وداعاً
العلامة البروفسور سامي موريه
رمز الحب والوفاء
بقلم :- ميسون نعيم الرومي
غادرنا يوم الجمعة الموافق 22 / ايلول / 2017 الأديب والشاعرالرقيق الباحث المأسوف عليه البروفسور سامي المعلم ( شموئيل موريه) العراقي المولد والهوى (كما كان يحلو له ان يذكرفي كتاباته) ومنها كتابه (بغداد حبيبتي) الذي وثق فيه معاناة (يهود العراق) الشريحة المهمة من فسيفساء الشعب العراقي والتي لها الفضل في ادخال التمدن الى العراق بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة .
كنت اسمع انين حروفه وارى دموع حنينه تنزف وجعا وشوقا الى بغداد من خلال سطوره الجميلة المعبرة في هذا الكتاب الذي ابكاني واضحكني ، مشاعر متضاربة عشتها مع الأديب الرائع باسلوبه المشوق الجميل وروحه المرحة الصافية وظله الخفيف ونفسه الرقيقة التي تحن الى ملاعب الصبا ونهر دجلة و(الشريعة والچوادر) وهمسات القلب الأولى ، بقي معتزا بهويته العراقية ، يتكلم بحب واعتزاز ويرنو بكل مشاعره الانسانية الى بغداد الموشومة في كل حناياه وجوارحه ، احسست بروحه الصافية الطيبة التي لاتعرف الا التسامح والحب حتى وهو يتطرق الى فترة (الفرهود ) وما حل بطائفته اليهودية من قتل
واغتصاب وسرقة من قبل مجموعة كبيرة من الشعب العراقي ، وحتى من جيرانهم ومن من يشتغل لديهم ، وما فعلته الحكومة الملكية ، والحكومات المتعاقبة بهذه الطائفة المسالمة .
هذا الطود العظيم والقامة الأدبية السامقة الذي ذاق ذل الغبن والجحود وعانا وثابر وهو فتىً
في بداية حياته ، انتقل من العز والدلال في بيت ارستقراطي ، انتزع من دلال احضان والديه ليرى نفسه وحيدا مهملا جائعا في دنيا قاسية لا تعرف الرحمة ولا الشفقة
حيث بدأ يعمل بيديه الناعمتين وظهره الذي اعتاد الحرير والديباج....
كم بكيتك اليها الأنسان المسامح وانا اقرأ ما خط قلمك وانت تتغزل بالعراق الذي عمل ماعمل بكم .. كم انت رائع وعظيم ، كم انت كبيرايها الإنسان المسالم الوفي المرهف ..
انقل مقطع مما كتبه البروفسور الدكتور سامي موريه الخالد في قلب كل من عرفه وحتى عن بعد ....
("وضرب القدر ضربته ورحلنا ، وانهمكنا في الدراسة والعمل لنداوي بها جراحات الماضي وأهوال الحاضر بانتقالنا من عزّ العراق، مهما كان ثمنه، إلى ذلّ الحاضر، في خيام معسكرات اللاجئين الجدد، من جميع أرجاء العالم، والوقوف في طوابير الماء وبيت الخلاء والخبز وشراء اللحم والبيض والزبد بالكابونات والعمل كعمال بسطاء، رغم ثقافتنا، في البناء لنقل أكياس الإسمنت والحصى والرمل على ظهورنا كما كان يفعل "العمّالة" الذين كانوا يعملون عند والدي في البيوت التي كان يبنيها! بكيْتُ عندما جاء أخي ريمون يبشرني: "والله عندك حظ ! أول يوم وشِفتْ (وعثرت على) شِغِل بالعمالة (البناء)!" قلت له: "ما هذا الفرح بعمل حقير حصلت عليه بعد عزّ العراق!"، و"ما تعرف خيري لما تجرب غيري"، صرنا نشتغل بالبناء مثل الفقراء؟ ويل العراق، ماذا فعل بأبنائه المخلصين)-
سامي موريه الباحث العلمي المتميزالمحب للأدب العربي المتميز فيه ، الشاعرالرقيق ، لم يتجرد من انتمائه للعراق وعشقه الى بغداد التي بقيت روحه ترنو الى لقائها طوال السنين والذي يحزنني ويبكيني ومنذ سماع هذا الخبر الجلل انه (بقي يحن ويون) على بغداد التى يعشقها الى اخر يوم في حياته. مات .. ولم يزورها ، فرافقته الحسرة الى العالم الآخر.
امتازت كتاباته بالقوة والسلاسة التي تشد القارئ ، وبعذوبة السرد ، والحب والتسامح ، والروح الشبابية المرهفة
العلامة سامي موريه :- سوف تبقى خالدنا في سماء العلم والأدب وفي وجدان كل من عرفك او قرأ لك ايها النخلة العراقية الشامخة ، رمز الإيثار والحب والتسامح والوفاء
وسوف ترفرف روحك الطاهرة على مسقط رأسك منطقة (البتاويين) وعلى مرتع الطفولة والصبا التي حرمك من زيارتها القوم الظالمين ، ايها الملاك ، ايها الانسان الطاهر الشريف المبدئي الملتزم..
اسرعت الرحيل ولازال عندك الكثير لتقدمه لنا .. محبيك وقرائك ومعارفك ، اسرعت الرحيل ولازال عندك الكثير الكثير..
ستسيل دمعة تكوي خدي وكما اليوم ، عند طباعة اول ديوان لي للشعر الشعبي وبتشجيعك ، والذي خطت يدك الكريمة مقدمته التي تنطق بحب العراق وتدعو للسلام والتسامح والأخاء ، والذي للأسف لم يمهلك الموت والقدر القاسي ان تقرأه واسمك الكريم يتصدره
الأخ الكبير سامي موريه نم قريرالعين في عالم النور الذي لا يميز بين الأديان والطوائف ايها الملاك الطاهر
سلام لك وسلام عليك استاذنا العزيز العلامة الخالد سامي موريه.
انقل لكم آخر ما خطته أنامله عن بغداد وقبل رحيله بحوالي شهرين.....
بغداد!
سامي موريه
ايّ رَنِينٍ ساحِرٍ فِي حُرُوفِ آسْمِكِ، بغدادُ!
وَتَهْويمَةٍ صُوفيةٍ تَـترَدّدُ فِي خَلَدِي وَتُعادُ!
وَقَدِيمّا عَـلَى ضِفَافِكِ
رأيتُ اللهَ يَسْقِي باسِقاتِ النّخِيل
تَمِيسُ كالْغِيدِ مَعَ مَرّ النّسِيمِ الْعَليلِ
وَبَدْرُكَ المُنيرُ يرْعَى عُشّاقَكِ
فِي زَوْرَقِ الهَوَى يَتَهادَى
عَلَى وَقْعِ الدّرَابِكِ والغِنَاء.
بَغدادُ! أيْنَ النُواسِيّ وارْبَابُ الفَنّ والطَرَبْ!
"وَحَقّكِ أنْتِ المُنَى والطَلَبْ."
أمَضَتْ أيّامُ الهَنَاء والأرَبْ ؟
آهِ لَوْ عَادَ الشّبابُ وَصَفْوُ الحَياةْ!
حِينَ يُنِيرُ بَدْرُ العِراقِ
وَيُضِيءُ الضّفَافَ والسّوادْ
واليومَ اسْمَعُ نشيجَكِ يَا بغدادُ
مَعَ خَرِيرِ مِياهِكِ الخالِداتْ:
"أفي كل قرن يقوم طاغية اثيم؟
يَجْعَلُ خِصْبَكِ يَبابًا ومَغانِيكِ خَرَابْ!
وَدُموعُ الرّافِدَيْنِ تَجْرِي
نَائِحَةً تُوَشْوِشُ خَوْفَ الطُغاةْ:
"أيْنَ تَشَرَّدَ أبْنائِي يَا عِراقْ؟"
بَغْدادُ، يَا حَنِينًا مُرّاً، تُناجِيكِ رُوحِي
"بَغْدادُ فِداكِ حَبيبتِي، كَيْفَ اللّقَاءْ؟
------------------------
23/ سبتمبر / 2017
ســـــتوكهولم
4883 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع