الحرة - دبي:مع صعوده إلى السلطة عام 2021، كانت الموجة قوية ضد الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، بسبب قيادته لما عرفت بـ"لجنة الموت" في عام 1988، واتهامه بالمسؤولية عن إعدام آلاف السجناء السياسيين بنفس العام، إلا أن رده على تلك الاتهامات كان بأنه يعتز بكونه "مدافعا عن أمن الشعب".
قال رئيسي حينذاك ردا على الاتهامات التي تسببت في إدراجه على قائمة العقوبات الأميركية: "إذا دافع قاض، مدع عام، عن أمن الشعب، فإنه يتعين الإشادة به".
وأضاف: "كل الأعمال التي قمت بها خلال فترة استلامي لمنصبي كانت دائما في اتجاه الدفاع عن حقوق الإنسان.. اليوم في المنصب الرئاسي، أشعر بأنني مضطر للدفاع عن حقوق الإنسان"، وفق رويترز.
وأعلن التلفزيون الرسمي الإيراني، الإثنين، مصرع رئيسي ومرافقيه، ومن بينهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، إثر تحطم مروحيتهم فوق غابات محافظة أذربيجان الشرقية شمال البلاد، لدى عودتهم من حدود أذربيجان، حيث تم افتتاح سد مع الرئيس الأذري إلهام علييف.
كان على متن المروحية بجانب رئيسي وعبد اللهيان، محافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، وإمام جمعة محافظة تبريز، محمد علي آل هاشم، بجانب 5 أشخاص آخرين من طاقم المروحية والوفد الرئاسي.
وصعد رئيسي إلى سدة الحكم في إيران بعد فترة قضاها رئيسا للسلطة القضائية الإيرانية، إذ شهدت الانتخابات التي جرت في عام 2021، فوزه بالمنصب الرئاسي، في استحقاق شهد أدنى نسبة تصويت في تاريخ البلاد.
وفي سعيه لمنصب الرئيس، خسر رئيسي أمام المرشح البراغماتي حسن روحاني، في انتخابات عام 2017. وأرجع متابعون فشله على نطاق واسع إلى تسجيل صوتي يعود لعام 1988، ظهر في 2016 وتردد أنه أماط اللثام على دوره في عمليات الإعدام التي نُفذت خلال ذلك العام.
وفي التسجيل، تحدث حسين علي المنتظري، الذي كان يشغل منصب نائب الزعيم الإيراني في تلك الفترة، عن عمليات القتل. وجرى إلقاء القبض على نجل المنتظري وسجنه بسبب نشره للتسجيل.
"لجان الموت"
مع توليه الرئاسة، دعت منظمة العفو الدولية إلى ضرورة إخضاع رئيسي للتحقيق في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، متمثلة في القتل والإخفاء القسري والتعذيب، بدلا من صعوده إلى الرئاسة.
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، فقد شهدت فترة الثمانينيات إقامة محاكم تفتيش عُرفت باسم "لجان الموت" في جميع أنحاء إيران. وكانت تضم قضاة من رجال الدين وممثلين للادعاء العام ووزارة المخابرات، لتحديد مصير آلاف المعتقلين في محاكمات تعسفية كانت تستمر بضعة دقائق فقط.
ورغم أنه لم يتم تأكيد عدد من قتلوا في أنحاء إيران، فإن منظمة العفو الدولية تقول إن التقديرات تشير إلى أن العدد قريب من 5 آلاف.
وتدرج رئيسي في صفوف رجال الدين الشيعة في إيران إلى أن عينه المرشد الأعلى علي خامنئي في منصب رئيس السلطة القضائية عام 2019.
وبعد ذلك بوقت قصير، جرى انتخابه نائبا لرئيس مجلس الخبراء، وهو هيئة دينية تتألف من 88 عضوا، يقع على عاتقها انتخاب الزعيم الأعلى المقبل.
وقال هادي غائمي المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران، ومقره نيويورك، إن "رئيسي هو أحد أعمدة نظام يسجن ويعذب ويقتل الأشخاص الذين يتجرأون على انتقاد سياسات الدولة". وتنفي إيران من جانبها تعذيب المعتقلين، وفق رويترز.
من جانبها، قالت الأمينة العام للمنظمة، أنياس كالامار، عند صعود رئيسي إلى الحكم، إنه "تذكير مروع بأن ظاهرة الإفلات من العقاب تسود في إيران"، مضيفة: "في عام 2018 وثقت منظمتنا كيف كان إبراهيم رئيسي عضواً في لجنة الموت التي أخفت قسراً وأعدمت خارج نطاق القضاء سراً آلاف المعارضين السياسيين، في سجني إيفين وغوهردشت بالقرب من طهران، عام 1988".
وأوضحت أن السلطات الإيرانية "تخفي بشكل ممنهج الظروف المحيطة بمصير الضحايا، وأماكن وجود جثامينهم، مما يرقى إلى جرائم مستمرة ضد الإنسانية".
وفي حوار مع وكالة رويترز، عام 2021، دعا المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمن، إلى إجراء تحقيق مستقل في واقعة عام 1988، ودور الرئيس الراحل في تلك العمليات.
وقال رحمن في المقابلة، إن مكتبه "جمع على مر السنين الشهادات والأدلة، وكان مستعدا لمشاركتها إذا قام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو هيئة أخرى بإجراء تحقيق محايد".
واستطرد: "أعتقد أن الوقت حان.. من المهم جدا الآن مع كون السيد رئيسي هو الرئيس (المنتخب) أن نبدأ التحقيق فيما حدث عام 1988، ودور الأفراد".
وقال المحقق الدولي: "حجم الإعدامات (عام 1988) التي نسمعها تشير إلى أنها كانت جزءا من سياسة يتم اتباعها.. لم يكن مجرد شخص واحد".
"أكبر جريمة"
ونقلت صحيفة "تايمز" البريطانية، في تحقيق قبل سنوات، شهادات سجناء سياسيين سابقين تحدثوا عن إشراف رئيسي، الذي كان مدعيا، على عمليات التعذيب والرجم والاغتصاب والرمي من المنحدرات والإعدام الجماعي للسجناء في ثمانينيات القرن الماضي.
وقال شهود آخرون للصحيفة، إن نشطاء من بينهم مراهقات ونساء، "عُصبت أعينهم وأجبروا على خوض عمليات إعدام وهمية واغتصاب قبل أن يتم شنقهم".
ويقول محمود رويعي، وهو سجين سياسي سابق استجوبه رئيسي، خلال حملة عام 1988، إن الرئيس الراحل أصدر حكما بالإعدام على نزيل كان يعاني من حالة خطيرة من الصرع.
وأوضح للتايمز: "تم اقتياده إلى ممر الموت، حيث كان السجناء ينتظرون قبل الإعدام. كان يعاني من نوبة صرع، لكن رئيسي حكم عليه بالإعدام. لم يستطع المشي. ولكن في اليوم ذاته، وعلى الرغم من قضاء عقوبته بالكامل، تم إعدامه".
وأمر رئيسي أيضا، وفق شهادة رويعي، برمي شاب، لم يذكر تهمته، من أعلى جبل كعقاب، عندما كان المدعي العام في مدينة كرج.
ويعتبر مركز إيران لحقوق الإنسان، أن سجل رئيسي في انتهاك حقوق الإنسان "سيئ"، وأطلق عليه لقب "قاضي الموت" بسبب تورطه ضمن لجنة تضم 4 أشخاص آخرين، في إصدار أحكام الإعدام في الثمانينيات.
وقال المركز إن "الأحكام التي أصدرتها لجنة الموت، تعد أكبر جريمة ارتُكبت منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979".
وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على رئيسي منذ عام 2019، لأسباب من بينها تورطه في تلك الإعدامات الجماعية.
حملة قمع
ولد رئيسي في مدينة مشهد شمال شرقي إيران في نوفمبر 1960، وبدأ رحلته في المجال العام بينما كان رجل دين شابا في مدينة قم، حيث قابل هناك المرشد الإيراني الحالي خامنئي، وشارك في ثورة 1979 ضد نظام الشاه المدعوم من الغرب، واختير ضمن 70 طالبا لدورة تدريبية في كيفية إدارة الحكم، وكان خامنئي أحد مدرسيه.
بدأت رحلته مع المناصب العامة في سن مبكرة، إذ عُين مدعيا عاما في مدينة كرج قرب طهران، وهو لا يزل في العشرين من العمر، وذلك بعد فترة وجيزة من "الثورة الإسلامية".
وأمضى رجل الدين الشيعي قرابة 3 عقود في هيكلي السلطة القضائية، متنقلا بين عدة مناصب، من بينها مدعي عام طهران بين عامل 1989 و1994، ومعاون رئيس السلطة القضائية اعتبارا من 2004 حتى 2014، حين تم تعيينه مدعيا عاما للبلاد.
في 2016، أوكل إليه خامنئي، مهمة سادن "مشرف" العتبة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد، وعيّنه بعد 3 أعوام على رأس السلطة القضائية، أحد الأركان الأساسية للنظام السياسي.
وقالت منظمة العفو الدولية إن رئيسي بصفته رئيسا للقضاء الإيراني قاد "حملة قمع متصاعدة ضد حقوق الإنسان شهدت اعتقالاً تعسفياً لمئات المعارضين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وأفراد الأقليات المضطهدة".
وتابعت: "تحت إشرافه، منح القضاء أيضاً حصانة شاملة للمسؤولين الحكوميين وقوات الأمن المسؤولة عن القتل غير المشروع لمئات الرجال والنساء والأطفال، وتعريض آلاف المحتجين للاعتقالات الجماعية، وما لا يقل عن المئات إلى الاختفاء القسري، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، أثناء الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد في نوفمبر 2019 وفي أعقابها".
1027 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع