هل يتجه البشر نحو الانقراض؟

يرى المختصون أنه بمجرد أن يدخل المجتمع فترة من معدلات الخصوبة المنخفضة، فإنه يبدأ تحولاً كبيراً في الأعراف المجتمعية التي يصبح من الصعب عكسها (أ ب)

ملخص

الأندبيندت عربية:يتعرض الأفراد، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو خلفيتهم الثقافية، بشكل متزايد للأفكار والممارسات والأعراف من جميع أنحاء العالم ويتأثرون بها بسبب عوامل مثل التحضر والتقدم التكنولوجي والعولمة. ويمكن لهذا التأثير أن يشكل جوانب مختلفة من الحياة، بما في ذلك قرارات تنظيم الأسرة

العالم على حافة تحول ديموغرافي كبير. وقريباً، إن لم يكن حدث بالفعل، قد ينخفض معدل الخصوبة العالمي إلى ما دون العتبة اللازمة للحفاظ على استقرار عدد السكان. هو تغير يحدث في جميع دول العالم تقريباً والنساء اللاتي اخترن إنجاب عدد أقل من الأطفال ينتمين إلى جميع مستويات الدخل، والخلفيات التعليمية، وكذلك المشاركة في القوى العاملة.

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عرضت لهذا الموضوع الذي قالت إنه يحمل آثاراً عميقة في نمط الحياة، والنمو الاقتصادي، والتوازن الجيوسياسي بين القوى العظمى في العالم.

الصحيفة الأميركية ذكرت أن معدلات الخصوبة في البلدان ذات الدخل المرتفع، انخفضت إلى ما دون مستويات الإحلال (معدل الخصوبة الذي يحافظ على استقرار عدد السكان مع مرور الوقت) في سبعينيات القرن الماضي، لتعود مجدداً للانخفاض خلال جائحة كورونا. كما وتشهد البلدان النامية أيضاً انخفاضاً في معدلات الخصوبة. وعلى رغم تجاوز الصين، باعتبارها الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العام الماضي، إلا أن معدل الخصوبة في الهند انخفض أيضاً إلى ما دون مستويات الإحلال.

ينظر عديد من الحكومات إلى انخفاض معدلات الخصوبة باعتباره مصدر قلق وطني. المقلق أن هذا التقلص قد يقود إلى تقلص القوى العاملة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، ونقص تمويل معاشات التقاعد، وغيرها من التحديات التي تواجه الحفاظ على مجتمع ديناميكي ومزدهر مع عدد أقل من الأطفال. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي انخفاض عدد السكان إلى تضاؤل النفوذ العالمي لبعض الدول، وهو ما يثير تساؤلات حول الترتيبات طويلة الأمد لدول مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا كقوى عظمى.

ويتوقع بعض علماء السكان أن يبدأ عدد سكان العالم في الانكماش خلال العقود الأربعة المقبلة، وهو أمر قل حدوثه في التاريخ. أحد الأمثلة البارزة هي جائحة الموت الأسود، أو الطاعون، الذي اجتاح أوروبا وآسيا في القرن الـ14، مما أدى إلى انخفاض كبير في عدد سكان العالم.

قضية تراجع الخصوبة حظيت باهتمام القادة السياسيين أيضاً. الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ذكر أن التهديد الذي يفرضه انخفاض الخصوبة للحضارة الغربية يفوق خطر روسيا. بدوره، قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا العام الماضي إن انخفاض معدل المواليد في البلاد يمكن أن يقوض أداء المجتمع. أما رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني فجعلت معالجة "رأس المال الديموغرافي" من أولى أولوياتها في البلاد.

"وول ستريت جورنال" قالت إنه وعلى رغم البرامج العديدة التي طرحتها الحكومات لوقف هذا التدهور، لكنها لم تحقق سوى قليل حتى الآن.

اتجاهات ديموغرافية مفاجئة

في عام 2017، توقعت الأمم المتحدة أن ينخفض معدل الخصوبة العالمي - وهو مقياس لمتوسط عدد الأطفال المتوقع أن تنجبهم المرأة في حياتها - من 2.5 إلى 2.4 بحلول أواخر عشرينيات القرن الحالي. لكن، وبحلول عام 2021، ذكرت الأمم المتحدة أن المعدل انخفض بالفعل إلى 2.3، وهو ما يقترب من الحد الذي يعتبره المختصون معدل الإحلال العالمي، الذي يبلغ نحو 2.2. هذا ويبلغ معدل الإحلال 2.1 في البلدان الغنية وأعلى قليلاً في الدول النامية.

على رغم أن الأمم المتحدة لم تنشر بعد معدلات الخصوبة المقدرة لعامي 2022 و2023، فقد طور مختصون تقديرهم الخاص من خلال الجمع بين توقعات الأمم المتحدة والبيانات الفعلية من تلك السنوات التي تغطي ما يقرب من نصف سكان العالم. النتيجة هي أن سجلات المواليد الوطنية عادة ما كانت تشير إلى أن الولادات تقل بنسبة 10 إلى 20 في المئة عن توقعات الأمم المتحدة.

على سبيل المثال، أبلغت الصين عن 9 ملايين ولادة في العام الماضي، وهو أقل بنسبة 16 في المئة من توقعات الأمم المتحدة. وفي الولايات المتحدة، ولد 3.59 مليون طفل العام الماضي، أي أقل بنسبة أربعة في المئة عما توقعته الأمم المتحدة. وفي بلدان أخرى، يكون التفاوت أكثر، إذ سجلت مصر انخفاضاً في الولادات بنسبة 17 في المئة العام الماضي، بينما سجلت كينيا انخفاضاً بنسبة 18 في المئة في عام 2022.

وفي إحصاءات مشابهة، توقعت الأمم المتحدة في عام 2017 أن يستمر عدد سكان العالم، الذي كان يبلغ آنذاك 7.6 مليار نسمة، في الارتفاع إلى 11.2 مليار بحلول عام 2100. لكن، وبحلول عام 2022، خفض هذا التوقع إذ من المتوقع الآن أن يبلغ البشر ذروة عددهم بـ10.4 مليار في ثمانينيات القرن الـ21. معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن لديه آراء أخرى، إذ توقع أن يصل عدد السكان إلى ذروته عند 9.5 مليار نسمة في عام 2061 قبل أن يبدأ في الانخفاض.

الجدير بالذكر أنه خلال فترة الجائحة، شهدت أعداد المواليد عالمياً زيادة كبيرة، لتعود بعدها وتنخفض، إذ بلغ معدل الخصوبة الإجمالي في الولايات المتحدة 1.62 العام الماضي، وهو أدنى مستوى له على الإطلاق.

هل نشهد تحولاً ديموغرافياً ثانياً؟

غالباً ما يشير المؤرخون إلى مرحلة انخفاض الخصوبة التي بدأت مع الثورة الصناعية في القرن الـ18 باعتبارها تحولاً ديموغرافياً. ومع ارتفاع متوسط العمر المتوقع حينها وبقاء مزيد من الأطفال على قيد الحياة حتى مرحلة البلوغ، تضاءلت الرغبة في تكوين أسر أكبر. إضافة إلى ذلك، ومع حصول المرأة على التعليم وانضمامها إلى القوى العاملة، أصبحت أكثر ميلاً إلى تأخير الزواج والإنجاب، وبالتالي إنجاب عدد أقل من الأبناء.

ينظر بعض علماء السكان إلى هذه الظاهرة على أنها جزء من "التحول الديموغرافي الثاني". وعلى النقيض من التحول الأول، الذي كان مدفوعاً في المقام الأول بالتحسن في الصحة العامة والتنمية الاقتصادية، فإن التحول الثاني كان مدفوعاً بعوامل ثقافية واجتماعية. في هذا التحول، هناك إعادة توجيه مجتمعي واسع النطاق نحو الفردية، إذ يولي الأفراد أهمية أكبر للاستقلالية الشخصية، وتحقيق الذات، والاستقلال. ويؤدي هذا التحول في القيم إلى انخفاض التركيز على المؤسسات التقليدية مثل الزواج والأبوة. وكجزء من هذا التحول، ينظر إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال أو عدم إنجابهم على الإطلاق على أنه خيار صالح يتماشى مع التطلعات الفردية وتفضيلات نمط الحياة.

وفي دراسة لأسباب انخفاض معدلات المواليد خلال العقدين السابقين، وبحسب الصحيفة الأميركية مجدداً، تكهن بعضهم في الولايات المتحدة بأن النساء قمن بتأجيل إنجاب الأطفال لعدم اليقين الاقتصادي في أعقاب الأزمة المالية عام 2008. ومع ذلك، وجد بحث حديث قامت به جامعة ميرلاند الأميركية عام 2021، أن عوامل مثل الاختلافات على مستوى الولاية في القوانين المتعلقة بالإجهاض، ومعدلات البطالة، وتوافر المعونة الطبية، وتكاليف السكن، واستخدام وسائل منع الحمل، والتدين، وتكاليف رعاية الأطفال، وديون الطلاب، يمكن أن يكون لها أثر ضئيل جداً في هذا الانخفاض. وخلصوا إلى أن هذا التحول يعكس على الأرجح تغييرات مجتمعية أوسع نطاقاً يصعب قياسها أو تحديدها بدقة.

يتعمق البحث في الديناميكيات المتطورة لصنع القرار العائلي والتقاطع بين التفضيلات الشخصية وخيارات نمط الحياة والتكاليف والفوائد المرتبطة بتربية الأطفال. فمن جهة، قد لا تكون الكلفة الفعلية لتربية الأطفال ارتفعت بشكل ملحوظ مع مرور الوقت، إلا أن تصورات الآباء للنفقات والتضحيات التي تنطوي عليها تربية الأطفال تطورت. ويمكن أن يتأثر هذا التصور بعوامل مختلفة، بما في ذلك الأعراف المجتمعية، والظروف الاقتصادية، والظروف الفردية.

من جهة أخرى، أشار البحث إلى التفضيلات المتغيرة للأفراد، وخصوصاً في ما يتعلق بكيفية تخصيص وقتهم ومواردهم. فكثير من الناس في الوقت الحاضر يعطون الأولوية لجوانب مثل بناء مهنة، ومتابعة الأنشطة الترفيهية، والاهتمام بالعلاقات خارج المنزل. غالباً ما تتنافس هذه المساعي على الوقت والاهتمام مع مسؤوليات تربية الأطفال.

في المحصلة، يرى بعضهم أن هناك مقايضة بين استثمار الوقت والطاقة في التقدم الوظيفي، والأنشطة الترفيهية، والعلاقات الاجتماعية، ومتطلبات الإنجاب ورعاية الأطفال. بالتالي قد يرى الأفراد الذين يعطون الأولوية لجوانب أخرى من حياتهم أن إنجاب الأطفال لا يتوافق مع أسلوب حياتهم المفضل.

ترابط الثقافة العالمية

يتعرض الأفراد، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو خلفيتهم الثقافية، بشكل متزايد للأفكار والممارسات والأعراف من جميع أنحاء العالم ويتأثرون بها بسبب عوامل مثل التحضر والتقدم التكنولوجي والعولمة. ويمكن لهذا التأثير أن يشكل جوانب مختلفة من الحياة، بما في ذلك قرارات تنظيم الأسرة، والخيارات المهنية، والمواقف الاجتماعية، إذ يتبنى الناس ممارسات وقيم تتماشى مع الاتجاهات العالمية الأوسع وليس فقط مع العادات المحلية أو التقليدية.

على سبيل المثال، في الهند، حيث تنخفض معدلات الخصوبة إلى ما دون مستويات الإحلال – على رغم التحديات الاقتصادية التي يواجهها الناس هناك وعدم انخراط المرأة في سوق العمل بشكل كبير، وهي العوامل التي ترفع عادة معدلات الخصوبة - يبدو تأثير الثقافة العالمية واضحاً. لقد أتاح انتشار التحضر والوصول إلى الإنترنت للنساء، حتى في القرى الأكثر هيمنة للذكور فيها، فرصة التعرف على مجتمعات يكون فيها إنجاب عدد أقل من الأطفال والتمتع بنوعية حياة أعلى أمراً شائعاً. وهو ما أشار إليه ريتشارد جاكسون، رئيس المعهد العالمي للشيخوخة، قائلاً إن "الناس مرتبطون بالثقافة العالمية".

وعلى نحو مماثل، فإن أنماط الخصوبة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، التي بدت حتى وقت قريب مخالفة للانحدار العالمي في معدلات الخصوبة، بدأت تتحول مع تبني مزيد من النساء في سن الإنجاب وسائل منع الحمل الحديثة. ويعزو خوسيه ريمون، أستاذ الصحة العامة في جامعة جونز هوبكنز، هذا التحول إلى مبادرات الزعماء الأفارقة، التي يتوقع أنها ستؤدي إلى تسريع انخفاض معدلات الخصوبة بما يتجاوز توقعات الأمم المتحدة الحالية.

يرى المختصون أنه بمجرد أن يدخل المجتمع فترة من معدلات الخصوبة المنخفضة، فإنه يبدأ تحولاً كبيراً في الأعراف المجتمعية التي يصبح من الصعب عكسها. ومع ولادة عدد أقل من الأطفال وصغر حجم الأسر، فإن ذلك يغير المشهد الاجتماعي والديناميكيات داخل المجتمعات. أي أن الانخفاض الملحوظ في عدد الأطفال بين الزملاء والأقران والجيران يخلق مناخاً اجتماعياً جديداً حيث تصبح الأسر الصغيرة هي القاعدة. ومن الممكن أن يؤثر هذا التحول في التصورات والسلوكيات والتوقعات المتعلقة بحجم الأسرة، وممارسات تربية الأطفال، وديناميكيات المجتمع، مما يعزز الاتجاه نحو انخفاض معدلات الخصوبة.

سياسات جديدة

نفذت الحكومات سياسات مؤيدة للإنجاب في محاولة لعكس اتجاه انخفاض معدلات الخصوبة.

اليابان، على وجه الخصوص، لديها تاريخ طويل من هذه الجهود. فبعد بلوغ معدلات الخصوبة حداً مقلقاً عند 1.5 في أوائل التسعينيات، أطلقت الحكومة سلسلة من المبادرات المختلفة مثل إجازة الأبوة ورعاية الأطفال المدعومة، إلا أن معدلات الخصوبة استمرت في الانخفاض. بحسب المسؤولين كان الوضع الاقتصادي هو السبب: فالناس لا يستطيعون الزواج أو إنجاب الأطفال. لكن حتى بعد تنفيذ البرامج التي تقدم رعاية مجانية للأمهات عند الولادة في المستشفيات وتخصيص رواتب عند الولادة، لم يشهد معدل الخصوبة سوى زيادة موقتة قبل أن ينخفض مرة أخرى.

واستجابة لتحدي الخصوبة المستمر، قدم رئيس الوزراء فوميو كيشيدا مجموعة أخرى من التدابير الرامية إلى تعزيز الولادات. وتشمل هذه التدابير تقديم مرتبات شهرية لجميع الأطفال تحت سن 18 سنة، بغض النظر عن الدخل، وتوفير التعليم الجامعي المجاني للأسر التي لديها ثلاثة أطفال، وتقديم إجازة أبوة مدفوعة الأجر بالكامل.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1041 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع