بغداد/ إيناس طارق:أوقعت المصادفة او الحظ العاثر أبا منار الذي يسكن في منطقة سبع البور بمجموعة من المجرمين الذين جاءوا الى منطقته غازين لا ساكنين، حيث قاموا بالحصول على دار مساحتها 100 م2 كفصل عشائري بعد ان قاموا بقتل امرأه وابنتها في المنطقة لأسباب غير معلومة بعد ان سكنوا إحدى البيوت الفارغة التي هجرها أهلها.وهو مَن قام باخبار السلطات الامنية عن الحادث لأنه جار المجنى عليها ، ابو منار سائق سيارة أجرة التقيناه بالصدفة أثناء ذهابنا الى مكان العمل ولان الرحلة ،نعم الرحلة فالطريق يصبح بعيدا وطويلا بسبب الزحامات التي تسببها السيطرات الامنية وعندما علم طبيعة عملنا الصحفية قال سأقص عليكم حكايتي .
سلبيات عمل الخير!
لم أكن أعلم أن عمل الخير والإبلاغ عن الجريمة سيفقدني منزلي ويجعلني اسكن في احد البيوت العشوائية في منطقة حي السلام مقابل إيجار شهري قدره 75 الف دينار وكل ذنبي هو ابلاغ مركز الشرطة عن المجرمين الذين اقترفوا تلك الجريمة ،وما ان مرت ساعتان على البلاغ الذي قدمته ،حتى جاءت سيارة سلفادور يستقلها ضابط واربعة رجال يرتدون الزي العسكري (الشرطة) دخلوا البيت وحطموا جميع مقتنيات المنزل واعتقلوا (الخال) وهددوني بأخذ زوجتي وابني البالغ من العمر عشرة اشهر اذا لم أُقدم طلباً انكر فيه إبلاغي وأقول فيه إن البلاغ كان كاذباً ،والسبب كما يقول الضابط كيف تجرأت وابلغت عن المجرمين وهم ابناء عشيرة (.....) خرج الضابط وبصحبته خالي الذي اصبح لا يقوى على الوقوف بسبب الضرب المُبرح الذي تعرَّض له من قبل الجنود الذين يتلقون أوامر ضابط الشرطة وما ان بزغت شمس الصباح خرجت زوجتي لتستقل سيارة أجرة مع ابني والذهاب الى بغداد، وذهبت الى المركز قدمت طلب ابلاغ كاذب واني كنت غير متأكد من المجرمين وسأتحمل كل التبعات القانونية ان تكرر فعلي هذا مستقبلا ، يكمل أبو منار حكايته وهو يذرف الدموع ، اخذوا منزلي بتنازل مني بعد ان قاموا بضربي ما ان غادرت المركز مع خالي الكبير في السن ،وحذروني من الدخول الى منطقة سبع البور يوما من الايام ،واختتم ابو منار حديثه (فعل الخير اصبح جريمة تالي وكت !) يقولها ابو منار بمرارة.
القاضي يُنهي المحاكمة!!
وموضوع الفصل العشائري كثر في السنوات الاخيرة الحديث عنه والسبب كما هو معروف ضعف السلطات الأمنية التي تقف عاجزة عن إيجاد الحلول لكل التوترات والأوضاع الأمنية ،فقبل ايام عدة واثناء محاكمة احد المجرمين في محكمة الجنايات في محافظة ..... وهذا الحادث حقيقي ،حيث كان المتهم يقف امام القاضي الذي يعدد له جرائمه الخاصة بالقتل والتهجير والتسليب، صرخ المجرم بوجه القاضي قائلاً: سوف أُقاضيك عشائرياً إن قمت بمحاكمتي وسأنتقم منك فما كان من القاضي إلا أن طلب مداولة من مساعديه لدقائق لتؤجل بعدها القضية ويقدم القاضي اعتذاره عن الاستمرار بالمحاكمة !
غريبة عجيبة!
غريبة عجيبة قصة فصل بطلها (جُـرذ) وتقول القصة إن إحدى الفتيات بينما كانت تستحم دخل عليها (جُرذ) فارتبكت واضطربت اضطراباً شديداً ما أدى الى إصابتها بكسر في ساقها ، فما كان من أهلها إلا البحث عن (الجرذ) وتوصلوا الى ان (الجرذ) أتى من بيت الجيران ، وأكيد وبسبب (حُسن الجوار) لابد من (الفصل) وفعلا تم عقد مجلس عشائري وتم إنهاء الموضوع بعد دفع أهل (الجرذ) الى اهل الفتاة مبلغ (4 ملايين دينارعراقي) ،وبعد ايام اشترى والد الفتاة (سيارة) ولكن لسوء حظه انه في اليوم التالي دهس (جُرذ) بسيارته ، وكما يبدو ان العملية مخطط لها من قبل (الجار العزيز) الذي ثارت ثائرته وهو يصيح الثأر ، وفعلا تم عقد مجلس عشائري وتم فصل (الجرذ) بمبلغ (6 ملايين دينار عراقي) ، بمعنى ان صاحب الجرذ استطاع ارجاع مبلغ الاربعة ملايين مضافاً إليها نسبة فائدة قدرها (2) مليوني دينار عراقي!
تجارة مربحة
ومع شديد الأسف اصبحت الفصول تجارة لبعض العوائل التي اخذت تبحث عن اية مشكلة لكي تأخذ فصلاً على ابسط الأمور الحياتية والسبب في ذلك ضعف الدولة والقانون وعدم الاستقرار الأمني والسياسي في الحد من هذه الظاهرة التي اُستشريت في الأعوام الماضية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل تطور الموضوع ليصبح اشبه بالتجارة المربحة عند البعض حيث أوضح احد المواطنين ان بعض الاشخاص اتخذوها تجارة وعملهم الوحيد اصبح الدخول كطرف مطالب بالدِّية، وكلما تشاطر الطالب باستخدام عبارات وحوادث كوسائل ايضاح وتجارب مغمورين لأفراد عشائر آخرين كلما نجح في استحصال مبلغ اكبر، وعلـَّق الطبيب محمد ابراهيم يعمل في مستشفى الكرخ قائلاً:
اغلب الأطباء بدءوا يرفضون العمل في صالات الطوارىء بسبب تعرضهم للابتزاز وان أية حادثة تأتي إليهم وتنتهي بموت المريض سيكون نهايتها إجبار الطبيب على دفع فصل عشائري.
الدِّية لأهل المتوفى
وفعلا دفع الكثير أموالا كدية عن المتوفى برغم انه لم يكن الشخص الذي قتله أو أصابه بطلق ناري وغيرها ،كما إن إثبات تقصير الطبيب أو إهماله مسؤولية اللجان التحقيقية الفنية المختصة التي من شأنها تحميل الطبيب المسؤولية الأخلاقية والجزائية حال ثبوت إهماله أو تقصيره، بينما اكد طبيب آخر رفض ذكر اسمه على حد تعليقه خوفاً من الفصل العشائري أن وثيقة حماية الأطباء من التهديد العشائري التي وقعها وجهاء مدينة الصدر هي أكبر دليل على ما يتعرض له الاطباء هناك، مدفوعين بتراجع الخدمات الطبية في المدينة ،ولكن تهديد الجماعات المسلحة قد انحسر بشكل كبير، وتراوح عدد الأطباء الذين هاجروا من العراق على مدار السنوات القليلة الماضية ما بين ألفين وثلاثة آلاف طبيب وهو ما أثر بشكل سلبي ليس على عمل الوزارة فحسب، بل حتى على سير الدراسة في الكليات الطبية علما أن المؤسسات الطبية التي كان يشغلها هؤلاء الأطباء أُغلقت تماما بسبب الهجرة ، أما تقارير نقابة الأطباء فتشير إلى أن عدد الأطباء الذين اضطروا إلى الهجرة زاد على الألفين، الأمر الذي يُفاقم الآثار الاجتماعية- الاقتصادية الآنية والبعيدة المدى لهذه الهجرة، ويسهم بشكل مباشر في تراجع الخدمات الصحية في العراق.
سطوة العشيرة على القانون
وذكر معـن حسون 35 عاما من سكنة مدينة الصدر ان شجاراً وقع بين صبية امام منزلنا وتبادلوا اللكمات فيما بينهم ، اذ قام ابني بضرب احد الصبية الذين هم مَن قاموا بمهاجمته في أنفه ومن ثم قام أهالي المنطقة بفض الشجار في ما بينهم .
وبعد مرور يوم واحد فقط ارسل ذوو الشخص الذي اُصيب بالشجار تهديدا (الكوامة ) اذا لم نقم بإرسال وجهاء العشيرة (أخذ عطوة منهم) فإنهم سيقومون بمهاجمة المنزل بالأسلحة الخفيفة "موضحاً ان "الأجهزة الأمنية والقضاء لا يتدخل في هذه الامور بحجة انها تقاليد عشائرية لا يمكن تجاوزها وتراه عاجزاً امام تلك الامور العشائرية التي بعضها مخالف للقانون "لافتا الى انه (لدفع الشر ارسلنا وجهاء العشيرة لمعرفة اسباب ارسال التهديد اتضح ان ابنهم كان مصاباً في أنفه وادَّعوا أنه مكسور وطلبوا منا فصلا مقداره 20 مليون دينار، وبعد مفاوضات معهم تم تخفيض الفصل الى المليون مع امرأة في حالة تعرض الشاب الى انتكاسة في المستقبل أي ضمان له "مضيفا ان مثل هكذا امور في السابق كانت تحل في الصلح فقط بين الطرفين لاسيما وانهم اولاد منطقة واحدة ولكن اليوم اصبح كل شيء معرضاً للفصل ".
الشرطة تُخلي الجثث
وما حدث في منطقة الشرطة الرابعة قبل اسابيع عندما قام سارق نعم سارق قناني الغاز بطعن صاحب المنزل الذي قام هو ايضا بضربه بسكين اثناء محاولته الهروب من سياج الدار،واذا به يهرع السارق وفي منتصف الليل ويقوم بجمع شباب من عشيرته، ويأتي ويطرق الباب على صاحب الدار ليخرج مع أولاده وتتحول المشاجرة الى استخدام جميع انواع السلاح الأبيض ليُقتل ابن صاحب المنزل، وآخر من عشيرة السارق وبعد إبلاغ الجيران القوات الامنية عن المعركة والخوف من امتدادها اليهم ،جاءت القوات الامنية مشكورة بسحب الجثتين وعدم التدخل لأن (الكوامة) بين السارق والمسروق هي القانون وصار هناك لقاء بين العشيرتين ،وفض النزاع عن طريق الفصل العشائري وبعد تهديد العشريتين ان دم أولادهم لن يضيع هدراً، لكون ليس من حق الشرطة ولا الحكومة التدخل وان الحل سيكون بيد العشيرة،وفعلا حضر مجموعة من رجال الأمن الفصل العشائري وطيحوا لخاطر (جيتهم) خمسة ملايين لكن دوسة (الكاع) استلمها صاحب الدار من اهل السارق 3 ملايين وقتل ابنه 7 ملايين وعشيرة السارق 5 ملايين فقط ،ونحن نعلق بدورنا لو أن صاحب الدار تغاضى عن السرقة لما حدثت كل تلك الخسائر؟!
الفصل العشائري ربح مضمون
يقول المحامي منتصر حسن إن الفصل العشائري اصبح لبعض العشائر تجارة وربحاً مضموناً وتبحث عن اية مشكلة من اجل مقاضاة عشيرة، ومن امثلة ذلك مشاجرة بين طفلين في احدى المناطق الشعبية والد الطفل الذي تعرض الى الضرب المبرح كان مسالما وحاول تهدئة الامور بالذهاب والاعتذار من عائلة الطفل المعتدي، خوفا من عائلته لأنهم معروفون بتعظيم الامور والمطالبة بالفصل العشائري حتى لو اعتدى ابنهم، ولانه كان مهجَّر ولا يمكن ان يجمع عشيرته في يومين حسب المهلة التي فرضته عائلة الطفل المعتدي ،لم يكن منه إلا ان قام بتأجير كبير (الكُعدة) وبسعر150 الف دينار ومساعديه 50 الف دينار في الساعة، واذا تمدد وقت الفصل تزيد أجورهم وهو استدل عليهم لأنهم يجلسون في احدى المقاهي في المدينة ويعلقون اسعارهم.. ويؤكد حسن في حديثه انهم يمتازون بسرعة البديهية والتمثيل اضافة الى البلاغة في الكلام فهم اشخاص متمرسون على هذا العمل لسنوات عدة.
القانون: المادة 45 ترفض الأعراف العشائرية
القانون والمادة 45 من الدستور تؤكد رفض جميع الأعراف العشائرية التي لا تتفق مع القانون للمواطن الذي اضطر الى دفع فصل عشائري بالإكراه او التهديد او اية وسيلة غير قانونية القيام بدعوى قضائية يطالب فيها بحقوقه التي أخذت منه) وان (عقوبة مَن يُجبر احداً على دفع فصل بالإكراه او التهديد تصل الى الحبس او الغرامة المالية) و(القانون لا علاقة له بالفصل بالنسبة للاشخاص الذين ارتكبوا جريمة ما، حتى وان تنازل الطرف الثاني لأنه يبقى الحق العام الذي قد يُراعي تنازل الطرف الثاني في القضية عند إصدار الحكم).
الوردي: العراقي شخصية تعاني من الإزدواجية
كتب أستاذ علم الاجتماع علي الوردي عن الشخصية العراقية انها شخصية تعاني من الازدواجية وتحمل قيم متناقضة هي قيم البداوة (أي العشيرة) وقيم الحضارة بالرغم من أن البداوة والحضارة تتعاكس فيهما الكثير من القيم الاجتماعية، وان القيم البدوية تستفحل او تتقلص تبعاً لضعف الدولة أو قوتها.
ووصف الوردي هذه الحالة بظاهرة المــد والجزر. وان مشكلة العراق انه حين ينحسر عنه المـد البدوي لا يستطيع ان يتكيف للحضارة سريعا ويبقى متمسكا بقيمه البدوية زمنا يقصر او يطول تبعاً للظروف وخلال هذا الزمن يحدث الصراع بين القيم الجديدة والقديمة وقد تظهر جراء ذلك مشكلات اجتماعية لا يُستهان بها.
846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع