلا في وحدات الجيش مثابرا مجتهدا مخلصا تنقل شمالا وجنوبا وشرقا وغرباً وكان من ثمار مثابرته وحرصه وكفاحه أن نال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية الأركان عام 1977 ضمن الدورة 42.
شارك أخونا اللواء الركن فؤاد بدورات متعددة داخل وخارج العراق كما سمحت له نشاطاته العلمية بحضور مؤتمرات وندوات عربيه وعالميه وزار خلالها الكثير من البلدان، أستمر في حياته العسكرية هاوياً ومحترفا وعاشقاً لمهنته وتسلسل وظيفياً في عمله القيادي والاداري ، وآخر منصب له قبل إحالته على التقاعد هو منصب رئيس أركان الفرقة ٤٦ وبرتبة عميد ركن.
يشهد له كل من يعرفه بأنه كان يمتلك الجرأة في القرار، فقد كانت قراراته دقيقة وسليمة في اصعب الظروف فهو يأخذ الأمور مهما كانت صعبة ويعتبرها سهلة جداً يضع الخطط بالتعاون مع هيئة ركنه والقائد ، له المام واسع بطبيعة المنطقة رغم صعوبة طوبوغرافيتها، مثل مُستكشفي الطبيعة ،يحفظ أسماء القرى ويبحث عن معناها في اللغة العربية ،وعند أحالته على التقاعد ، كان مؤمنا أن مسيرة الحياة لا تبقى كما هي !! رغم تناقضات الحياة فكانت إحالته على التقاعد غير منصفة كونه الفائز الاول في فحص الكفاءة لألوية المشاة عام ١٩٨٧ في ظروف الحرب وليس السلم !!! وكعادته تلقى الخبرمبتسما وهو يقول (المهم أنني أديت ما عليَّ من واجبات في مهنتي وخدمت وطني ،فأن بقيت في الخدمة وان أخرجت منها فأنا عراقي وأبقى عراقي).
وفي حدائق الگاردينيا أتيحت لنا الفرصة لنتحاور عن ذكريات متنوعه ونعيد ذاكرة الزمن الى الماضي البعيد ، وباسمي وباسم كتاب وقراء مجلة الكاردينيا ارحب بالأخ العزيز اللواء الركن المتقاعد فؤاد حسين علي ضيف حدائق الكاردينيا فأهلا وسهلا بك أبا أحمد، قبل بدء أسئلتي سوف أبدأ معك من النهاية وليس كما هو المعتاد !!
لحظة تأمل مع صديق في الغربة /2014
س :ماذا بصددك وانت في هذه الغربة وبالقرب من حافة القطب الشمالي ؟
ج: بداية أتقدم بالشكر والتقدير لشخصك الكريم كصديق قديم وليس كمحاور لي وايضاً انتهز الفرصة لأقدم شكري لكتاب وقراء مجلة الكاردينيا وسوف يكون جوابي على سؤالك هو بيت شعري يفي بالإجابة كاملا وهو:
إني رحلتُ الى بلاد تستريح على ..... رُباها خيمتي ودفاتري ومِدادي
ووجدت أن أحبتي رحلـوا معــي .... وما وجدت في تلك البلاد بلادي
س:انت احببتَ العراق، وبغداد على وجه الخصوص، وتربطك الكثير من العلاقات الاجتماعية فما هو تأثير ذلك ؟
ج: كلنا رحالة وراحلون، منه الرحيل الاخير لجوار العزيز الكريم ، ومنه الرحيل المفعم بالغربة ، غربة تحز بالنفس، رغم هدوء وطيبة أهلها وكل شئ فيها جميل ومنظم لكن انت تسألني لماذا الرحيل من العراق ؟ عليك ان تكون انت السائل وانت المجيب وانت لماذا رحلت يا أخي !!!؟؟؟ فكلانا متشابهان في القصة ذاتها وغيرنا الكثير، هم رحالة داخل وطنهم ورحالة خلف الحدود، كل ذلك سببه السياسات البائسة !! التي أنتجت تدميراً منظماً لشعب مسكين لا ذنب له ، فالذين قادوا العراق كانت المصالح الذاتية هي هدفهم، لهم ولعوائلهم والمقربين منهم، قادوا هذه البلاد الى الهاوية، بسياسات التخبّط، فتراهم يعادون الجميع، وفي يوم آخر يعتذرون من الجميع، يدّعون الوطنية في لسانهم، لكن قلوبهم وأفعالهم غير ذلك، بذّروا ممتلكات العراق، شوهوا الثقافة والتاريخ، ولو تعود إلى الماضي تجد العراق ، كان قبلة ود للجميع ، لإتنام أنديتها مَرَحا ولاتهدأ مآذنها دعوة للخير والتبرك، ومهما طال البقاء بعيداً عن الوطن فأن كل لحظة تمرّ هو في ذاكرتنا !! ..
س:يلقبونك شيخ المتقاعدين ،لماذا هذه التسميه لك بالذات وهناك الكثير من أقرانك العسكرين ؟
ج: أنني الوحيد في الجيش العراقي الذي يحال على التقاعد ثلاث مرّات، وهو باعتقادي رقم قياسي لم يسبق لعسكري أن حققه، ففي العام ١٩٨٩ عندما كنت أشغل منصب رئيس أركان الفرقة ٤٦ فوجئت بإحالتي على التقاعد وكان عمري آنذاك ٤٢ عاما وفي العام ١٩٩٠أعدتُ ثانية للخدمة بمنصب رئيس أركان الفرق ٤٦ ثم 36، ثم ٢٦ وأحلت مرة أخرى على التقاعد، ثم أعدتُ وأحلتُ على التقاعد مرة أخرى.. وهذا قدري علي ان اقتنع به، واحمد الله عليه ، مما حدى لكثير من أصدقائي ان يطلقوا عليَّ تسمية "شيخ المتقاعدين"، ولا أعرف عن كان لي قرين، بالحالة هذه ،وعلينا أن نؤمن بما يخبئه الزمن لكل منا وان نقتنع بما يقرره الله جلت قدرته .
س: كتبت الكثير من القصص القصيرة، أي منها أقرب اليك من غيرها ؟
ج: جميع القصص التي كتبتها، تنبعث مما هو مخزون في الذاكرة، وكلها محببة لي ولكن قصة (قبل الرحيل) كانت الأقرب، بسبب اني كتبتها وأن قرار دائرة الهجرة السويدية لم يكن منصفا معي في حينه ، كذلك رد فعل الاخ الفاضل الشاعر( مثنى عبيده) بإهدائه لي قصيدة ( صدى الرحيل ) بعد أن تألم لجراحي وحال أبنتي زاد من أن تكون الأقرب لي دوما.
علماً أن بإمكان القاريء الكريم الرجوع الى روابط القصة:
قبل الرحيل
http://www.algardenia.com/maqalat/652-2012-09-24-16-40-46
.html
صدى الرحيل
http://www.algardenia.com/maqalat/651-2012-09-24-16-28-47
.html
س:أشغلتَ العديد من المناصب في ظروف متعددة، أي منها في تقديرك هو الأقرب دون غيرها خلال حياتك العسكرية ؟
ج: سنحت لي الظروف أن أعمل في مناصب ركن متعددة ومناصب قيادة أخرى، وبالنسبة لي كان المنصب الذي أحببته في حينه هو امر لواء المشاة /٩٠ لكوني كنت أمرا له في ظروف قاسية ومعارك ضارية ، وثانيا ان لواء المشاة /٩٠ قد حقق رقما قياسيا على الجيش العراقي عام ١٩٨٧ في فحص الكفاءة في ظروف الحرب ونال المرتبة الاولى على ألوية الجيش العراقي، وكنت آمرا له في حينه .
على قمة جبل آسوس / 1977
س:من هو القائد أو الآمر الذي تأثرتَ به أكثر من غيره ؟
ج: عملت مع الكثير من الآمرين والقادة بسبب كثرة تنقلاتي وتنقل الوحدات من قاطع لآخر لكن بداية حياتي العسكرية في العام ١٩٦٧ نسبتُ في اول تخرجي الى الفوج الثالث لواء المشاة /١٥ الذي كان يمسك ربايا في سلسلة ظهر السمكة المجاورة لجبل زوزك بقاطع راوندوز وكان آمره (المقدم الركن محمد حسن شلاش) وهو مربي ومعلم ومؤلف الجغرافية العسكرية منذ زمن طويل تعلمت منه الكثير في فنون القيادة والإدارة ، كان يحب مهنته ، مخلصا لها ، مثالا يستحق التقدير وبعد ان انهيت كلية الاركان ..
اللواء الركن / وليد محمود سيرت
عملت مع قائد ، فاق تصوري ، واعتبره من القادة العظام فهو عالم عسكري، رياضي ، مؤلف ، باحث ، يبهرك عندما يتكلم وهو المرحوم ( اللواء الركن وليد محمود سيرت ) قائد الفيلق الاول عام ١٩٧٩ الذي أعدم زورا وبهتانا ، كنت أقول ( ان اللواء الركن وليد محمود سيرت لم يخسر نفسه بل خسره العراق وبالذات قواته المسلحة !!!) فهو خريج الكلية الملكية البريطانية ، والمتفوق على الجميع في كل المجالات ومن كثر اعجابي به كتبت عنه قصة ( ثقوب في الذاكرة العسكرية البعيدة ) يمكن مراجعته على الرابط التالي:
http://www.algardenia.com/maqalat/4512-2013-05-21-07-46-01.html
الساحة الحمراء - موسكو - /1979
س:هل شاركت في دورات ، مؤتمرات خارج العراق وأين ؟
ج: شاركت بدورات خارج العراق ( ألمانيا -١٩٧٢ وموسكو -١٩٧٩ ) ومؤتمرات وواجبات متعددة في الدول العربية ( سوريا-١٩٧٣ ،الكويت، السعوديه، البحرين، الإمارات، قطر -١٩٧٦ ومصر، تونس ، الجزائر ، المغرب -١٩٧٧) و (الاردن ،منظمة التحرير الفلسطينية ) ، ودول اخرى ( ايران ،اسبانيا ،الولايات المتحدة الأمريكية ) وضمن المجال العسكري وتبادل الخبرات والمعرفة في حينه.
س:كان الحصار على الشعب العراقي وانت واحد منه أضطرتك الظروف للعمل بمهن متعددة قد لا تتناسب ووضعك العلمي والعسكري ، كيف ترى ذلك وماهي آثاره عليك ؟
ج: تُعرَّف الحرب علميا (بأنها اخر وسيله تستخدمها الدول المتنازعة بعد نفاذ كافة الوسائل )
والحرب مهما طال أمدها لابد ان تنتهي ،لكن الحرب الاجتماعية دوما تكون طويلة الامد لا نهاية لها ، وقد أعتمد الحصار لتدمير المجتمع كاملا ، ولكوني جزء من المجتمع العراقي فقد تأثرت به كباقي اخواني من المدنيين والعسكريين ، مما أضطرتني الظروف لبيع داري وكل ما أملك لغرض العيش ، لكنني ارى أن الأنسان يجب أن يكون أقوى من الزمن ، تركت رتبتي وشهادتي خلفي ، وبدأت العمل ، في المزادات، وآخرها الاطارات المستعملة إن الحياة صراع ، لا عيب ان يعمل الانسان من اجل ديمومة الحياة ، الحياة نضال من أجل ان تعيش انت وعائلتك بكرامة ،لا أن تسرق ، لا أن ترتشي ،لا أن تنتهك قوانين السماء ،دوما أني فخور بما كنت اعمل هكذا هي الحياة اخي الدكتور أكرم !!!
س:وكيف ترى مستقبل القوات المسلحه العراقيه ؟
أسست القوات المسلحة العراقيه على مبدأ خاطئ هو ( التوازن) او ( المحاصصة) المصطلح الذي ادخله الحاكم المدني (بريمر) ، وهو تأسيس يراد به بقاء القوات بدون كفاءة بشكل مستمر ، أن أية مؤسسه عسكريه او مدنيه تبنى على أساس الكفاءات والتسلسل الوظيفي والنزاهة ، وعوامل عديدة أخرى، وليس على مبدأ المحاصصة ، فأن أستمر هذا النهج فأني لا ارى ضوء منير في نهاية النفق ، ويستمر الظلام ، لذا سقطت أراض ، محافظات خلال ساعات قليله وبعدد محدود من قوات داعش على عكس القوة الماسكة للقواطع ، اما التغييرات في القيادات العسكرية التي أعلنت مؤخرا ، فهي من الناحية العلمية والعملية لا تعني بتقديري تغييراً جذرياً، بل قد تكون أفضل من سابقتها ، أن القائد / الآمر مهما كان كفؤا وكانت أدوات القيادة الدنيا غير كفؤه فلا يستطيع أنجاز المهمة ، أن أعظم الفنانين في العالم اذا لم تتوفر له أدوات الفن ، لا يكون فنانا ناجحا ، وأن المؤامرة على العراق هي اكبر من حجمه (دولية) والاستراتيجية المخططة له هو أن يبقى العراق والمنطقة مضطربة، وباختصار (من خطط لمجيء داعش هو من يخرجها بالزمان والمكان والكيفية التي يريدها)!!
س: ولدت في منطقة الكرخ ماذا تعلمت منها وذكرياتك ؟
لقد علمتني الكرخ الكثير من الدروس في الحياة الاجتماعية ، السياسية ، فهي مدرسة متنوعة ، بسبب تنوع مجتمعها ، علمتني ، حب الوطن ، حب المجتمع ، التضحية والإيثار ، كباقي مناطق بغداد الشعبية ، لكن الكرخ الحالية ليست كما كانت ايام زمان ، حيث تقوست سقوفها وتصدعت جدرانها !!!، تنقلت فيها من الست نفيسة ،الى المشاهدة اما سوق حماده هي حياة الشباب واهلها الطيبين ، كانت البسمة لا تفارق الجميع ، لم نعرف الطائفية ، ولا العرقية ،سواسية متحابين متآخين ، يجمعنا الوطن الواحد ، ذكرياتي مع اخوتي عائلة السهو ، والكحلة ، وسيد صالح صاحب المقهى في وسط سوق حماده التي تجمع المثقفين وغيرهم من الكسبة ، الجميع مقتنع لرزقه والجميع يحب الخير للآخر ، عندما اتذكر أذرف الدموع على الماضي ، الماضي دوما فيه الفرح مميز ، وفيه الحزن وحيد وغريب !!!
أمنية يتمناها اللواء الركن المتقاعد فؤاد حسين علي ، ماهي ؟
أدعو الله أن :
يجمع شمل العراقيين جميعا
وأن ينعم عليهم الأمن والأمان
وان نبتعد عن الفرقة والطائفية والعرقية
وأن نعيش في العراق مواطنين سواسيه لا فرق بيننا
وأن ترفع أصوات الجوامع والحسينيات وتقرع أجراس الكنائس ودور العبادة الاخرى بدعوتها للخير والتآلف والمحبة
وأشكرك اخي الدكتور أكرم على هذا الحوار في حدائق الكاردينيا .
وفي ختام حواري مع اللواء الركن المتقاعد فؤاد حسين علي ، أتقدم باسمي وباسم كتاب وقراء مجلة الگاردينيا بالشكر والتقدير للأخ فؤاد لحضوره في حدائق الكاردينيا ، ومن الله التوفيق
أعد الحوار وقدمه / الدكتور أكرم عبدالرزاق المشهداني
1200 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع