الشرق الأوسط/مكة المكرمة: طارق الثقفي:كسوة الكعبة صناعة ذات تقاليد عريقة في السعودية، بما في ذلك اختيار نوع الخيوط والقماش والأيدي العاملة المتخصصة في التقطيب والتطريز، حيث أصبحت كسوة الكعبة المشرفة تصنع بإشراف حكومي سعودي، وبأيد وطنية محضة، بعد أن كانت تهدى لقرون طويلة من مصر واليمن.
ولم تكن كسوة الكعبة بهذا الهندام والاهتمام إلا حينما أصبحت في كنف العهد السعودي، حيث رصعت بالذهب والفضة، وجلبت لها خيوط الحياكة من سويسرا، حتى أضحت أغلى ثوب في العالم بتكلفة تتعدى 20 مليون ريال (5.3 مليون دولار)، لتعطي وهجا استثنائيا بأنها على قصر محدودية ارتدائها الزمني، إلا أنها تعني الكثير لجميع دول العالم الإسلامي.
كسوة الكعبة مصنوعة من أجود أنواع الحرير الخالص المستورد، وهي مطرزة بخيوط ذهبية وفضية، يتم تغيير القماش مرة واحدة في العام في احتفال خاص، ويتم إزاء ذلك تغيير الثوب بعينه، باستخدام أجود أنواع الخيوط من الحرير، التي تجلب من سويسرا وإيطاليا، فضلا عن مواضع الذهب والفضة التي يتم استخدامها للتطريز، حيث تصل حزم الحرير الخام إلى مصنع الكسوة، ويتم غسلها ثلاث مرات لإزالة طبقة الشمع عنها.
وقال الدكتور محمد باجودة، مدير مصنع كسوة الكعبة المشرفة التابع للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام: «إن ثوب الكعبة يتكون من 47 طاقة قماش طول الواحدة 14 مترا، وبعرض 95 سنتيمترا، وتبلغ تكاليف الثوب الواحد نحو 20 مليون ريال سعودي».
وأفاد باجودة بأن هذا المبلغ يشمل تكلفة الخامات وأجور العاملين والإداريين وكل ما يلزم الثوب، ويبلغ ارتفاع الثوب 14 مترا، ويوجد في الثلث الأعلى من هذا الارتفاع حزام الكسوة بعرض 95 سنتيمترا، وهو مكتوب عليه بعض الآيات القرآنية ومحاط بإطارين من الزخارف الإسلامية ومطرز بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب، ويبلغ طول الحزام 47 مترا ويتكون من 16 قطعة.
وأفاد باجودة بأن الكسوة تشتمل على ستارة باب الكعبة المصنوعة من الحرير الطبيعي الخالص، ويبلغ ارتفاعها سبعة أمتار ونصف المتر، وبعرض أربعة أمتار، مكتوب عليها آيات قرآنية وزخارف إسلامية، ومطرزة تطريزا بارزا مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب، وتبطن الكسوة بقماش خام، وتوجد ست قطع آيات تحت الحزام، وقطعة الإهداء، و11 قنديلا موضوعة بين أضلاع الكعبة، ويبلغ طول ستارة باب الكعبة 7.5 متر، بعرض أربعة أمتار مشغولة بالآيات القرآنية من السلك الذهبي والفضة.
وقال الجودي، أستاذ التاريخ الإسلامي الحديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن تاريخ الكسوة مر بتعرجات تاريخية عدة، كان أهم تلك التعرجات إذا صح التعبير، في عهد الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، الذي كان يناصبه فيه المشركون العداء، لدرجة أنهم لم يسمحوا للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، بإكساء الكعبة المشرفة قبل الفتح، حتى فتحت مكة، فأبقى حينها الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، على كسوة الكعبة».
وأفاد أستاذ التاريخ الإسلامي بأن تلك الكسوة ظلت على حالها فترة من الزمن، حتى أرادت امرأة تبخير تلك الكسوة فاحترقت، فسارع صلوات الله وسلامه عليه بكسوتها بالثياب اليمانية، ثم كساها الخلفاء الراشدون من بعده، أبو بكر وعمر بالقباطي، وعثمان بن عفان بالقباطي والبرود اليمانية.
وأشار الباحث التاريخي إلى أن كسوة الكعبة استمرت بعد ذلك حتى العصر الأموي الذي كانت فيه ميزانية الكسوة تدفع من وزارة المالية، أو ما كان يعرف ببيت مال المسلمين، واعتاد بنو أمية على سن كسوتها مرتين في العام، بتاريخين منفصلين، أولاهما في العاشر من محرم، والثانية في آخر يوم من أيام شهر رمضان المبارك وقبيل موسم عيد الفطر.
وأشار الجودي إلى أن كسوة الكعبة استمرت على هذا النسق حتى عصر العباسيين الذين واصلوا مسيرة كسوتها برداءين في كل عام، حتى عهد الخليفة العباسي المأمون، فقد كسيت الكعبة ثلاث مرات في السنة؛ الأولى بالديباج الأحمر وتكساها يوم التروية، والثانية بالقباطي وتكساها غرة رجب، والثالثة بالديباج الأبيض وتكساها في السابع والعشرين من رمضان، وبدأت تكسى الكعبة بالديباج الأسود منذ كساها الناصر لدين الله أبو العباس أحمد الخليفة العباسي، واستمرت على لونها هذا إلى يومنا.
وأبان الجودي أنه بعد حقبة الأمويين والعباسيين أصبح أمر كسوة الكعبة يتنافس عليه اليمنيون والمصريون، حتى تفردت مصر بكسوتها، فقد كانت الكسوة تأتي من مصر من مال الوقف الذي وقفه الملك الناصر ابن قلاوون على الكسوة منذ سنة (750هـ)، ثم صارت بعد ذلك ترسل من قبل الحكومة المصرية لسنين طويلة.
وقال الجودي إن الملك عبد العزيز أصدر في عام 1927م أمرا ملكيا بتشييد مصنع أم القرى لصناعة الكسوة الشريفة، وكان أول مدير للمصنع الشيخ عبد الرحمن مظهر حسين مظهر الأنصاري، وهو الذي قام باقتراح إنشاء المصنع في مكة المكرمة، وفي عام 1977م أنشأت السعودية مصنعا جديدا لكسوة الكعبة في أم الجود، ما زال مستمرا إلى الآن في تصنيع الكسوة.
941 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع