الانتخابات جزء من مشاكل العراق لا جزء من حلولها
استعصاء تشكيل الحكومتين المحليتين لكل من محافظتي كركوك وديالى لا يعتبر فقط مشكلة ذات طابع محلي وجهوي، لكنه يمثل أيضا عائقا أمام جهود رئيس الحكومة الاتحادية لاستكمال ترتيب أوضاع المحافظات والمضي في تنفيذ مخططه التنموي الذي يريد أن يجعل منه إنجازه الشخصي وأساسا للحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة.
العرب/كركوك (العراق) - أصبح سيناريو إلغاء نتائج الانتخابات في محافظة كركوك بشمال العراق، مطروحا كحلّ لاستعصاء تشكيل الحكومة المحلية بعد مضي قرابة الستة أشهر على إجراء الانتخابات الماضية التي أفضت إلى نتائج متقاربة عسّرت عملية تقاسم المناصب بين القوى المتنافسة عليها بشراسة على أسس قومية وطائفية وحزبية.
وأصبحت كركوك التي تضم خليطا من القوميات والطوائف وتعيش وضعا استثنائيا حساسا بسبب مطالبة أكراد العراق بضمّها إلى إقليمهم وتمسّك السلطات الاتّحادية العراقية برفض تلك المطالبة، نموذجا على الثغرات القانونية والدستورية التي كثيرا ما تمنع النظام العراقي القائم بعد الغزو الأميركي من تجاوز مشاكله وانسداداته المتكرّرة، بسلاسة وتلافي ما ينجم عنها من توتّرات.
ودار الصراع في كركوك إثر الانتخابات المحلية التي أجريت في ديسمبر الماضي بشكل أساسي حول منصبي المحافظ المسؤول التنفيذي الأول، ورئيس مجلس المحافظة.
ومثّل الأكراد والعرب والتركمان الأقطاب الرئيسية في ذلك الصراع حيث تمسّك المكون الكردي بالحق في منصب المحافظ، بينما أصرّ المكون العربي على الاحتفاظ بالمنصب الذي حصل عليه منذ سنة 2017 كما دخل المكوّن التركماني على خطّ المطالبة بامتياز قيادة محافظة كركوك على أساس أنّه حرم منه من قبل، وجاء دوره الآن. وداخل هذه القطبية القومية تدور صراعات فرعية حزبية أحيانا وطائفية أحيانا أخرى.
ومنح رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني مهلة قصيرة لفرقاء كركوك للتوافق على تشكيل الحكومة المحلية، بينما طالب تحالف سياسي في كركوك بإعادة انتخابات مجلس المحافظة كحل وحيد لحالة الاستعصاء القائمة.
ويمثّل الوضع في كركوك وكذلك في ديالى التي تشهد بدورها تعذّرا في تشكيل حكومتها المحلية بالنسبة للسوداني حجر عثرة في طريق استكمال ترتيب أوضاع المحافظات بشكل كامل، وتنفيذ مخطّط التنمية الجهوية الذي يرغب في تسريع إنجازه خلال الفترة المتبقية من عمر حكومته، تمهيدا لخوض الانتخابات البرلمانية المقررة لسنة 2025، أملا في الحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة وذلك على أساس ما أنجزه خلال ولايته الحالية.
وقال محمد البياتي، النائب السابق في البرلمان العراقي، إنّ رئيس الوزراء منح فرصة محدّدة زمنيا لتشكيل حكومة كركوك المحلية، موضّحا أنّه في حال الفشل في ذلك سيتم اللجوء إلى المحكمة الاتحادية لحل مجلس المحافظة.
وأشار البياتي إلى أن مجلس كركوك بقواه السياسية لم يفلح طيلة أشهر “في حسم خياراته في تشكيل الحكومة المحلية وتحديد بوصلته في تحديد المرشحين رغم عقد العديد من اللقاءات والمباحثات بين مختلف قواه في المحافظة وفي بغداد لكنها لم تصل إلى نتيجة”.
وأضاف متحدّثا لوكالة بغداد اليوم الإخبارية أنّ “القانون واضح في ضرورة حسم خيارات تشكيل الحكومة من ناحية اختيار المحافظ ونوابه ورئيس المجلس وبقية المناصب الأخرى خلال ثلاثة أشهر لكن هذا لم يتحقق من قبل مجلس كركوك”، مشيرا إلى “وجود مطالب بحل المجلس وإجراء انتخابات جديدة”، معتبرا أنّ “الكرة الآن في ملعب السلطة التشريعية من أجل إصدار قرار بهذا الاتجاه وإنهاء العقد السياسية في محافظة تعاني من تحديات عدة”.
وكان تحالف كركوكنا قد دعا إلى إعادة انتخابات مجلس محافظة كركوك، قائلا في بيان إن “السبيل الوحيد لإعادة الاستقرار السياسي والأمني في كركوك هو بإعادة الانتخابات فيها، لكون المحافظة لها وضع خاص منذ 2003 وحتى الآن، وتختلف عن بقية المحافظات”.
واعتبر التحالف أن “تهميش التركمان الشيعة وإبعادهم عن المعادلة السياسية في كركوك، أدى إلى أزمة سياسية وانسداد كبير في المحافظة”، محذّرا من فقدان الثقة بين الأطراف السياسية غير الراغبة في تقديم أي تنازلات، ومشيرا إلى أن “جميع دول العالم تلجأ إلى إعادة الانتخابات في حال الوصول إلى طريق مسدود”.
كما شكا التحالف في بيانه من “استبعاد التركمان الشيعة في كركوك تارة بسبب سوء إدارة مفوضية الانتخابات في المحافظة، وتارة بسبب أطراف لا ترغب في وجودهم في المعادلة السياسية الأمر الذي أدى إلى خلل في التوازن وفقدان للاستقرار”.
ويتألف مجلس محافظة كركوك من ستة عشر مقعدا وينقسم أعضاؤه إلى جبهتين؛ التركمان والعرب ولديهم ثمانية مقاعد، والأكراد الذين يدعمهم عضو مسيحي ولديهم عدد مماثل من المقاعد ويتطلعون إجمالا إلى استعادة منصب المحافظ، لكنّهم غير متفقين داخليا إذ يمثلهم الحزبان الغريمان حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني.
وأبدى حزب الاتّحاد الذي حقق النتيجة الأفضل في الانتخابات المحلية الأخيرة بكركوك بفوزه بخمسة مقاعد مرونة إزاء مقترح تدوير منصب المحافظ بين المكوّنات، وأعلن الأحد عبر كتلته في مجلس محافظة كركوك موافقته على تدوير المنصب لمدّة عامين.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن رئيس الكتلة ريبوار طه قوله إنّ الحزب “وافق على تدوير منصب محافظ كركوك لسنتين وإشراك جميع مكوناتها في إدارة المحافظة”، مضيفا قوله “نحن ننتظر موعد الاجتماع مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لإدارة الحوارات حيث حدد في الجلسة السابقة مهلة الأسبوعين والتي تنتهي بعد عطلة عيد الأضحى”.
وأوضح طه أنّ التدوير الذي وافق عليه الحزب يكون بين الأكراد والعرب “كون الاستحقاق الانتخابي للمكون الكردي يعطيه الحق في أن يكون منصب المحافظ له مع إشراك باقي المكونات”.
وبشأن المقترح الذي طرحته بعض المكونات بأن يتمّ تدوير المناصب بين جميع مكونات المحافظة لمدة ستة أشهر لكل منها، قال طه إن “هذا المقترح لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع”، مؤكّدا “نحن رفضنا هذا المقترح كون المنصب وكركوك بحاجة الى استقرار إداري لتوفير المشاريع والخدمات”.
ولتجنّب سيناريو إعادة الانتخابات تجري في كركوك محاولات أخيرة لتجاوز عقدة تشكيل الحكومة بجهود الفرقاء هناك. وقال أحمد فاتح عضو مجلس المحافظة إنّ الجهود تنصب على عقد جلسة لمجلس المحافظة قبل عيد الأضحى يديرها أكبر الأعضاء سنا وتكون الأطراف المكونة للمجلس بعدها ملزمة بالموعد القانوني وهو ثلاثون يوما لانتخاب رئيس له.
ولا تزال المناصب القيادية في محافظة كركوك رغم الوضع الحساس تدار بالوكالة بما في ذلك منصب رئيس مجلس المحافظة ونائبه والمحافظ ونائباه.
ومع تواصل حالة الانسداد في المحافظة برزت مجددا إمكانية اللجوء إلى القضاء العراقي لفكّ عقدة تشكيل الحكومة المحلية. وقال البياتي إنّ “الجميع بانتظار الفرصة التي قدمها رئيس مجلس الوزراء لمجلس كركوك للتوافق بعد عيد الأضحى، وبخلاف ذلك ستقدم العديد من النخب دعاوى إلى المحكمة الاتحادية بحل مجلس كركوك وفق الضوابط القانونية”.
وتتساءل جهات مطلعة على الوضع في كركوك بشأن ما إذا كانت إعادة الانتخابات تمثل بالفعل حلاّ مضمونا لعقدة تشكيل الحكومة المحلية، لافتة إلى أنّ قيام نفس الظروف والتوازنات التي جرت في ظلها الانتخابات السابقة يمكن أن تفضي إلى ذات النتائج وتفتح بالتالي على نفس الإشكاليات.
ورأت ذات الجهات أن ما يحتاجه العراق ليس مثل هذه الحلول الترقيعية الظرفية التي تجعل المشاكل والانسدادات تتوالد وتتكرّر بشكل مستمر، وإنّما مراجعات تشريعية وقانونية جريئة تجتث المشاكل من جذورها، وهو أمر غير متاح حاليا بسبب وجود قوى سياسية متنفذة مستفيدة من الثغرات القانونية والدستورية الكثيرة وتعرف كيف توظّفها لمصلحتها، بدليل استفادة جهات بعينها من عملية تفسير المادة الدستورية الفضفاضة المتعلّقة بتحديد ماهية الكتلة النيابية الأكبر تحت قبّة البرلمان الاتّحادي.
1022 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع