صورة من الأرشيف
بائعة هوى:الدعارة بالنسبة لها مهنة تعيش منا ونعيش منها, والأخلاق لا تؤكلنا خبزاً!
نرجس/بغداد/ غفران حداد(البتاويين): تنويعٌ من المحلات الصغيرة المكتظة، والعمارات الهرمة، واختلاط الوجوه وفسيفساء الملامح والهويات، ومع أنها تقع في “الباب الشرقي”، قلب بغداد النابض، إلا أنها، ما زالت تسمى “منطقة خارجة عن القانون”، ليس لكونها تعج بالعصابات المروجة للمخدرات أو البغايا فحسب، بل لأنها مرتع خصبٌ، لكل جديد في عالم الإجرام.
هناك، في أزقة المحلات القديمة، وخلف ابواب الشقق السكنية الغارقة في الفوضى، وحتى على الأرصفة، تجدهن يجلسن أو يقفن، في اوضاع مثيرة للحياء، وهن يعرضن بضاعتهن “القديمة- الجديدة”، لا يتعبن انفسهن في اختيار الألفاظ او العبارات والكلمات المنمقة، بل يعرضن أنفسهن ببساطة من دون خجل او تكلف. مكياجهن يشي بطابعه الغجري، وطراز ملابسهن الفاضح يدلل على ما يعرضن من بضاعة، “الجنس” على الرجال، والسحاق على الفتيات!.
ليالٍ حمراء!
وفي محل للأدوات الاحتياطية هناك، يقول أحمد علي لـ”نرجس” انه يواجه عند عودته إلى البيت كل يوم، عروضهن لقضاء ليلة حمراء بثمن زهيد، ويضيف “لم أتوقع يوما أن أتعرض لمضايقات بائعات الهوى في الشارع العام وأمام أنظار المارة”.
لكن سليمان جاسم، العامل في إحدى مكتبات منطقة السعدون، ظن في بادئ الأمر، كما قال، إنهن متسولات, “لكنني اكتشفتهن من عروضهن للرذيلة أمام الجميع، عروض أصبحت لا تُخفى على احد. بسبب الأسلوب الفج الذي يقدمن أنفسهن فيه”، وأبدى أسفه عندما أضاف إن “المستطرق الذي يمر من هنا، او افتراض زيارة غريب قادمٍ من خارج البلاد، سينتهي إلى استنتاج مخجل لأوضاعنا الاجتماعية، بما هو عليه من تهتك”.
ولا غرابة في استنتاجه وهو يواجه هذه المظاهر المستفزة! بينما لم تثر هذه الظاهرة أي استغراب لمصطفى كامل من منطقة البتاويين الأولى الذي قال لـ”نرجس” إن “هذه الظاهرة ليست بجديدة على منطقة باب الشرقي وشارع السعدون الذي يحوي أكبر عدد من محال المشروبات الكحولية، ومناطق البتاويين الأولى والثانية معروفتان بوجود بيوت وشقق للدعارة منذ زمن بعيد، بل وعصابات متخصصة في هذا الموضوع من الرجال والنساء وفي وضح النهار”.
ويضيف “حتى أن أي امرأة تدخل منطقة البتاويين لتتسوق مثلاً، تُواجَه بعين الريبة والشك. حتى وان كانت محترمة، بسبب السمعة التي اصطبغت بها هذه المنطقة. ومن الطبيعي ملاحظة الكثيرات ممن يمارسن الدعارة وممن مارسنها منذ الصغر واعتدن عليها، هن ممن يعشن على أجسادهن كمصدرٍ لقوت يومهن وعوائلهن المعدمة”.
والمثليات أيضاً..!
وأوضحت فتيات تحدثن لـ(نرجس) إنهن يعانين كلما خرجن الى أماكن أعمالهن، لتجنب تحرش الشباب بهن، لتواجه الواحدة منهن بتحرش النساء، وعروض ممارسة السحاق من المثليات، المصابات بالشذوذ الجنسي.
تقول سما أحمد، وهي موظفة في إحدى شركات الطيران في شارع السعدون لـ”نرجس”: “قبل أيام قليلة وبعد خروجي من الشركة ظهرا فوجئت بإيقافي من قبل امرأة طويلة القامة, قبيحة المنظر, ترتدي عباءة بغدادية, دعتني إلى ممارسة الجنس معها بالمبلغ الذي أريد، لكن قبل أن تكمل كلامها, صرختُ مستنجدة بأحد المارة، مما اجبرها على التواري من المكان بسرعة”.
وتضيف “ذهبت بعدها إلى دورية شرطة واقفة في شارع السعدون وأخبرت الشرطة بما تعرضت له, لكنني فوجئت برد أحد هم وهو يقول: لم نحصل على أوامر من قيادتنا بمداهمة أوكار بيوت الدعارة إلا في حالة شكوى الأهالي القريبة منهم”. وطالبتهم بإيعاز الحكومة بـ”أن تلاحق هذا السرطان المستشري في شوارعها”، بحسب قولها.
وليست “سما” هي الوحيدة التي واجهت مثل هذا العرض المتهتك، فالإعلامية داليا الشويلي روت لـ”نرجس” الحادث نفسه.
داليا قالت “بعد خروجي من مقر عملي ظهرا فوجئت بإيقافي من قبل امرأة متوسطة العمر تضع ماكياج بطريقة الغجر، ظننتها متسولة تطلب المال، لكنها عرضت عليّ السحاق في شقتها الواقعة في أحد شوارع منطقة البتاويين وبأي مبلغ كان”.
وتضيف “لقد صعقت مما تقول، فوجئت بهذا العرض وهذه الجرأة لكنني تماسكت قليلاً، وسألتها كم تدفعين مقابل ذلك فردت كما تشائين؟، وسألتها: هل شقتكِ ملكٌ لكِ؟ قالت لا وإنما لصديقي المسؤول عنا وهو ليس موجودا الآن بل يأتي ليلاً . وقد طلبت منها رقم جوالها لكي أتصل بها وقت أشاء لكنها أكدت بأنها لا تملك اي هاتف خلوي، وتبين لي أنها أمية في كل شيء”.
الفقر والتفكك الأسري
التفكك الأسري وبرودة الاواصر الاجتماعية حين تجتمع مع الفقر في ظل ظروفٍ ملائمة، لا شك أنها تؤدي إلى نوع من التحلل الأخلاقي، وهي أسباب تقف وراء شيوع هذه الظاهرة المخلة، كما تؤكدها الباحثة النفسانية “ليلى أحمد”، غير أنها ترى أن معالجتها هينة و”ليست بمستوى الاستعصاء”.
وتقدم أحمد، كمقترح لمعالجة هذه الظاهرة “أولا يجب أن تأخذ منظمات المجتمع المدني وحقوق المرأة على عاتقها متابعة مصائر هؤلاء النسوة بمساندة الحكومة ووزارة الداخلية”، فأن من يمارسن هذه المهنة يجب “أن يتلقين محاضرات في الفقه الإسلامي ومحاضرات في تنمية السلوك الاجتماعي الصحيح, وأن يحظين بالرعاية النفسية وتوفير المهنة الشريفة لهنّ”. وتؤكد أن “تخليص المجتمع من هذه الظاهرة واجبٌ وطني وأخلاقي”.
وفي ساحة النصر وسط العاصمة التي يشمخ بها تمثال عبد المحسن السعدون الرئيس العراقي الذي ولد في البصرة وانتحر ببغداد وسمي الشارع باسمه، وقفت امرأة ثلاثينية تحدق في الفراغ، بدا للوهلة الأولى إنها متسولة لكن (نرجس) علمت من أصحاب المحال هناك أنها من بائعات الهوى.
ترهيب!
بعد حوار مقتضب وافقت “منال” أن تتحدث لنا -ولم يتسنَ لنا معرفة إن كان هذا هو اسمها الحقيقي- أن تتحدث إلينا، مقابل مبلغ من المال، قالت فور تسلمه “وضعي المادي صعبٌ للغاية وهو سبب سلوكي هذا الطريق، قبل 15 سنة، أي منذ مرحلة المراهقة”.
وتضيف “أنا أتعرض مع باقي النساء اللواتي يعملن معي إلى التهديد والترهيب من قبل رجل مسؤول عنا، يهددنا بأدواته الجارحة، إذ يحمل حرابا وسكاكين حادة إن لم نجلب له المال كل مساء”.
الكثير ممن التقتهم (نرجس) هناك، أكدوا أن تجارة الجنس تلقى رواجا وازدهارا هذه الأيام، غير أن اللافت أنهم أرجعوا ذلك إلى “أسباب سياسية” تتعلق بالوضع السوري وأحداث العنف الدائرة هناك، حيث اضطرت الكثيرات ممن كن يمارسن البغاء العودة الى البلاد، دون عمل او مصدر رزقٍ.
أسباب سياسية!
السيد علي أبو أحمد صاحب محل للعقار في منطقة البتاويين يقول “تجارة الجنس مزدهرة جداً هنا وتوجد عصابات متخصصة للاتجار بالنساء فضلاً عن البيع بشكل مباح للأدوية المنشطة للجنس وللأقراص الإباحية... إنها منطقة خارجة عن القانون وبشهادة الجميع”.
فيما قال صاحب محل للخمر وهو نصير أبو شمس “ليس من السهل أبدا السيطرة على تجوال بائعات الهوى في شوارع بغداد وتحديداً في شارع السعدون وحول ساحة النصر ومنطقتي البتاويين، الأولى والثانية... لقد عادت الكثير من بائعات الهوى العراقيات من سوريا ممن كنّ ضحية الحروب والفقر، ويعملن اليوم راقصات في الملاهي وفي النوادي الليلة”، وأضاف “الجميلات والصغيرات وضعهنّ جيد، لكن ما ألاحظه هنا، وضع بائعات الهوى ممن لا يتمتعن بجمال الجسد والوجه، وهن بلا زبائن وهو ما يدفعهن لذلك للتنقل، بحثا عن زبون، وتأتي إلى محلي أكثر من واحدة تعرض نفسها وتطلب الطعام والنقود مقابل ذلك”.
بائعة هوى: الأخلاق لا تطعمنا خبزاً..!
تقول بائعة هوى ادعت أن اسمها “ميسون” ممتعضة “إن الدعارة بالنسبة لنا مهنة نعيش منها, والأخلاق لا تطعمنا الخبز”، وتضيف في حديث لـ(نرجس) “أعطوني مهنة أعيش منها وسأترك مهنة الدعارة وسأتوب إلى الله”، لكنها تردف ضاحكةً “إن الخريجين لا يجدون عملا فكيف ستمنحوني إياه”، ثم تذمرت بسرعة وقالت “كفى تحقيقاً، أتركوني وشأني، فالشرطة لم تلاحقني يوما ولم تحقق معي، وها أنتم تفعلونه معي”.
وقالت أخرى ادعت أن اسمها منى “ 22 “سنة متسائلة كمن يفضفض عن ثقل كبير “لماذا الناس سريعو الحكم علينا ولماذا ينظرون إلينا نظرة دونية، نحن بشر مثلكم ونحن ضعيفات جدا، بالنسبة لي أنا لا أملك شيئا لأعيش منه، سوى بيع جسدي وتغطية تكاليف حياتي من مأكل ومشرب وملابس وسكائر، ولا يهمني إن كان ما افعله حراما، وهل الموت جوعا حلال”؟!
مطاعم.. وملاهٍ..!
وعلمت (نرجس) أن بعض مطاعم شارع السعدون والمنطقة المجاورة للمسرح الوطني والأزقة المحاذية لها، تحمل يافطات على أنها مطاعم، لكنها في الواقع ليست سوى ملاه ليلية تضم فتيات صغيرات يرقصن وسط طاولات الميسورين ورجال الأعمال قبل أن تتم صفقات اصطحابهن، إلى الشقق القريبة من المكان لقاء، مئة دولار يخصم المطعم منه عمولته، بحسب ما أكد أحد مرتادي هذه المطاعم “النوادي” رافضاً الكشف عن اسمه.
مشيرا إلى أن هذه المطاعم “الملاهي” تفتح أبوابها طوال الليل ولا يغادر زبائنها الا مع الخيوط الأولى للفجر بعد انتهاء ساعات منع التجوال بعد الرابعة صباحا، واغلبهم من ضباط ومراتب عسكرية وحتى من أفراد دوريات الشرطة الذين يدخلون دون المرور بفقرة دفع رسم الدخول الذي يتراوح سعره بين50 إلى 60 ألف دينار، إذ يتم إعفاؤهم من هذا الرسم بحجة مراقبة ما يجري داخل “المطعم” أو السكوت عن الواقع الغريب فيه وغالبا ما يغادرون وهم يصطحبون قناني الجعة او غيرها كعمولة على تثبيت حسن سلوك المطعم.
ويكشف أن هناك امرأة تتجاوز الخمسين من العمر تجلس غالبا في مدخل هذه الأمكنة وهي من يتولى عملية إتمام الصفقات التي تجري ما بين الزبائن والراقصات، وتأخذ عمولتها فيما لو ساهمت بإغراء الزبون باختيار فتاة دون غيرها، وعن أصول ممن يعملن هناك يقول “إن قصصهن وأصولهن مختلفة، واغلبهن يكن إما هاربات من أسرهن من محافظات البلاد او ممن وجدن انفسهن وحيدات دون معيل او عائلة تسأل عنها وتخشى منها”، لكن روى ان هناك بعض الحوادث التي تحصل في تلك الأمكنة حين يتعرف بعض من مرتادي تلك المطاعم على فتيات من أقاربهم، وهنا يدخل الجو في ازمة، اذ يبدأ الضرب والتهديد وسحب الفتاة التي تصرخ طالبة النجدة ممن حولها، لكن في مثل هذه الحالات لا يتدخل “ حمايات “ المكان إذا ما ثبت لديهم ان الشخص هو فعلا من أقاربها، مشيرا الى ان اغلب هذه الأمكنة تستعين برجال يحمون المكان من المشاحنات والتجاوزات ويكونون “شقاوات” المكان!
نادلات.. أم بغايا !
ومن الظواهر التي شاعت مؤخراً في بعض المقاهي والمطاعم، لا سيما بعد ان تعرضت بعض ملاهي شارع أبو نؤاس للغلق بحجة عملها من دون ترخيص، أن استحدثت فتياتها فكرة جديدة للعمل وهي أن يقضين أيامهن في العمل في هذه الأماكن كنادلات يقدمن الخدمة للزبائن، لكن يبدو أن العمل نادلة بقي بالنسبة للبعض منهن، غطاء للعمل كباغية..!
مجموعة من الشباب رووا لـ(نرجس) أنهم لم يكونوا يعلمون أن المقهى الذي ذهبوا اليه في منطقة العرصات هو احد هذه المقاهي، ففوجئوا حين دخولهم، بفتيات صغيرات بملابس مثيرة وصدور مكشوفة يقمن بخدمتهم، يقول أحدهم “اضطرب الشباب وهم يطلبون اركيلة من صاحبة المرفق التي لمحت لهم ان كل ما يطلبونه ستتم تلبيته على أفضل وجه، لم ينتبه الشباب الى ان سعر الأركيلة التي طلبوها كانت 25 ألف دينار إذ ان أكثر ما شغلهم هو انحناء الفتيات أمامهم وهن يطبعن قبلة على المناديل الورقية ويضعنها في جيوبهم، قبل ان يقدمن الأركيلة ومعها لقطات مكشوفة لصدورهن بطريقة موحية. خرج الشباب من المقهى ودفعوا فاتورة زادت عن 150 ألفاً دون ان يتأسفوا على المبلغ بل انشغلوا طوال الوقت بالفتيات اللواتي زودنهم بأرقام هواتفهن وهن يعرضن خدمات أخرى”!
تجارة ...
الباحثة الاجتماعية ابتسام إبراهيم قالت في حديثها لـ”نرجس”: قرأت تقرير للمنظمة الدولية للهجرة يفيد بأن تقديرات الاتجار بالبشر تبلغ نحو 800 ألف شخص عبر الحدود سنويا. لكن الإحصاءات داخل العراق من الصعب جدا معرفتها باستمرار ومادامت هنالك تقارير تؤكد الاتجار بالبشر داخل وخارج العراق وبوجود صفقات مشبوهة بتحويل الفتيات إلى سوريا والإمارات ومنهن من يتم تحويلهن إلى أوروبا، فلماذا نستغرب تنقل بائعات الهوى في الشوارع والمحلات وعرض أنفسهن على المارة؟”
وتضيف “على الرغم من أن الدستور يحظر الاتجار غير المشروع، فان العراق يفتقد الى قوانين جنائية على نحو فعال”، مؤكدة ان “المرأة العراقية أصبحت ذات سمعة مشبوهة، بسبب إفرازات الحروب وما خلفتها من فقر وعوز وغياب للمعيل، من أب اوأخ اوزوج . ولو قامت الحكومة العراقية بواجبها في معالجة البطالة و الفقر واحتضان النساء المعنفات والمحرومات من اسباب الروق والرعاية العائلية، لما بلغ الانحلال هذا المستوى المزري وهو ُيرى على المكشوف في شوارع بغداد”. مسترسلة إلى أنه “على الرغم من أن الدعارة موجودة على مر السنين إلا أن المجتمع العراقي ، مجتمع محافظ، يصعب معه الاعتراف بوجود الدعارة وبتنقل النسوة البغايا في الشوارع”.
وتجد تقارير صحفية أن غياب منظمات المجتمع المدني،عن متابعة هذه الظاهرة، وانشغال السلطة بالقيم الدينية والعشائرية التي تتعامل مع ظاهرة الاتجار بالنساء والدعارة كمحرَّم (تابو) لا يجوز الاقتراب من أسواره، غيّبا الكثير من الحالات والتفاصيل،عنها، وجعل الحصول على الإحصائيات الدقيقة المتعلقة بأعداد النساء العراقيات اللواتي يمارسنه، أمراً أقرب للمستحيل. ولا يجوز عدم التنبه الى ما آل اليه الوضع بعد الاحتلال الاميركي والفوضى التي ضربت اطنابها في البلاد، حيث شكّل منطلقاً لنموّ الظاهرة، وأصبح العراق من أكثر بلدان العالم عرضةً لنشاط العصابات المنظِّمة لتجارة الرقيق الأبيض، في اطار الفساد المستشري في كل ميدان بدءاً من الفساد الاداري والمالي في الدولة .
دعارة في ظروف الهجرة القسرية ..
تناولت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الاتجار الجنسي بالنساء في تقريرها السنوي الخاص بالعراق في شباط 2011.، اذ تذكر “منذ الغزو عام 2003، أدى تدهور الوضع الأمني والنزوح والمصاعب المالية والتحلّل الاجتماعي وضعف سيادة القانون وسيادة الدولة إلى زيادة الاتجار بالنساء والدعارة القسرية “. ويضيف التقرير أنه “استناداً إلى سجل الهجرة القسرية بين عامي 2003 و2007، أصبحت نحو 3500 امرأة عراقية مفقودة، ويُرجح أن جزءاً من هذا العدد قد فُقِدَ في عمليات اتجار بالنساء لأغراض الدعارة”. لكن الفقرة الأخطر التي جاءت في التقرير ذاته، هي تلك التي تكشف عن “قيام الميليشيات والمتمردين وقوات الأمن العراقية والقوات متعددة الجنسيات والمتعاقدين الأمنيين الأجانب الخاصين، باغتصاب وقتل نساء بعد عام 2003”.
“ثمن” زهراء!
رسمت وكالة الأخبار العالمية “إكسبرس” صورة قاتمة لظاهرة تجارة الرقيق الأبيض في العراق من خلال تحقيق مصور نشرته الصحفية السويدية تيريز كريستيفوس التي دخلت “سوق النخاسة” متخفية: المرأة تباع بأبخس الأثمان. ويعرض التقرير حالة طفلة عراقية اسمها زهراء بيعت بمبلغ 500 دولار. ولم تنفِ الحكومة العراقية، في أكثر من مرّة، وجود هذه الظاهرة، لكنها تتعامل معها كمن يبحث عما إذا كان الجسد الغريق جافاً. فالناطق باسمها يضع البيوض الفاسدة جميعها في سلَّةِ النظام السابق، إذ يقول “إننا نعاني من هذه الظاهرة منذ فترة الحصار. إلا أن غياب المعلومات وقتها أعاق المنظمات عن رصدها، فلم تكن هناك حرية لهذه المنظمات أن تكتب ما يجري في العراق”. أما تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الذي أُرسلت نسخة منه إلى مكتب رئيس الوزراء العراقي دون أن تتلقى رداً، فيعتمد على تقريرٍ آخر صدر في آذار 2010 عن “منظمة حقوق المرأة” في العراق، يحتوي على وثائق سرّية تلقتها المنظمة من مصادر في صفوف الشرطة، مثل التحقيق في خلية إجرامية في ديالى مسؤولة عن الاتجار بـ128 امرأة تم نقلهن إلى السعودية عن طريق الموصل في 2007. وبحسب التقرير، فإنّ “المتاجرين بالنساء في ديالى ربحوا ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف دولار عن كل ضحيّة”.
2000 ضحيّة سنوياً
يؤكد تقرير منظمة العفو الدولية “أمنستي أنترناسيونال” أن انتشار الاتجار بالبشر يشمل 139 دولة بينها 17 دول عربية يقع العراق في مقدمتها. ويشير التقرير الى ان اكثر من ألفي فتاة عراقية يتعرضن سنوياً للخطف من أجل تحويلهن إلى سلع يتم بيعهن مقابل آلاف الدولارات، أو يُحتجزن ليُسخَّرن للعمل كالرقيق حتى يسددن ديوناً تسجَّل عليهن. والكثير منهن يتعرضن للعنف أو الاغتصاب. ووفق “هيومن رايتس ووتش”، يرى المتاجرون بالرقيق الأبيض أنه “كلما صغر سن الفتاة، كان الربح المتوقع منها أكبر”.
يشار الى ان مجلس النواب كان قد شرّع قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 والذي تضمن عقوبات للمدانين بتجارة البشر. وفي هذا الصدد تؤكد وزيرة الدولة لشؤون المرأة ابتهال الزيدي انه بمجرد تشريع القانون تم تشكيل لجنة في وزارة الداخلية واصبحت وزارة المرأة عضواً فيها لمتابعة هذه الظاهرة وحماية من تتم المتجارة بهم وخصوصا النساء والاطفال.
بينما يؤكد الدكتور هاشم حسن عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد، ان احد اسباب ازدهار ظاهرة الاتجار بالبشر هي انتشار بيوت الدعارة. وأوضح حسن ان ظاهرة البغاء موجودة في كل دول العالم لكن يجري تنظيمها ومتابعتها من الناحية الصحية وعدم انجراف المجتمع بسببها، أما في العراق فان بيوت الدعارة تعمل بشكل عشوائي وبدون أي رقيب وبتواطؤ بعض الأشخاص في الأجهزة الأمنية، لافتاً إلى أن هذه الدور تنعش تجارة النساء والأطفال.
الداخلية تنفي
غير أن الناطق باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن ينفي ما قاله الدكتور هاشم حسن حول انتشار بيوت الدعارة وتسببها برواج تجارة النساء، مؤكداً أن هناك مصدات اجتماعية تمنع تفشي ظاهرة بيوت الدعارة، منها الاعراف الاجتماعية والتقاليد، فضلا عن مجسات وزارة الداخلية بأجهزتها الاستخباراتية التي تراقب هذه الظاهرة والتي قال إن انتشارها قلَّ عن السابق الى حدٍّ كبير.
ويرفض العميد معن ان يصنف الاتجار بالبشر بكونه ظاهرة، ويعتبر ذلك أمراً مبالغاً فيه، في ظل المتابعة الدقيقة لوزارة الداخلية ونشاط الشرطة المجتمعية في هذا الجانب، فضلاً عن تشريع قانون مكافحة الاتجار بالبشر الذي ساند عمل الداخلية.
ويبين الناطق باسم وزارة الداخلية ان هناك إشكالاً في الفهم القانوني لضحية الاتجار بالبشر، ويجب التمييز بين الضحية التي تختطف وتجبر على العمل في بيوت الدعارة، وبين من تعمل بإرادتها.
وتضمن قانون الاتجار بالبشر عقوبات عديدة بحق المدانين بشكل مباشر او الذين يثبت تقديمهم مساعدات للمجرمين. وتراوحت العقوبات بين السجن (3-15) سنة، مع غرامات مالية، وتصل العقوبة الى الإعدام إذا تسبب بموت الضحية. وأكد القانون أن موافقة المجنى عليه لا تكون مبرراً لتبرئة المجرم، كما ألزم معالجة الضحايا عن الأضرار النفسية وإعادة دمجهم في المجتمع عبر مراكز اجتماعية وإيوائية والحفاظ على سرية المعلومات وإعادة تأهيلهم، وألزم القانون أيضاً رعاية غير العراقيين الذين يتعرضون للاتجار ومساعدتهم في الرجوع إلى بلدانهم بعد تأهيلهم نفسياً.
ويعول العديد من المهتمين على وسائل الإعلام في محاربة الظواهر السلبية في المجتمع العراقي وتسليط الضوء عليها ومنه الاتجار بالبشر. إلا ان عميد كلية الاعلام الدكتور هاشم حسن يرى ان الصحافة العراقية لم ترتق بعد الى مستوى يمكن من خلاله الكشف عن مثل هذه الظواهر عبر صحافة استقصائية جادة، مؤكداً ان اغلب وسائل الإعلام تعتمد على التصريحات والأخبار الجاهزة، مادةً لمضمونها الإعلامي.
الطب يحذر
الدكتور أنيس جويدة اختصاص نسائية وحمل وتوليد أكد في حديثه لـ”نرجس” أن بائعات الهوى ينقلن أمراضا عدة في مقدمتها “السيدا” بحكم العلاقات الجنسية غير المشروعة”، مطالبا نشطاء المجتمع المدني بالالتفات إلى هذه الظاهرة والعمل على التثقيف للحد منها أو العمل على الحد من اتساعها.
ويضيف ان “بائعات الهوى شريحة مهددة بحاجة إلى التوعية لتفادي الأسوأ لكن المشكلة في “ حياء “ إعلامنا، و” حياء “ مجتمعنا، من تناول ظاهرة الدعارة المنتشرة اليوم بنسب مخيفة والكثير من مرضاي الذين يزورون عيادتي يعانون من أمراض جنسية خطيرة وأكتشف أنهم من ممارسي العلاقات الجنسية غير المشروعة، الوضع خطير ومرض الإيدز أول الأمراض الذي سيواجههم ويواجه الأسرة العراقية”.
ولم يتسن لـ(نرجس) الحديث مع اي نائب بسبب رفضهم الخوض في مثل هذه الظواهر، إلا نائب واحد وافق بعد انتظار لم يكن قصيراً !، لكنه سرعان ما أغلق هاتفه دون سبب، ودون أي تعليق ..!
1008 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع