كنت في بغداد(الحلفة الخامسة) ميسون نعيم الرومي
شارع الرشيد
الشارع العريق الجميل ، شارع الرشيد ، صندوق الأسرار، حبيب البغداديين ، وهل احد منا لم يودعه بعضا من ذكرياته واسراره .. كم اشتقت له ، وحلمت أن اسيرعلى ارصفته وبين أعمدة تحضن شناشيله الجميلة ، كما كنا نفعل أنا وصويحباتي في طريقنا الى (اكسبرس فلسطين)* وبأيدينا (لفات العنبة والصمون) والفرحة تسبقنا اليه..
أو سينما الخيام وولوحاتها الخيامية الجميلة التي تزين جدرانها ، ونحن في في طريقنا لمشاهدة أحد الأفلام التي تعرضها وبأيدينا اكياس (الشامية) يصاحبنا صخب الصبا ونحن نفتش عن ارقام كراسينا...
اتيتك ملهوفة يدفعني الحنين تسبقني لهفة السنين فلم اجدك يا بغداد ، اين انت .. اين الذكريات اين عيون المها اين الرصافة والكرخ .....كلها ضاعت وضاع حلم السنين.
في أحد أيام نيسان من هذا العام استأجرت تكسي ليوصلني الى جسر الشهداء وكانت خطتي عبور الجسر ماشية الى سوق السراي...ترجلت بالقرب من الجسر بعد أن سألت السائق اهذا جسر الشهداء ؟ اجاب نعم (داعيتكم مثل الأطرش بالزفة كل شيء غريب ما اعرف شنو السالفه)-
عبرت الجسرالذي يفترش ارصفته شيوخ (نساء ورجال) عزت عليهم انفسهم من ذل التسول فعرضوا بضاعة بائسة تستحق الشفقة قبل اصحابها.. أما في وسط الجسر فاكثر سالكيه عربانات الدفع التي تئن بحمها الثقيل ..
ها أنا الآن في صوب الرصافة .. المفروض ان يكون سوق السراي على يساري ..
ولكنني لم اجده ؟
استدار رأسي اين السوق ؟ تقدمت الى الأمام نحو ساحة صغيرة وسألت شرطي المرور الواقف بقربها .. (آني وين أخي) ضحك وقال انت في حافظ القاضي ...
غيرت خطتي وقررت ان اسير الى اليسار بصحبة ذكريات انتفضت لترافقني مشواري الى المتنبي..
اهذا حقا شارع الرشيد .. امامي شارع يستجلب البكاء والعويل بنايات آيلة للسقوط
ترفرف فوق نوافذها خرق بالية فقدت الوانها وهيبتها وكأنها عنوان لآلامها ووجعها..
شارع وارصفة عفا عليها الزمن مليئة بالحفر والتموجات والأزبال (والميباوع ينچبح على وجـَّـهه) شارع بائس ناله الإضطهاد والظلم بقدر ما نال أبنائه يبكي مجدا ضائعا وتاريخا سحقته عجلات الزمن وهدَّه معول الجهل والتخلف
ترى امتـَـعـَـمـَّـد كل هذا الإهمال ؟ ربما لم يرق اسمه للبعض وحرك فيهم عقدا تاريخية.
أنا الآن امام تمثال الرصافي .. أراه شامخا ينظر الى المجهول واسمعه يردد....
اليكِ اليكِ يا بغداد عني – فإني لستُ منكِ ولستِ مِني
ولكني وان كبر التجني - يعزّ على َّ يا بغداد أني
أراك على شَفَا هول شديد
تتابعت الخطوب عليكِ تترى – وبدل منك حلو العيش مرّا
فهلاً تُنجِبين فتى أغرا - أراكِ عقمت لا تلدين حُرا
ألا يا هالكين لكم أَجيج
اقام الجهل فيك له شهودا – ليهلك فيه من عبث ويُفدَى
متى تبدين منك له جحودا – فهلا عدتِ ذاكرة عهودا
بهنَّ رشدت ايام الرشيد
*******
خلف الرصافي بناية ذليلة تبكي ماضيها التليد وحاضرها المأساوي!!
الشارع مزدحم بالمارة والباعة المتجولين وانا منهمكة بتصوير المناظر الحزينة
تابعت سيري وها هو (سوق الشورجة) على يميني اختلطت علي الصور والمسميات ترى كيف اصف هذا المكان الغارق في اكوام الزبالة المتكدسة على الجوانب وبين الباعة وملحمة البضائع المعروضة في عربات وعلى الواح خشبيه تشبه الطاولات وأنواع الأطعمة التي تعفرت بالتراب تهاجمها اسراب الذباب ، وقد افترش كبار السن الارض رجالا ونساء وهم ينظرون بانكسار الى المارة
والى يساري حاجز كونكريتي عملاق يجثم على صدر الشارع ويحبس أنفاس اهله البؤساء..
جملة واحدة كنت اسمعها باستمرار وانا في طريقي والكامرة بين يدي ...
-(اي عفية .شجاعة .. صوّري .. فضحيهم .. هذوله الحراميه)-
---------------------------------
* (اكسبرس فلسطين):- كافتريا تقع في شارع الرشيد
---------------------------------
اكتوبر / 2017
ســــــــــــــــتوكهولم
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/32007-2017-09-21-12-23-18.html
1089 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع