طهران مخترقة من الداخل.. فماذا عن بغداد

 هناك حتما ما يمر دون أن تدركه العين المجرّدة

العرب:اختراق إسرائيل للساحة الداخلية الإيرانية بالسهولة التي بدأت تتكشف تباعا يتضمن إنذارا لحلفاء الجمهورية الإسلامية في العراق الذين لا يرون وجود ما يمنع من اختراق بغداد ما دامت طهران، المفترض أنّها حصينة بإمكانياتها الأمنية الكبيرة وأجهزتها العقائدية، مخترقة على ذلك النطاق الواسع الذي أعلنته تل أبيب مؤخرا.

أثار إعلان إسرائيل عن اختراقها الاستخباراتي واسع النطاق لإيران، قلقا ومخاوف أمنية لدى قوى عراقية من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة ذات علاقة وطيدة بالجمهورية الإسلامية تخشى أن تكون أعين المخابرات الأجنبية تترصّدها وتتربّص بها عن قرب داخل معاقلها في بغداد وغيرها من مدن البلاد، مثلما تتعقّب أعين الموساد الإسرائيلي كبار القادة الأمنيين الإيرانيين والعلماء والمشرفين على البرنامج النووي الإيراني في قلب العاصمة طهران، وفقا لما صرّح به حديثا رئيس المخابرات الإسرائيلي دافيد برنياع.

ويمثّل حجم الاختراق الإسرائيلي للداخل الإيراني صدمة استثنائية لحلفاء إيران في العراق إذ يكشف لهم هشاشة غير متوقّعة في الجدار الدفاعي والأمني لحليفتهم التي يعتبرونها قائدة لمحورهم ونموذجا مفترضا في إحكام أجهزتها الأمنية وتطور وسائل تلك الأجهزة فضلا عن عقائديتها.

وتتساءل أوساط عراقية عما يمنع من اختراق العراق وعاصمته بغداد استخباراتيا على غرار اختراق إسرائيل لإيران، كون الساحة العراقية أكثر انفتاحا من نظيرتها الإيرانية. وكثيرا ما ينظر قادة أحزاب وفصائل شيعية عراقية مسلّحة بعين الريبة للتحركات الأميركية السياسية والدبلوماسية والعسكرية داخل العراق والتي تتم من وجهة نظر هؤلاء القادة بقدر كبير من الحرية والثقة وانعدام الرقابة عليها.

ويخشى هؤلاء أن تهيئ الولايات المتّحدة المجال لحليفتها الأوثق إسرائيل لاختراق العراق مخابراتيا. وتزداد خشيتهم من أن يستخدم ذلك الاختراق في ضرب ميليشياتهم وتصفية قادتها حين تحين اللحظة المناسبة لذلك.

وتستند هواجس هؤلاء إلى نموذج تطبيقي عملي بشأن ما يمكن للأجهزة الاستخباراتية الأميركية أن تجمعه بسهولة من معلومات بالغة الدقةّ عن تحركات كبار قادة الميليشيات في العراق واستخدامها في الوقت المناسب.

ويتعلّق الأمر بقيام القوات الأميركية مطلع سنة 2020 بتوجيه ضربة دقيقة لموكب قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني والقيادي الكبير في الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس لدى خروج الموكب من مطار بغداد الدولي وقتلهما على الفور، وهي ضربة تطلبت دون شكّ عملا استخباراتيا واسعا ودقيقا قبل تنفيذها بشكل يضمن نجاحها بشكل مسبق.

وقال مصدر أمني عراقي طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية الموضوع، إن لدى بعض الأجهزة العراقية مؤشرات قوية على وجود نشاط استخباراتي إسرائيلي في الداخل العراقي.

ورفض المصدر ذاته الإدلاء بالمزيد من التفاصيل إلاّ أنّه كشف عن وجود ما يشبه القناعة لدى السياسيين والأمنيين بأن قضيّة الباحثة الروسية – الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف التي تمّ مؤخرا إطلاق سراحها في العراق هي قضية تجسّس لكن ما أفسد الأمر على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية العراقية ومنعها من العمل المعمّق على الملف وجعل السلطات تعجّل بجهود إطلاق سراحها لتجنّب المشاكل مع الجانب الأميركي الذي أظهر اهتماما بملف تسوركوف، هو دخول ميليشيا كتائب حزب الله على خط القضية ومحاولتها استخدام الباحثة التي كانت محتجزة لديها في المساومة والحصول على مكاسب بما في ذلك المكاسب المالية.

وأضاف المصدر موضّحا أن ما أذكى الشكوك بشأن قضية تسوركوف هو أنّ استخدام مظلة البحث العلمي لاختراق بعض الدول يعتبر من كلاسيكيات العمل المخابراتي والنشاط التجسسي.

وكانت تسوركوف قد دخلت العراق بجواز سفر روسي بهدف معلن وهو إجراء بحث في نطاق إعدادها لرسالة دكتوراه في جامعة برينستون الأميركية عن التيار الذي يقوده رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر، وهو الأمر الذي يعني عمليا غوصها مباشرة داخل أوساط الميليشيات والأحزاب الشيعية ما يفسّر الشكوك بشأن دوافعها وأهدافها والطبيعة الحقيقية لعملها.

وأصبح الاختراق الإسرائيلي لإيران مدعاة حذر شديد لدى الميليشيات العراقية وقادتها الذين تقول المصادر إنّهم باتوا يحيطون أنفسهم بإجراءات أمنية مشدّدة، بعد أن أسقطت الثغرات التي مكنت الإسرائيليين من التسرّب بقوّة إلى الساحة الإيرانية وتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب داخلها، دعاية ظلت إيران تروج لها منذ سنوات بشأن متانة جدارها الأمني واستعصائه على الأعداء.

وقال رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) دافيد برنياع مؤخّرا إن جهازه يملك قدرات عملياتية ممتازة، لاسيما داخل إيران وفي قلب العاصمة طهران.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، في بيان، إن برنياع أدلى بهذه التصريحات خلال حفل توزيع “جائزة رئيس الوزراء لعمليات الموساد” لعامي 2023 – 2024 الذي أقيم مساء الأربعاء بحضور بنيامين نتنياهو.

وفي معرض حديثه عما سماه الحرب ضد إيران، قال برنياع “في العام الماضي تحقق حدث تاريخي، ربما كان الأعظم على الإطلاق، ألا وهو عملية الأسد الصاعد بقيادة الجيش الإسرائيلي، وبالتعاون مع الموساد تمكنا من توجيه ضربة قاصمة للعدو الذي كان يشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل.”

وفي 13 يونيو الماضي شنت إسرائيل حربا مفاجئة على إيران استمرت 12 يوما سمتها “الأسد الصاعد”، وتخللتها ضربات متبادلة أسفرت عن المئات من القتلى والجرحى من الجانبين، قبل أن تعلن واشنطن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الـ24 من الشهر ذاته، وسط ادعاءات متبادلة بتحقيق النصر.

وخلال الحرب قالت طهران إنها استهدفت مقر الموساد ومحيطه في تل أبيب وألحقت به “أضرارا كبيرة”، وهي معلومات لم تؤكدها إسرائيل رسميا، وسط فرض رقابة مشددة على الخسائر التي لحقت بمواقعها الحساسة نتيجة الهجمات الإيرانية.

وتابع برنياع “نفذنا سلسلة عمليات مبتكرة، واحدة تلو أخرى، ونجح الجيش الإسرائيلي، أولا وقبل كل شيء، بقدراته الهائلة، والموساد إلى جانبه، في قلب موازين الحرب ضد إيران.” وأضاف “أثبتنا بالفعل أن إيران قابلة للاختراق، وأن الموساد يملك قدرات عملية ممتازة داخل إيران وفي قلب طهران،” حسب البيان. وأردف “سنواصل بناء وتعزيز قدراتنا في إيران، وسنفتح أعيننا داخل إيران على ما يحدث في دهاليزها، ولن نسمح للأفكار التي قد تضر بأمننا بالنمو.”

وتعليقا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والأمين العام لحزب الله سابقا حسن نصرالله في بيروت العام الماضي، قال نتنياهو “لم تكن عملية اغتيالهما بسيطة أو بديهية،” وفق بيان مكتبه.

وفي 31 يوليو 2024 اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحماس آنذاك إسماعيل هنية، في هجوم بالعاصمة الإيرانية طهران. كما اغتالت نصرالله في 27 سبتمبر 2024 بسلسلة غارات عنيفة استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت.

وبدأ مستوى الاستقرار الداخلي ومدى سيطرة الأجهزة الإيرانية على الوضع وحماية البلد من الاختراقات الخارجية يتحولان إلى مدار لتساؤلات الدوائر المهتمة بالشؤون الإيرانية ومصدر لقلق فئات من المجتمع، وذلك مع تواتر الأنباء عن اختراقات سيبرانية وتفكيك شبكات تجسسية وتوقيف الآلاف من عملائها، جنبا إلى جنب مع الإعلان من حين إلى آخر عن مواجهات محدودة بين القوات الأمنية ومسلحين.

وتأتي تلك الأنباء بعد أن كانت إيران قد تلقت “درسا” تطبيقيا قاسيا بشأن اختراق ساحتها الداخلية، وذلك خلال الحرب الأخيرة التي خاضتها ضدّ إسرائيل واستعانت الدولة العبرية خلالها بخلايا تجسسية نائمة ساهمت مع الانطلاقة الأولى للهجوم المفاجئ الذي شنته قواتها في تنفيذ عمليات تخريب واغتيال استخدمت في بعضها طائرات مسيرة انطلقت من داخل الأراضي الإيرانية ذاتها.

وكان نجاح الضربات الجوية الإسرائيلية في إصابة أهداف إيرانية عالية القيمة بحدّ ذاته دليلا على وجود أرضية استخباراتية إسرائيلية مهيأة ساعدت مسبقا في ترتيب الهجوم العسكري وتحديد أهدافه بدقة.

ولم يكن مثل ذلك الاختراق جديدا على إيران التي سبق لها أن خسرت بعضا من أبرز علمائها وخبرائها المسؤولين عن تطوير وإدارة برنامجها النووي خلال عمليات استخباراتية إسرائيلية نوعية شديدة الدقة والتعقيد.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

825 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع