العربي الجديد:يواجه العراقيون منذ أكثر من 20 عاماً أزمة فقدان ركائز توفير مستوى تعليمي جيد، فرغم انقضاء منتصف العام الدراسي الحالي لا يزال قسم كبير من التلاميذ بلا كتب مدرسية، في حين لم تعالج السلطات مشكلة نقص المقاعد في الصفوف، وتهالك المباني، والشكاوى من ضعف تدريس المواد العلمية.
يقول المشرف التربوي في محافظة نينوى (شمال)، عبد الناصر محمود، لـ"العربي الجديد": "الواقع التعليمي كارثي، ويشبه الخدمات السيئة للكهرباء والمياه، والأحوال المزرية للطرقات، وتظهر المشاكل من دون أن يجد المسؤولون حلولاً. أعداد المدارس لا يكفي لاستيعاب التلاميذ، لذا تعمل المدارس بدوامين أو حتى ثلاثة، ويتراكم التلاميذ داخل صفوفها وصولاً إلى 80 في بعضها، ما يؤثر في قدرتهم على الاستيعاب، إضافة إلى المدارس الكرفانية التي تنتشر في الأرياف وأحياء بعض المدن".
وتؤكد لجنة التربية البرلمانية أنها تسعى إلى تخصيص 4.8 في المائة من الموازنة لقطاع التربية، من أجل انتشاله من الواقع المزري، ومكافحة نسبة التسرّب العالية، في حين يتوقع مختصون أن يرتفع عدد التلاميذ إلى نحو 13 مليوناً خلال العام الدراسي القادم بسبب الزيادة السكانية، ويترافق ذلك مع نقص كبير في المدارس والكوادر التعليمية، إضافة إلى مشاكل أخرى جعلت بيئة التعليم منفرة للتلاميذ في بلد يحتل مقدمة ترتيب الدول المصدرة للنفط في العالم.
يقول المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد لـ"العربي الجديد": "بدأت الوزارة استعداداتها في وقت مبكر لتجهيز مستلزمات التعليم، وتنفيذ إجراءات تسجيل التلاميذ، لكن التحدي الأكبر هو نقص المباني المدرسية في ظل الحاجة إلى أكثر من 9 آلاف مدرسة، علماً أن العام الحالي يختلف على صعيد الشروع في تنفيذ مشاريع المباني المدرسية بإشراف الوزارة أو الشركة الصينية التي أبرمت السلطات عقداً معها. لدينا أكثر من 26 ألف إدارة مدرسية لمختلف المؤسسات التربوية في البلاد، ويدخل نحو مليون تلميذ الصف الأول ابتدائي سنوياً".
وتقول المدرّسة ديما فائز لـ"العربي الجديد": "أبرز الصعوبات التي تواجه هيئات التعليم والتلاميذ هي تهالك المدارس، وازدحام الصفوف، ونقص المدرسين، والدوام المزدوج. فعلياً لم تعد المدرسة بيئة صحية تجذب الأطفال، وتتحمل وزارة التربية مسؤولية هذه الأوضاع، كما تتكرر في بداية كل عام دراسي معاناة الأهالي والتلاميذ من غلاء الملابس المدرسية والكتب والدفاتر، علماً أن بعض الأهالي تبرعوا لبناء مدارس لأطفالهم، أو إنشاء مرافق صحية فيها، وأعتقد أن تخلّف التعليم الحكومي هو نتيجة السياسات التي تشجع على هيمنة التعليم الخاص".
وتدفع العائلات بين 700 و1500 دولار للطالب الواحد بحسب المرحلة الدراسية في المدرسة الخاصة، وهذا المبلغ يمكن أن توفره أكثر من 30 في المائة من العائلات العراقية ذات الدخل المتوسط، كونه يسدد على شكل أقساط، وليس دفعة واحدة.
وتنتقد المدرّسة في محافظة نينوى، أمل محمود نظر، تكرار تغيير وزارة التربية المناهج الدراسية، وإلغاء مناهج أساسية مثل مادة الاقتصاد المنزلي في مدارس البنات، ومادة الاقتصاد في الصف الخامس علمي، ودروس الرسم والفن، وضعف الاهتمام بالرياضة رغم أهميتها للتلاميذ.
وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "هناك أسباب أخرى لتدهور التعليم، أبرزها وجود ثلاث دورات للامتحانات، وتطبيق الدوام المزدوج، وتضارب القرارات الإدارية، ونقص المدرسين، وتقادم المباني المدرسية، وغياب صيانتها، إضافة إلى مشكلة النقص الحاد في الكتب المدرسية التي تتكرر كل عام، ما يضطر إدارات المدارس إلى منح الأطفال الكتب القديمة في المخازن".
وأكد وزير التربية السابق، علي حميد الدليمي، أن العراق يحتاج الى 9 آلاف مدرسة للتخلص من ظاهرة الدوام المزدوج، وتحتاج وزارة التربية إلى 6 أو 7 أعوام لمعالجة هذا النقص، لكن إنفاق الحكومات السابقة على عقود التسليح أثّر على القطاع التربوي.
وكشف تقرير سابق نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، عن وجود 2.3 ملايين طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس، وأكد أن "عقوداً من الصراع وغياب الاستثمارات دمرت النظام التعليمي في العراق الذي كان سابقاً يعتبر بين الأفضل في المنطقة، ما أعاق بشدة وصول الأطفال إلى تعليم جيد".
وفي حين يعاني العراق من وجود 12 مليون شخص أمّي، فشلت البلاد في الوصول إلى أدنى المراتب في التصنيف العالمي لجودة التعليم في عام 2021، وظلت خارج التصنيف الدولي، بحسب مؤشر مستويات التعليم في العالم الذي نشره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، والذي اعتبر العراق وسورية واليمن من بين الدول غير المصنّفة بسبب عدم توفر معايير جودة التعليم فيها.
1371 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع