عندما فكرت في كتابة 'خريف آهورا' قررت أن أكتب شيئا يجعلني سعيدة
كتابة الشعر وكتابة الرواية، كلاهما اليوم يعاني من رحى النشر والوصول إلى القارئ، ثم لنا أيضا تضخم النتاج السردي خاصة، حيث أن بعض الكتاب ارتحلوا إلى السرد إما طلبا لقراء أكثر، وإما طلبا لجوائز باتت تمثل معايير ومحرارا للأدب العربي اليوم، على ما في ذلك من تكبيل للعملية الإبداعية بمعايير ضيقة. “العرب” التقت الكاتبة السورية أمينة بريمكو وكان لنا معها هذا الحوار حول هذه القضايا التي تحاصر الأدب العربي اليوم.
العرب حنان عقيل:القاهرة - أمينة بريمكو، كاتبة سورية، من مواليد عفرين 1969، لها مجموعة قصصية بعنوان “لقيطة الأرصفة”، نشرت عام 2007، وصدرت لها مؤخرا رواية “خريف آهورا” عن جماعة (أنا/ الآخر) في القاهرة، فبراير 2015.
عملت بريمكو في مجال الصحافة، ونشر لها عدد من التحقيقات الصحفية البارزة مثل “عمالة الأطفال في سوريا”، فضلا عن مراسلتها لعدد من الجرائد البارزة، ونشر العديد من المقالات والقصص القصيرة.
شاعرية اللغة
في روايتها الجديدة “خريف آهورا” اعتمدت الكاتبة على الأساطير القديمة في نسج أحداث روايتها، وعن السبب وراء اختيار هذه التيمة في أول أعمالها الروائية، وما تطلبته من مجهود بحثي كبير، تقول بريمكو: أنا قارئة ممتازة، وهذا لعب دورا جيدا في “خريف آهورا”، فلا توجد سوى الشخصية الرئيسية، حيث يقع على عاتقها أن تحرك نصا أدبيا لا علاقة له بالحياة اليومية. ودون الحياة اليومية يتخذ النص طابعا فكريا بحتا. كان على “أريانا” -بطلة الرواية- أن تخيط ثوبا يعتمد على قوة الفكرة.. حقيقة كانت الأفكار تتدفق من مخزوني كقارئة بشكل تلقائي، وأعتقد بأنني أجدت توظيفها توظيفا يناسب محور النص.
توضح بريمكو أن روايتها تعتمد على محورين أساسيين، الأول يتعلق بقصة حب من طرف واحد، والثاني يتعلق بقدسية العلو وعلاقة ذلك بحياة الكرد، وبالتالي كان لا بدّ من ذكر تاريخ الكرد بما أن البطلة تلومهم طوال الوقت بأنهم سبب هزائمهم الدائمة، لأنهم خانوا الجبال وهجروها، فلولا الجبل لما كانت هناك أصلا قصة، جبل “ليلون” هذا الجبل الذي يقع شمال سوريا حيث أقيمت فوق قمته أقدم إمبراطورية كردية منذ ثلاثة آلاف سنة. فبما أن المكان كان جبلا كرديا، فالتفاصيل التي ذكرتها البطلة المتعلقة بالأكراد كانت منطقية ومحببة.
وعن غلبة اللغة الشاعرية على الرواية بشكل قد يراه البعض طاغيا على غيره من عناصر السرد، أوضحت بريمكو أنها عندما فكرت في كتابة “خريف آهورا” قررت أن تكتب شيئا يجعلها سعيدة. مستطردة: “لا يوجد شيء في الحياة يفرحني كما الكتابة، ومنذ الفصل الأول كنت مصرّة على أن لا أفكر في أي نوع أدبي وأنا أكتب، كلما كتبت فصلا كانت الحيوية تتدفق من روحي كساقية خجولة وسط غابة عذراء. كنت أفكر أن العالم مليء بالروايات الجميلة فلماذا لا أستمتع بإسعاد روحي، لا بدّ أن يكون هناك قراء أذكياء يريدون الاستمتاع بنوع مختلف يعتمد على حواس اللغة، في كثير من الأحيان كنت أشعر بأن بعض المقاطع لها رائحة وملمس ومذاق”.
وبسؤالها عن مدى وجود رغبة لديها في خوض غمار الشعر، خاصة وأن لديها لغة شعرية مميزة، ظهرت بشكلٍ واضح في عملها الروائي، تقول بريمكو: حقيقة أنا أحيا من خلال الشعر، حياتي اليومية مع أولادي، مع الشجر والشوارع والسماء والحجر. فقط عندما أنام أنفصل عن الشعر، و”خريف آهورا” كان أكبر تحدّ لي كامرأة لغتها الأم هي الكردية، ولكن موسيقى اللغة العربية كانت دليلا على مدى حبي واحترامي للغة العربية.
فن متكامل
في رواية “خريف آهورا” التي تعدّ التجربة الروائية الأولى للكاتبة، تتحدّى بطلة الرواية “أريانا” ظروفها ومشاكلها بقوة وإصرار، وعن مدى تشابه شخصيتها مع بطلة روايتها، قالت بريمكو: حقيقة كانت “أريانا” تشبه طائر الشوك الأسطوري، فمنذ اللحظة التي يقوى فيها على الطيران يهجر عشه، ليبحث عن غصن شائك، ولا يهدأ حتى يجده، وعندما يعثر عليه يغرز في قلبه إحدى أطول أشواكه ويبدأ غناء باذخ الجمال، ولا يتوقف حتى يستنزف آخر قطرة من دمه، ثم تنتهي أنشودته، ببساطة يموتُ والعالم كله يطرب لأغنيته، ولا يهمه أنه مات، ما يهمه أنه غنى أحلى أغانيه. أستطيع أن أقرب لك الصورة أكثر..”أريانا” هي تلك اللوحة الجميلة لمنظر شلال هادر، هي من اختراع شهية فنان، بينما أنا أشبه ذاك الشلال الذي استلهم منه الفنان لوحته. أنا ذاك الماء البارد الذي يتساقط بقوة فوق الصخور.. أنا موسيقى الطبيعة الحقيقية. أريانا كانت راقصة باليه تغازل الموت بينما أنا أغازل الحياة لأسعد نفسي ومن حولي.
وأكدت بريمكو أنها دوما تفكر في القارئ أثناء كتابتها لنص أدبي جديد، موضحة “لم أكتب جملة إلا وكان لدي هاجس قوي بأن القارئ أذكى مني، لذلك انتظرت خمس سنوات حتى قمت بطباعة الرواية، ولأنني أحترم القارئ كثيرا.
وفي ما يتعلق بالحديث الشائع في الأوساط الأدبية عن هيمنة الجنس الروائي على غيره من الأجناس الأدبية، أشارت بريمكو إلى أنها ترى الفن الروائي فنا متكاملا، فهو من يصف الأمكنة ويحرك الأشخاص ويتحدث بدلا منهم، ومن وظيفته أن يصور لك الأشياء والكائنات. ببساطة هو صناعة الحياة من خلال الكلمات، وهنا تكمن أهميته. كما أن الرواية الناجحة تستطيع أن تؤرخ الواقع وتجعله أكثر احتمالا. رغم ذلك لو خيروني بين رواية متوسطة المستوى وبين ديوان جيد أو قصة قصيرة جيدة بكل تأكيد سأختار قراءة ديوان جيد أو قصة جيدة. لذلك لست مع فكرة المقارنة حتى لا نظلم جنسا أدبيا على أخر.
وفي ما يتعلق بالاهتمام الخاص بالجوائز الأدبية في العالم العربي، ودورها في التعريف بالكاتب الجيد، تؤكد بريمكو أن الأمر يعتمد بشكل أساسي على أهداف الكاتب، قائلة “ماذا أستفيد مثلا لو فازت روايتي بجائزة وفي نفس الوقت لم يقرأها أحد؟ تصوري مثلا عشرة أشخاص عليهم تقييم عملك ومن خلال هؤلاء الأشخاص سيتم تصنيفك ككاتب جيد وسيبدأ الناس في قراءة روايتك، لكن لنعترف بأنها وسيلة ممتازة للتعريف بالكاتب”.
واستطردت “الكثير من الكتاب قرروا أن يكتبوا للحصول على جائزة وهذا الأمر مضحك، فكل كاتب لديه أدواته التي هي في الأغلب أدوات لها علاقة بالإلهام أو أرضيته الثقافية. حقيقة كلنا نعرف بأن هناك فنا روائيا عظيما سواء على المستوى العالمي أو على المستوى العربي، وأصحاب هذه الروايات لم ينالوا أية جوائز″.
وتلفت بريمكو إلى أنها كانت تتمنى أن تتعرف الأوساط الثقافية على روايتها “خريف آهورا”، ولكن الظروف السياسية في كل العالم وليس فقط في الوطن العربي ظروف قاسية، وكل يوم الأوضاع تتراجع في ظل هكذا ظروف بشكل تلقائي، والفنون بكافة أشكالها تهمش. كما أنني بعيدة عن الأوساط الثقافية، أعيش في بلدة صغيرة في أقصى القطب الشمالي. بالتأكيد لم تنل روايتي حظها الوافر من النقد لكنني سعيدة بردود أفعال القراء.. حقيقة كل من قرأ روايتي كأنه أهداني العالم برمته. هؤلاء القراء هم من كتبت لهم وسأكتب لهم مرة أخرى.
1004 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع