إرث الخميني للإيرانيين ... الإعدام والموت والمقابر

بدأ قتل المعارضين والمتظاهرين للنظام، منذ الأيام الأولى من انتصار الثورة، ومن على سطح مدرسة "رفاه"، مقر إقامة الخميني بعد عودته من باريس (أ ف ب)

الأندبيندت عربية:في خطابه الشهير الذي ألقاه في مقبرة "بهشت زهراء" في طهران في الأول من فبراير (شباط) 1979، اتهم روح الله الخميني الحكم البهلوي الشاهنشاهي بتنمية المقابر بدلاً من المدن، ووعد المواطنين بتوفير المياه والكهرباء مجاناً وتحقيق الرخاء في إيران.

وفي السنوات التي تلت الثورة الإسلامية في إيران، وخصوصاً بعد ارتفاع معدلات التضخم، أصبح وعد الخميني حول توفير المياه والكهرباء مجاناً موضعاً للسخرية في الشارع الإيراني. وأما عن اتهامه للنظام السابق بأنه بدلاً من تنمية المدن، قام بتنمية المقابر، بالفعل أصبح أمراً واقعاً، نظراً لقتل آلاف المواطنين خلال العقود الأربعة الماضية من حكم رجال الدين نتيجة للحروب والإعدامات وجائحة كورونا، عدا عن عدم كفاءة النظام في إدارة الأزمات والكوارث الطبيعية وتلوث الهواء وقمع الاحتجاجات.

ولفهم ما ورد أعلاه، نستعرض مع القارئ الكريم بعض هذه القضايا وهي:

إطلاق النار من على سطح مدرسة "رفاه"

ورغم الوعد الذي قطعه الخميني، فإن الرخاء أصبح حلماً بعيد المنال لعديد من المواطنين بعد انتصار الثورة الإسلامية. وخلال هذه السنوات، تآكلت الطبقة الوسطى في المجتمع وسقطت تحت خط الفقر. وبالتالي، بدأ قتل المعارضين والمتظاهرين للنظام، منذ الأيام الأولى من انتصار الثورة، ومن على سطح مدرسة "رفاه"، مقر إقامة الخميني بعد عودته من باريس.

وتشير الوثائق التاريخية إلى أن إطلاق النار على الضباط والإداريين العاملين في النظام البهلوي من على سطح مدرسة رفاه بدأ مساء 14 فبراير 1979، أي بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان انتصار الثورة في إيران. إذ قُتل رمياً بالرصاص كل من الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الـ"سافاك" نعمة الله نصيري، ورئيس جهاز الشرطة مهدي رحيمي، والحاكم العسكري لمدينة أصفهان رضا ناجي، والرئيس السابق للقوات الجوية الإيرانية منشهر خسروداد.

وحوكم هؤلاء في مدرسة رفاه، وحكم عليهم صادق خلخالي، قاضي محكمة الثورة في حينها، بالإعدام وبموافقة الخميني وتم تنفيذ الحكم، واستمر هذا الوضع لأيام عدة متتالية.

ضحايا الحرب الإيرانية- العراقية

ووفقاً للوثائق الرسمية، فإن الحرب الإيرانية- العراقية بدأت في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 1980. ومنذ البداية، حوّل النظام بقيادة الخميني الحرب مع العراق إلى معركة بين "الحق والباطل" وبين "الإسلام والكفر"، واستغل ضريح الإمام الثالث للشيعة ووعد بفتح كربلاء.

وأصدر الخميني أمراً بـ"الجهاد". وقام قادة الحرس الثوري والمسؤولون الحكوميون ومن خلال تأجيج المشاعر الدينية والوطنية، بإرسال أعداد كبيرة من المواطنين العاديين، وبخاصة الشباب منهم، إلى جبهات القتال بحجة "الدفاع عن الإسلام والوطن والشرف"، وتحت عنوان "الباسيج" و"المتطوعين".
ولا تزال السلطات الإيرانية تخفي عديداً من الوثائق والمعلومات المتعلقة بحرب الثماني سنوات بين إيران والعراق. ومع هذا، فإن الإحصائيات الرسمية للنظام الإيراني أظهرت أن خلال هذه السنوات من الحرب، قتل ما لا يقل عن 196 ألفاً و837 شخصاً. من بين هؤلاء القتلى، نحو 10 آلاف مدني فقدوا حياتهم جراء الهجمات الصاروخية والجوية على مختلف المدن الإيرانية. و33 ألفاً كانوا من الجنود الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، إذ زُج بهم جبهات القتال.

رغبة مسؤولي النظام في إيران بقيادة الحميني في الاحتلال والاستيلاء على أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية، أدت إلى معارضتهم اقتراح السلام الذي قدمه الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين في يونيو (حزيران) 1982 وكذلك قرار السلام الذي أصدرته الأمم المتحدة.

وأظهرت الإحصائيات المتعلقة بوفيات الحرب الإيرانية- العراقية، خصوصاً بعد عام 1982، أن أعداد القتلى بين صفوف الإيرانيين ازدادت أكثر من ذي قبل، إذ مات ما لا يقل عن 21 ألف جندي إيراني في معركة "كربلاء-5" التي حدثت عام 1987.

وفي نهاية الأمر، تجرع الخميني كأس السم في 20 يوليو (تموز) 1988، بينما شوارع إيران وأزقتها امتلأت بصور الشباب الذين قتلوا في الحرب مع العراق، ووافق على قرار وقف إطلاق النار الذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتوفي الخميني في يونيو (حزيران) 1989، لكن ماكينة القتل استمرت تحت قيادة المرشد علي خامنئي.

الإعدامات وأسبابها

أعدم النظام الآلاف من الإيرانيين خلال العقود الأربعة الماضية. وكان من بين هؤلاء المواطنين الذين أعدموا بعضاً من أتباع الديانات مثل البهائية والسنة وبعض آخر من الأقليات الجنسية والجنسانية. عدا عن إعدام مئات النساء وعشرات الأطفال.

ونظراً للسرية التي اعتمدتها الأجهزة الأمنية في إيران، لا توجد بيانات دقيقة عن عدد الأشخاص الذين أعدمهم النظام. إلا أن التحقيقات التي أجرتها منظمات حقوق الإنسان، أظهرت أنه أُعدم ما لا يقل عن 438 شخصاً في الفترة الواقعة بين يناير (كانون الثاني) 1979 ومارس (آذار) 1980. بينما في الفترة الواقعة بين مارس 1980 ومارس 1981 بلغ عدد المواطنين الذين أُعدموا 624 مواطناً. وأما خلال الأعوام الأربعة التي تلت عام 1981 فأُعدم ما لا يقل عن 14 ألفاً و794 إيرانياً. وفي الفترة الواقعة بين عامي 1985 و1987 طالت الإعدامات 1600 شخص.

وعن عمليات الإعدام التي حدثت عام 1988 تسري روايات مختلفة. ويقال إن عدد الذين أُعدموا بين ثلاثة وأربعة آلاف شخص، أكثرهم كانوا أعضاء في الأحزاب والجماعات السياسية ودُفنت جثثهم سراً.

وأما عن المجزرة التي تعرض لها السجناء فتمت بقرار من أعضاء "لجنة الموت" التي شملت كلاً من حاكم الشرع في حينها حسين علي نيري، ومدعي عام طهران مرتضى إشراقي، ونائبه إبراهيم رئيسي (الرئيس الحالي)، وممثل وزارة الاستخبارات مصطفى بور محمدي. وكان الرئيس إبراهيم رئيسي قال في أول مؤتمر له بعد تنصيبه رئيساً للجمهورية، رداً على سؤال أحد الصحافيين عن إعدامات الثمانينيات، إنه "فخور بالدور الذي قام به في هذه الإعدامات".

وعليه، بلغ عدد الإعدامات في الفترة الواقعة بين عامي 1999 و2009، نحو خمسة آلاف و220 شخصاً. هذا وتشير البيانات الإحصائية لمنظمة حقوق الإنسان الإيرانية إلى أن عدد الإعدامات منذ ديسمبر (كانون الأول) 2009 إلى يومنا هذا بلغت سبعة آلاف وخمسة أشخاص، من بينهم 211 امرأة و70 طفلاً كانوا دون السن القانونية وقت ارتكابهم الجريمة.

وسبق وأعلن موقع "داده باز" الإيراني في تقرير له، أن خلال السنوات التي تلت الثورة الإسلامية، قتل ما لا يقل عن 225 بهائياً في السجون الإيرانية "بشكل مباشر أو غير مباشر".

قتل المحتجين في الحرم الجامعي وشوارع المدن

كما هو معلوم، خلال السنوات التي تلت انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فقد آلاف الإيرانيين حياتهم جراء القمع الذي رافق الاحتجاجات في شوارع المدن الإيرانية. وفي واقع الأمر، لا توجد حتى هذه اللحظة أي معلومات وإحصائيات دقيقة حول أعداد الأشخاص الذين قُتلوا في احتجاجات حي الجامعة في طهران في يونيو 2009، وقتلى احتجاجات الحركة الخضراء في عام 2009، وقتلى احتجاجات ديسمبر (كانون الأول) 2017 وقتلى احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 وقتلى احتجاجات الأحواز في مايو (أيار) 2020 وقتلى احتجاجات سبتمبر (أيلول) 2022. ورغم هذا، فإنه وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان، قُتل أكثر من 500 شخص خلال الاحتجاجات التي عمت البلاد. وتحدثت بعض التقارير عن أن عدد القتلى في الاحتجاجات التي شهدتها أنحاء مختلفة في إيران في نوفمبر 2019 بلغ 1500 شخص.

جائحة كورونا ومنع استيراد اللقاحات

ووفقاً للبيانات الإحصائية التي قدمتها وزارة الصحة الإيرانية، توفي نحو 147 ألف مواطن بسبب فيروس كورونا. ففي يناير (كانون الثاني) 2020 وعندما كان النظام يستعد لإجراء الانتخابات البرلمانية، لوحظ دخول فيروس كورونا إلى البلاد، إلا أن المسؤولين الحكوميين بدءاً من المرشد إلى الرئيس في حينه، قللوا من أهمية الموضوع ومنعوا حجر المدن الملوثة، ونتيجة لذلك، تسارع انتشار المرض في عموم البلاد.

في يناير 2021، وعندما انضمت معظم دول العالم إلى الحملة الرامية لتوفير اللقاحات لمواطنيها، منع خامنئي دخول اللقاحات البريطانية والأميركية البلاد، من أجل أن تذهب الأرباح إلى إحدى المؤسسات التابعة له، التي تعرف باسم "ستاد اجرائى فرمان امام".

وإذا ما نظرنا إلى الإحصائيات اليومية لوفيات كورونا، تبين لنا أنه عندما أصدر خامنئي أوامره هذه، كان نحو 56 ألف شخص قد ماتوا بسبب هذه الجائحة. إلا أنه وفي نهاية سبتمبر 2021 عندما وصلت اللقاحات الصينية إلى إيران، بلغ عدد الوفيات نحو 118 ألف شخص. وتجدر الإشارة إلى أن مسؤولي وزارة الصحة الإيرانية بمن فيهم نائب الوزير إيرج حريرجي، اعترفوا وفي أكثر من مناسبة بأن العدد الفعلي للمواطنين الذين ماتوا بسبب جائحة كورونا يزيد على ضعفين أو ثلاثة أضعاف الإحصائيات الرسمية المعلنة من قبل الحكومة.

الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء

نظراً للأوضاع الحالية، أصبحت قضية الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء في إيران من القضايا التي لا يستطيع حتى المسؤولون الحكوميون أن يتستروا عليها. إذ تشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة إلى أن أكثر من 26 ألف شخص يموتون كل عام بسبب تلوث الهواء.

وفي تصريح لرئيس "إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ" في وزارة الصحة الإيرانية، عباس شاهسوني، قال إن "أكثر من 13 في المئة من إجمالي الوفيات الطبيعية في إيران ناجمة عن تلوث الهواء". وتحتل العاصمة طهران المرتبة 19 بين العواصم الأكثر تلوثاً من حيث تركيز الجزيئات العالقة في الهواء. ووفقاً لتقرير صادر عن لجنة الصحة في مجلس بلدية طهران، أن عدد الوفيات في مدينة طهران بسبب تلوث الهواء يزيد على ستة آلاف شخص سنوياً.

الأزمات الثانوية الناجمة عن الكوارث الطبيعية

كما تعتبر إيران من الدول المعرضة للزلزال، عدا عن الظواهر الطبيعية الأخرى مثل الفيضانات والعواصف الموسمية نظراً للتغيرات المناخية. بعد انتصار الثورة الإسلامية حدثت كوارث طبيعية عدة في إيران أدت إلى مقتل الآلاف.

وليس فقط في هذه السنوات، بل منذ أن تسلم نظام رجال الدين مقاليد الحكم في إيران، لم تُتخذ أي إجراءات فعالة من شأنها أن تحد من حدوث الأزمات الناجمة عن الكوارث الطبيعية، ويشكل عدم الكفاءة في إدارة الأزمات السبب الرئيس لحدوث أزمات ثانوية. ومن بينها: زلزال بم، وزلزال أذربيجان، وزلزال كرمانشاه، وزلزال خوي، وفيضانات 2019 في عدد من المدن الإيرانية. في معظم هذه الكوارث الطبيعية فقد عدد كبير من المواطنين حياتهم بسبب نقص المرافق، والمأوى، والعلاج الصحي والطبي، وغيرها من المشاكل الأخرى.

كما أن وفاة السجناء نتيجة لعدم إمكانية الوصول إلى الخدمات الطبية والعلاجية المناسبة، وعمليات القتل الممنهج للمعارضين والكتاب، وإطلاق النار على تجار الوقود والسلع في بلوشستان وكردستان، ومقتل 176 من ركاب الطائرة الأوكرانية، تُعتبَر من القضايا التي لعب النظام دوراً رئيساً فيها.

وإضافة إلى ما ورد أعلاه، فإن الفقر ونقص الدواء والعلاج المناسب وانعدام السلامة في أماكن العمل والحوادث المرورية والحرائق والمباني التي سقطت على رؤوس سكانها مثل مجمع "بلاسكو" التجاري في طهران، ومتروبل عبادان في الأحواز أيضاً، من الأسباب التي أدت إلى وفاة عديد من المواطنين في إيران. ووصل الأمر اليوم إلى الحد الذي يقول فيه الرئيس التنفيذي لمقبرة "بهشت زهراء" وهي أكبر المقابر في العاصمة طهران، محمد جواد تاجيك إن الطاقة الاستيعابية للمقبرة استُنفدت ويجب نقلها إلى مكان آخر.
ووفقاً لما قاله الرئيس التنفيذي لمقبرة بهشت زهراء، واعتباراً من العام المقبل، يجب دفن 40 في المئة من المتوفين في العاصمة طهران في مكان آخر. كما أعلن تاجيك أن هناك 50 ألف قبر خُصصت لحدوث الأزمة. وقال عضو سابق في مجلس بلدية طهران، "أعددنا قبراً مجانياً لكل مواطن طهراني".

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1010 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع