مطالبات بإقالة فؤاد حسين إثر تعليق للسفيرة الأميركية على منصة إكس.
الحكومة العراقية التي تدافع عن شرعية بقاء القوات الأميركية في العراق ليست سوى حكومة الإطار التنسيقي الذي تنتمي إليه الأحزاب والميليشيات التي تسوّق لموقف من تلك القوات مناقض تماما لموقف الحكومة، ولهذا السبب تحاول أن تجعل من وزير الخارجية كبش فداء.
العرب/بغداد - تحاول أحزاب وفصائل شيعية عراقية مسلحة تحميل وزارة الخارجية مسؤولية موقف حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الرافض لاستهداف الميليشيات للقوات الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية والمدافع عن بقاء تلك القوات على أساس أنها غير قتالية وموجودة في البلاد بموجب اتفاقية مع الحكومة الأميركية.
ودشنّت وسائل إعلام تابعة لميليشيات الحشد الشعبي حملة ضدّ فؤاد حسين وزير الخارجية الكردي المقرّب من الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أسرة بارزاني، تتهمه فيها بالضعف والتراخي في الدفاع عن سيادة العراق، وتطالب السوداني بإقالته.
وتحاول القوى التي تقف وراء الحملة تفادي الإحراج الذي يسببه لها موقف الحكومة التي قامت تلك القوى نفسها بتشكيلها من خلال الإطار التنسيقي الذي يجمع أبرز الأحزاب والفصائل الشيعية العراقية.
كما تحاول الالتفاف على التناقض الحادّ الذي وجدت نفسها إزاءه باعتبارها داعمة، من جهة، للحكومة التي تشارك فيها بعدد من الوزراء وكبار المسؤولين، وساعية لضمان استمراريتها، ومساندة، من جهة مقابلة، لاستهداف القوات الأميركية التي تدافع الحكومة ذاتها عن بقائها في البلاد.
وتقوم الحملة على تحويل الموقف الحكومي من بقاء القوات الأميركية إلى موقف شخصي لفؤاد حسين، رغم ما يحمله ذلك من قفز على مواقف صريحة ومعلنة من قبل رئيس الوزراء بوجوب الالتزام بالاتفاقية التي تؤطّر وجود القوات الأميركية على الأراضي العراقية.
وما يؤجج الحملة على وزير الخارجية أنّها تلائم رغبة بعض قادة أحزاب السلطة في العراق في انتزاع وزارة الخارجية من يد المكوّن الكردي في إطار صراع شرس على مناصب الوزارة، وخصوصا مناصب السفراء وأعضاء البعثات الخارجية.
وانطلقت سهام النقد لفؤاد حسين من تعليق لسفيرة الولايات المتّحدة في العراق نشرته على منصة إكس وقالت فيه إنّ استهداف قوات بلادها لموقع تابع للميليشيات في العراق جاء دفاعا عن النفس، وأرفقه ببيان القيادة المركزية الأميركية بشأن قيام الجيش الأميركي بقتل خمسة مسلحين بالقرب من مدينة كركوك.
وجاء في البيان أن “القوات المخصصة لقوة المهام المشتركة، عملية العزم الصلب، اشتبكت مع خمسة مسلحين كانوا يستعدون لإطلاق طائرة دون طيار هجومية في اتجاه واحد”.
وأوضح أن “القوات ردت دفاعا عن النفس باستخدام نظام جوي أميركي مسلح دون طيار ممّا أسفر عن مقتل جميع المسلحين الخمسة وتدمير الطائرة دون طيار”.
ونشر أحد المواقع العراقية المحسوبة على ميليشيات الحشد الشعبي تقريرا اتّهم فيه وزارة الخارجية بالضعف والتخاذل إزاء “الخروقات الأميركية للسيادة العراقية”. واستند في ذلك إلى رأي المحلل السياسي قاسم التميمي الذي قال إن “السياسة الخارجية العراقية ضعيفة جدا، حيث أن وزارة الخارجية لم تكن في المستوى المطلوب للرد على ما تقوم به الولايات المتّحدة من جرائم وانتهاكات داخل العراق”.
واتّهم المحلّل الوزير فؤاد حسين بتوجيه سياسة الوزارة وفقا لمواقف قيادات إقليم كردستان العراق الذي ينتمي إليه قائلا “الصمت من قبل مسؤولي السياسة الخارجية يدل على عدم اهتمامهم بالأراضي العراقية التي هي خارج الإقليم خصوصا أن الوزارة تابعة للأكراد”، مضيفا “هذا الصمت هو بسبب عدم اختيار الشخصيات الكفؤة لتمثيل العراق خارجيا”.
وانتهى التميمي بتحليله إلى مطالبة رئيس الوزراء ضمنا بإقالة وزير الخارجية، قائلا إنّ السوداني “أمام فرصة إبعاد الأطراف غير الكفؤة عن المناصب ومن وزارة الخارجية على وجه الخصوص”.
ومن جهته طالب محمد الصحاف المتحدث باسم ما يعرف بالحراك القانوني “الخارجية العراقية باتخاذ موقف إزاء التدخلات السافرة التي تقوم بها سفيرة الولايات المتحدة الأميركية”، معتبرا أن تبرير السفيرة لقصف الحشد الشعبي “غير مسموح به في الأعراف الدبلوماسية”.
ومما يلاحظ من خلال الانتقادات الموجهة لوزير الخارجية العراقي أنّ أصحابها يتعمّدون التغاضي عن أنّ ما يطلقه من مواقف رافضة لهجمات الميليشيات على القوات العراقية لا يمثّله شخصيا وإنّما يمثّل موقف الحكومة المحرجة من تلك الهجمات بفعل ما يربط بغداد بواشنطن من مصالح حيوية لا يمكن التخلي عنها بسهولة.
ورغم أنّ حكومة السوداني مشكّلة أساسا من قبل أحزاب وميليشيات شيعية، إلاّ أنّها لا تستطيع ضبط جميع الفصائل ومنعها من التعرض للمصالح والقوات الأميركية في العراق، كون تلك الفصائل موالية لإيران وتتلقّى أوامرها من الحرس الثوري الإيراني.
ولا تمتلك القوى الشيعية المشكّلة للحكومة سوى مسايرة تلك الفصائل المنفلتة نظرا لكونها ترفع شعار المقاومة المغري شعبيا، ونظرا أيضا إلى أنّ القوى ذاتها كانت قد وقفت سنة 2020 وراء إصدار قرار برلماني يلزم الحكومة بطرد القوات الأجنبية من العراق.
ويبدو أن القرار نفسه قد تحوّل إلى ورطة للقوى التي أصدرته بعد أن أصبحت هي في السلطة بشكل مباشر من خلال حكومة الإطار التنسيقي التابعة لها، وهو الأمر الذي يفسّر محاولتها اتخاذ وزير الخارجية كبش فداء واتهامه بشكل فردي بالتخاذل إزاء الولايات المتّحدة.
وأعلنت الفصائل التي تطلق على نفسها اسم “المقاومة الإسلامية في العراق”، الأربعاء، عن قصفها قاعدة حرير التي تضم قوات أميركية في إقليم كردستان بطائرة مسيّرة. وجاء ذلك عقب إعلانها قصف قاعدة عين الأسد الجوية الواقعة في محافظة الأنبار غربي العاصمة بغداد والتي تضم قوات أميركية.
وليست الحملة الحالية على وزير الخارجية العراقي بسبب مواقفه من علاقة العراق مع الولايات المتّحدة، هي الأولى من نوعها حيث سبق لقيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق أن هاجمه واصفا تصريحاته حول حاجة القوات الأمنية العراقية لمساعدة من واشنطن بـ”المؤسفة والمرفوضة”، معتبرا أن هدفه من تلك التصريحات هو “تبرير بقاء القوات الأميركية في العراق”.
ويعتبر منصب وزير الخارجية ثاني منصب كبير يشغله فؤاد حسين في الدولة العراقية إذ سبق له أن شغل منصب وزير للمالية في حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي الذي اندلعت في وجهه تظاهرات شعبية عارمة لم يتردّد حسين في اتهام القوى الشيعية الممسكة بزمام السلطة بالمسؤولية عنها قائلا إنّ “مال الدولة كان منذ 2003 بيد الشيعة، فلماذا لم يبنوا البلد”.
1002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع