المسحرچي في الذاكرة البغدادية

 

المسحرچي في الذاكرة البغدادية
المسحرجي شخصية رمضانية تراثية لا تنسى

اعداد د .اكرم المشهداني وفؤاد حسين علي

مع قدوم شهر رمضان الفضيل، اعاده الله عليكم بالخير واليمن والبركات وقبول الطاعات، تبرز الى الذاكرة العراقية والبغدادية خصوصا صورة وملامح شخصية رمضانية شهيرة بقيت حاضرة في قلوب البغداديين خاصة كبار العمر ممن وعوا وجود المسحرجي (او المسحراتي كما يسميه اخوتنا المصريون) او ابو طبل أو أبو طبيلة كما يسميه البصريون، وفي دول الخليج العربي يطلق عليه "القريقعان" إضافة إلى تسميات شعبية أخرى.

حجي رسول اشهر مسحرجي في الكرخ يرحمه الله التقطت الصورة في جامع الشيخ موسى بالمشاهدة بالكرخ عام 1979

(المسحرجي) شخصية فلكلورية لازالت تجوب ليالي رمضان رغم الحداثة والتطور التقني.. ورغم التطور الحاصل بوسائل الاتصال الا ان المسحرجي ظل مستمرا يعمل في بغداد والمحافظات وكثير من مدن العالم العربي والاسلامي.
"سحور"، "سحور"، "سحور" هي تلك الكلمات التي اعتاد البغداديون على سماعها في أيام رمضان، ثلاث كلمات تليها ضربات طبل على إيقاع رمضاني مفعم بالحنين لتعطي إلى الصائمين إشارة بوقت السحور، قبل بزوخ الفجر، وهنا تنتهي مهمة "المسحراتي" اليومية.

إن شهر رمضان المبارك يتميز عن بقية أشهر السنة بتلك الطقوس الرمضانية الخالدة التي تضيف لأيامه نكهة وجمالية قل نظيرهما ومن بين طقوس رمضان يبرز المسحراتي او ما يطلق عليه محليا /أبو طبيلة/ وهو رجل متطوع يحمل طبلا ويجوب الأزقة لغرض إيقاظ الناس الصائمين قبيل الإمساك بساعتين تقريبا من خلال النقر على الطبل وترديد بعض الجمل والابتهالات الدينية عن رمضان وبعض الأدعية.
ان هذا الطقس الرمضاني هو من أكثر الطقوس شيوعا في البلدان العربية مع اختلاف بسيط في أسلوب إيقاظ الناس ، إلا ان الهدف الأساس واحد وهو تنبيه الصائمين لأوقات السحور وأداء صلاة الفجر.
إذن فالمسحراتي يعد من ابرز الشخصيات الرمضانية التي تمتلك حضورا في الذاكرة منذ القدم، والذي يتميز بصوته الجهوري الذي يوقظ الصائمين يوميا قبل ساعة من موعد الإمساك وهو تقليد من العادات القديمة المتوارثة حتى يومنا هذا.. وضربات المسحراتي بطبله التي تدّوي في سكون الليل منادياً (اگعدوا يالصايمين.. اكعدوا اتسحروا) وفي هذا الوقت نسمع التمجيد من المآذن، وهو دعاء يتلوه المؤذن بأطوار مختلفة والحان شجية مؤثرة داعياً ومذّكراً ومحرضاً على السحور، فتستعد النسوة لطبخ السحور.
المسحرچي من العادات والتقاليد والطقوس التي لازالت تشكل عبق يعطر أنفاس المؤمنين في شهر الطاعة والغفران – شهر رمضان في محافظات العراق ،لكن  هذه الطقوس تختلف من بيئة لأخرى وحسب الموروث الشعبي فيها ،ومن بين تلك الطقوس الرمضانية القريبة الى أجواء مائدة السحور تبرز شخصية المسحراتي او مايطلق  عليه لدى عامة الناس في العراق (أبو طبيلة)أو (المطبلجي)، وعلى الرغم من أن هناك من يجد في المسحراتي بطبلته التقليدية رمزا قديما عفا عليه الزمن ، وأصبح لا يتلاءم وتطور الزمن وانتشار وسائل التنبيه العديدة التي يمكن أن يستخدمها الصائمون لتوقظهم وقت السحور ، إلا أن الكثير من الناس من يتمسك بالمسحراتي لأنه يعبر عن احد وجوه التراث القديم ويمثل مظهرا من مظاهر شهر رمضان يجب الحفاظ عليه من أجل الأجيال الجديدة كونه يطرق أبواب الليل والصائمين الخاشعين لوجه الله تعالى من عمق التاريخ الإسلامي الأصيل
في ليالي رمضان يمسي كل شيء مختلفا حيث تتفتح الشوارع التي تسمع ضربات الطبل بتناغم جميل وهي تتراقص على ايقاع رمضاني مفعم بالحنين الى الماضي الذي يحمل نكهة مميزة قبل ان ينهي المسحراتي ضربات طبله بمناداته الصائمين (سحور.. سحور).  
المسحراتي ارتبط برمضان رجل يطوف بالبيوت ليوقظ الناس قبيل أذان الفجر يضرب على الطبلة ويردد بعض الاناشيد والتراتيل من قبيل: (قم يا نائم وحّد الدايم) أو (سحور يا عباد الله) وأحيانا ينادي أهل الحي كلا باسمه نظير أجر رمزي يجودون به عليه.... وقد يصاحب المسحراتي ابنه الذي يرث هذه المهنة من بعده، وهي عادة تكاد تكون مشتركة بين مختلف المدن الدول الإسلامية
      المسحّراتي رجل مميز في رمضان، وينحصر عمله في ذلك الشهر ولكل حي مسحر أو أكثر حسب مساحة الحي وكثرة سكانه, ويبدأ المسحر جولته قبل موعد الإمساك بساعتين، يحمل طبلته بحبل في رقبته فتتدلى إلى صدره، أو يحملها بيده، ويضرب عليها بعصا خاصة.
وكان للمسحراتي ثلاث جولات:
إحداها يومية تشمل كل الحي لإيقاظ الناس وقت السحر،
والثانية يومية تشمل بعض الأحياء بالتناوب لجمع الطعام والمساعدات، ويصطحب معه في هذه الجولة مساعداً ليحمل سلة وبعض الأطباق لوضع ما تجود به العائلات من أطعمة، ويضطر لوضعها مع بعضها في طبق واحد أحياناً, لذلك يتردد على ألسنة الناس المثل الشعبي الذي يقول (مثل أكلات المسحر) لمن يضع في طبقه عدة أنواع من الطعام دفعة واحدة, وأصبح الناس اليوم يجودون بالمال بدل الطعام، فهو الأفضل.
أما الجولة الثالثة للمسحر فكانت أيام العيد لجمع العيديات من الناس. وترافقه في هذه الجولات طبلته التي هي بمثابة هويته الخاصة.
         في ليالي رمضان البغدادية حين تطل المساءات ومعها العادات والتقاليد الموروثة، يمسي كل شيء مبهجا، تتفتح ورود الشوارع في الاحياء السكنية الشعبية خاصة منها، وامام اشراقات وقت (السحور)  (سحور.. سحور.. سحور). ان ضربات الطبل لابد ان تصل الى ساكني البيوت الذين يمر بهم، قبل ساعتين على الاقل، من اجل تناول طعام السحور قبل ان يعلن المؤذن من المسجد القريب (الامساك)،.
         في كل شهر رمضان وحينما نسمع دقات الطبل التي تجعلنا نعيش في جو رمضاني نقوم ونحن في نشاط كامل دون ان نعير اهمية الى الجو الذي نعيش فيه الآن. بعض العوائل تخرج للمسحرجي سحورا بسيطا ومن اكلات بغدادية مختلفة، فالفواكه والعصائر والاطعمة المختلفة الخفيفة تعطي للمسحرجي حتى يمكن ان يمارس عمله بشكل طبيعي في شوارع وازقة المنطقة ولايقاظ  الصائمين.


        بغداد ايام زمان، كانت هناك دقات صافرة الجرخجي الذي هو الحارس الليلي، كانت تسهم في ايقاظ الصائمين للسحور، كما ان الصفيحة من (التنك) كانت تستخدم لهذا الغرض.
        مهنة (التسحير) ظهرت أول مرة في بغداد زمن الدولة العباسية ، اذ ابتكر البغداديون فن الحجازي /القومة/ وهو من فنون الأدب الشعبي ومتخصص بالغناء في سحور رمضان وتشير المصادر التاريخية الى إن مسحراتي بغداد كان يستعين بمختلف الآلات الموسيقية ، وزيارة واحدة للمتحف البغدادي كفيلة بإعطاء صورة واضحة عن المسحراتي وآلاته الموسيقية
     مهنة المسحراتي ارتبطت بشهر رمضان الكريم منذ عهد النبي (ص) ويعد بلال بن رباح (رض) أول مسحراتي في التاريخ الإسلامي حيث كان يجوب الطرقات طوال الليل لإيقاظ الناس للسحور بصوته العذب ، وكان النبي (ص) يقول إن ( بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم )

وكان ابن أم مكتوم هو الذي يتولى أذان الفجر ومنذ ذلك التاريخ ، أصبح المسحراتي مهنة رمضانية خالصة ،
         ليس للمسحراتي أجر معلوم أو ثابت، غير أنه يأخذ ما يجود به الناس صباح يوم العيد أو ما يعرف بالعيدية..
          المسحرجي او ابوطبل  جزء من الموروث الشعبي العراقي  ويعتقد ان بدايتها منذ العهد العثماني ثم انتقلت الى البعض من الدول المجاوره وقد أصبحت مهنة متعارف عليها بدون مقابل ثمن وغايها الاساسيه هي كسب الثواب  وقد أقتصرت على شخص واحد هو حامل الطبل واحيانا يساعده آخر أذا كانت المسافات متباعده  والغرض منها هو ايقاظ الصائمين من نومهم لكي يتسحروا لآن السحور بركة  ودوما يرافق المسحرجي البعض من الاولاد ضمن المنطقه او المحله أبتهاجا بموعد السحور والبقاء حتى موعد صلاة الفجر

  ،تستخدم الطبله مع العصا كي تخرج ايقاعات توقظ النائمين لأعداد وجبة السحور التي غالبا ماتكون وجبة خفيفه من التمر واللبن وبعض الماء واحيانا شربت الرمان او الزبيب او انواع آخرى حسب الموسم وتوفر نوع الماده ،عند تجوال المسحرجي في ازقة المنطقه يردد صوت --سحور يرحمكم الله سحور ويردد البعض من الصغار المرافقين للمسحرجي كلمة--يانايمين أكعدوا --والمسحرجي يلتزم دوما بالتوقيت الصحيح للسحور بأعتباره واجب ديني وجزء من الطقوس المهمه  فكانت المناطق في بغداد مقسمة على المسحرجيه ففي الكرخ على سبيل المثال كان أشهر مسحرجي هو المرحوم الحاج رسول الذي يجول المنطقه وازقتها بدأ من محلة الجعيفر وانتهاء  بساحة الشهداء الحاليه مرورا بالمناطق المختلفه المتداخله فيما بينها وهي:

-الشيخ علي، الرحمانيه ، التكارته، الست نفيسه،سوق الجديد، الشيخ صندل،الكياره،المشاهده،الباروديه،القمريه ....الخ
.والمسحرجي الحاج رسول رحمه الله يعرفه جميع أهالي الكرخ أيام زمان صغارا وكبارا  وصوته مألوف لهم ولم يسبق له أن تغيب يوما في ليالي رمضان  .
         أما مناطق بغداد الاخرى سواء الباقيه من الكرخ او الرصافه فلها شخوصها المعروفين من المسحرجيه  وكذا الحال بالنسبة لمحافظات العراق الآخرى ،أن أتساع مناطق بغداد وتطور التوقيتات وظهور الساعات المنبهه والوسائل الآخرى أخذت بتضائل مهنة المسحرجي لغاية منتصف ستينات القرن الماضي  واندثرت حالها حال الكثير من المهن الآخرى ......
     شخصية المسحراتي تبعث على الاطمئنان وتعطي لشهر رمضان طعما خاصا، لذلك ارتبط استيقاظنا بهذه الشخصية المحببة إلى النفس
وعلى صاحب الطبل أن يوصل صوت ضربات طبله إلى ساكني البيوت في الأزقة الضيفة والمنازل وسط السكون الذي يسبق ساعات الفجر.
   

المسحرجي في التاريخ والتراث
 في ليالي رمضان البغدادية، حين تسهر المساءات وتطل العادات والتقاليد برؤوسها، يمسي كل شيء مبهجا، تتفتح ورود الشوارع في الاحياء السكنية الشعبية خاصة منها، وامام اشراقات وقت (السحور) تسمع ضربات الطبل بتناغم جميل وهي تتراقص على ايقاع رمضاني مفعم بالحنين، ينتهي بكلمة واحدة تتكرر ثلاث مرات متتالية تكون بمثابة اللازمة للضربات التي تقوم على الطبل وهي كلمة (سحور.. سحور.. سحور)، تقال معبرة عن فحوى عمل الرجل الذي ينطلق في الطرقات في الليل بخطوات وئيدة،تنسجم مع االايقاع الذي يضربه، يمر قبل ان ينبلج الفجر، حيث وقت السحر، حيث تنتهي مهمته
لابد ان تصل الضربات الى ساكني البيوت الذين تمر منها قافلة الرجل الذي يؤدي مهمة ايقاظ الناس، قبل ساعة على الاقل، من اجل تناول طعام السحور قبل ان يعلن المؤذن من المسجد القريب (الامساك)، وتلك مهمة ليست سهلة بالطبع، وهناك ناس تناوبوا على القيام بها ابا عن جد، كما هناك متبرعون يقومون بهذه المهمة داخل حدود المنطقة السكنية التي هم فيها فقط، مهمة ليست شاقة ولكنها ليست سهلة، وبالتأكيد ان القائم بها يشعر بالمتعة وينتظر الثواب، وهناك من لايستطيع مفارقة المهمة على الرغم من الاجهزة الحديثة التي تعوض عن الطبل وسواه لان يجدها ضرورية، انها ظاهرة رمضانية حياتية لا بد منها، ولا زالت تمارس في ليل رمضاننا الحالي، لانها طقس رمضاني لابد منه، لها نكهتها الاستثنائية التي تتصاعد في النفس مفعمة بالحنين
 
 الادوات التي يستخدمها المسحرجي

وهنالك عدة طرق للمسحراتي منها : الطبل او الدق على الابواب او المناداة او دق الاجراس حتى، ومن علامات تنبيه الناس الى السحور هو ابو السحور، بقوله : (استعدوا للسحور، استعدوا للسحور) او بطريقة الاحترام حيث يتبرع بعض الناس بقوله وهو في السطح العالي للدار ( احترام.. احترام امة محمد، احترام)، يكررها ثلاث مرات او اكثر، اما في بغداد ايام زمان، اضافة الى طبل السحور كانت هناك دقات (الجرخجي) الذي هو الحارس الليلي، على ابواب الناس لايقاظ الصائمين للسحور، كما ان الصفيحة من (التنك) كانت تستخدم لهذا الغرض ومازالت
       في رمضاننا الذي نعيش ايامه، ففي اخر الليل نسمع ضربات على الطبل ومناداة تصدر من صوت قوي وسط سكون الليل وهدوئه، هذه الضربات الايقاعية لابد ان تصل ومعها الكلمات التي يرددها، مازال الرجل وحده او احيانا او مع احد اولاده الصغار او مع رفيق له يشقان الظلام الاخير بتلك الاصوات التي تجعل الناس يتململون من نومهم بالتأكيد ويحركون السواكن في اجسادهم للنهوض من اجل اعداد وجبة الســـحور، واحيانـا اسمع من يضرب على صفيحة  وعلى الاغلب هـذا من المتبرعـين حين لايكون هنـالك مسحراتي في المنطقة، او لرغبة من هؤلاء الاشخاص، فتكون هذه الصفيحة اداة في متناول اليد، لكنها تؤدي الغرض ذاته، فيرن صداها معلنا ايقاظ الناس،
       العديد من مناطق بغداد مازال يجوب الشوارع الاخيرة من الليل، ويتفقد احوال المتسحرين بطبله، مازال يمارس (هوايته) او (متعته) في التجوال قارعا على طبله حائزا على ابتسامات من الناس وان كان لايعلم بها ولا يراها، هي ابتسامات الذين يوقظهم طبله، وقال لي احدهم انه يسمع المسحرجي وهو يردد كلماته ويضيف اليها : (يا صايم.. وحّد الدايم)
 

عاش المسحرجي شخصية مضيئة في مشاعر الناس في بلاد المعمورة لما تحمله من خصائص لا تجدها الا في هذا الشخص المقترن وجوده وحضوره بشهر رمضان الكريم، وبالتأكيد يختلف عندنا عن شبيهه في البلدان العربية الاخرى، فكل (مسحراتي) يحمل تفاصيل الواقع الذي يعيشه ويرسم خطواته وفق ايقاع تراث وتقاليد البلد الذي يعيش فيه...

ولا اعتقد ان (المسحراتي) الحالي له من الشهرة كما هو في مصر مثلا حيث يحمل قنديله الذي يشبه (قنديل ام هاشم) ويتجول في المناطق ساحبا خطواته في عمق الساعات المبكرة لصباح يوم جديد حاضا الناس على الاستيقاظ والتهيؤ لصوم يو غد،

متى ظهر المسحراتي؟
         والمسحرجي.. له تسميات عديدة، فهو في العراق يسمى (المسحرجي) او (ابو السحور) ويسمونه في مصر ودول اخرى (المسحراتي)، وفي الخليج يسمونه (ابو طبيلة)، وقد اعتاد الرجل الذي يمارس هذه المهمة ان يجوب القرى والمدن ليعلم المسلمين بموعد السحور، وهي ظاهرة عرفها المجتمع الاسلامي منذ اليوم الاول لفريضة الصوم على المسلمين، وقد استحدث صحابة الرسول الكريم طرقا مختلفة لاعلام المسلمين بموعد السحور، ويقال كما في بعض الروايات التاريخية ان هذه الظاهرة بدأت في مصر في عهد الفاطميين، اذ كان الخليفة الفاطمي يرسل رجاله ليطوفوا في شوارع القاهرة يدقون الطبول ويرددون الاناشيد الدينية ويهنئون الناس بقدوم شهر رمضان، وان اول ظهور (للمسحراتي) بطبلته في الديار الاسلامية كان في عهد الدولة الفاطمية بالعام (969) ميلادية، كما شارك شعراء وفنانون في اغاني المسحراتي، ويؤكد (الجبرتي / المؤرخ) انه شاهد وسمع وقرأ عن المسحراتي الذي يجوب شوارع القاهرة وسورية وتركيا وفلسطين والجزائر وتونس، وكان المسحراتي او المسحرجي او ابو طبيلة يعود في يوم العيد مارا بالناس ليأخذ منهم (عيديته).  

اتذكره وانا صغير حين لم يكن هنالك تلفزيون ولا مثل الان مكبرات صوت كثيرة، وكان يقوم بمهمة نعتبره فيها صاحب فضل على الناس الذين يستأنسون بصوت دقاته وصياحه، لم يكن شخصا واحدا بل عدة اشخاص يتبرعون، منهم من اهل المنطقة ومنهم من غيرها، اغلبهم يحمل طبلا ويضرب عليه،

 

وهؤلاء لا نعرف اشخاصهم الا في يوم العيد حينما يزورون البيوت مطالبين بـ (العيدية) ويكشفون عن انفسهم، وتعطيهم الناس مالا او معجنات (الكليجة) احتراما وتقديرا.

في رمضاننا الذي نعيش ايامه، ففي اخر الليل نسمع ضربات على الطبل ومناداة تصدر من صوت قوي وسط سكون الليل وهدوئه، هذه الضربات الايقاعية لابد ان تصل ومعها الكلمات التي يرددها، مازال الرجل وحده او احيانا او مع احد اولاده الصغار او مع رفيق له يشقان الظلام الاخير بتلك الاصوات التي تجعل الناس يتململون من نومهم بالتأكيد ويحركون السواكن في اجسادهم للنهوض من اجل اعداد وجبة السحور، واحيانا اسمع من يضرب على (صفيحة ) وعلى الاغلب هذا من المتبرعين حين لايكون هنالك مسحراتي في المنطقة، او لرغبة من هؤلاء الاشخاص، فتكون هذه الصفيحة اداة في متناول اليد، لكنها تؤدي الغرض ذاته، فيرن صداها معلنا ايقاظ الناس،
لو اغمض احدنا عينيه لتراءت له صور عديدة لهذا الرجل عبر العصور، ونسمع صوته وهو يخترق الاجواء ليصل الى بغيته،وبعضها عشناها ونتوق اليها، يشدنا الحنين اليها مع كل قدوم لرمضان، ونحكيها لمن حولنا، فالمسحرجي او المسحراتي او ابو طبيلة، حكايات ممتعة تمتد ما بين اخر الليل والفجر، لكنها تظل على ضفاف الذاكرة تؤكد اشتياقنا وعمق تتواصلنا مع شهر رمضان المبارك

 مهنة المسحرجي مهنة لها أصولها التي تتناسب مع خصوصيتها، وتتفاوت دوافع المسحرجية في العراق لممارسة هذه المهنة فمنهم من يعتبرها عملاً يدر عليه بعض الدخل ومنهم من يمتهنها من اجل أن ينال الثواب وبعضهم الآخر قد ينذر نذرا ويمارس هذه المهنة أن تحقق مراده.

(المسحرجي او أبو الطبل او المطبلجي) واحد من الشخصيات التي رسخت في التقاليد الرمضانية العراقية العريقة التي لا تزال تحاول الإحتفاظ بوجودها رغم جميع التطورات التي طرأت على الوضع العراقي بسبب تغير نمط الحياة من جهة وحالة فرض التجوال الحالي والوضع الأمني من جهة أخرى. المسحرجي في العراق قد لا يختلف كثيراً عنه في بقية الدول العربية فهو يؤدي مهمة بسيطة ومحددة لكن حيوية تتلخص في إيقاظ الصائمين من أجل تناول طعام السحور، لكن المسالة ليست مجرد إصدار صوت ونداء للآخرين للاستيقاظ فحسب بل هنالك خصوصية عراقية أيضا عند إستعانة بعض المسحرجية بالمقام العراقي عند إنشادهم لبعض العبارات التي تجعل من عملهم محببا أكثر ولا يزعج النائمين حين إيقاظهم.
مهنة المسحرجي مهنة لها أصولها التي تتناسب مع خصوصيتها ويستعمل المسحرجي آلات صوتية خاصة والطبلة ليست الآلة الوحيدة فقد يعمد البعض إلى استخدام الدف والدمام والصنجات او السايد درام وبسبب ارتفاع أسعار هذه الآلات في وقتنا الحالي وعدم قدرة البعض على شراؤها يلجأ من لا يعرف أصول المهنة الى استخدام أدوات بدائية كالصفيح او الضرب بالأطباق المعدنية مما يفسد صورة ودور المسحرجي التقليدية لكن المحببة للنفوس.
يخرج بعض المسحرجية لوحدهم لكن منهم من يخرج بصحبة شخص آخر يحمل كيسا من أجل جمع بعض الطعام او حتى الإكراميات النقدية التي يقدمها الأهالي شكرا لهم ، وقد يخرج البعض لمشاهدتهم حتى من غير الصائمين كالأطفال الصغار وقد يكون منظر المسحرجي كطقس رمضاني تقليدي دافعا لهم كي يعقدوا العزم على الصيام عندما يتمكنوا منه.
عادة ما يقرع المسحرجي او أبو الطبل بطريقته الخاصة ويترافق القرع او الضرب مع صوت المنادي الذي يقول ( سحور ، اكعد يا صايم سحور ) وبعض العبارات الأخرى التي قد يخترعها المسحرجي ويستمر على هذه الحالة ليتوقف قبل نصف ساعة من موعد الإمساك .
وان إستمر صوت (المسحرجي ) لتنبيه الصائمين كي يستعدوا لتناول السحور خلال أيام رمضان المبارك لكن صوته قد يكون بشيرا بحلول أول أيام عيد الفطر كي يشيع بهجة أخرى.
قد تتفاوت دوافع المسحرجية في العراق لممارسة هذه المهنة فمنهم من يعتبرها عملاً يدر عليه بعض الدخل ومنهم من يمتهنها من اجل أن ينال الثواب وبعضهم الآخر قد ينذر نذرا ويمارس هذه المهنة أن تحقق مراده.
تذكر المصادر التاريخية البغدادية منافسا آخر للمسحرجي يدعى بالـ( جرخجي ) وهو الحارس الليلي في عهد الدولة العثمانية وقد كان يقوم بذات الدور أحيانا مستخدما أدواته الخاصة في تنبيه الناس مثل الصفيحة المعدنية المعروفة بالـ( التنك ) او أن يقوم بالطرق على الأبواب وقد يكون المنافس الأقوى للمسحرجي او المطبلجي في الذاكرة العراقية التي لم تحتفظ بالكثير عن الـ(جرخجي ) ربما لعد اجادته للدور او عدم انتمائه للبيئة العراقية المتقاربة لان اغلبهم خلافا للمسحرجية كانوا ينتمون لمناطق مختلفة تبعد او تقرب حسب المهام المناطة بهم من قبل مراكز العسكر.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

855 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع