انتهازية تركية في التعاطي مع القيادة التركمانية العراقية
المطامع التركية في العراق، وتحديدا في محافظة كركوك الغنية بالنفط، أصبحت أمرا مصرّحا به في الخطاب السياسي التركي الذي لم يعد يتردّد في مناقشة أدق الأمور المتعلّقة بالمحافظة، بما في ذلك الطرف الأحق بتولي منصب المحافظ بمعزل عن نتائج الانتخابات الأخيرة التي فاز بها حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني الذي سلكت قيادته الحالية نهجا سياديا لا يروق لأنقرة.
العرب/كركوك (العراق)- طالبت تركيا على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان بمنح منصب محافظ كركوك لحلفائها التركمان مكرّسة بذلك تدخلاتها في شؤون المحافظة العراقية الغنية بالنفط سعيا لإيجاد موطئ قدم فيها بالتوازي مع تدخلها العسكري المباشر في أنحاء أخرى من العراق، والذي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخّرا عن دعمه وتوسيعه بإقامة قواعد عسكرية ثابتة جديدة وربطها بشبكة طرق تمتد لمئات الكيلومترات.
وتضمّنت هذه المطالبة استهدافا مباشرا لحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني كونه الفائز في الانتخابات المحلية الأخيرة بكركوك بحصوله على خمسة مقاعد ما يرشّحه للفوز بمنصب المحافظ فيما لم يحصل التركمان سوى على مقعدين. وبدأت العودة القوية لحزب الاتحاد إلى واجهة الحياة السياسية في إقليم كردستان وعموم العراق تثير قلق تركيا بفعل النهج السيادي الذي سلكه الحزب بقيادة بافل جلال طالباني واتخاذه مواقف لا تروق لأنقرة بما في ذلك إقامته علاقات متينة مع أكراد المنطقة، الأمر الذي يفسّر الاتهامات التركية له بدعم “الإرهاب” واحتضانه ممثلا وفق المنظور التركي بحزب العمال الكردستاني.
وبالتوازي مع محاولة حكومة أردوغان توظيف تركمان العراق على أساس وحدة القومية معهم لاختراق كركوك بناء على مطامع تاريخية فيها، تتّخذ من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة أفراد أسرة بارزاني حليفا لها في حربها ضدّ حزب العمال التي تدور أبرز فصولها على أرض إقليم كردستان العراق.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إثر اجتماع عقده في أنقرة مع رئيس الجبهة التركمانية العراقية حسن توران إنّ حزب العمال الكردستاني موجود حاليا في السليمانية ومتحالف مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، متهما الطرفين بالوقوف “ضد حكومة أربيل”، في إشارة إلى حكومة الإقليم التي يقودها بشكل رئيسي الحزب الديمقراطي.
وبشأن ترتيب أوضاع السلطة المحلية في كركوك إثر الانتخابات المحلية الأخيرة، عبّر فيدان عن امتعاضه من “التقدم غير المتوقع” الذي حققه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مطالبا بـ”الاستمرار في القاعدة المتبعة سابقا في اختيار المحافظ بالتناوب بين أطراف تلك المحافظة المهمة”، وذلك لمنع حدوث شراكة بين حزب الاتّحاد وحزب العمال تفضي إلى “هيمنتها على المحافظة”.
ولا توجد قاعدة تنظم تداول المكونات العراقية على قيادة محافظة كركوك، غير أنّ وزير الخارجية التركي أراد فقط إيجاد صيغة تشرّع لحصول التركمان على منصب المحافظ بالاستناد إلى تولّي الأكراد للمنصب بعد سنة 2003، ثم حصول العرب عليه بعد أحداث سنة 2017 وطرد قوات البيشمركة الكردية من المدينة إثر الاستفتاء الذي أجري آنذاك على استقلال إقليم كردستان عن العراق، ما يعني في المنظور الذي حاول فيدان تكريسه مجيء دور المكوّن التركماني لتولي المنصب بمعزل عن نتائج الانتخابات.
وذكر فيدان في تصريحه للصحافيين أنّه بحث مع توران بالتفصيل “مرحلة ما بعد الانتخابات المحلية العراقية وحجم التزوير الذي شابها”.
ويعتبر وجود حسن توران على رأس الجبهة التركمانية أحد ثمرات التدخّل التركي المباشر في شؤون تركمان العراق، حيث لعبت أنقرة سنة 2021 دورا كبيرا في دفع أرشد الصالحي للتنحي عن رئاسة الجبهة واختيار توران خلفا له.
ووقع اختيار توران لقيادة الجبهة لسببين أولهما توجهه الإسلامي المتوافق مع توجّهات حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابل الميول القومية الكمالية للصالحي والتي تجعله أقرب إلى حزب الشعب الجمهوري، وثانيهما حالة الوفاق بين توران وقيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني المتحالفين مع أنقرة في مقابل برود علاقة الصالحي بتلك القيادات.
وتطرق الوزير التركي للعملية العسكرية التي تقوم بها بلاده ضد حزب العمال داخل أراضي العراق ومن دون تنسيق مع حكومته الاتّحادية. وحرص فيدان على الإشارة إلى دور الحزب الديمقراطي في تلك العملية قائلا “ننسق مع أربيل بشكل تام لمواجهة الإرهاب وخصوصا حزب العمال الكردستاني ونحقق تقدما يوما بعد يوم”.
وأضاف “لا أرى مانعا في قول ذلك، إذ أنّ حزب العمال الكردستاني يستهدف حكومة أربيل في نفس الوقت”.
العودة القوية لحزب الاتحاد إلى واجهة الحياة السياسية تثير قلق تركيا بفعل النهج السيادي الذي تسلكه قيادة الحزب
ويبدو الحرص واضحا في كلام الوزير التركي على شق الصفّ الكردي وتعميق الخلافات بين مكوناته عبر تقسيمها إلى معسكر إرهابي أو داعم للإرهاب، وآخر متضرّر منه ومنخرط في محاربته.
كما جدد فيدان تأكيد ما ذكره أردوغان مؤخرا بشأن استمرار تواجد القوات التركية داخل الأراضي العراقية قائلا “حزب العمال الكردستاني لا يسيطر على متر مربع واحد في تركيا، لكنه أخضع مساحة كبيرة في العراق لسيطرته. والآن يوجد في سنجار ومخمور والسليمانية وزاخو وجبال قنديل”، مشدّدا على استمرار القوات التركية في تعقّب عناصر الحزب في مناطق شمال العراق سواء بموافقة بغداد أو من دونها.
وكان أردوغان قد ذكر الأسبوع الماضي أنّ بلاده أنشأت في السنوات القليلة الماضية طُرُقا تمتد مئات الكيلومترات في شمال العراق نحو قواعدها العسكرية الثابتة هناك، مضيفا قوله “ننجز نفس الأعمال في أماكن جديدة نسيطر عليها، وبحلول الربيع سنكون قد أكملنا البنية التحتية لقواعدنا التي أنشأناها حديثا في شمال العراق وسنجعل الإرهابيين غير قادرين على وضع أقدامهم في المنطقة”.
1544 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع