فرانس برس:يعجز الحارث حسن، الموظف في قطاع النفط بمدينة البصرة جنوبي العراق، منذ أشهر، عن سحب راتبه كاملاً بالدولار من المصرف، بعدما فرضت السلطات قيودا جديدة تعقّد استخدام العملات الصعبة، في سعيها لضبط سوق سوداء لسعر الصرف.
وتعد هذه الإجراءات مفارقة في بلد غني بالنفط، في رصيده احتياطات هائلة بالدولار الأميركي، تخطّت المئة مليار.
إلا أن ظهور سوق موازية للصرف، وفرض السلطات قيوداً في إطار تعزيز الرقابة المصرفية امتثالاً للقواعد الدولية التي تفرضها واشنطن، تسبب في تعقيد الحياة اليومية للسكان.
ويبلغ سعر الصرف الرسمي 1320 دينارا مقابل الدولار الواحد، لكن لدى الصرافين، يساوي سعر الدولار الواحد 1500 دينار وقد يصل إلى 1600.
وأصبحت مكاتب صرف العملات تتعامل بحذر شديد مع الزبائن، بعد القبض على عشرات الصرافين المتهمين بالتلاعب بالأسعار.
ويقول حسن البالغ من العمر 37 عاما: "منذ 3 أشهر أو أكثر، هناك صعوبة كبيرة في الحصول على الدولار من البنوك".
ويناهز راتب هذا الموظف المشرف على العمليات اللوجستية في حقل نفطي بجنوب العراق، 2500 دولار شهرياً.
وأوضح: "في الأشهر التي مضت، كنا نذهب إلى المصرف من أجل سحب الراتب، كانوا يقومون بمنحنا مبالغ بسيطة جدا على شكل دفعات، بسبب عدم سيولة الدولار".
ويشرح حسن أنه مؤخرا، بات التوجه العام لدى المصارف بإعطاء الرواتب بالدينار ووفقا لسعر الصرف الرسمي. لكنه يعتبر أن ذلك "مشكلة، لأن سعر صرف الرسمي يختلف عن سعر السوق الموازي بنسبة 20 بالمئة"، أي أن "الراتب سيكون به تقليل" من قيمته الحقيقية.
وأعلن المصرف المركزي العراقي في بيان، أنه قرر اعتبارا من يناير "حصر كافة التعاملات التجارية وغيرها بالدينار العراقي بدلاً من الدولار" داخل البلاد.
"السيادة النقدية"
وفي حين يمكن سحب الدولار نقداً من الودائع الموجودة سابقا بالعملة الصعبة بشكل طبيعي، سيصبح لزاماً اعتبارا من عام 2024، سحب كل حوالة مالية من الخارج بالدينار حصراً، ووفق سعر الصرف الرسمي.
ويؤكد مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر صالح، أن "هذه هي القاعدة التي هي جزء من السيادة النقدية، إنما هناك استثناءات"، تشمل خصوصاً السفارات.
ويضيف: "نعزز ما يسمى بالسيادة النقدية.. لا يمكن التعامل بعملتين داخل الاقتصاد الوطني".
إلا أن هذه القيود تثير الجدل، وتعرقل الحياة اليومية للعراقيين، وفق وكالة فرانس برس.
لا تزال السياسة النقدية في العراق تواجه العديد من التحديات خاصة في ظل وجود سوق غير نظامية للصرف تديرها شبكات تتلاعب بأسعار لدولار أمام الدينار، وفق ما تؤكد تقارير إعلامية محلية.
فقد أصبحت الحوالات المباشرة خارج إطار المصارف غير ممكنة بالدولار، وتقتصر على الدينار بالسعر الرسمي.
واعتمد القطاع المصرفي في العراق منصة إلكترونية، الهدف منها مراقبة استخدامات الدولار، وإحكام السيطرة على اقتصاد غير رسمي آخذ بالازدهار، فيما يجذب التهرب الضريبي بعض المستوردين والتجار.
وأقرّ رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أنه مع الاجراءات الجديدة، فإن الكتلة النقدية بالعملة الصعبة المتوفرة في السوق تراجعت من "200 إلى 300 مليون دولار" في اليوم إلى "30 و40 و50 مليون دولار".
ويشرح، حيدر الشاكري، من مركز أبحاث "شاتام هاوس"، أن "أحد الأسباب الرئيسية" أمام تعزيز الطلب على العملة في السوق الموازية، هو "تهريب الدولار نحو دول وكيانات خاضعة لعقوبات، لا سيما إيران وسوريا".
وفي سبتمبر، قال شياع السوداني إن التجار الذين يتعاملون مع إيران يصبحون مرغمين على التحول إلى السوق الموازية للحصول على العملة، نظرا لأن إيران بلد "عليه عقوبات، وغير مسموح له تسيير تحويلات مالية".
وأكّد في الوقت نفسه، أن المصرفين المركزيين في العراق وإيران، يناقشان "آلية" من أجل "تنظيم التجارة"، من شأنها أن "تقسم ظهر السوق الموازي".
"تجارة غير مشروعة"
ويشير الشاكري كذلك إلى وجود "تجارة غير مشروعة" لبعض المنتجات الخاضعة لـ"ضرائب مرتفعة"، مثل السجائر.
وأعلنت الحكومة، أواخر نوفمبر، عن تسهيلات من أجل دفع مستوردي السجائر والسيارات والذهب والهواتف المحمولة، إلى الحصول على العملة الأجنبية عبر القنوات الرسمية.
أما فيما يتعلق بالمبادلات الثنائية، تشجع السلطات المصارف والمستوردين على استخدام عملات أخرى غير الدولار، مثل اليورو أو الدرهم الإماراتي أو اليوان الصيني.
قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إن توقيت تجديد الإعفاء الذي أصدرته الولايات المتحدة للعراق بشأن تحويل عشرة مليارات دولار لإيران لتسديد عائدات الكهرباء المستوردة من إيران، يرتبط بانتهاء صلاحية الإعفاء السابق.
ويدافع مستشار رئيس الوزراء، مظهر صالح، عن القيود المصرفية التي تهدف إلى "التحقق من هذه التحويلات"، بهدف طمأنة "المجتمع المالي الدولي، ولدواعي أيضا تتعلق بالمجتمع العراقي: هل هذه التحويلات تذهب فعلا لتمويل تجارة العراق؟".
ويضيف: "ما يحدث لا علاقة له بقوة الاقتصاد العراقي، العراق اليوم في أعلى مستويات الاحتياطات الأجنبية في تاريخه المالي"، إنما "حدثت تغيرات هيكلية في مسائل التعاطي مع العملة الأجنبية".
ويذكّر كذلك أنه من أجل حماية البلد الذي بلغ عدد سكانه 43 مليون نسمة من التضخم، فإنّ للمستوردين إمكانية الوصول إلى الدولار، وشرائه بالسعر الرسمي، وهو أكثر إفادة.
ويتعلق الأمر خصوصاً بالمواد الغذائية والأدوية ومواد البناء. ويرى صالح أن ذلك "يخلق جواً من الاستقرار، هذا الأمر مضاد للسوق الموازية".
على صعيد آخر، بإمكان العراقيين سحب أموال بالدولار قبل سفرهم. لكن أنتج ذلك إشكالية جديدة، حيث أوقفت السلطات في المطار العديد من المسافرين بحوزتهم بطاقات سحب آلي، تستخدم لسحب آلاف الدولارات من الخارج بالسعر الرسمي، ثمّ بيعها من جديد بسعر السوق السوداء داخل العراق.
1131 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع