أشعل حروبا ودعم دكتاتوريات .. رحلة صعود بوتين من الاستخبارات إلى الكرملين

 أدخل بوتين روسيا في حروب عدة كلفت الروس ثمنا اقتصاديا وسياسيا باهظا

الحرة:بدأ الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الروسية، في عملية تمتد 3 أيام، لكن النتيجة معروفة سلفا، فالرئيس فلاديمير بوتين، سيحسم الأمر لصالحه، في بلد لا مكان فيه للمعارضة، أو الانتخابات الحرة النزيهة.

من هو بوتين المتمسك بعرش البلاد؟

في فيلا بيضاء بشارع أنجيليكا، المار بإحدى ضواحي مدينة دريسدن الألمانية المطلة على نهر إلبه، قضى بوتين 15 سنة من العمل في الجاسوسية الغامضة والمعقدة.

وهناك، شكلت أحداث ليلة درامية صدمة للرجل الذي دخل الكرملين، فغيّر كل شيء في البلاد، حتى الدستور، وقمع كل معارضيه.

يقول أستاذ السياسة في جامعة جورج مايسون الأميركية، مارك كاتز، إن بوتين ومنذ صغره "أحاط نفسه بأشخاص يشبهونه، فتعود على عدم سماع وجهات النظر المختلفة".

ويضيف أن بوتين يفكر بالآخرين من منظور "المصلحة البحتة، فرؤيته للعالم نفعية، ما الذي يمكن أن يقدمه هذا الشخص لي؟ كيف يمكن أن استغل هذا الإنسان؟.. وهو الآن ينجح في ذلك إلى حد ما".

توصيف كاتز، قد يفسر سلوك كيريل الأول، بطريرك موسكو وسائر بلاد الروس، الذي قال في 2012، إن عهد بوتين "معجزة الله".. فلو قال عكس ذلك، لتشابه مصيره مع أليكسي نافالني، المعارض الذي فشل بوتين بتسميمه ذات مرة، فقتله في السجن.

رحلة، فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين، الرئيس الروسي، بدأت من ممرات جهاز الـ"كي جي بي" الغامضة، إلى أعلى مستويات السلطة الروسية، وهي غنية بالمكائد والجدل والدم.

مهارات تجسس استثمرها في السياسة
بدأت القصة في لينينغراد (سانت بطرسبرغ الآن)، حيث ولد بوتين عام 1952. وقد رسم طريقه إلى سجلات السلطة في وقت مبكر عندما انضم إلى وكالة الاستخبارات السوفيتية (كي جي بي)، عام 1975.

تدرب بوتين على التجسس والاستخبارات، وتمركز عمله في ألمانيا الشرقية. هناك، وسط موجات الحرب الباردة، أتقن الرجل حرفة الاستخبارات، وهي مجموعة المهارات التي ستحدد أسلوب قيادته في السنوات التالية.

بعد استقالته من كي جي بي برتبة عقيد، عام 1991، دخل بوتين السياسة في موطنه سانت بطرسبرغ.

بحلول عام 1996، انتقل إلى موسكو، وعُيّن نائبا لرئيس إدارة إدارة الممتلكات الرئاسية من قبل الرئيس، بوريس يلتسين.

في يوليو 1998، اقترب بوتين من الكرملين أكثر حين عين رئيسا لجهاز الأمن الفدرالي (FSB)، منظمة الاستخبارات والأمن الرئيسية في روسيا وخليفة الكي جي بي.

الصعود إلى الرئاسة
في أغسطس 1999، عين بوتين رئيسا لوزراء روسيا في عهد يلتسين. وبعد أشهر حدثت المفاجأة، حين أعلن يلتسن، في 31 ديسمبر من ذات العام، استقالته، ليصبح بوتين رئيسا بالوكالة.

في مارس 2000، فاز بوتين بانتخاباته الرئاسية الأولى، وأصبح رسميا رئيسا لروسيا. وأُعيد انتخابه لولاية ثانية في مارس 2004، مواصلا السياسات التي أدت إلى مركزية السلطة، وزيادة سيطرة الحكومة على الاقتصاد ووسائل الإعلام.

في مايو 2008، لم يتمكن بوتين من الترشح لولاية رئاسية ثالثة على التوالي، بسبب القيود الدستورية.

والتفافا على الدستور، تمكن بوتين من إيصال حليفه، دميتري ميدفيديف، للرئاسة، وتسلم هو رئاسة الحكومة مع احتفاظه بنفوذ كبير على السلطة، لحين مجيء فرصة العودة للكرملين.

نجحت خطة بوتين، وفي مارس 2012، أعيد انتخابه رئيسا بعد أن سمحت له التعديلات الدستورية بالترشح لولاية جديدة.

وفي انتخابات غير نزيهة، جرت في مارس 2018، ضمن بوتين ولايته الرابعة بعد تعديل دستوري عام 2012 مدد فترات الرئاسة من أربع إلى 6 سنوات.

كان بوتين حريصا على البقاء في السلطة، وفي عام 2020، وافق تصويت وطني على حزمة من التعديلات الدستورية التي يريدها رجل الكرملين القوي، بما في ذلك التعديل الذي يعيد ضبط عدد فترات ولاية بوتين الرئاسية، مما قد يسمح له بالبقاء في منصبه حتى عام 2036، إذا فاز في الانتخابات المستقبلية.

سنوات الكي جي بي
من يريد أن يفهم بوتين اليوم، لابد أن يعرف ما حدث له في ليلة درامية في ألمانيا الشرقية، قبل ربع قرن من الزمن.

خدم بوتين 15 عاما كضابط مخابرات في كي جي بي، وكالة الاستخبارات الخارجية والأمن الداخلي للاتحاد السوفيتي، في رديسدن بين عامي 1985 و1990.

تركزت مهمة بوتين في البحث عن الألمان الشرقيين الذين لديهم أسباب منطقية للسفر إلى الخارج، فاستهدفهم بالتجنيد للمساعدة في التجسس على الغرب.

وفي الخامس من ديسمبر 1989، تحديدا في مدينة دريسدن، بعد أسابيع قليلة من سقوط جدار برلين. الشيوعية في ألمانيا الشرقية تنهار أمام قوة الشعب التي لا تقاوم.

واقتحمت حشود مقر دريسدن للشرطة السرية في ألمانيا الشرقية، المعروفة حينها باسم "ستاسي"، والتي رغم سمعتها السيئة وبطشها، بدت فجأة عاجزة عن حماية نفسها.

ارتفع مستوى التوتر، وقرر متظاهرون غاضبون التوجه إلى الفيلا البيضاء في شارع أنجيليكا، وهي مقر تابع لجهاز المخابرات السوفييتي، الكي جي بي.

حدث ارتباك داخل الفيلا البيضاء، وشعر الحراس بالخطر، وأن الأمر يخرج عن السيطرة.

حينها خرج الضابط بوتين، وقال للمتظاهرين: " لا تحاولوا الاقتحام بالقوة، رفاقي مسلحون، ولديهم الإذن بإطلاق النار واستخدام أسلحتهم في حالات الطوارئ".

بوتين لم يكن يشعر بالطمأنينة رغم انصياع المتظاهرين وتراجعهم، فاتصل بوحدة دبابات تابعة للجيش الأحمر لطلب الحماية.

كان الجواب الذي تلقاه بمثابة صدمة مدمرة غيرت حياته، "لا يمكننا أن نفعل أي شيء من دون أوامر من موسكو". "وموسكو صامتة".

ومنذ ذلك الحين ظلت عبارة "موسكو صامتة" تطارد هذا الرجل الذي لم ينس الخطر الذي عاشه، والشعور بالإذلال حينما رأى الشيوعية تنهار في ألمانيا الشرقية.

استُدعي بوتين إلى لينينغراد في عام 1990، حيث كان الاتحاد السوفييتي على وشك الانهيار.

انعكاسات التجربة القاسية
كانت تجارب بوتين في جهاز الكي جي بي صعبة، خاصة تلك الليلة الدرامية التي لم ينس أحداثها، مما انعكس على شخصيته حين أصبح رئيسا للبلاد.

عرف الرئيس بوتين بعدائه الشديد للغرب، واتسمت فترة ولايته بتدخلات عسكرية كبيرة وتحركات دولية تحمل مواقف عدوانية.

وهذه قائمة تلخص الصراعات الرئيسية والمناورات الدولية التي قادها بوتين:

التدخلات العسكرية والحروب
لم يتوان بوتين عن الدخول في صراعات عسكرية رغم ما تعانيه بلاده من أزمات اقتصادية وحالة فقر ترهق حياة الروس. وفي كل كرة يقدم بوتين تبريرات فيما يتعلق بقراراته العسكرية.

حرب الشيشان الثانية (1999-2009)
بعد وقت قصير من تولي بوتين منصب رئيس الوزراء، شنت روسيا حملة عسكرية في الشيشان، بهدف قمع الحركة الانفصالية الشيشانية. وأدى الصراع إلى سقوط عدد كبير من الضحايا واتسم بانتهاكات لحقوق الإنسان.

حرب جورجيا (2008)
انخرطت روسيا في صراع دام 5 أيام مع جورجيا حول المنطقتين الانفصاليتين في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، مما أدى إلى اعتراف روسيا باستقلال المنطقتين، وهو ما لم تعترف به جورجيا وأغلب المجتمع الدولي.

ضم شبه جزيرة القرم (2014)
في أعقاب الاضطرابات السياسية في أوكرانيا، ضمت القوات الروسية شبه جزيرة القرم بعد استفتاء متنازع عليه. وأدى هذا التحرك إلى إدانات دولية وعقوبات ضد روسيا.

التدخل في شرق أوكرانيا (منذ 2014)
تورطت روسيا في الصراع الدائر في شرق أوكرانيا، حيث دعمت المتمردين الانفصاليين في منطقتي دونيتسك ولوغانسك. وكانت المشاركة نقطة توتر كبيرة بين روسيا والدول الغربية.

التدخل في سوريا (منذ 2015)
بدأت روسيا حملة جوية في سوريا لدعم رئيس النظام بشار الأسد، ضد جماعات المعارضة المختلفة، مما أثر بشكل كبير على مسار الحرب الأهلية السورية.

وتسبب الجيش الروسي في دمار كبير للمدن السورية، وقتل آلاف المدنيين في الغارات التي شنها بعنف في مختلف أنحاء البلاد.

غزو أوكرانيا (منذ 2022)
وفي فبراير 2022، تحولت التدخلات الروسية في أوكرانيا إلى غزو شامل بهدف إسقاط نظام الحكم هناك، والسيطرة على البلاد.

لكن الجيش الروسي واجه مقاومة شرسة من الجيش الأوكراني المدعوم من الولايات المتحدة والغرب، مما شكل ورطة لبوتين، الذي لم يتوقع ذلك، حيث أنهكت الحرب بلاده ماليا وعسكريا.

كما تسبب الغزو في تشديد الحصار الدولي على موسكو، مما أفقد اقتصاد البلاد القدرة على النمو، وعاش الروس في عزلة اقتصادية وسياسية.

العمليات السيبرانية والتدخل في الانتخابات
اتُهمت روسيا بشن هجمات إلكترونية وحملات تضليل للتأثير على الانتخابات والمشاعر السياسية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول أخرى.

ترامب يزيل السرية عن التحقيقات الفيدرالية حول التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية
روسيا متهمة بالتدخل في الانتخابات الأميركية وخاصة عام 2016

التدريبات العسكرية ومواجهات الناتو
أجرت روسيا مناورات عسكرية واسعة النطاق واقتربت من مواجهات مع قوات حلف شمال الأطلسي، مما أدى إلى زيادة التوترات وتسليط الضوء على العلاقات المتوترة بين روسيا والتحالف الغربي.

دعم الأنظمة الاستبدادية
عرضت روسيا، في عهد بوتين، الدعم للقادة والأنظمة الاستبدادية، بما في ذلك نيكولاس مادورو في فنزويلا، وكيم جونغ أون في كوريا الشمالية. وكثيرا ما عارضت مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الانسحاب من معاهدات دولية
انسحبت روسيا، في عهد بوتين، من معاهدات دولية أهمها الحد من الأسلحة، أو علقت مشاركتها فيها، بما في ذلك معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى مع الولايات المتحدة، بسبب "انتهاكات الأطراف الأخرى، ومخاوف تتعلق بالأمن القومي"، وفق زعم موسكو.

وتؤكد هذه التصرفات والتدخلات تركيز بوتين الاستراتيجي على استعادة وتعزيز نفوذ روسيا، وهو ما يتعارض في كثير من الأحيان مع المصالح الغربية والأعراف الدولية. لكن بوتين يصر على تحقيق أهدافه، ولو أدى ذلك إلى إراقة الدم في روسيا وخارجها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1066 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع