شفق نيوز/ بين الخان الكبير وخان التمر وسط محافظة كركوك يستقر سوق "قيصرية كركوك" كما يسميه أهالي المحافظة، الاسم الذي حمله هذا السوق منذ عقود، مزدحماً بالناس ومجموعة من المهن والمتاجر المتنوعة، التي تستقطب المتبضعين من أهالي المحافظة والمحافظات المجاورة، سواء لاقتناء البضائع أو للتجول في هذا المعلم التراثي.
ورغم أن سوق "قيصرية كركوك" قد تعرض لحريق كبير في عام 2018، التهم بضائع المحال التجارية فيه وتسبب بخسائر مالية بلغت ملايين الدولارات، خاصة لأصحاب محال بيع الذهب في السوق، إلا أنه بعد سنوات عاد لرونقه من جديد ورجعت محلاته ممتلئة بالبضائع والناس.
اسم "القيصرية"
وتسمية السوق بـ"القيصرية" جاءت من كونها تقتصر على بيع أشياء محددة دون سواها، غير أن هذا الاسم لم يفارق السوق حتى بعد أن تحول إلى مكان لبيع كل شيء وأي شيء في عقود سابقة. وما زالت "القيصريات" حتى الآن مقصد الناس للتسوق، وفيها تتوزع عشرات الدكاكين الصغيرة ومتوسطة الحجم، ويباع فيها كل شيء تقريباً من البهار والمواد والحاجيات المنزلية الضرورية مروراً بالملابس وحاجات النساء الخاصة انتهاء بالفاكهة والقماش.
قيصرية كركوك أحد تلك الأماكن التي تعد مقصداً رئيسياً للناس، وشيدت كمركز تجاري لتسهيل عمليات البيع والشراء لسكان مدينة كركوك في العهد العثماني عام 1855، بحسب ما جاء في "السفرنامة" العثمانية، وأعيد إعماره وتأهيله عام 1978، ومساحة الدكاكين لا تتجاوز عرض مترين وطول ثلاثة أمتار، وبعضها يصل إلى مترين طولا وعرضا، بالإضافة إلى أن جميع قبابها مبنية من الحجر والجص، إذ تمتاز مناطق شمال العراق بهذا النوع من البناء.
كما يتميز السوق، كباقي الأبنية التاريخية والتراثية في كركوك معمارياً بأقبية وأقواس وزخارف، ومن أبرز خصائص قبة هذا السوق تخفيف القوى الضاغطة على الجدران، وبالتالي على أساس البناء، وتعلو سطح القيصرية قُبب مسطحة في منتصف كل منها فتحة سقفية لأغراض الإضاءة والتهوية، أما الأقواس التي تزين مداخل السوق ودكاكينه فهي من الجص أو من الرخام المدبب، وهي مثل أية بناية تاريخية وتراثية في كركوك لا تخلو من الزخارف التجميلية والرسوم التراثية والقومية والثقافية التي تترجم واقع التلون القومي في المدينة منذ عصور غابرة.
هندسة فريدة
يتميز السوق بطريقة عجيبة في تقاسيم بنائه من حيث اعتماد أيام الأسبوع والشهر والسنة، وهذه ميزة معمارية وقبابها أسلوب عثماني مميز وهي متعارفة في نوع البناء العثماني القديم، وقيصرية كركوك الرئيسية مميزة في كل شيء، حيث شيدت على أساس الأوقات، إذ تحتوي على 365 دكاناً ترمز إلى عدد أيام السنة، و24 فرعاً ترمز إلى عدد ساعات اليوم، و12 غرفة صغيرة في طابقه العلوي كإشارة إلى عدد أشهر السنة، و7 أبواب إشارة إلى عدد أيام الأسبوع.
ولم يكتف معماريو السوق بذلك بل هداهم خيالهم الخصب إلى أن يجعلوا أحد المداخل السبعة تستقبل الشمس حين تشرق، ومدخل آخر يودعها حينما تغيب واستقطب السوق أرباب الحرف المختلفة و زبائنهم، فقد شغل دكاكينه باعة مختلفون.
ويقول مدير آثار وتراث كركوك رائد عكلة، في تصريح لوكالة شفق نيوز، إن "قيصرية كركوك تعتبر واحدة من المواقع الأثرية المهمة في المحافظة ولها عمارة فريدة في البناء والتصميم، وهي جزء من الحضارة التي تعاقبت على كركوك الغنية بالمواقع الأثرية".
ويشير إلى أن "العمارة في بناء القيصرية يجعلها واحدة من أهم المواقع التراثية التي لا تزال شاخصة وهي جزء من حضارة كركوك الموغلة في عمق التاريخ وتعتبر سوقاً تجارياً مهماً في الخارطة الاقتصادية والسياحية في كركوك".
بضائع متنوعة
ويشتهر سوق القيصرية في بيع الملابس والذهب والأعشاب والاواني النحاسية والمستلزمات المدرسية ومواد التجميل للنساء ومنتجات اخرى.
ويقول أحمد البياتي، وهو صاحب متجر في قيصرية كركوك، لوكالة شفق نيوز، ان "إيران وتركيا والإمارات وسوريا هي وجهتنا في استيراد المنتجات ومنها الذهب ومواد التجميل، والمواد الأخرى تأتي من بغداد وإقليم كوردستان العراق".
وتابع القول إن "المحال بين بيع الذهب والمواد التجميلية والألبسة وغيرها من المهن التجارية، فالقيصرية ليست سوقاً تجارياً بل تمثل تاريخاً وحضارة كركوك وتجمع كل القوميات، ولا يقتصر السوق التاريخي على الاستيراد، فهناك حرف يدوية أبدع فيها أصحابها، ومنها صناعة الفخار والأواني النحاسية فضلا عن صناعات شعبية في كركوك".
2180 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع