مسجد آيا صوفيا في تركيا
إرم نيوز/قحطان العبوش:تبهر القبة الكبيرة جداً في جامع أو كنيسة أو متحف آيا صوفيا أي زائر للبناء التاريخي الذي تجاوز عمره 1500 عام، لكن ما إن يخفض ذلك الزائر رأسه حتى تبهره مشاهد جديدة تشرح إلى حد كبير الاسم اليوناني للمكان، الذي يعني "حكمة الرب".
فآيا صوفيا شاهد على تاريخ تعايش طويل بين الإسلام والمسيحية، حيث يشاهد زوار المكان اليوم أينما التفتوا برؤوسهم الآيات القرآنية وعبارات التوحيد، بجانب الأيقونات المرسومة التي تمثل الديانة المسيحية التي بقيت في مكانها كل تلك السنين.
فتحتَ تلك القبة الواسعة التي تنافست إمبراطوريات التاريخ الكبيرة للسيطرة عليها، يؤدي الأتراك ومسلمون من طوائف متعددة، ومن مختلف دول العالم، طقوسهم الدينية التي تنشط في شهر رمضان الفضيل، بينما يقف على مقربة منهم داخل البناء مسيحيون أرثوذوكس وكاثوليك ومن طوائف صغيرة أخرى، وأديان وعقائد مختلفة.
ويعد البناء التاريخي أشهر المقاصد في إسطنبول، سواء لسكان المدينة أو لزوارها القادمين من مدن تركية أخرى، بجانب السياح القادمين من مختلف دول العالم، حيث نسج التاريخ حول آيا صوفيا الكثير من القصص التي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم.
وفي قبة آيا صوفيا وجدران البناء والساحات المحيطة به، حجارة ونقوش وأعمدة بنيت في مراحل تاريخية متفرقة، بعضها يعود لحقبة البيزنطيين الذين اتخذوها كنيسة رئيسية لديانتهم المسيحية الأرثوذكسية، وبعضها يمثل الصليبيين بديانتهم المسيحية الكاثوليكية، الذين غزوا القسطنطينية، أو إسطنبول كما هو اسمها حالياً، وسيطروا عليها قبل أن يستعيدها البيزنطيون مجدداً.
كما تبرز تحسينات وتطويرات السلاطين العثمانيين المسلمين على البناء خلال نحو خمسة قرون من حكمهم للإمبراطورية الإسلامية؛ فقد سعى كل من حكم إسطنبول للحفاظ على آيا صوفيا وإضفاء مزيد من القوة والجمال على ذلك المكان ذي الرمزية الدينية والتاريخية الكبيرة.
واللافت أن أهم عمليات الترميم في مبنى آيا صوفيا في العهد العثماني تحاشيا لانهيار بعض أجزائه المهددة بالسقوط، هي التي تمت بأمر من السلطان عبد المجيد الأول بين عامي 1847 و1849، وقد عهد بها إلى معماريين سويسريين هما الأخوان فوساتي.
ويطول الحديث عن آيا صوفيا، لكن يمكن اختصاره بالإشارة إلى أن البيزنطيين بنوها ككنيسة بين عامي 532 و 537 بالشكل الذي بقيت عليه حتى اليوم، حيث تميزه قبة كبيرة قطرها نحو 31 مترا.
حوّلها الصليبيون خلال حملتهم الرابعة عام 1204ميلادي إلى كاتدرائية كاثوليكية، لكنها عادت إلى كاتدرائية أرثوذكسية شرقية عند استرداد الإمبراطورية البيزنطية لأراضيها عام 1261، وظلت تمثل الكنيسة الرسمية للدولة، وأهم مكان يتوج فيه ملوكها على مدى 900 عام.
ويعد قبر الدوق إنريكوس دندالو في آيا صوفيا، حيث تم دفنه بنحت قبره في الرواق العلوي لبناء آيا صوفيا بين الطابقين، شاهداً على حقبة غزو الصليبيين للمدينة بقيادته لتلك الحملة الشرسة على القسطنطينية، إذ توفي عام 1205، بعد عام من قيادته حملة الغزو تلك.
تحوّلت آيا صوفيا من كنيسة إلى مسجد عند فتح القسطنطينية عام 1453 على يد السلطان محمد الفاتح، لتشهد تاريخاً طويلاً من التطوير والترميم والتوسعة، حتى تحولت إلى متحف في عهد الانتقال إلى النظام الجمهوري في تركيا، عقب سقوط نظام السلاطين العثمانيين، وبقيت كذلك 85 عاما، إلى أن عاد البناء مسجدا عام 2020، يقصده المصلون والزوار والسياح من كل الأديان والطوائف والدول.
1124 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع